أوباما والهزيمة النفسية
د.عبدالقادر بن محمد الغامدي
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد ؛
فما أشبه خطاب أوباما الجديد - الخميس 16/6 لعام 1432هـ , الموافق 19مايو 2011 – بقول ابن علي للتونسيين (فهمتكم) لكن بعد فوات الأوان , لقد اختلط في خطابه العدل بالظلم , وهكذا الباطل لا يروج إلا مع اختلاطه مع شيء من الحق لتقبله النفوس وتستمريه , إلا أن الظلم كان هو الأساس والأضخم في خطابه , إنه خطاب أمريكا العدو الأكبر للمسلمين مع تاريخها المشين , إنها حليفة إسرائيل , وفي المثل : صديق عدوك عدوك , ولا تسل عن المرء وسل عن قرينه , إنه إذن خطاب الجلاد للضحايا البريئة التي بدأت تعرف ما حولها , وتعرف أنها غُيِّبت عن التأثير, إنها الشعوب المسلمة المنكوبة المظلومة .
إن تصريح أوباما بضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل صريح في استمرار الفساد والإرهاب , إنه انتحار من أجل إسرائيل , حتى إن أوباما يحزن للمرأة التي رآها مقتولة في شوارع إيران , وحق له ذلك لكنه لا يحزن للمئات من المسلمات والأطفال الذين يحصل لهم أكثر من ذلك في فلسطين وأفغانستان والعراق , إنها السياسة اللامعقولة والمجنونة مع إسرائيل السبب الأكبر للفساد في المنطقة والعالم .
إنه وإن كان في خطابه شيء من العدل الذي قامت به السموات والأرض حين الإنكار على الطغاة في سوريا وليبيا وإيران وغيرها في قتل الشعوب المظلومة , لكن هذا العدل الذي جاءت به الأديان مع ذلك الظلم الكبير لتناقض كبير يصغر أمام الكثير , مع أن المقصد الأعظم أيضاً من هذا الخطاب الحفاظ على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وأهمها (شريان حياة أمريكا) البترول , والذي يدل وكما هو معروف أن رقبة أمريكا تحت سيوف حكام العرب لو يعلمون .
إن تفاخر أوباما بقتل ابن لادن والتمنن على العالم به , يشبه قول فرعون لموسى : (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [سورة الشعراء:19] , فقال له موسى كما حكى الله تعالى عنه : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [سورة الشعراء:22] , أي : باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم دُفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني , ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهل من يربيني ولم يُلقوني في اليم , فأي نعمة لك علي ! . ووجه الشبه هنا هو أن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط هي السبب في ظهور تنظيم القاعدة , وإن كنا لا نقبل كثير من تصرفات تنظيم القاعدة وقتلهم الأبرياء والمعصومين من المسلمين والمعاهدين, واستهدافهم بلدان إسلامية , وتكفيرهم من لا يستحق التكفير وخروجهم عن توجيهات علماء المسلمين , إلا أن لهم من الولاء ما ليس لأمريكا بسبب أنهم مسلمون , وبسبب أن ما أفسدوه أمام فساد أمريكا قليل , فأين ما أفسدته تنظيم القاعدة أمام ما فعلته أمريكا في العراق أو في أفغانستان من قتل الأبرياء وخيانتهم وتدمير البلاد , وإن كان الواجب أيضاً على المسلمين إن لم يكف عناصر تنظيم القاعدة عن دماء الأبرياء من المسلمين وغيرهم : قتالهم وهذا باتفاق العلماء كما فعل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع أهل النهروان .
إن خطاب أوباما نيابة عن أمريكا أشبه برقصة الذبيح قبل أن يودع الحياة , إنها رقصة العاجز عن أن يفعل شيء وهو يرى الموت ويظهر خلاف ذلك , إن أعظم أسباب المشاكل في الشرق الأوسط هي إسرائيل , وما تفعله من الإرهاب الذي لا يعشره ما يفعله تنظيم القاعدة , مع الدعم السخي من أمريكا لها , وهذا تناقض كبير مع كثير مما في خطاب أوباما , وقد صرخ كثير من المثقفين الغربيين والشرقيين أن دعم إسرائيل لا يجوز أن يستمر , لقد خاطرت أمريكا بحياتها من أجل إسرائيل وستدفع الثمن غالياً , وهكذا جزاء الظالمين .
إن هذا الدعم يوجبه على أمريكا عقيدتها الباطلة الكافرة , لذلك يجب أن نتنبه إلى الأصل في هذا الفساد كله , إنها النبوءات التوراتية المحرفة والمنسوخة , وإلا فإن ما تفعله أمريكا مع إسرائيل مخالف لما جاء به عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء , وإن ما يشهد به العالم , وما يعترف به العقلاء من الشرق والغرب بمخالفة هذا الدعم وهذه السياسة لإسرائيل للعدل كاف لتتيقظ أمريكا أن تلك النبوءات غير صحيحة , وأنها مما أدخله الأحبار والرهبان والكذبة على الكتاب المقدس وليس منه , كما قال تعالى : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران :78] , إن ما يأتي من عند الله لا يشهد العقل السليم بطلانه والتقزز منه ورفضه , بل تشهد العقول السليمة على الإيمان به وأنه الحق والعدل والحكمة .
إن الديمقراطية التي يدعونا إليها أوباما ليست هي ما تريده الشعوب المسلمة , وإن نادى بها بعض المتكلمين عنهم بغير رضاً منهم , إن هذه الديموقراطية هي ما سببت الشقاء للشعب الأمريكي والغربي وضياع حقوق المرأة التي ينادون بها , وانتشار الجريمة , والتفكك الأسري , والزنا والمخدرات مما سبب الأمراض , وزوال الأمن في المجتمع , وضياع حق النساء والعجائز على أولادهم وعلى أزواجهم , وحقوق الأبناء على أمهاتهم , وفقدان الطمأنينة من النفوس , مما سبب كثرة الانتحارات والجرائم .
