سادسًا: المبادئ والأفكار التي تقوم عليها الشيوعية:
لا يزال اليهودُ في مُؤتمراتهم ونَشَراتهم ومحافِلهم وبروتوكولاتهم يعتزُّون مغتبطين بتأسيسِ الشيوعية، وقيامها وانتشارها؛ لأنَّها مرحلةٌ مِن مراحل وصولهم إلى مآرِبهم على أكتاف الأُمم والشعوب، وهم الآن سيعودون جادِّين لإسقاطها، حيث انتهتْ مآربهم منها[8].
وقامتِ الشيوعية الماركسيَّة من أول أمرها لمناهضة الأديان والأخلاق، والثقافات والمعاملات، وإقامة دولة شيوعيَّة عالميَّة تحت زعامة أقطاب الشيوعيَّة، ومِن ورائهم الأطماع اليهوديَّة في إقامة الدولة اليهودية الكُبرى التي يرتقِبها اليهود بفارِغ الصبر، ممثلَّة في إعادة بناء هيكل سليمان، وتتويج ملِكهم الذي يحلمون بأنَّه سيحكُم جميع البشَر مِن اليهود، ومِن سائر الجوييم[9].
وما الشيوعيَّة إلا حلْقة مِن جملة الحلقات التي يحيكها اليهودُ؛ للوصول إلى ما خطَّطه حكماؤهم من تدمير العالَم دينيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا... إلخ، ولقد أسهمتِ الشيوعية في كلِّ تلك المؤامرات، وكان لها حظُّ الأسد في تحطيم الجوييم في تصفيات جسديَّة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وفي إشاعة الفواحِش، وسائرِ المفاسد والشرور، حيث فاقوا فيها الشيطانَ، وأراحوه من مهمَّة تحقيق كل تلك الرزايا، التي حلَّتْ بسائر الأمم في دِينهم وفي دُنياهم على أيدي الملاحِدة.
وأبرز المبادئ التي تقوم عليها الشيوعية:
أولاً: الماديَّة:
(المادية) نِسبة، وهي الموجود الذي يُدرَك بإحدى الحواس، مما يخضع لتجرِبة الإنسان وملاحظاته، وقد ادَّعتِ المادية أنَّها منسوبةٌ إلى الواقِع الذي لا يُنكَر ولا يُكذَّب، ولقد أصبحتْ عبادة المادة هي الأساسَ المشترك لجميع الملاحِدة، على اختلاف مذاهبهم، وهي تعادل في تصرُّفاتها عندَ الملاحِدة تصرُّفاتِ خالق الكون عندَ المؤمنين.
ثانيًا: الجدلية "الديالكيتك":
لقد أصبحتِ المادة عند الشيوعيِّين هي كل شيء، وليس وراءَها شيء، وأنَّها تتطور صعودًا وَفقَ قانون "الجدلية الديالكيتك"، والتاريخ نفسه يسيرُ حسْبَ هذا القانون حتمًا - بزعمهم - وتكون هذه المادة وَفقَ ما تقترن به، فتُسمَّى المادية الجدلية في الكون، إذا كانتْ تتعلَّق بتغيرات الكون وأحْداثه، وإذا كانت تتعلَّق بسلوك الناس سموها المادية الجدليَّة في التاريخ، فالجدَليَّة: في المذهب الماركسي تُعتَبر بمثابة رُكْن من أركانه، وأنَّها هي قانون حركة الوجود كله.
ثالثًا: "التطور":
وهي في ظاهِرها كلمةٌ جميلة تُوحي بالتجديد والنشاط، والحيوية المطلوبة، إلا أنَّه ينبغي أن ندركَ أنَّ كثيرًا من أصحاب الأفكار الهدَّامة قد استغلُّوها استغلالاً فاحشًا، وبنوا عليها آراءَهم التي يهدفون مِن ورائها إلى تغيير المفاهِيم السليمة، والمعتقدات المستقيمة، والحياة الاقتصادية، تغييرًا جذريًّا يتفق مع ما بَنَوْه لقلْب الحياة الاجتماعية.
رابعًا: أنَّ السلطة في الدولة الشيوعية يجب أن تكونَ في أيدي العمَّال، ويُسميهم الشيوعيون (البروليتاريا)[10]، وهذا المبدأ يُقصَد به إثارةُ حقْد الفقراء والعمَّال ضدَّ أصحاب الأموال والسلطات، وتحريض أصحاب النَّزعات والشهوات البهيميَّة على الفَوْضى وإشاعة الفاحِشة[11].
وتعرض لنا ملحوظتان مِن خلال ما سبق: ترديد ذِكْر اليهود في أغلبِ نشأة هذه التيارات، وهذا يكشف عن جانبَيْن:
أ- أنَّ اليهود قد امتطَوْا هذه المطايا مِن التيارات والمذاهب الفِكريَّة المعاصرة؛ لأنهم علِموا أنها تخرب المجتمعات، وتضعف الدِّيانات، فاتَّخذوها عاملاً من عوامل التخريب للآخَر والمجتمعات.
ب- يَكْشِف عن مدى الالْتواء في الشخصية اليهودية، وعدم استمرارها على مبدأ ثابت، ومدَى تلوُّنها، ومدى مخادعتها للآخَر، واستخدام اليهود لهذه التيَّارات مطيةً؛ لأنهم علموا أنها تُلبِّي هدفهم الأساسي في تخريب المجتمعات، ومحاولة السيطرة عليها"[12].
كما أنَّ لهم أفكارًا ومعتقداتٍ كثيرةً تباعًا، مِن أبرزها:
• "إنكار وجود الله تعالى، وكل الغيبيَّات، والقول بأنَّ المادة هي أساسُ كل شيء، وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكْفُر بثلاثة: الله، الدين، الملكيَّة الخاصَّة، ولا يعتقدون بأنَّ هناك آخرة.
• يحاربون الأديان ويَعتبرونها وسيلةً لتخدير الشعوب، وخادمًا للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال، مستثنِين من ذلك اليهوديَّة؛ لأنَّ اليهود شعبٌ مظلوم، يحتاج إلى دِينه؛ ليستعيدَ حقوقه المغتصَبة! وفي رأيي لأنَّها أمُّ ومنشأ فِكرتهم الخرِبة.
• يحاربون الملكية الفردية، ويقولون بشيوعية الأموال، وإلْغاء الوراثة.
• إنَّ كل تغيير في العالَم في نظرهم إنَّما هو نتيجة حتميَّة لتغيُّر وسائل الإنتاج، وإنَّ الفكر والحضارة والثقافة، هي وليدةُ التطور الاقتصادي.
• يحكمون الشعوبَ بالحديد والنار، ولا مجال لإعمال الفِكر، والغاية عندَهم تبرِّر الوسيلة"[13].
سابعًا: أسباب قيام الشيوعية:
لقد قامتِ الشيوعية الحديثة، ونشَرت مذهبها الإلحادي، فامتدَّ رواقه إلى كثيرٍ من بلدان العالَم، وذلك يعود لأسباب عديدة: منها ما يتعلَّق بالمجتمع الذي نشأتْ فيه، ومنها ما يتعلَّق بشخصية مؤسِّسيها ومنفِّذيها، ومنها أسباب خارجةٌ عن ذلك.
وفيما يلي تفصيلٌ لتلك الأسباب التي أدَّتْ إلى قيام الشيوعية:
1- الطغيان الكَنسي: الذي حارَب العِلم والعقل، ومكَّن للجهل والخُرافة، وأعان الحكَّام الظلمة، وفرَض على الناس الضرائب والعشور، وما إلى ذلك، ممَّا قامتْ به الكنيسة الأوروبية، فكان أنْ قامت الشيوعية كردَّة فعْل لذلك الطغيان.
