لابد أن يجني هذا العمل
الذي أراد به وجه الله والدار الآخرة"[1].
وهذا يعني أن تحرصي على الأحتساب.ولا تنسي كذلك أجر
احتساب النية الصالحة الذي لا يضيعه الله أبدا حتى وإن لم تتمكني من أداء العمل
الصالح الذي تنوي القيام به!! " إن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ولكنه
حبسه عنه حابس فإنه يكتب له الأجر، أجر ما نوى. أما إذا كان يعمله في حال عدم
العذر، أي: لما كان قادرا كان يعمله ثم عجز عنه فيما بعد فإنه يكتب له أجر العمل
كاملاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له
ما كان يعمل صحيحا مقيما"[2].فمثلا إذا كان من عادته
أن يصلي تطوعا ولكنه منعه مانع،ولم يتمكن منه فإنه يكتب له أجر كاملا.أما إذا كان ليس من
عادته أن يفعل فإنه يكتب له أجر النية فقط دون أجر العمل. ولهذا ذكر النبي عليه
الصلاة والسلام فيمن أتاه الله مالا فجعل ينفقه في سبيل الخير وكان رجل فقير يقول
لو أن لي مال فلان لعملت فيه عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"فهو بنيته فهما في الأجر ســواء"[3].أي سواء في أجر النية
أما العمل فإنه لا يُكتب له أجره إلا إن
كان من عادته أن يعمله"[4].إن تعويدك نفسك على
احتساب الأعمال خير على خير... فمن فضل الله ورحمته بعباده أنه ]من كان من نيته عمل الخير، ولكنه اشتغل بعمل آخر أفضل منه، ولا يمكنه الجمع
بين الأمرين: فهو أولى أن يكتب له ذلك العمل الذي منعه منه عمل أفضل منه، بل لو اشتغل
بنظيره وفضل الله تعالى عظيم[[5]. لماذا من المهم أن تحتسبيالأجر
في كل شيء؟.. 1)
حتى تحققي الغاية التي خلقت من أجلها، لأن خروجك إلى
الحياة حدث عظيم ترتب عليه أمور كُلفت بها وتحاسبين عليها... لذلك "فإنه
ينبغي للمسلم أن يكون همه وقصده في هذه الحياة تحقيق الغاية التي خلق من أجلها، وهي
عبادة الله تعالى، والفوز برضى الله ونعيمه، والنجاة من غضبه وعذابه، وأن يحرص،
على أن تكون نيته في كل ما يأتي وما يذر خالصة لوجه الله تعالى سواء في ذلك الأمور
والعبادات الواجبة أم المندوبة، أم المباحات، أم التروك فحينئذ تتحول المباحات إلى
عبادات ويثاب على تركه للمحرمات، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة..."[6].يارقة الندى...إن حرصك على احتساب الأجر في جميع أمورك سوف يجعلك في عبادة مستمرة لا
تنقطع فتكونين ـ بإذن الله ـ قد قمت بما خلقك الله له، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذريات:56) .
2) الاحتساب مهم
جداً لأنه سوف يميز عباداتك عن عاداتك... "ولابد أيضا أن يميز العادة عن العبادة،
فمثلا الإغتسال يقع نظافة أو تبردا، ويقع عن الحدث الأكبر، وعن غسل الميت، وللجمعة
ونحوها، فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب... فالعبرة في ذلك كله
على النية"[7].3) أنت بحاجة ماسة كذلك
إلى احتساب النية الصالحة لأن جميع الأعمال مربوطة بالنية قبولا وردا وثوابا وعقابا، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". الآن... ألا يبدو لك الأمر مهما وخطيرا؟...