إن انتشار العدل بين الناس لا يمكن حين تُنتهج الديموقراطية , بل لا تصلح الشعوب ولا ينتشر الخير في العالم إلا حين يكون الحكم لله وحده لا لرغبات الشعوب المخالفة له , لأن الله تعالى هو العليم بما يصلح الناس , فالواجب أن يسير الناس على نهج الأنبياء , وعلى نهج إمامهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم , وحين ينتهج الناس حكم الله الحق لا المحرف الذي تنتهجه أمريكا في بعض سياساتها , حين يتحاكم الناس إلى القرآن والسنة المحمدية على صاحبها وعلى جميع أنبياء الله صلوات الله وسلامه حينئذ يجدون الأمان والسعادة التي يحلمون بها .
لقد عاش النصارى واليهود تحت حكم المسلمين في غاية الأمن , مع ضمان حرياتهم الدينية حين يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون , وحين يلتزمون بالشروط الإسلامية , حتى لقد تمنى كثير من النصارى أن يحكمهم المسلمون ولا يحكمهم إخوانهم النصارى , بل لقد ترقب كثير منهم الغزاة المسلمين , ليقفوا معهم فرارا من ظلم إخوانهم النصارى .
لقد قادت أمريكا العالم سنوات عديدة , واغتر كثير من الحكام والناس بهم , حتى أن سبب كثير من طغيان هؤلاء الحكام هو إرضاء أمريكا وخوفاً منها , بسبب ضعف إيمانهم أو انعدامه , وانبهروا بتقدمهم المادي الذي هم فيه مدينون للمسلمين , فالمسلمون هم السبب في تقدم أمريكا وأوروبا مادياً يعرف هذا مؤرخيهم المنصفين , وعاشت أمريكا وأوروبا التناقض بين التقدم المادي والحضاري مع التخلف الأخلاقي , بسبب أخذهم من المسلمين أسباب التقدم المادي من غير أخذ أسبابه عند المسلمين وهو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والذي به حياة الأرواح قبل الأجساد .
إن المؤرخين الأوروبيين يعرفون ذلك تماماً لكن يخفيه كثير من أولي الأمر منهم على الشعوب الغربية , ويشوهون صورة الإسلام في النفوس , لألا يدخل الناس فيه أفواجاً . إنهم يعرفون عقول المسلمين وحضارتهم إذا رجعوا لدينهم كما بدأنا نشهد هذا الرجوع الآن والحمد لله , ويعرفون شجاعتهم في الحروب التي لا يقوم أمامها أحد .
لقد قادت أمريكا العالم ورأينا نتيجة هذه القيادة , لا شر إلا منها , ولم نجد أي خير وصل المسلين من جهتها , إلا ما يشترونه منهم بأموالهم , أو ما يضمحل أمام الشرور ولا يذكر , فلا منة لهم فيه , خاصة مع منعهم المسلمين من التقدم ليبقوا تبعاً لهم , وخاصة مع تصريح أوباما أن الثورات العربية لا شأن لأمريكا فيها , عند من يثني عليها من المسلمين ويراها مشروعة , خلافاً للبعض الآخر الذي يرى أنها قبل أوانها وأنها ليست مشروعة بسبب مفاسدها الكثيرة كسفك الدماء الحاصل في ليبيا وسوريا , مع الاتفاق على أن المسلمين بدأوا يعودون لرشدهم ويعرفون مكانهم ومكانتهم والحمد لله , لقد عرف الناس وجه أمريكا الكالح , وما سببته هي وإسرائيل من انحراف سلوكي بين فتيات المسلمين وشبانهم في كثير من البلاد العربية , وما سببته من انحراف فكري لكثير من مفكريهم لا زلنا نشكوا ويلاته , إن تبجح أوباما بما تقدمه أمريكا مع هذا الواقع لينطبق عليه قوله تعالى : (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران:188].
لقد تيقن المسلمون أن الواجب زوال إسرائيل وهو قريب بإذن الله , وأن الواجب انتقال الهيمنة على العالم إلى المسلمين , وعودة المياة في مجاريها وعودة الحق لأصحابه , وفرسان ميدانه لينتشر العدل والحرية الحقة البناءة , وينتقل الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , إلى ملة إبراهيم وسائر النبيين عليهم السلام , ومن الذل إلى العز , ومن الضلالة إلى الهدى , ومن الكفر إلى الإسلام , ولتنكشف السياسة الغربية للناس أجمع التي أبعدت الناس عن مصدر سعادتها وطريق حل مشاكلها وجواب أسئلتها التي حيرتها , وطريق المخرج من الفتن والمشاكل والهموم , وأنه الإسلام لا غير .
إن أعظم واجبات المسلمين إعادة الخلافة الإسلامية , وإبعاد الديموقراطية الأمريكية , والعودة الكاملة للقرآن والسنة في جميع أمورهم السياسية والاقتصادية والأسرية ومن ذلك ما يتعلق بالمرأة , وليعلموا أن صلاح المرأة والعالم بأن يلتزم في كل ذلك ما شرعه أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأعدل العادلين سبحانه وتعالى , الذي هو أعلم بما هو الخير لها وللبشرية من أمريكا وغيرها , فأعظم واجب هو تحكيم رب العالمين في خلقه , وإزالة القوانين الوضعية والأفكار البشرية من الحكم بين الناس , وليكتفوا بما حصل لهم من عقوبات وشقاء بسبب البعد عن القرآن وعن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52))[المائدة] .
هذا ما ننادي به , وما نسعى لتحقيقة , والله ولي التوفيق , والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .