(( القرامطة الجدد ))
صالح الحسـاوي
إن المؤمن الباحث عن الحق، لا ينازع ولا يشاحن؛ لأنَّ غايتَه واحدة وهي الحقّ، فالحقُّ ضالَّته متى وجدَها أخذ بها ..
وسجِيّة الباحِث عن الحق هي بذلُ الوسع في الوصول إليه، وليس قالوا وزعموا، ولا يعرف الحق بالعواطف بل بأصوله وما يقوم عليه؛ فإذا ظهر للمسلم الحق تبعه كائناً ما كان دون النظر لقائله؛ إذ هو يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال؛ وحينئذٍ لا مكان للنزاع والخلاف بل الرضا التام والقبول عند ظهور مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}.
ولما ظهر للصحابة الحقُّ في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به وصدقوه ولم يقبلوا فيه قول أقرب الناس بل عادوا من أجله أحب الناس وما ذاك إلا لأنه حق ظهر ونصع فوجب اتباعه.!
ومن هنا يجب أن يكون لدى المرء ميزان حق وعدل؛ حقٌ يعرف به المفسد من المصلح، وعدل ينزل به كل واحد منزلته. فيكون كيساً فطناً لا تغره كلمات خداعة، ولا شعارات براقة، مهما زخرفها المبطلون، ومهما طبل لها الجاهلون؛ بل ينظر لحقائق الأمور.
ومن الأمور العظيمة الجلل التي معرفتها فرضٌ لازم؛ أن يعرف المسلم أعداءه حقاً، فمعرفة العدو وحقيقةُ أمره، وتأريخه وخاصة معنا نحن المسلمين، وأخص من ذلك نحن أهل السنة، جزء مهم من معركة الانتصار عليه.
وإن حوادث الأيام، وما تعيشه الأمة من مخاض عسر، وإحاطة الأعداء وترقبهم على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم؛ يبين لكل متأمل جهلَ البعض بحقائق الأمور، ويرى عياناً كيف تملكهم عواطف جياشة تقودهم إلى مزالق خطرة على دينهم وإيمانهم ونفوسهم وأعراضهم وأوطانهم؛ فترى أناسا يحبون من يبغض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وترى آخرين يوالون من غضب الله عليه ولعنه، وهلمّ جرّا من مصائب وطوامّ تأتي على العقيدة من أصولها، وعلى التوحيد من قواعده؛ وما ذاك إلا للغفلة عن تدبر كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتقصير الناصحين، وجهلنا أو تجاهلنا للتأريخ والذي لا يكذب أبداً، فالتاريخ يعيد نفسه وإن تغيرت الأسماء والتفاصيل، ولكن الحقائق والأحداث واحدة، فالتاريخ لا يخطئ ولكن يخطئ من يجهل التاريخ ويخطئ من لا يحسن قراءته. ومن لم يقرأ التأريخ ويعتبر به فقد حكم عليه بإعادته ..
وإن من الحقائق الإيمانية المسلمة قولَه صلى الله عليه وسلم
إن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة؛ وهي الجماعة) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
فلم يترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم مجالاً لنجتهد، فالافتراق والاختلاف حاصل لا محالة؛ وكل الفرق ضالة متوعدة بالنار؛ إلا واحدة وهي: (الجماعة) وفي رواية: (ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، فميزان الفرقة الناجية ليس التشهي ولا التمني، ولكنه التمسك والإتباع لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم.
وذاك التفرق والاختلاف من قدر الله على هذا الأمة {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} فنسأل الله أن يجعلنا ممن رحم.
وإن تلك الفرق على قسمين؛ فرقٌ لم تخرج من دائرة الإسلام وإن كانت مخالفة للحق والصواب على تفاوتٍ بينها، وفرقٌ خارجة عن الإسلام مارقة منه، ليس لها فيه فتيل ولا قطمير؛ وإن تسمت بالإسلام وحملت شعاره، فالدين دين الله من قام به فهو من أهله، ومن نبذه واستبدله كان خارجاً عنه وليست الأمور بالدعاوى ولا بالأنساب.
ولخطر الفرق المارقة حرص أعداء الله من اليهود والنصارى على استنبات فرق خبيثة في الأمة الإسلامية؛ فقد علموا يقيناً أن أمة الإسلام لا تواجه فعملوا على الدس لها وضربها تحت الحزام.