2- مظالم النظام الرأسمالي: حيث طغَى الرأسماليون، وأفسدوا واستبدوا، فقام الشيوعيون - بزعمهم - بمحاولة الإصلاح.
3- غياب المنهج الصحيح عن أوروبا: فلمَّا قصَّر المسلمون في أداء رسالتهم، في تبليغ الدعوة وقوامة البشرية، غاب الإسلام عن ساحَةِ أوروبا، فمكَّن ذلك لنشأة الشيوعية، وغيرها من الاتِّجاهات والنظريَّات والمبادئ.
4- الخواء الرُّوحي: إذَّ إنَّ الكنيسة لا تقدِّم منهجًا يزكي النفس، ويجلب السعادة والطمأنينة للأفراد والمجتمعات، ممَّا جعَل النفوسَ تهفو إلى ما يُنقِذها مما هي فيه من القَلق والاضطراب والحَيْرة.
5- الاستعمار وما خلَفَه من دمار: فلذلك أثرُه الواضح في انحطاط الشعوبِ المُسْتَعْمَرة، وذلك عن طريق الكَبْت، وقفْل باب الحريَّة، مما أفسح المجال لنشْر الشيوعية.
6- المكر اليهودي: فاليهود يتآمَرون على العالَم، ويُخطِّطون لإفساده؛ تمهيدًا للسيطرة عليه، وممَّا يقومون به في ذلك السبيل: استغلالُ المذاهب الهدَّامة والتمكين لها.
7- الجهْل بدِين الإسلام: فهذا مِن أكبر أسباب الإلْحاد، وإلا فمَن عرَف ما جاء به الإسلام - ولو معرفة يسيرة - استحال أن يقَع منه الإلحاد؛ فإنَّ الدين بطبيعته وما اشتمل عليه مِن البراهين، يضطر صاحبُه إلى الاعتراف بوَحْدانية الله تعالى، وبطلان ما ناقَض ذلك، فلا تجد مُلحدًا إلاَ وهو مُعرِض، أو مكابر، أو معاند.
8- الهالة الإعلاميَّة والدعاية القويَّة: فمما ساعَدَ على قيام الشيوعيَّة ما قام به أربابُها من دعاية وهالة؛ لتحسين ضلالتهم، وترويج مذهبِهم، فإذا سمع الجاهلُ عن ذلك هالَه الأمر، واغترَّ بالشيوعية، وظنَّ صدقها مع أنَّ كل عاقلٍ منصف يعلم بطلانَها وزيفَها.
فالشيوعيون زعموا أنَّ ما جاؤوا به هو الرُّقي والتقدُّم والتجديد، وما أشبه ذلك مِن العبارات الفَضْفاضة.
ولولا أنَّ باطلهم زُخْرِفَ ورُوِّجَ له من قِبل الدعايات المضلَّلة، والدول المنحرِفة، لم يقبله، ولم يُصْغِ إليه أحد؛ لأنَّ حُججهم أوهنُ مِن حبل القمر، ومن بيْت العنكبوت.
9- الانقلاب الصناعي: فما يقوم به الشيوعيُّون من بحْث علمي جادٍّ، مستند على أدلَّة مغرية، صار سببًا لاغترار كثيرٍ من الخلق بهم؛ حيث ظنُّوا - بجهلهم - أنَّ الترقي الدنيوي دليلٌ على أنَّ أهله على حقٍّ وصواب في كلِّ شيء.
فإذا رأى الجاهلُ حالَ المسلمين وما هم عليه من الضعْف والهوان، ورأى حال الكفَّار وما هم عليه من القوَّة والتفنُّن في الصناعة، ورأى أُمم الأرْض تُذعِن وتسلِّم لهم، صار ذلك فتنةً له، فظنَّ أنَّ الكفار على حقّ، وأنَّ المسلمين على ضلال.
ولقد جهل هؤلاء، بل لقدْ ضلُّوا ضلالاً مبينًا بذلك الزعم؛ لأنَّه لا تلازمَ بيْن التقدم الصناعي وصحَّة المعتقد والمبدأ، فقد يكون الإنسانُ من أمهرِ الناس في أمور الطبيعة وهو أجهلُ مِن حمار - أجلَّكم الله - في الدِّين والأخلاق! والأمور النافِعة في العاجِل والآجل؛ فمسألةُ التقدُّم المادي مسألة همَّة ودأب وجد ليس إلاَّ.
ولهذا لمَّا خلَت بحوثهم ومخترعاتهم من رُوح الدِّين وحِكمته، صارتْ نكبة عليهم، وعلى البشرية جمعاء؛ بسبب ما ترتَّب عليها من الحروب التي لم يشهد لها نظير، ولقد عجَز ساستها ونُظَّارها أن يُنظِّموا للبشر حياةً مستقرَّة، عادلة طيبة.
10- ملذَّات الحياة ومباهج الحضارة: فلقد فتَح العالَم المادي أبوابًا عظيمة من أبواب الرفاهية والتَّرف؛ فالمراكب الفخْمة الفارهة؛ من سيَّارات وقطارات، وبواخر وطائرات، وكذلك الملابس والمطاعِم، ووسائل التسلية والترفيه، كل ذلك مكَّن للغفلة، وجعلَها تستحكِم على النفوس، ولا تشعرُ بالعاقبة، مما فتَح المجال لترويج أيِّ مبدأ.
11- شذوذ مؤسِّسيها وانحرافهم: فهذا "كارل ماركس" مؤسِّس الشيوعية كان حَبرًا يهوديًّا، وكان مخْفِقًا في شؤونه الخاصَّة، وكان ذا طبيعة ميَّالة للهدْم والفساد، كما كان على مستوى عالٍ من الفساد الخُلقي والسلوكي، أضِف إلى ذلك موتُ ابنتيه منتحرتَيْن، كل هذه العوامل وغيرها تحرَّكت في نفْس هذا المجرم، فأخرجتْ أُكَلها النَّكِد، وقلْ مثل ذلك في شأن بقية زُعماء الشيوعية ومنفِّذيها كـ"لينين، وستالين"، وغيرهما.
وبالجملة فأقلُّ ما يُقال عن الشيوعية: إنَّها عقوبةٌ إلهية للبشرية بسبب تمادِيها في الغَواية والضلال[14].
ثامنًا: أهداف قيام الشيوعية:
مرَّ بنا أنَّ اليهودية العالمية هي التي صنعتِ الشيوعية الماركسية، وأنها جعلتْها وسيلةً لتحقيق أهدافها للسيطرة على العالَم، وتسخير الموادِّ والمنتجات لخِدمة أغراضها الدنيئة، وأهوائها المنحطَّة، ومنها:
1- بثُّ الأحقاد والفُرْقة والعداوة بيْن المجتمع العالَمي، عن طريق التآمُر والصِّراع بين الطبقات.
2- معارَضة الدِّين، والملكية الفردية، وحرية الرأي.
3- نشْر الإلحاد، والفساد والإباحية.
4- القضاء على الأديان الموجودة عدَا اليهودية، وهذا يؤكِّد على أنَّ أصل الأمر يهودي، فلن يشهدَ "كارل" أو مَن أتى من بعده على يَهوديتهم، فمِن غير الممكن أن يكون هدفُهم القضاءَ على الأديان عمومًا، لكن هو يقضي على الدِّين، حتى ينتصر لليهودية[15].
5- القضاءُ على الحياة الأُسرية، وجعْل الولاء مقصورًا على السلطة الحاكمة، مع تخويل السُّلطة الحاكِمة بألاَّ تحكم وفقَ قوانين ثابتة، وإنَّما تتغيَّر القوانين حسبَ مصالح الحاكم الخاصَّة، وأهوائه الذاتية المتقلِّبة من وقت لآخرَ.
6- وبالجملة فأهدافُ الشيوعيَّة تتَّفق كثيرًا مع أهداف اليهوديَّة العالميَّة، ومع معتقداتها وأخلاقها[16].
تاسعًا: أساليب الشيوعية:
أ- الإعلام:
لا مجالَ في النِّظام الشيوعي لاستقلالِ الإعلام أو مجرَّد النظرة غير المتحيزة؛ لأنَّ الحِزْب الشيوعي يتحكَّم في مصادر الإعلام، وموارده المالية، وأخباره ومعلوماته، ويوجِّهها الوجهةَ التي تخدم الحزبَ وفلسفة الشيوعية المادية، فالشيوعيُّون يهاجمون الأديان عامَّة مِن خلالِ إعلامهم، ويعتبرونها مسكراتٍ للفقراء، حتى يهبُّوا إلى الدِّفاع عن مصالحهم الدنيويَّة، راضين بحياة الذلِّ والخُضُوع؛ طمعًا في جزاء الآخرة وثوابها، وهي لا وجودَ لها، إلا أنَّ مهاجمة الشيوعيَّة والمسيحيَّة شيء، ومهاجمتها للإسلام شيءٌ آخَر[17].
ويشمل الإعلام:
1- الدعاية: وترجع الدعاية الشيوعيَّة لزمنِ دعاة الشيوعية الأوائل، فمنذ بدأ "ماركس" في الكتابة، وهو يتَّبع سياسة دعائية ورِثها الشيوعيُّونَ عنه من بعده، وقاموا بتنميتها وتطويرها، وتتسم الدعايةُ بالتَّكْرار الذي لا يكلّ، وبالهجوم على خصومِ الشيوعية الذي لا يَنْتهي، وهم على استعدادٍ لاستخدام أية وسيلة لتحقير النُّظم غير الشيوعية[18].
2- توزيع ملايين: الكتيِّبات والنشرات مجانًا في كافَّة أنحاء العالَم داعيةً إلى مذهبها.
3- أسَّست الشيوعية أحزابًا: لها في كل الدول العربية والإسلامية تقريبًا، فنجد لها أحزابًا في مصر وسورية، ولبنان وفلسطين، والأردن وتونس، وغيرها.
4- الترويج لحلم: تحقيق الحكومة العالميَّة التي يحلمون بها، ويسعَوْن لتحقيق الأمميَّة من خلالها، وهذا من تصوُّرهم لعالمية الشيوعيَّة، وإبراز ذلك على أنه قضية مسلَّمة.
المبحث الثاني: الشيوعية والإسلام:
أولاً: دخول الشيوعية لبلاد المسلمين:
اليهود هم الذين أدْخلوا الشيوعية في الدول العربية والعالَم الإسلامي، فقد جاء "جوزيف برجر" اليهودي البولوني إلى لبنان سنة 1920م، عن طريق حيفا، وأخَذَ يدعو لوَحْدة الطبقة العاملة، والإخاء الإنساني، ومقاومة الاستعمار، وأسَّس حزبًا شيوعيًّا مرتبطًا بالحزب الشيوعي في فلسطين، ثم جاء بعدَه يهودي آخرُ من أصل ليتواني اسمه "إلياهو تيبر"، وكان قد تدرَّب على العمل في بلجيكا، حيث اعتنَق الشيوعية، وجاء يدعو لها في سوريا مِن قِبل "الكومنترن".
وفي هذه الأثناء عمِل أرتين مادونيان، وهيكازون بوياجيان، زعيمًا لحرَكة سبارناكوس الأرمينية اليسارية على تأسيسِ الحِزْب الشيوعي في سوريا في أوساط الأرْمن الأكراد.
ثم جاءَ مِن أوديسا في روسيا اليهودي: نخمان ليتفسكَى، ومعه زوجتُه؛ لاختيار الشباب العربي الذي يصلُح لتلقِّي التعاليم الماركسية في معهد الشيوعيِّين الشرقيِّين في موسكو، وكان في مقدِّمة المختارين الموفدين خالد بكداش سنة 1930، وكان في الخامسة والعشرين من عُمره.
وظهرتِ الأهداف الخبيثة من نشْر اليهود للشيوعية في بلاد المسلمين، عندما أُعْلن في سنة 1929م عن ارتباط الحِزْب الشيوعي اللبناني مع الحِزْب الشيوعي السوري، مع الحِزْب الشيوعي اليهودي في تل أبيب، تحتَ قيادة الحزب الشيوعي الفَرَنْسي في باريس، ومن المعروف أنَّ موسكو تستخدم الأحزابَ الشيوعية الأخرى للتدخُّل حتى تبدوَ بعيدةً عن الأحداث، مع أنها هي التي توجِّهها وتنميها، فقد كانتْ بلغاريا مثلاً[19]: تُشرِف على الأحزاب الشيوعية في "الشرق"، وتقوم برعايتها، كما تولَّت كوريا الشمالية بعضَ هذه المسؤولية بالنِّيابة عن موسكو.
وقد مهَّد للفكر الاشتراكي في مصر شبلي شميل اللبناني، وفرح أنطوان، الذي كان يدعو إلى دِين الإنسانية؛ ليحلَّ محلَّ الدين التقليدي، ويقصد به الإسلام، كما أخَذ سلامة موسى يبشِّر بالاشتراكية بعدَ زيارته لفرنسا، حيث مركزُ التوجيه الشيوعي للشرق في باريس، وقال هناك: "لقد عشقتُ صحيفة الأومانتية - وهي صحيفة الحِزْب الشيوعي الفرنسي - وإنَّ الاشتراكية طريقٌ جديد في رؤية الأشياء.
والمعروف أنَّ سلامة موسى كان يُطالِب بإباحة الخمور، ويهاجم اللغة العربية الفصحى؛ لُغةَ القرآن الكريم.
وقد أسَّس الحزبَ الشيوعي المصري اليهوديُّ روزنتال سنة 1922، وهو بائع مجوهرات، وساعدته في ذلك ابنتُه شارلوت، وخلَفَه في العمل الخواجة فاسيليف تحت سِتار تجارة القطن، ثم اليهودي هنري كوريل، الذي كان يُلقَّب بالملوينير الأحمر؛ لكثرة ما يُنفِق بلا حساب من مساعداتِ موسكو، ومِن مشاهير اليهود الشيوعيِّين أيضًا في مصر إيللي شواتز، ويوسف درويش، وريمون دويك، وأوديت وزوجها سلامون سدني.
وقد استوقَفني: كيف تخترق المجتمعاتِ الإسلاميةَ هذه الأفكارُ، حتى بأصحاب المهن التي تُعدُّ حقيرة، أو بعيدة كلَّ البعد على أن يتصوَّر مِن صانعيها خطورة؟!
