رأسي هذا الصباح يموج بأفكار كثيرة متشابكة تدفعني دفعا للكتابة عن القصص. والسبب في ذلك قصة قرأتها مؤخرا. اما القصة فقد نشرت في جريدة ربما لعنصر الطرافة فيها. فقد اصيب امريكي بحادث ادي الي بتر احدي ساقيه. وبعد فترة انتصرت ارادة الحياة علي سلبية الرثاء للنفس وقرر صاحب الساق المبتورة ان ينفق كل ما جمعه من مال وقدره ثلاثين الف دولار علي شراء ساق صناعية تعينه علي استئناف الحياة بصورة شبه طبيعية. واشتري الساق بالفعل من شركة متخصصة في بيع الاطراف الصناعية وعادت حياته كما كانت من قبل الي الدرجة التي شجعته علي السباحة في المحيط.
غير ان رياح المحيط لم تأت بما يشتهي السباح. وبسبب قوة الامواج انفصلت الساق الصناعية عن جسم السباح وحملها الموج الي القاع في مكان قريب من خليج المكسيك.
وعاد الرجل الي سابق حياته بساق سليمة واخري مبتورة. ومرت شهور وخرج شخص آخر لا تربطه اية صلة بصاحب الساق ليمارس هواية صيد الاسماك من قارب صيد حمله الي عرض المحيط. ورمي بشبكته او بصنارته وانتظر. وخرج صفر اليدين. واعاد الكرة عدة مرات الي ان شعر بثقل كبير اوحي اليه بأنه اصطاد درفيلا او سمكة قرش كبيرة او ثروة سمكية سوف تغنيه . وبدأ في جذب الشبكة الي اعلي بكل ما أوتي من عزم. وتفصد العرق من جبينه وراودته الظنون والاحلام الي ان رفع صيده الي داخل القارب. وهنا كانت المفاجأة فلا درفيل ولا قرش وانما رقدت في قاع الشبكة ساق صناعية من الوزن الثقيل. فابتسم صاحبنا ابتسامة سخرية واستسلام . ثم جلس ليفحص صيده ويتساءل كيف وصلت تلك الساق الصناعية الي قاع المحيط؟ وبينما هو ينظر اليها بامعان لاحظ اسم الشركة المصنعة مطبوعا بداخل الساق من أعلي وقرأ الي جوار الاسم رقما تسلسليا .
وما ان عاد الي بيته حتي دفعه الفضول الي الاتصال بالشركة للاستفسار عن الساق. ومن خلال الرقم التسلسلي تعرفت الشركة علي مالك الساق وتم الاتصال به واعيدت اليه ساقه الضائعة.
لو شئت لكتبت الاف الكلمات عن مغزي تلك القصة وعن العبرة المستوحاة منها وعن تدابير القدر ولكنني اكتفي بذكر القصة وأترك للقارئ استخلاص معني وعبرة .
أعترف انني انفعلت بتلك القصة كثيرا قدر انفعالي بقصص اخري سمعتها . وأعترف ايضا انني كثيرا ما اعيد قراءة قصص القرآن الكريم ويحلو لي التفكير في معانيها. وتحضرني الان قصة الخضر التي لا انفك اقرأها واعيد قراءتها ربما لأني اميل الي الايمان بأن لكل شيئ سببا واننا لو اطلعنا علي الغيب لاخترنا الواقع.
افكر كثيرا في قصة سبأ وفي قصة امرأة العزيز ويوسف الصديق وقصة طالوت وجالوت وقصة قارون وقصة لقمان وترهبني قصة اصحاب الفيل وتدهشني قصة اصحاب الكهف وتضحكني ماقالته النملة لصويحباتها عن سليمان.
ولعل علاقتي بالقص بدأت وانا بعد طفلة حين قص علينا معلم الدين ان عبدة الاصنام قبل الاسلام كانوا يصنعون الهتهم بأيديهم . وقال ان احدهم صنع لنفسه الها من التمر ثم جلس امام صنمه يتعبد له. وبعد فترة مسه جوع فلم ير ضيرافي ان يلتقط حبة تمر من جسم الهه ليأكلها فيسد بها جوعه. واتذكر عيني الاستاذ وهو ينظر الينا ليري وقع القصة علي وجوهنا فيزم عينيه في ابتسامة دالة.
لا اجد خاتمة لكلماتي اليوم ادل من نقاش دار بيني وبين شقيقي الطبيب الذي عنفني ذات يوم لشغفي بالقص والقصص وقال ان الطبيب يداوي المرضي ويخفف الالام اما القاص فيضيع وقته وجهده هباء. صمت احتراما للاخ الكبير ولسان حالي يقول انني كثيرا ما اجد في القص شفاء للعقل والنفس والروح.
فوزية سلامة