ومن نظر في التاريخ رأى كثرة الفرق الخبيثة التي حكم عليها علماء الإسلام على مر العصور بالخروج من الدين، والانسلاخ منه جملة وتفصيلاً، وما أخبار السبأية وإخوان الصفا والحشاشين والقرامطة والفاطميين العبيديين منا ببعيد!.
والجهل بحقيقة تلك الفرق إنما يقع إذا غابَ العلم بسبيل الحقّ وسبيل الباطل أو بأحدهما كما قال الفاروق رضي الله عنه: (إنما تنقَض عُرى الإسلام عروةً عروة إذا نَشأ في الإسلام من لم يعرِف الجاهلية).
ومِن هنا ذاعت قولتُه المشهورة : (لستُ بالخبّ ولا الخبّ يخدعني).
فصارت تلك الكلمة العظيمة ميزاناً وقسطاساً في التعامل مع أهل التلون والتقلب.
ولو قرأنا تأريخ تلك الفرق الضالة، وقرأنا الكتب المعتمدة عندها، ثم عرضنا معتقداتهم على كتاب الله وسنة رسوله؛ لعرفنا أعداء الأمة حقيقة، ولما رأينا التفرق والانقسام في معرفة المبطل من المحق، والمفسد من المصلح.
وما فصَّل الله سبحانه لنا الآياتِ في كتابه إلاّ لنستبين سبيل المجرمين.
فلا يمكن للمسلم أن يثق يوماً من الدهر باليهود مهما رفعوا من شعارات براقة وكلمات خداعة لأنه يعرف أصلهم وتأريخهم.
وكذا لا يثق المسلم بكل فرقة مارقة عرف أصل منشئها وقرأ تأريخها وأنها بذرة يهودية.
ولا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وقد قتلوا الرسل والأنبياء، وكذا لا يثق المسلم بمن قتل عمر وعثمان رضي الله عنهما ولعن سادات الصحابة الكرام.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وقد رموا مريم عليها السلام بالزنا {وقولهم على مريم بهتاناً عظيما} وكذا لا يثق بمن رمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالزنا مكذباً للقرآن وطاعناً في عرض سيد الأنام صلى الله عليه وسلم.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم من يقرؤون في التوراة والتلمود أن الأممي ( من عدا اليهود) إذا وقع في حفرة فعلى اليهودي أن يسدها عليه بحجر، وكذا لا يثق المسلم بمن يقرأ في كتبه المعظمة أنك إن وجدت السني قاعداً تحت حائط فعليك أن تقلب عليه ذلك الحائط.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم من حاولوا الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا لا يثق بالطوائف المارقة التي ما فتئت تغدر بأهل السنة وتطعنهم عبر التأريخ طوله وعرضه..
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم يشركون بالله ويستغيثون بعزير وغيره، وكذا لا يثق المسلم بمن يستغيث بعلي والحسين وغيرهما من أئمة آل البيت.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود الذين يكتمون الحق وهم يعلمون، وكذا لا يثق بمن جعل التقية تسعة أعشار الدين وهي النفاق بعينه والتي ما عرف التاريخ عقيدة أخبث منها.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم يصفون قيادات المسلمين في فلسطين، وكذا لا يمكن أن يثق بمن يصفون علماء أهل السنة في بلادهم، والبلاد التي يحتلونها، ويجبرون أهل السنة على تحديد النسل! ويحرمونهم بأن يسموا أبناءهم بأسماء إسلامية.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم يعظمون حائط المبكى وغيرها من طقوس الشرك والكفر بالله، وكذا لا يثق بالفرق المارقة التي تقع في الشرك من خلال تمجيد المزارات والتي يسمونها حرماً على غرار الحرم المكي والمدني.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهو صباح مساء يبنون الأنفاق ليهدموا المسجد الأقصى ويقيموا مكانه هيكلاً مكذوباً مزعوماً، وكذا لا يثق بفرق مارقة تهدم المساجد وتبني الحسينيات مزارات الشرك والبدع والضلالات.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم أهل الكبر والحقد والظلم، وكذا لا يثق بالفرق المارقة والتي حرمت90% من طلبة أهل السنة من دخول الجامعات بحجة أنهم وهابية.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم يدكون القرى على أهلها بحجة وجود ناشطين أو إرهابيين، وكذا لا يثق بالطوائف المارقة التي تقيم المذابح لشباب السنة بحجة تهريب المخدرات ولعلماء السنة بحجة الوهابية.