يقول الدكتور عبدالبصير الحقرة: "وصاحب الفكر الشيوعي عندما يُريد أن يدخل مجتمعَ غيرِ الشيوعيين، يريد أن يُروِّج لفكره، فنقطة "امتهان المِهنة"، ستكون فرصةً لبثِّ الفكر؛ أولاً: لأنَّها تعطيه فرصةً للاتصال بالناس، ثانيًا: تعطيه فرصة وستارًا للتخفِّي - إذا لزِم الأمر - من الجهات الرِّقابية، مثل التيارات المعادية، أو تيارات أخرى"[20].
أمَّا في العِراق، فقدْ وفَد الخياط الروسي بيتروف من الأمميَّة السوفيتية سنة 1929، وأقام في مدينة الناصرية، وقد أطلق الشيوعيُّون على بتروف اسمَ "بطرس أبو ناصر"، وقد انتسب يوسف سلْمان إلى الحزب الشيوعي العراقي، وكان عميلاً للصِّهْيونيَّة في نفس الوقت، وأشهر قيادات الحِزب العراقي ناجي شميل، وكوهين وناجي شاؤول، وشالوم ميير، ويوسف ساسون، وناظِم يعقوب يونا، وداود دانيبل، وهارون زلحة، وكلهم يهود.
وقد أسَّس الحزبَ الشيوعي في سوريا الأرمني أرتين مادونيان، وما لبث أن انتزعَ منه الزعامةَ خالدٌ بكداش"[21].
ثانيًا: عداء الشيوعية للإسلام:
للشيوعية موقفٌ خاصٌّ من الإسلام يمثِّله قول مولوتوف: "لن تنتشرَ الشيوعية في الشَّرْق إلا إذا أبعدْنا أهله عن تلك الحِجارة التي يعبدونها في الحِجاز وفلسطين[22]!!
فالشيوعية قد تصبِر على النصرانية، ولا تُطيق الصبر على الإسلام إلا رَيْثما تتحفَّز له، وتغلُّ أيدي أتباعه عن المقاومة؛ لأن المسيحية دينُ العدد الأكبر مِن الروسيين، والشعوب الأوربية التي تدخل في حوزة الدولة الروسيَّة، ولأنَّ النصرانية من الجهة الأخرى تدعُ شؤون الدولة للدولة، ولا تتعرَّض للنظم الاجتماعية، أو لإقامة المجتمع على أساس جديد، وقد نشأتِ النصرانية كما هو معلومٌ في بلاد تخضع للسلطة "الرومانسية" في الشؤون الدنيوية، ولسلطة "الهيكل الإسرائيلي" في الشؤون الدينية، فاجتنتْ نقض الناموس، وأوصتْ بإعطاء ما لقيصر لله والعَكس!
ولأنَّ الإسلام أخطرُ الأديان على الشيوعية، كانتْ حرب الشيوعيِّين عليه شعواءَ، وأقسى وأعنف ما تكون، فأذاقوا المسلمين الهوان، وأصابوهم بمظالِمَ تقْشعِر منها الأبدان، فجرَّدوهم من أملاكهم وما لديهم مِن ثروات، وشرَعوا يهدِمون المساجدَ والمعاهد الدينية، وحوَّلوا والمساجد إلى أندية ومقاهٍ ودور لهْوٍ، وإصطبلات وحظائر للماشية[23].
وفي وجهة نظري أنَّ هناك سببًا آخرَ للموقف المحتد تجاه الإسلام، وهو: كون الشيوعية يهوديَّة الفِكرة لهدْم الأديان، فاليهود قد وجَدُوا نفوذهم على النصارى، ابتداءً بتحريف دِينهم على يدِ شاؤول اليهودي "بولس"، وانتهاءً إلى تبرئة بابا النصارى لليهود مِن الخطيئة المزعومة مؤخَّرًا، فهم يجدُون في النصرانية وغيرها متنفسَهم للتحريف والتبديل، وهذا ما لم يستطيعوه مع الدِّين الإسلامي، خاصَّة في أصوله وأحكامه، حتى وإنْ شابَ المسلمين ضعْفٌ، إلا أنَّ الأصول لا تزال ثابتة، بحفظ الله تعالى لكِتابه وسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يجدوا طريقَهم إلا من خلال الشُّبه التي يرمونها، ويتلقَّفها مَن غُسِلت أدمغتهم مِن أبناء الإسلام أو العرب، الذين يتحدَّثون بلُغتنا، أو أولئك الذين يتبنَّونَهم من المندسِّين، وهي مع ذلك مرفوضةٌ عند السواد الأعظم مِن المسلمين - بحمد الله.
يقول د. عبدالبصير الحقرة: "وكان مِن ضِمن الأسس التي جعلَتْ هذه التيارات عمومًا - وليس الشيوعية وحدَها - تحارب الإسلام: ما يتمتَّع به الإسلامُ من أمرين:
أولاً: القُوى الذاتية التي يحملها الإسلام مِن صِدق الأصول والمرتكزات، والسمو التشريعي وواقعيته، فالجانبان أعطيَا الإسلام قوةَ النشر والدخول، والسيطرة على القارئ، أو القريب منه؛ لِمَا يحمله من قوَّة الحق الذاتي، وسمو التشريع الإسلامي ذاته، فعندما نقرأ عن انتشار المدِّ الإسلامي في العالَم كله، سنجد أنَّ نسبةً كبيرة دخلَتِ الإسلام على يدِ نِسبة كبيرة من التجَّار الذين فعَلوا الإسلامَ كتطبيق عملي، وكخُلق ذاتي لهم.
فلمَّا وجَد الناس حُسْن التعامل، وسموَّ التشريع، وموضوعية الدين وواقعيته، دخلوا الإسلام، فهذا الجانب يؤرِّق أصحابَ المذاهب الفكرية المعاصرة، قديمًا وحديثًا، وليس الموجود الآن فقط!
ثانيًا: عالمية الدِّين الإسلامي، إحدى الفرائض الموجودة في الإسلام؛ قال - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28].
فهذه المضامين في الأصول: هي التي تدفع أهلَ الإسلام دفعًا نحوَ ضرورة الانتشار للدِّين، والعمل على نشْره، وأية ديانة أخرى هي ديانةٌ متقوقِعة، وما اكتسبت المسيحية أصولَ الانتشار إلا مِن خلال تحريف "بولس" لأصول المسيحيَّة، وإلا فالمسيح في النصوص الموجودة عندهم: ذُكِر عنه أنَّه قال: "ما جئتُ إلا لخِراف بني إسرائيل الضالَّة"، ويقصد بذلك: أنَّه جاء لليهود برِسالة مخصوصة لقوم مخصوصين، لكن الذي حوَّل وطوَّر المسيحية فأخرجها مِن هذه الخصوصية لبني إسرائيل وألْبسها رداءَ العالمية، هو "بولس"، عندما ادَّعى أنَّ عيسى - عليه السلام - أمَرَه أن ينشر تعاليمَ الإنجيل في الشعوب الأخرى، فكان موضوع النشر وغيره.
فالإسلام هو الدِّين الوحيد الذي يَحمِل في أصوله قوةً ذاتية، وفرضية النشر والتبليغ، فهو الوحيدُ الذي يُوجِب على أتباعه ضرورةَ الوصول للآخَر، وإبلاغه الإسلام.
فهاتان النقطتان أقْصى ما يؤرِّق أعداء الإسلام؛ ولذلك ما يزال هو العدوَّ الأول لأصحاب التيَّارات، والعدو الأول للمسيحية، والعدو الأول لليهودية؛ لِمَا يملك من هذين العاملين: قوته الذاتية، والعالمية التي فرَضها على أتباعه بضرورة تبليغه ونشره"[24].