إذن. هيا لنحتسب كلنا...يا زهرة البداري... قد تزهدين في العمل الصالح أحياناً...!بمعنى أنك لا تجدين
حماسة له، ولربما كان السبب في ذلك أنك لا تعلمين أهمية هذا العمل ولا الثواب
المترتب عليه، أو أنك تجهلين أن بعض الأعمال البسيطة قد تبلغ بك المنازل العالية
فتستهينين بها...!وفي الغالب يُفسر ذلك
كله بعدم وجود الاحتساب في حياتك...فلربما لا تدرين ما هو
الاحتساب؟ ولا ماذا تحتسبين؟. وقد تشعرين عندما
تقومين ببعض الأعمال الصالحة بوجود من ينكر عليك ويقول لك: لا تتبعي نفسك... يكفي
ما قمت به سابقاً... لماذا كل هذا المجهود؟ الأمر لا يستدعي ذلك... لا تحرمي نفسك فأنت
ما زلت شابة... إلخ.سبحان الله! وهل العمل
إلا في الشباب؟.لو علم هؤلاء أنهم هم
المحرمون، وأنت من يقول لهم: كفى... كفى أريحوا أنفسكم من اللهو والعبث... ولا
تتعبوها بالغفلة... وارحموها من حمل أثقال المعاصي المتراكمة...أما إن كان ما تقومين
به من أعمال صالحة فيه منفعة للآخرين كقضاء حاجات المسلمين من أقارب وأخوات في
الله والتودد إليهم، فستسمعين من ضعيفات الإيمان عبارات من نوع:إنهم لا يستحقون ما
تفعلينه لأجلهم... في كل مرة تساعدينهم وهم لم يساعدوك مرة واحدة... هل سبق أن
قدمت لك فلانة هدية حتى تهديها تلك الهدية القيمة؟... إلخ.وكأننا خلقنا لنعمل من
أجل الناس!فإن أرضونا تفانينا في
الإحسان لهم، وأن أغضبونا تفانينا في الإساءة إليهم!...إذا ماذا بقي
للآخرة؟... ما الذي ستجدينه في
صحيفتك إذا كانت أعمالك كلها منصرفة للبشر حسب علاقتك الشخصية بهم وليست لله
وحده!...إن الأيام لتذهب سريعاً
فلا تفاجئي بخلو صحيفتك من الأعمال التي تبتغين بها وجه الله...أشعرت ـ عزيزتي ـ بأن
هناك من يزهد جدا في العمل الصالح، بل ربما يعتبر بعض الأعمال الصالحة ضعفا ومهانة
! كالعفو والحلم مثلا... !لأجل ذلك كله كان
الحديث عن احتساب الأجر أمرا نحتاج إليه... ما الأمور التي تدفعك للحرص على احتساب الأجر في أعمالك كلها؟ 1)
سرعة مرور الوقت وهذا يعاني منه الجميع فاستغلي الدقائق قبل الساعات
وقد قيل: (أمسك الذي
مضى عن قربه، يعجز أهل الأرض عن رده).2)
موت الفجأة {قُلْ إِنَّ
الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ
إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ} (الجمعة:3)
تغير الأحوال من صحة إلى مرض... ومن غنى إلى فقر... ومن أمن
إلى خوف... ومن فراغ إلى شغل... ومن شباب إلى شيخوخة... ومن حياة إلى موت... !4)
لأنك محتاجة إلى أعمال كثيرة تثقلين بها
ميزانك، فالإنسان سرعان ما
يفسد أعماله الصالحة بلسانه من كذب وغيبة ونميمة وسخرية... وهل يكب الناس في النار
على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم، فقد تأتين يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فتجدين
لسانك قد هدمها عليك... فلا تكوني ممن لهن النصيب الأكبر من ويلات اللسان... فما
أحوجنا إلى حسنة واحدة يثقل بها الميزان...5)
استشعري التقصير والتفريط في جنب الله {أَنْ تَقُولَ
نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ
لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (الزمر:56). 6)
الخوف من الله.. {وَأَنْذِرْ بِهِ
الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ
وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الأنعام:51).
إن الخوف من الله دافع قوي للعمل الصالح عموما.
7)
الرغبة في حصول الأجر والثواب... قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ} (العنكبوت:58).