لا يمكن للمسلم أن يثق باليهود وهم يدنسون المساجد ويهدمونها، وكذا لا يثق بالفرق المارقة المنافقة التي تتاجر باسم الإسلام بدليل أن عاصمتهم سكانها سبعة ملايين ولا يوجد بها مسجد واحد وهي تدعي الإسلام؟! بالرغم من وجود كنائس للنصارى، وبيعاً لليهود، ومعابد المجوس.
إنا لا يمكن أن نحسن الظن يوماً بمن لم يحسن الظن بأبي بكر وعمر؛ سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، و سئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا : حواري عيسى، و سئلت الفرقة المارقة المجرمة؟: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد!!. {قاتلهم الله أنى يؤفكون}.
إن المسلم الفطن عند نظرته لأي حدث لا يلتفت إلى ما يسمى بنبض الرأي العام؛ فالذي يهمه هو نبض الكتاب والسنة. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه..وصدق الله: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}.
ونحن عندما نلقي نظرة عاجلة على التاريخ الذي لا يكذب أبداً؛ نسأل ولا نمل من السؤال .. من الذي زين لهولاكو دخول بغداد وإسقاط خلافة المسلمين أليس ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي والذين خدما مذهبهما الرافضي الخبيث بتقديم مليوني مسلم سني في العراق إلى هولاكو ليقتلهم عن بكرة أبيهم.
ماذا فعل أبو طاهر القرمطي في مكة يوم التروية ألم يقتل الحجاج في المسجد الحرام، واقتلع الحجر الأسود، وبقى بحوزتهم قرابة عشرين سنة!.
إنه لولا مساعدة تلك الفرق المارقة للصليبيين، وقيامهم بفتح أسوار عكا لما نجح الصليبي ريتشارد قلب الأسد من دخول عكا في عهد صلاح الدين.
من ردّ الجيوش الإسلامية العثمانية عن فتح غرب أوروبا أليست الدولة الصفوية الخبيثة!!
ألا تقرؤون التأريخ؟ ألا تتأملون الوقائع؟!.
من قتل الفاروق رضي الله عنه؟ من بنى لأبي لؤلؤة المجوسيّ ضريحاً قبتُه من ذهب؟
من يحجُّ الضريحَ كلَّ عام؟ من يحتفل كلَّ عام بعيد (بابا شجاع الدِّين) وهو أبو لؤلؤة، ويعتقد أنَّ الله يزين سماواته في عيد أبي لؤلؤة، ويرفع القلم عنهم ثلاثة أيَّام إذا احتفلوا بعيده؟.
ويمضي التاريخ إلى زمن الذل والمهانة؛ من دل الصليبيين على عورات الأفغان؟
من مكن لهم في أرض العراق؟! من هم الَّذين قتلوا مائتي ألف سنيّ عراقيّ؟
من هم الَّذين يقتلون كلَّ عراقيٍّ اسمه عمر؟ ألا نعتبر؟ ألا نتعظ؟ ألا نفيق فنعرف أعداءنا؟!
ونحن حين نسمع الجعجعة الإعلامية بالعداوة بينهم وبين دول الصليب؛ هل نصدق ذلك؟!! أم نصدق المصالح المتطابقة، والتوافق بينهما حذو القذة بالقذة؟!!.
إنا ما نراه اليوم من تطاول حثالة منهم على ديارنا، لا يمكن أن يكون مستغرباً ممن عرف ولاء أولئك القوم وأنه ولاء عابر للقارات يأتمرون بأمر آيات (قم) و (مشهد) متى حركتهم الأفاعي أصحاب العمائم تحركوا، ومتى سكنوهم سكنوا ..
إن تأريخ أولئك يبين أنهم أهل ذلة وصغار طالما أنهم مقهورون، وتحت سلطان دولة قوية، وأنهم متى ما تمكنوا وتنفسوا فهم من أشد الطوائف عنفاً ودموية !!.
وفي المقابل هم لا يثبتون في الحرب وأرض المعركة متى قابلهم جند مخلصون، وفي الحديث: ( فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبداً، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر، كلما ذهب قرن خلف قرن مكانه، هيهات إلى آخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير) رواه ابن أبي شيبة.
وختاماً ينبغي على المؤمن أياً كان موقعه أن يتذكر أن تسليط الأعداء، وتنوع البلاء، وظهور الفتن، هو بسبب الذنوب والمعاصي {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} فأول طرق الخلاص والنجاة: التوبة النصوح، والصدق مع الله، وإحياء الشعائر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم، اللهم شتت شملهم، وألق الرعب في قلوبهم، واضرب قلوب بعضهم بعض..