ومِن جهودهم: أنَّهم جمعوا نُسَخَ القرآن والأحاديث النبويَّة، وأحرقوها في الميادين العامَّة، وبطَشوا بكلِّ مَن يتوقَّعون منه المقاومة، ونكلوا بالشبَّان الأقوياء، ونشروا الخوف والفَزَع بيْن العاملين والفلاَّحين، فأقفرتِ الديار، وأجدبت المزارع، وعمَّت المجاعة، واشتدَّت قسوة الجوع على الناس، حتى أكلت الأمُّ ولدَها، وهي تبكي عليه، ثم نظروا شزرًا إلى المحسنين الذين هبُّوا لإنقاذ المنكوبين، فاتَّهموهم بالوقوفِ من السلطة موقفَ التحدِّي الذي يأخذ بأيدي ضحاياها، فقتلوهم لأنَّهم يُطعمون الجياعَ، ويعطفون على الآدمية التي يمسخُها الجوع مسخَ الضواري والسِّباع[25].
وهكذا أباد الشيوعيُّون المسلمين، واستولوا على أملاكِهم وثرواتهم، وهدموا مساجدهم، واستباحوا حُرْمتهم، وأغلقوا معاهِدَ العلم الإسلامية، وقتَلوا رجال الدين، وحرقوا المصاحف الشريفة في الميادينِ العامَّة، ومنعوا المسلمين من التمتُّع بالنُّظمِ الإسلامية، حتى في دائرة الأحوالِ الشخصية بإلْغاء المحاكم الشرعية.
وحارَب النظامُ الشيوعي الصينيُّ الدينَ الإسلامي، ولقَّن أبناء المسلمين تربيةً إلحادية، وجمَع الكتب الدينية وأتْلفَها، ويَعتبر المسلمين خارجين على القانون، ويُغلِق المدارس الإسلامية والمساجد، ويحثُّ على إقامة الولائم ظهرًا في رمضان، ويُعلِن أنَّ الدين أفيون الشعوب، وأنَّ العادات والتقاليد الدِّينية تُفسِد الأنظمةَ الاقتصادية، فهُم يجبرون النِّساء على العمل في المصانع، وعلى خلْع الحجاب والالْتزام بالسفور.
ويتلخَّص عداؤها للإسلام مِن خلال استقرائي في النِّقاط التالية[26]:
1- أنَّ الشيوعية تَعتِبر الإسلام عدوَّها الأول؛ لأنها تجد فيه النظامَ الكامل من ناحية اجتماعية وسياسية، واقتصادية وعامة، والذي يمكن أن يقفَ أتباعُه ضدَّها وهم على أرْض من الصخر، فيفنِّدون بآرائهم آراءَها، وبنظامهم نظامَها الاجتماعي والسياسي، والفكري والاقتصادي، جملةً وتفصيلاً، ففي الوقت الذي خنَع فيه أتباعُ الديانات الأخرى، فإنَّ المسلمين لا تزال فيهم بقيةٌ باقية من عنصر الإيمان يُحرِّكهم للثورة، ويدفعهم للانقضاضِ على الشيوعية؛ لذلك فهي تحْذَر المسلمين أيَّما حذرَ، مشوبًا بكراهية شديدة، تحملهم على التنكيلِ بالمسلمين متى ما أُتيح لهم ذلك، وقد فَعلُوا.
2- ضمَّ الشيوعيُّون البلادَ الإسلامية التي تُقارِبهم قسْرًا، واحتوتِ السلطة والسكَّان، واعتبرتْهم وأرضَهم جزءًا مِن أرْضها، وحالتْ دون اتِّصالهم بالعالَم الإسلامي خاصَّة، وبالخارجي عامَّة، وبالطبع ما تمكَّنوا من ذلك إلا لقُرْب هذه البلاد منهم، وإلا لو كانت بعيدةً ما تجرَّؤوا ولا استطاعوا، ومع كلِّ تلك القوَّة التي مارَسوها على المسلمين الذين يجاورونهم إلا أنَّ المسلمين ضرَبوا أروعَ الأمثلة بالمقاومة؛ وما ذاك إلا للعقيدة التي لا تُقهَر تحت أيِّ ظرْف كان صاحبها.
3- نتيجةً لكراهيتها الشديدة للإسلام وأهله فهِي تضرِب بعُنف، وهي على استعدادٍ للقضاء على كلِّ مَن تُثار حوله الشكوك بأقلِّ الشبهات، ولو أدَّى ذلك إلى قتْل شعب كامِل من الشعوب التي تتألَّف منها الإمبراطوريةُ الرُّوسية، ولنسألِ التاريخ القريب عن جُرْأتها على المسلمين.
4- تُقلِّل مِن نسبة المسلمين، وذلك مِن خلال تهجير المسلمين الذين تكْره وجودَهم في منطقة لأقلِّ الأسباب، وتبعدهم إلى مجاهيلِ سيبيريا، وتنقل الروسَ إلى أرْضهم، فيقلُّ بذلك نسبة المسلمين، في المنطقة وتفقرهم، وتدَّعي أنَّ المنطقة روسيَّة بعد أن تنقل إليها الرُّوس الجُدد، "وهذه السياسة وجدْناها بعد سقوط الاتِّحاد السوفيتي، ووجدْنا مدَى المعاناة الشديدة، والذي لم يكنِ السواد الأعظم من البلدان الإسلامية على عِلْم بما يحدُث لهم، فكان من ضِمن الأساليب: إحْكام السيطرة والتعذيب، والتنكيل بالمسلمين، والتغطية الإعلاميَّة والتكتُّم عن هذه الدول، فنحن لَم نكن نعرفُ أساسًا أنَّ هناك دولاً بهذا العدد، وبهذا الكم من المسلمين في دول مثل: كوسوفو وألبانيا، فهذه الدول كانت تحتَ وطأة الاتحاد السوفيتي قبل أن ينقسم، وكانتْ من الوسائل التي اتَّخذتها بحقِّهم هو تعميةُ الإعلام العالمي عمَّا يحدُث داخل الدولة الشيوعيَّة، والتكتُّم على هذه الأعمال الإجراميَّة، لما يحدُث لإخوانٍ لنا في الإسلام.
فهذا يكشِف عنْ مدى شدَّة كراهيتهم للإسلام، وقد رأيْنا المآسي التي آسى منها إخوانُنا في الإسلام رجالاً ونساءً في عقد التسعينيَّات، واستمرَّ أكثر من ثمانِ أو عشر سنوات مِنْ شدَّة المعاناة، وللأسف الشديد لَم نرَ فاعليَّةَ الحكومات الإسلاميَّة؛ نتيجةَ عوامل كثيرة كان منها انشغالهم بالقوميَّات والوطنيات وغيره"[27].
5- تقوم بدرْس المساجد والمؤسَّسات الإسلامية، وتُخفِي معالمها تنكيلاً، وإذا ما بقِيَ شيءٌ منها حولَّتْه لحانة خمر أو مرْقص، أو حظيرة للاستهزاء بالدِّين، وجرْح مشاعر المسلمين.
6- تلغي ماضي المسلمين، وتبدِّل أسماءَهم، وتبني لهم تاريخًا جديدًا بعدَ دمْجِهم قسرًا في حُكمها.
7- تمنع صِلةَ المسلمين في المناطق التي تسيطر عليها مع العالَم الإسلامي عامَّة، ومع العرب خاصَّة.
