صورة من معاناة الآلاف.. 23 ألف لاجئ يعيشون الموت والحلم في مخيم بلاطة
فلسطين اليوم –نابلس
2008-05-08 12:19:19
بعد أعوام من النكبة و بالتحديد في عام 52 كان لا بد من إيجاد حل لمشكلة سبعة آلاف لاجئ هجروا من القرى المحيطة اللد وحيفا و يافا، واستقروا شرق مدينة نابلس، وبالتحديد بالقرب من بلدة بلاطة البلد، فقامت الوكالة، والتي كانت قد تسلمت مسؤولية اللاجئين في تلك الفترة، باستئجار هذه الأرض لمدة 100 عام و أقامت المخيم.
مخيم بلاطة و الذي قرر عمره الافتراضي 100 عام قبل 58 عاما، امتد واتسع "على نفس البقعة والمساحة ليصبح اليوم 23 ألف لاجئ، ويكون بذلك اكبر مخيمات الضفة الغربية مساحة وعدد سكان، و اكتظاظ أيضا.
تاريخ المخيم ..
انشأ المخيم على مساحة لم تتجاوز 250دونماً، اتسعت، لتصل لحوالي 460 دونماً، ويسكنه اللاجئون الفلسطينيون، الذين شُرِّدُوا من قرى الجماسين، عرب السوالمة، أبو كشك، طيرة دندن، اللد، المجدل، يازور ، العباسية، المر، ابو غوش، كفر عانا، بيت دجن، سلمة، دير طريف، فجة، الشيخ مؤنس، السافرية، الرملة، الخيرية، كفر قاسم، مسكة، قاقون، الحوارث، السامية، سيدنا علي، كفر سابا، بيار عدس، الحوارث، المسعودية، جريشة، رأس العين و رنتيا.
و لم يختلف وضع المخيم عن باقي المخيمات الفلسطينية فالفقر والعوز كانتا الصفة المميزة لها منذ تأسيسها، فكما يقول الأهالي عاش اللاجئين مرحلة طويلة دون بنا تحتية أو خدمات صحية و لا عمل.
يوسف حشاش من لجنة خدمات المخيم يقول:" عاش أهالي المخيم في بداية اللجوء أوضاعا صعبة جدا فلم يكن هناك أي خدمات تقدم لهم، ولا مدارس لتعليم أبنائهم، ولا حتى مراكز صحية، احتاج الأمر عشرات السنين حتى أدخلت وكالة الغوث هذه الخدمات لهم، فقد كان الهم الأكبر هو تأمين الطعام و الخيم الكافية لكافة العائلات التي هجرت إلى هناك".
شيئا فشيئا اعتاد اللاجئين على العيش بالمكان و أصبحت الوكالة تدخل خدماتها تدريجيا للسكان الذين ازدادوا بشكل كبير في بقعة جغرافية لم تتغير، كما بدأ الأهالي يستطلعون المحيط و يعملون لكسب قوتهم بعد أن كان اعتمادهم المطلق على الوكالة.
بطالة وفقر...
يقول الحاج "جابر سوالمة" 76 عاما، من بلدة عرب السوالمة، القريبة من يافا، أن اللاجئين كانوا يعتقدون أنها فترة وتمضي و أننا سنعود إلى بلادنا فلم يفكر احد في العمل او حتى استبدال الخيمة التي كان يسكنها ببيوت أسمنتية، و لكن بعد أكثر من عشر سنوات من التشرد أصبح واضحا أن الأمر سيطول أكثر و "علينا السعي لحياة أفضل إلى أن نعود".
تطور مخيم بلاطة وازداد حجم العائلات فيه، وكانت الزيادة ملفته وازدادت المشاكل بالتوازي، والتي تمحورت في مجملها في الفقر الذي كان ملازما للسكان هناك، فالبرغم من خروج أعداد كبيرة منهم للعمل في خارج المخيم الا ان نسبة العاطلين عن العمل وخاصة في ظل الظروف السياسية التي رافقت نمو المخيم وخاصة الانتفاضة الأولى والثانية والتي لعب فيها المخيم دورا مركزيا، نسبة البطالة بقيت مرتفعة جدا و خاصة في ظل ازدياد أفراد العائلة الواحدة داخل الأسرة.
فحسب الاحصاءيات الأخيرة للجنة خدمات المخيم فان نسبة البطالة وصلت إلى "55%" في حين كانت نسبة الفقر 75% خاصة مع سنوات من الحصار وتضييق الخناق على المخيم
يقول يوسف حشاش عن ذلك:" الظروف الاقتصادية كانت سيئة منذ تأسيس المخيم إلا أنها الآن تزداد سوءا في ظل الركود الاقتصادي نتيجة الحصار الاقتصادي وعدم وجود مصادر للدخل المنتظم لنسبة كبيرة من العائلات، وعدم تمكن أهالي المخيم من الحصول على تصاريح للعمل خارج محافظة نابلس ما أدى إلى ازدياد نسبة البطالة والاتجاه نحو خط الفقر، ليزيد ذلك من المعاناة".
مقاومة... وشهداء و أسرى
و لم تتوقف معاناة المخيم عند هذا الحد، فالمخيم كان له حصة الأسد من المقاومة و الإجراءات الاحتلالية وهذا ما يدلل عليه عدد الأسرى و الشهداء في المخيم فأكثر من 240 شهيدا سقطوا على ارض المخيم، في حين يقبع 300 أسيرا في سجون الاحتلال المختلفة، مع كم هائل من الجرحى، فعدد الجرحى الذين خلفت إصابتهم عجز كامل لديهم وصل إلى 450 لاجئ.
ولعل أكثر ما ميز المخيم هو الاعتداءات الوحشية عليه وخاصة في ظل الاجتياحات التي قامت بتنفيذها حكومة الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى الأخيرة، فقد تعرض 35 منزلا لهدم كامل، إلى جانب أكثر 750 منزلا تضررت تضرر جزئي.
كل ذلك يعتبره أهالي المخيم ضريبة يدفعونها في سبيل وطنهم وهم الذين لهم نصيب متضاعف، ففي ارض المخيم عاشوا وكثير منهم ولد وكبر ومات أيضا، وفي بلدانهم الأصلية جذورهم وممتلكاتهم التي سيعودون إليها يوما، كما يقتنعون:" لا بد لنا من العودة يوما، بالتأكيد لن نبقى هنا إلى الأبد، وان لم نعد نحن فهناك أجيالا أخرى ستعود، وحقوقنا هناك لن تسقط بالتقادم كما خططوا"، قال سوالمة.
توثيق ..
ولتحقيق هذا الحق يقوم أهالي المخيم وبخطة مدروسة وتكاد تكون جماعية لنقل هذا الإرث، من الحاج سوالمة وغيره من الذين شارفوا على النهاية، فلا متسع من الوقت والسنين ليعودا، وهذه الخطة تدرس وتقييم سنويا، كما يقول يوسف الحشاش من لجنة الخدمات.
فهي تشمل مسابقات معلومات سنوية لأحداث تنشيط دائم للذاكرة و الأسماء، بالإضافة إلى معارض التراث والندوات، و أخيرا تنظيم الرحلات إلى بعض البلدان بالتعاون مع حركات السلام والتضامن الدولي للأطفال اللاجئين.
كما تقوم اللجنة في المرحلة الأخيرة على تنفيذ عملية توثيق شاملة من خلال جمع شفوي لقصص وتفاصيل اللجوء من كبار السن بشكل ممنهج بالإضافة إلى إنشاء متحف عام يضم كافة المتعلقات التي حملها معهم اللاجئين.