أن فرصة العيش في الحياة الدنيا واحدة لا
تتكرر لتعويض ما فات... {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ
لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر:58). ومع
أنها فرصة واحدة إلا أنها تنقضي بسرعة أيضا... !، فعندما تجلسين عند جدتك وتقولين
لها: احكي لي قصة حياتك خلال الستين سنة الماضية فستحكيها لكي في ساعة أو
ساعتين!... أين
ذهبت تلك السنون الطوال؟!... لا شك
أن الحديث عنها سينتهي في يومين على أكثر تقدير...! قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا
إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ...} (يونس:45). "أي اذكر يوم نحشرهم {كأن لم يلبثوا} في الدنيا {إلا
ساعةً من نهار} أي شيئا قليلا منه، استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا
أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم، أو استقصروها للدهش والحيرة، أو لطول
وقوفهم في المحشر، أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن. وجملة
{يَتَعَارَفُونَ بَينَهُم} أي يعرف بعضهم بعضا،
وذلك عند خروجهم من القبور، ثم تنقطع التعارف بينهم لما بين أيديهم من الأمور
المدهشة للعقول المذهلة للأفهام، وقيل إن هذا التعارف هو تعارف التوبيخ والتقريع،
يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتيني وأغويتني لا تعارف شفقة ورأفة..."[8]. ما فوائد الاحتساب؟ هل تعلمين أنك عندما تحاولين احتساب الأجر في جميع
أعمالك، قد حصلت لك فوائد عظيمة لا تتوفر عند من لا تهتم بالاحتساب! إن لم تمانعي
فسأسردها عليك...فوائد الاحتساب:1.
"دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.2.
الفوز بالجنة والنجاة من النار. 3.
حصول السعادة في الدارين.4.
الاحتساب في الطاعات يجعلها خالصة لوجه الله
تعالى وليس لها جزاء إلا الجنة.5.
الاحتساب في المكاره يضاعف أجر الصبر عليها.6.
الاحتساب يبعد صاحبه عن شبهة الرياء ويزيد في
ثقته بربه.7.
الاحتساب في المكاره يدفع الحزن ويجلب السرور
ويحول ما يظنه الإنسان نقمة إلى نعمة.8.
الاحتساب في الطاعات يجعل صاحبه قرير العين
مسرور الفؤاد بما يدخره عند ربه فيتضاعف رصيده الإيماني وتقوى روحه المعنوية.9.
الاحتساب دليل الرضا بقضاء الله وقدره ودليل
على حسن الظن بالله تعالى.10. علامة على صلاح العبد
واستقامته.11. إتباع للرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم"[9].12. أراك دائما تحرصين أن
تكوني من الناس.. وهذا شيء طيب ولكن.. ليكن طموحك أعلى..
فحب أهل الأرض وحده لا يكفي!.. كما أنه غاية صعبة المنال إلا إذا..
أحبك أهل السماء!!..
تقولين: كيف؟..
أقول لك: عليك بالاحتساب فهو عمل صالح.. والمداومة عليه تجعل حياتك كلها طاعات..
والطاعة طريق موصل إلى محبة الله..