وهنا ذكْر لبعض البلدان التي كانتْ تحت التنكيل والسيطرة الشيوعية، بمناسبة الحديث عن المكْر الشيوعي ضدَّ المسلمين:
1- تركستان الشرقية الصينية:
تركستان منطقةٌ واسعة في وسط آسيا، تجعل منها الجبالُ التي في وسطها منطقتين، إن لم يكنْ لعامل الأرض عظيمُ قيمته، ويسكنها شعبٌ واحد، وإن لم يكن لرابط الجنس كبيرُ أثر، عُرِفت بهذا الاسم نسبةً إلى القبائل التركية التي تنتقل في أرْجائها.
وصل إليها المسلمون منذ فتوحاتهم الأولى فدانت لهم، وأقاموا فيها حكم الله، حتى إذا غلبت عليهم الدنيا ضعف أمرُهم، فغلبتهم التفرقة، وهزمتْهم الجيوش، ثم تقاسمتْها الدول، فأخَذ الروس قِسمَها الغربي، حتى عُرِف باسم (تركستان الروسية)، وسيطرتِ الصين على جزئها الشرقي، حتى عُرِف باسم (تركستان الصينية)، رغمَ أنَّ المنطقة بكامِلها تُشَكِّل جزءًا من الأمَّة الإسلامية، وتتألَّف تركستان الشرقية من خمس مناطق.
2- تركستان الغربيَّة:
منطقة واقعةٌ تحت السيطرة الروسية، في أواسط آسيا، وبيْن المرتفعات، وفي هذه المناطق الصحراويَّة عاشتْ قبائل فَرَضت عليها طبيعةُ المكان الارتحال وأجبرها الكلاء على الانتقال، يعود معظمها إلى أصْل تركي، هذا الأصل أعْطَى المنطقة الاسم، وحصل في هذه المنطقة فيما بعدُ تطوُّر على جميع النواحي رغمَ صحراويتها: تطور زراعي، وتعليمي، واستثماري صناعي، كلها عواملُ جعلت من روسيا تتهافتُ على احتلالها.
وغيرها مِن البلدان الإسلامية الكثيرة؛ كسيبريا، وقفقاسا، وأذربيجان، وداغستان.
إضافةً إلى المسلمين في البلْقان، وما ذاقوه مِن ويلاتٍ نقلتْها شاشاتُ التلفاز عيانًا جهارًا، دون أن يحرِّك العالم بأكمله ساكنًا، ومن تلكم البِقاع: ألبانيا، ويوغسلافيا.
ثالثًا: أسباب انتشار الشيوعيَّة في العالم الإسلامي:
لقد دخلتِ الشيوعية الماركسيَّة كثيرًا من بلاد المسلمين، وما كان ذلك ليتمَّ لها؛ لأنَّ مسوغات انتشارها في أوربا وروسيا كثيرة؛ وأبرزها غيابُ المنهج الصحيح وهو الإسلام.
أمَّا بلاد المسلمين، فإنَّها تنعم بالدِّين الحق، فما حاجتها - إذًا - للشيوعيَّة؟!
وكيف تسمح لمثْل هذه المذاهب الباطِلة أنْ تنخر في جسم الأمَّة، وقد أغْناها الله - عزَّ وجلَّ - بوحيِ السماء عن نتَنِ أفكار أهل الأرض؟!
والجواب عن ذلك: أنَّ الشيوعيَّة دخلتْ بلاد الإسلام لأسباب عديدة، منها:
1- انحراف كثيرٍ من المسلمين، وجهْلِهم بعقيدتهم.
2- الهزيمة النفسيَّة الداخلية، التي أفقدتِ العزَّة، ومَكَّنتِ الشيوعية وغيرها مِن الدُّخول.
3- التأخُّر المادي والعسكري، الذي مكَّن الشيوعيِّين من التفوُّق علينا، والذي يصنع الهَيْبة في نفوس المتجرِّدين من هذه القوَّة.
4- الاستعمار وما خلَّفه مِن دمار، وامتصاص المستعمرين لخيرات المسلمين.
5- حال المسلمين المتردِّية المتمثِّلة في التفرُّق والشَّتَات، واختلافِ الكلمة، ومعلومٌ أنَّ قوَّتهم في اتِّحادهم.
6- جعْل واقع المسلمين في العصور المتأخِّرة هو الصورة التي تمثِّل الإسلام، فيروج الشيوعيُّون وأذنابهم من المنتسبين للإسلام أنَّ دين الإسلام دينُ تخلُّف، وانحطاط، وتأخُّر عن مُوَاكبةِ الأحْداث.
7- انتشار الخُرافات والبِدَع؛ حيث شاعتْ في بلاد الإسلام بِدعٌ وضلالات، تروِّج لها المذاهبُ الباطلة، والطُّرق الصوفية التي تقوم على الدَّجَل، وعبادة القبور، والمبالَغة في قصص الكرامات.
كل ذلك اغتنمه الشيوعيُّون، وسدَّدوا مِنْ خلاله سهامَهم نحوَ الدين؛ ليروِّجوا أن الدِّين خرافةٌ ودجَل.
8- سقوط الخِلافة الإسلاميَّة: فلقد كانتْ تجمع المسلمين، وتُرهِب أعداءَ الله، مع ما كانتْ عليه في أواخِر عهدها من انتشار البِدَع، ونخرها في جسَد الخِلافة.
9- التقْصير في الدعوة إلى الله تعالى: ذلك أنَّ كثيرًا من المنتسبين إلى علوم الشريعة، فقد فرَّطوا في جانبِ الغَيْرة على الحق؛ خشيةَ أن يُوصَفوا بالتشدُّد أو الانغلاق، أو رغبةً بأن يُوصفوا بالانفتاح وسَعة الأفق.
10- ترْك الجهاد في سبيل الله تعالى؛ حيث ركَن أكثرُ المسلمين إلى ملذَّات الحياة الدنيا، فدبَّت إلى الجفون غفوة، فلم تكدِ الأُمَّة تستفِق منها إلا ويدٌ أجنبية تقبض على زِمامها، وتُديرها كما تَشاء.
11- تركيز الغَرْب على إفساد التعليم والإعلام والمرأة، فشوَّه الإعلامُ صورةَ الإسلام وعلمائه.
12- الابتِعاث وما فيه مِن مفاسد؛ حيث يبتعث إلى بلادِ الكُفْر مَنْ هو خالي الوفاض - في الغالب - فلا علمَ لديه، ولا ورَع يزمُّه، ولا تقوى تردَعُه، ولا عزَّة تمنعه، فيعيش في تلك البلاد فترةً من الزمان، فيتأثَّر بما فيها مِن انحلال، وفساد، وكفر، وربَّما رجَع بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقدَ شهادة أن لا إله إلا الله، فيُصبح بذلك مِعْولَ هدْم لأمَّته، وربَّما تولَّى زِمام التأثير في المجالات المهمَّة؛ فيفرغ فيها كثبةً مِن سمومه، وفساده.
13- خيانات العُملاء والمنافِقين؛ فلهؤلاء دوْرٌ كبير في نشْر الشيوعية، والتمكين لها.
14- سوء التربية؛ وذلك بأنْ ينشأ الشخصُ في بيْتٍ خالٍ من آداب الإسلام ومبادِئ هدايته، فلا يرَى فيه مَن يقوم على أمْر تربيته، وغيرها[28].
رابعًا: أعمال الشيوعيِّين ضدَّ المسلمين:
لقد أدْرَك الشيوعيُّون أنَّ للإسلام أثرًا عجيبًا في نفوس أهْله؛ وأنَّه من الصعوبة بمكان أن يتخلَّوْا عنه، أو أن يَرْضَوْا به بدلاً، كما أدْركوا أنَّ قوة الإسلام كامنة فيه، وفي مناسبته للفِطَر القويمة، والعقول السليمة.
تقول إحدى الوثائق الصادرة من جهات رسمية في الاتحاد السوفيتي: برغم مرورِ خمسين سنة تقريبًا على الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وبرغمِ الضَّرَبات العنيفة التي وجَّهتْها أضخم قوة اشتراكية في العالَم إلى الإسلام، فإنَّ الرِّفاق الذين يراقبون حركةَ الدِّين في الاتحاد السوفيتي صرَّحوا - كما تذكر مجلَّة (العلم والدين) الروسية في عددها الصادر في أوَّل كانون الثاني من سنة 1961م - بما نصُّه:
إنَّنا نواجه في الاتِّحاد السوفييتي تَحدِّياتٍ داخليَّة في المناطِق الإسلامية، وكأنَّ مبادئ لينين لَم تتشرَّبْها دِماءُ المسلمين.
ولهذا جاء في الوثيقة المذكورة بيانٌ للبنود التي يجِب على الشيوعيِّين محاربةُ الإسلام من خلالها، أختارُ بعضًا منها:
1- مهادنة الإسلام؛ لتتمَّ الغلبةُ عليه، والمهادنة لأَجَل؛ حتى نضمنَ السيطرة، ونجتذبَ الشعوب العربية للاشتراكية.
2- تشْويه سُمعة رِجال الدِّين، والحكَّام المتدينين، واتِّهامهم بالعمالة للاستعمار والصِّهْيونيَّة.
3- تعميم دِراسة الاشتراكية في جميع المعاهِد، والكليات، والمدارس في جميع المراحِل، ومزاحمة الإسلام ومحاصرته؛ حتى لا يصبح قوَّة تهدِّد الاشتراكية.
4- الحيلولة دون قيام حرَكات دينيَّة في البلاد، مهما كان شأنُها ضعيفًا، والعمل الدائم بيقظة لمحوِ أيِّ انبعاث دِيني، والضَّرْب بعُنف لا رحمة فيه لكلِّ مَن يدعو إلى الدين، ولو أدَّى إلى الموت!
5- ومع هذا لا يغيب عنَّا أنَّ للدِّين دورَه الخطير في بناء المجتمعات؛ ولذا وجَب أن نحاصرَه من كلِّ الجهات، وفي كلِّ مكان، وإلْصاق التُّهم به، وتنفير الناس منه بالأسلوب الذي لا ينمُّ عن معاداة الإسلام.
6- تشجيع الكُتَّاب الملحدين، وإعطاؤهم الحريَّةَ كلها في مواجهة الدِّين، والشعور الدِّيني، والضمير الدِّيني، والعبقرية الدِّينية، والتركيز في الأذهان على أنَّ الإسلام انتهى عصرُه.
7- قطْع الروابط الدِّينية بيْن الشعوب قطعًا تامًّا، وإحلال الرابطة الاشتراكية محلَّ الرابطة الإسلامية، التي هي أكبرُ خطرٍ على اشتراكيتنا العلميَّة.
8- إنَّ فصم روابطِ الدِّين ومحو الدِّين لا يتمَّان بهدْم المساجد والكنائس؛ لأنَّ الدين يكمن في الضمير، والمعابِد مظهرٌ من مظاهر الدين الخارجية، والمطلوب هو هدْم الضمير الدِّيني.
9- مُزاحَمة الوعي الدِّيني بالوعي العِلمي، وطرْد الوعي الدِّيني بالوعي العِلمي.
10- خِداع الجماهير بأنْ نزعم لهم أنَّ المسيح اشتراكي، وإمام الاشتراكية؛ فهو فقير، ومِن أسرة فقيرة، وأتباعه فُقراء كادحون، ودعَا إلى محاربة الأغنياء، وهذا يُمَكِّننا من استخدام المسيح نفسِه؛ لتثبيت الاشتراكية لدَى المسيحيِّين.
ونقول عن محمَّد: إنَّه إمام الاشتراكيِّين؛ فهو فقير، وتَبِعَه فُقراء، وحارَب الأغنياء المحتكِرين، والإقطاعيِّين، والمرابين، والرأسماليين وثارَ عليهم[29].
هذا فضلاً عن المخطَّطات العَملية التي قام بها الشيوعيُّون إبَّان فترة حُكْمهم بأعمال وحشية، ومذابحَ رهيبة لَم يشهد لها التاريخُ مثيلاً في أحقابه المتطاولة، وسيتضِح شيء من ذلك مِن خلال ما يلي:
أولاً: نَكبات المسلمين ومذابحهم على أيدي الشيوعيِّين:
1- الإبادة الجماعية:
أ - أعمالُهم في التُّركستان: فقد قتَل الشيوعيون في التركستان وحْدها سنة 1934م مائةَ ألف مسلِم: من أعضاء الحكومة المحليَّة، والعلماء، والمثقفين، والتجار، والمزارعين.
وقد هرَب من التركستان منذ سنة 1919م حتى اليوم مليونان ونصف مليون من المسلمين.
ومِن سنة 1932م إلى 1934م مات ثلاثة ملايين تركستاني جُوعًا؛ نتيجةَ استيلاء الرُّوس على محاصيلِ البلاد، وتقديمها إلى الصينيِّين الذين أدْخلوهم إلى تُركستان.
2- هدْم المساجد، وتحويلها إلى دُور للهو، واستخدامها في غايات أخرى، وإقْفال المدارس الدِّينية:
أ - بلَغ مجموع المساجد التي هُدِّمت أو حُوِّلت إلى غايات أخرى في التُّركستان وحْدها 6682 جامعًا ومسجدًا، منها أعظمُ المساجد الأثرية، مثل: (منارة مسجد كالان) في مدينة بخارى، و(كته جامع) في مدينة قوقان، و(جامع ابن قُتَيبة) و(جامع الأمير فضْل بن يحيى) و(جامع خوجه أحرار) في مدينة طشقند.
ومجموع عددِ المدارس والكتاتيب التي أقْفلوها في التركستان يبلغ 7052 مدرسة، منها: (ديوان بيكي مدرسة) في مدينة بُخارى، و(بكلريك مدرسة)، و(بران حان مدرسة) في مدينة طشقند، وغيرِها مِن المدارس التاريخيَّة التي كانتْ منهلاً من مناهلِ العلم والعرفان.
ب - وفي (القرم) طمسوا معالِمَ الإسلام بما فيها الجوامع الأثريَّة في مدينة (باغجة سراي) عاصِمة (القرم) الجميلة؛ مثل: (جامع حان)، وجامع (طوزيازرا)، وجامع (أصماقويو) وغيرها.
ج - وهدموا في مدينة (زغرب) في يوغسلافيا جامعًا عظيمًا شُيِّد رَمزًا لوحدة عنصري الشَّعْب الكرواتي.
وأغْلقوا في مدينة (سراييفوا) الأكاديميةَ الإسلامية العليا للشريعة الإسلامية، وجميعَ المدارس الدِّينية، باستثناء واحدة فقط، أبقَوْها للدِّعاية!
3- قتْل علماء الدِّين أو نفْيهم، أو الحُكم عليهم بالأشغال الشاقَّة، أو منْعهم من الحقوق السياسية، بل والحقوق الإنسانيَّة، وإيجاد أيَّة عقَبة أخرى تَحُول بينهم وبيْن مزاولتهم لِمهْنتهم.