وإذا أحبك الله، أحبك أهل السماء ووضع لك القبول
في الأرض.. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: "إن
الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم
ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع
له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه،
فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال فيبغضونه،
ثم توضع له البغضاء في الأرض"[10].13. بالاحتساب تؤدين شكر
النعم.. لأن الاحتساب طاعة.. ومن شكر النعم العمل بالطاعات.. والله يجازيك على
شكرك للنعم بأن يزيدك من الطاعات.. فيعينك عليها وييسرها لك.. ويحببها إلى قلبك
فتجدين الأنس والمتعة في عملها.. فيسهل عليك أمر الاحتساب وغيره... فقد "قال:
الحسين ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ} قال: أي من طاعتي"[11].14. إن التي تحتسب الأجر من
الله في أعمالها لا تتأذى ولا تتأثر من عدم شكر الناس لجهودها الطيبة معهم وعدم
تقديرهم لما تقوم به من أجلهم، لأنها لا ترجو من الناس جزاءا ولا شكورا إنما تبتغي
بذلك وجه الله فهي هادئة البال مطمئنة النفس حتى وإن قوبل إحسانها بالإساءة فما
دام أن مبتغاها قد تحقق فلا يضيرها ما وراء ذلك لأن لا مطلب لها فيه أصلا.15. الاحتساب في التروك ـ
ترك المعاصي والمحرمات ـ طاعة تثبت قلبك وتقوي عزيمتك لأن ترك المعصية ـ مع قدرتك
عليها ـ لوجه الله يجعلك تتلذذين وتسعدين بتركها لأنك ترجين أجر امتثالك لأمر الله
ووقوفك عند حدوده تبتغين بذلك ثواب التقوى والخوف من الله {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن:46). "والذي خاف ربه وقيامه عليه فترك ما نهى
عنه، وفعل ما أمر به، له جنتان من ذهب، آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما،
إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات والأخرى على فعل الطاعات"[12].16. إن المحيط الصغير الذي
تعيشين فيه سيكتسب منك هذا الخلق الحسن ـ الاحتساب ـ لأنهم سيشعرون به ويعايشونه
واقع حيا أمامهم مما يجعل له أثرا عميقا في أنفسهم، وأقصد هنا أهلك وزوجك وأولادك
وغيرهم ممن تحتكين بهم إحتكاكا مباشرا ومستمرا كمحيط العمل مثلا... فتكونين بذلك
دعوت عمليا إلى هدى، فلك أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة بإذن الله...17. من فوائد الاحتساب التي
تجنينها في الدنيا مع ما يدخر لك من الثواب في الآخرة، أنك إذا جعلت همك رضا الله
والتقرب إليه باحتساب العبادات المختلفة فإن الجزاء من جنس العمل، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "...
ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا
إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل الله غناه في قلبه،
وأتته الدنيا وهي راغمة"[13].وما ظنك بمن تحتسب الأجر من الله في كل شيء أليست ممن كانت الآخرة نيته؟...
وإن لم تكن هي فمن؟!إنه قلب عاش وتنفس يستشعر العبادة في جميع سكناته وحركاته يطلب ثوابها من
الله فسره وشرحه من خلقه ويسر له أمر دنياه وأخراه.. فاجعلي الآخرة همك.. تصبحين
وتمسين تفكرين: كيف أرضي ربي؟ ماذا سأفعل اليوم؟...18. الاحتساب يزيدك رفعة
عند خالقك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "... إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي
به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة... "[14].19. عندما تعتادين المداومة
على احتساب العمل الصالح فستربحين مثل أجور أعمالك عندما لا يمكنك القيام بها لعذر
شرعي... لا تتعجبي!... فإن فضل الله واسع... قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما
كان يعمل صحيحا مقيما"[15].هل تحمست لذلك؟... قال عمر بن الخطاب رضي
الله عنـه: "أيهـا النـاس،
احتسبوا أعمـالكم، فـإن
من احتسب عمله، كتب
له أجر عمله وأجر
ماذا تحتسبين في الدعوة هل فكرت يوما أن تكوني (دليل خير) للأخريات؟أعتقد أن هذا العمل سيدخل السرور إلى قلبك، وستشعرين خلال قيامك به بانشراح
كبير في صدرك يدفع ذلك الملل والضيق الذي تحسين به أحيانا... (فدليل الخير) وقتها
عامر وزاخر وقلبها سعيد، لأنها تشعر بأنها تعمل من أجل أمتها الإسلامية فهي ترشف
دفقات من السعادة يعكسها حب الدلالة إلى الخير على قلبها...كيف تصبحين (دليل خير)؟الأمر سهل جدا، إنك ـ ياعزيزتي ـ ستسارعين في نشر الخير بشتى أنواعه فمثلا:
تعلنين بين النساء عن المحاضرات المفيدة، أو الأشرطة والكتب النافعة، وتحاولين
توفيرها للأخريات حسب قدرتك، توزعين أو تعلنين عن المجلات الهادفة، تناصرين أهل
الخير بأقوالك وأفعالك وتدلين على أماكن الخير كدور تحفيظ القرآن الكريم النسائية
والمراكز الصيفية الجيدة وما تقدمه من أنشطة، وتبلغين المعلومة النافعة بقلمك،
بلسانك، بـ...إلخ. هنا... ستجدين نفسك (دليل خير) وداعية إلى الله!.ولكن يا إلهي!.. هل تعلمين ماذا يعني أن تكوني داعية إلى الله؟.. هذا
يعني أنني لن أستطيع أن أحصي الأعمال التي ستحتسبين ثوابها!! فهي كثيرة جدا ولكن
حسبي أن أقول لك: إن ما تقومين به أكثر من رائع فما أجمل أن تحتسبي هذه العبادات:1)
أجر الدلالة على الخير، فعن أبي مسعود
الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"[17].