وممَّن قُتِل من العلماء في تركستان الشيخ برهان البخاري قاضي القُضاة، والشيخ خان مرْوان خان مفتي بُخارَى، والشيخ عبدالمطلب واملا، والشيخ محسوب متولي، والشيخ عبدالأحد وادخان، والشيخ ملا يعقوب، والشيخ ملا عبدالكريم، وغيرهم كثيرون.
4- قتْل الزُّعماء السياسيِّين أو نفيهم: ومِن أمثال ذلك أنَّ الشيوعيِّين قتلوا في التركستان الشرقية سنة 1934م الحاجَّ خوجه نياز رئيس الجمهورية، ومولانا ثابتًا رئيس مجلس الوزراء، وشريف حاج قائد مقاطعة (ألتاء)، وعثمان أوراز قائد مقاطَعة (كاشفر)، ويونس بك وزير الدولة، والحاج أبو الحسن وزير التِّجارة، وطاهر بك رئيس مجلس النوَّاب، وعبدالله داملا وزير الأشغال، وغيرهم كثير ممَّن لا يتَّسع المقام لذِكْرهم.
وكلَّما أحسَّ الشيوعيُّون ببوادر أيَّة حرَكة قوميَّة أو إسلامية بيْن التركستانيِّين قاموا بحملة التصْفية، وهي حملةٌ يراد بها القضاء على كلِّ مَن تُحدِّثه نفسه بما قد يخالِف تعاليم آلهة الشيوعيِّين: (ماركس)، و(لينين)، و(ستالين).
5- منْع المسلمين مِن التمتُّع بالنُّظم الإسلامية في دائرة الأحوال الشخصيَّة؛ فقد أُلغيتِ المحاكمُ الشرعيَّة في جميع أنحاء الاتِّحاد السوفيتي ويوغسلافيا.
ثانيًا: نماذج من صُور التعذيب للمسلمين:
ومِن جرائمِ الشيوعيِّين التي أنزلوها بالمسلمين صورُ التعذيب، وأفانينه العجيبة، فمِن ذلك ما حلَّ بمسلِمي تركستان الشرقية، عندما رفَضُوا إلحاديةَ ماركس، التي منها:
1- دقُّ مساميرَ طويلة في رأس المُعذَّب، حتى تصل إلى مُخِّه.
2- صبُّ البترول على المُعذَّب، ثم إشْعال النار فيه حتى يحترِق.
3- جعْل المسجون المعذَّب هدفًا لرَصاص الجنود الذين يتدرَّبون على تسديد الأهداف.
4- حبْس المعتقَلِين في سجون لا تدخل إليها الشمس، ولا ينفذ منها هواء، وتجويعهم حتى الموت.
5- وضْع خوذات معدنيَّة على رأس المعذَّب، وإمرار تيَّار كهربائي فيها؛ لاقْتلاع العيون.
6- ربْط رأس المعذَّب في طرْف آلة ميكانيكية، وربْط باقي الجسم في آلة أخرى، ثم تحريك كلٍّ مِن الآلتين في تباعُد وتقارب شدًّا وضغطًا على المُعذَّب، حتى يعترفَ على نفسه وغيره، أو يموت.
7- كيُّ كلِّ عضوٍ من الجِسْم بقطعة من الحديد المحْمِي إلى درجة الاحمرار[30].
وغيرها مِن الأساليب التي يَشيب مِن هولها رأس قارئها، فكيف بمَن عاينها وعاشها - ولا حولَ ولا قوة إلا بالله؟!
خامسًا: خطر الشيوعية على الإسلام:
وبالرغم مِن وضوحِ انتماء الشيوعية لليهود، وافتخارهم وتباهيهم بها، إلاَّ أنَّ العالَم - وخاصَّة المسلمين - لا يزالون في غفْلة عن هذا الخطر المحدِق بهم، وكأنهم لا يسمعون ولا يُبصرون، ولا يعلمون شيئًا مما يحدُث، وما أحداث أفغانستان عنا ببعيد[31].
وتكْمن خطورةُ الشيوعية على المسلمين من جميع النواحي، إلا أنَّ الأخلاق والثقافة الإسلامية أهمُّها على الإطلاق؛ لأنَّ الضعف الحقيقي - في رأيي - في الأمَّة لا يتأتَّى إلا مِن خلالها.
أولاً: أثر الشيوعية على الأخلاق:
لا ريبَ أنَّ عقيدة الإنسان ترسم له طريقَه، وتحدِّد له معالِم سلوكه ومعاملاته، فالناس توجِّههم عقائدهم وأفكارهم، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خَلَل في الاعتقاد.
ولهذا فلا غروَ أن تفسدَ أخلاق الشيوعيِّين؛ لأنَّ الأصل لديها منْهار، وإذا انهار الأصْل تداعتِ الأركان والفروع.
بل إنَّ عقائدهم أحطُّ العقائد، فلا تسَلْ - إذًا - عن فساد أخلاقهم، وما يتبع ذلك مِن انحطاط سلوكهم، فالشيوعيُّون على أتمِّ الاستعداد لعمل أيِّ شيء منافٍ للأخلاق، من غشٍّ وكذب وخِداع، في سبيل تحقيق مكاسبهم، والوصول إلى غاياتهم؛ فهم يأخذون بالمبدأ الميكافيلي: "الغاية تسوِّغ الوسيلة".
يقول إنجلز: إذا لم يكن المناضِل الشيوعي قادرًا على أن يغيِّر أخلاقه وسلوكه وَفقًا للظروف مهما تطلَّب منه ذلك من كذِب، وتضليل، وخداع - فإنَّه لن يكون مناضلاً ثوريًّا حقيقيًّا.
ولهذا؛ فالشيوعيون لا يُحجمون عن أيِّ عمل مهما كانتْ بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يُصبح العالَم شيوعيًّا تحت سيطرتهم، مُتَخَلِّقًا بأخلاقهم، مؤمنًا بها، يقول "لينين" في رسالة بعَث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إنَّ هلاك ثلاثة أرباع العالَم ليس بشيء، إنما الشيء المهمُّ هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا.
ولقد طبَّقوا هذه القاعدة في روسيا أيامَ الثورة، وكذلك في الصين، حيث أبيدت ملايين مِن البشر، كما أنَّ اكتساحهم للجمهوريات الإسلامية كبُخارى وغيرها، واكتساحهم لأفغانستان، ينضوي تحتَ هذه القاعدة.
وممَّا تؤمن به الشيوعية من أخلاق، العُنفُ والسعيُ في إثارة الحِقد والضغينة في نفوس العمَّال[32].
ولذلك ما لبِثوا أن ينشروا سمومَهم في المجتمع الإسلامي، على جميعِ المستويات الاجتماعية، وخطَّطوا ودبَّروا لكلِّ فرد ما يناسبه:
فقد استغلُّوا الشباب باللهو والإغراق في الملذَّات، والدعوة للرذائل بكافَّة السُّبل التي يستطيعون، خاصَّة الإعلامية منها.
وقد خطَّطوا للمرأة، واستطاعوا أن يجعلوا مِن البعض منهنَّ أُلعوبةً في أيديهم، رائدات للشيوعية في العالَم الإسلامي، داعيات إليها بطُرق مباشرة أو غير مباشرة، وتشربها الكثير من الغافلات والمغترَّات بتلك الدعوات باسمِ الحرية، فانسقْنَ خلفها، وضاعتْ هُويَّة المرأة المسلمة.
والحال ينطبِق على ناشئة الأمَّة، وما يبثونه