فالأشخاص الذين
استفادوا من دعوتك لهم سيأتيك ـ بإذن الله ـ مثل أجور أعمـالهم التي كــان لك الفضل
ـ بعد الله ـ في دلالتهم عليها... فما أسعدك أيتها الداعية المخلصة بأجور من قد
يفوقونك في العمل والإخلاص!!
2)
أجر الدعوة إلى الهدى، عن أبي هريرة ـ رضي
الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل
أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"[18].
وهكذا يتضاعف أجرك بعدد الذين يستجيبون لك. 3)
ثواب تعليم الناس الخير، ألا تحبين أن يصلي
الله وملائكته عليك[19]؟...
ليس هذا فحسب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض
حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير"[20]. 4)
ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي
تنطق به كلمات الداعية وأفعالها... مع ما
يترتب عليه من حصولك على الفلاح وهو جماع الخير...قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).5)
ثواب الكلمة الطيبة،" ولعل الكلمة الطيبة
هي من أنواع ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه البخاري: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله
لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات...".ولقد ورد في فتح الباري (11 / 311) [والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب
الله بها الرضوان هي التي يدفع بها عن مسلم مظلمة أو يفرج عنه كربة، أو ينصر بها
مظلوما...] فكيف بالكلمة التي تدفع عن مجموع المسلمين المظالم، وتدفع عنه الكرب
بدعوتهم إلى إقامة الشرع وكيف بعبارات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وإذا كانت
الدرجات ترفع بما يحقق المصالح الدنيوية، فكيف بما يحقق المصالح الأخروية؟؟ وعلى
الأدنى يقاس الأعلى. وكيف بالكلمات التي تقود إلى قيام مجتمع مسلم؟"[21].6)
أجر هداية الناس، فعن سهل بن سعيد ـ رضي الله
عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً
واحداً خير لك من حمر النعم"[22].7)
احتسبي أن العبادة كلما كان نفعها متعديا كان
ثوبها أعظم .. فما ظنك بالدعوة إلى الله..!
أن يعطيك الله علم ما لم تعلميه، لأن طبيعة
العمل الدعوي تستلزم الاستزادة من العلم الشرعي والمطالعة المكثفة للكتب إضافة إلى
سماع الأشرطة العلمية المساندة... وتستلزم أيضا الاحتكاك المباشر بالناس وقد ترد
عليك منهم الأسئلة والاستفسارات التي تدفعك للبحث عن إجابات لها ومن ثم يزداد
علمك ويتسع وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء...9)
زكاة للعلم الشرعي الذي تحملينه، وحفظا له من
النسيان لأن بذل العلم يعين على ثباته بإذن الله.10)
أنت بحاجة يومية لانشراح الصدر والرضا عن النفس ونشاطك الدعوي سيحقق لك
ذلك الإحساس لأنك تعلمين وتنتجين والنفس تسعد والصدر ينشرح إذا شعر المرء بأنه
ينفع المسلمين ويفعل شيئــا.11)
بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما
قال: "نضر الله إمرءا
سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها..."[23]. فبلغي واحتسبي.12)
ثواب امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
حين قال: "بلغوا عني ولو
آية..."[24] "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ
عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ
السهام إلى نحور العدو، لأن تبليغ السهام يفعله الكثير من الناس وأما تبليغ السنن
فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله منهم بمنه
وكرمه"[25].13)
أن تحصل لك التزكية من الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ
صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33).
والنفس يعجبها الثناء من الناس، فكيف إذا أتاك الثناء من رب الناس!.14)
طاعة لله سبحانه .. لأنه أمرنا بالدعوة إلى
الدين: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125) . وأنت مأجورة على الطاعة.15)
ثواب حمل هم الدعوة إلى الله، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ـ حتى
الشوكة يشاكها ـ إلا كفر الله بها من خطاياه"[26]. وهم الدعوة ثقيل... ثقيل، ولكنه رائع!
لأنه يدفعك إلى التفكير...ثم العمل، فيكون هذا الهم سببا في استغلالك للحظات عمرك
السريعة بأعمال أجرها كبير.
بخلاف من لا تحمل هم المسلمين تجدينها متبلدة جامدة تمر عليها السنون ويومهـا مثل
أمسها لا جديد تقدمه لنفسها ودينها اللهم إلا جبالاً من ثقافة الملابس...
الأثاث... المكياج... إلخ.
بالتأكيد ـ عزيزتي ـ لا أقصد هنا الهم الذي يقعد صاحبه عن العمل ويدخله في دوامة
الأحزان ويشل حركته ويؤثر على عبادته.
بل الذي أريده منك هو "الهم الإيجابي" الذي يدفع إلى العمل...!
الهم الذي يجعلك تدعين للمسلمين... تنفقين... تتبنين قضاياهم... تعملين من أجلهم
تتفاعلين مع أحداث الساحة...
تنتجين... "إن حمـل هـم المسلمين عبـادة تتقربين بها إلى الله فيجب ألا تؤدي
العبادة إلى التقصير في العبادات الأخرى"[27]. 16)
احتسبي نصرة الإسلام وأهله، ونصرة المصلحين في
كل مكان لأن الهدف واحد، قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).17)
ثواب قضـاء حاجة المسلمين وتفريج الكربة عنهم
وذلك بتعليمهم أمور دينهم ورفع الجهل عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: "... ومن كان في حاجة أخيه كان الله في
حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة..."[28]
.
وهل هناك أفضل من قضاء حاجة مسلم بتعليمه أمر دينه؟..
وهل هناك أعظم من كشف كربة الجهل عن المسلمين؟
فكوني لها داعية صابرة محتسبة. 18)
ثواب مواجهة الفساد والتصدي له، وما يتبع ذلك
من جهد ذهني.. ونفسي.. وبدني.. ومالي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا
كثيرا، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"[29].
فأبشري بالخير... والنصر... والفرج... واليسر!. 19)
احتسبي إبراء الذمة أمام الله.
20)
ابتغاء أن يحفظك الله في الشدة كما حفظته في
الرخاء، لذا كان من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ـ رضي الله عنه ـ "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة..."[30] .
فانشطي أيام العافية والسلامة في الأعمال الدعوية ليحفظك ربك عند حاجتك.. 21)
أجر الصبر على مشقة طريق الدعوة وطوله، وما
تلاقينه من جهل العامة وأذى المخالفين، قال الله تعالى: {وَجَزَاهُمْ
بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} (الانسان:12).22)
أجر التعاون على البر والتقوى، قال الله
تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
(المائدة:2). لأن انخراطك في الدعوة إلى الله يعني أنك
تتعاونين مع كل المصلحين على وجه الأرض...!23)
ابتغاء أن يهديك الله إلى الصراط المستقيم،
فهو سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69).24)
ثواب قضاء الأوقات بعبادة عظيمة ـ الدعوة إلى
الله ـ تؤجرين عليها، وهذا يعينك بإذن الله على الإجابة الطيبة عندما تسألين يوم
القيامة عن عمرك فيما أفنيته؟.. وعن جسمك فيما أبليته؟.. وعن مالك فـيم
أنفقتــه؟..
25)
احتسبي أنك تسدين ثغرة للمسلمين بارك الله
فيك.26)
احتسبي أن تكوني قدوة للآخرين في المسارعة
للعمل الدعوي فإن من يحيط بك من أولادك وأقاربك وصديقاتك... إلخ. سيتأثرون بنشاطك
الدعوي وسيحاولون السير على نهجك حسب قدراتهم ويبقى لك فضل الدلالة على الخير
بالقدوة العملية..27)
احتسبي جميع حركات جوارحك التي تخدمين بها
الدعوة إلى الله، ( عينيك .. أذنيك .. لسانك .. يديك .. قدميك ) . واحتسبي أن تسخير عقلك وجوارحك لخدمة دينك من
باب شكر الله على تلك النعم . 28)
ثباتاً لك .. واعتباراً بالآخرين، لأن عملك في
الدعوة إلى الله سيجعلك تشعرين بعظم نعمة الله عليك ، حيث ستستمعين إلى مشاكل نساء
كثيرات، وستطلعين على أحوال أخريات، وكل ذلك يدفعك إلى التأمل في نعم الله التي
تتقلبين فيها !.. ويزيد من خضوعك وتذللك لرب السموات .. كما أنك
ستحقرين عملك عندما تقابلين بعض النماذج
الرائعة من الصالحات مما يدفعك لمزيد من
بذل الجهد قبل الفوات ...
[1] -
ينظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1/13).
[2] -
أخرجه البخاري رقم (2996) كتاب الجهاد والسير.
[3] -
أخرجه الترمذي رقم (2325) كتاب الزهد، وقال حسن صحيح.
[4] -
ينظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
[5] -
ينظر شرح جوامع الأخبار لابن سعدي رحمه الله.
[6] -
القول المفيد شرح كتاب التوحيد، لابن عثيمين،
باب: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنبا.
[7]- ينظر شرح جوامع الأخبار،
لابن سعدي رحمه الله.
[8] - ينظر
فتح القدير / 2 .
[9] -
نضرة النعيم (2/66)، (7/2698).
[10] -
صحيح مسلم: 4/2030 رقم (2637)
[11] -
الدار المنثور للسيوطي (5/7)
[12] -
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/5 .
[13]- جزء من حديث رواه الإمام
أحمد 5/183، صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب.
[14] -
جزء من حديث رواه الإمام البخاري (فتح الباري 1/136، حديث 56).
[15] -
رواه البخاري، فتح الباري 6/136، رقم (2996).
[16]- لسان العرب (1/315).
[19] -
صلاة الله على العبد: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. وصلاة الملائكة: الدعاء له.
[20] -
جزء من حديث رواه الترمذي (2686). وقال: حسن صحيح.
[21] -
ينظر (( الإيجابية في حياة الداعية)) د. عبد الله يوسف الحسن.
[22] -
جزء من حديث رواه البخاري (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 3/134)
[24] -
البخاري ــ الفتح 6(3461).
[25] -
التفسير القيم لابن القيم (431).
[26] -
البخاري ــ الفتح 10 (5641، 5642).
[27] - من
كلام قيم لفضيلة د. طارق الحبيب.
[28] -
البخاري ــ الفتح 5 (2442).
[29] -
رواه أحمد في المسند (1/ 307)، الترمذي (2516) وقال حديث حسن صحيح.
[30] -
رواه ــ أحمد في المسند (1/ 293 ، 303 ، 307).