استعد الإسلاميون في مصر وعدد من القوى الثورية لمليونية «عودة الشرعية» المقررة اليوم في ميدان التحرير وعدد من ميادين المحافظات بحشود توافدت على الميدان وباتت ليلتها فيه، ما ينبئ بأن التظاهرات ستكون ضخمة للاحتجاج على الإعلان الدستوري المكمل الذي أقره المجلس العسكري ومنح نفسه بموجبه صلاحيات واسعة على حساب الرئيس المنتخب.
وبدا أن قرار إرجاء نتيجة انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة أمس دفع باتجاه زيادة الحشد، إذ ما أن أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الإرجاء مساء أول من أمس، إلا وتحركت حافلات أقلت أنصار جماعة «الإخوان» وعدد من التيارات السلفية من المحافظات إلى الميدان للانضمام إلى المعتصمين. وعُلم أن تعليمات صدرت إلى المكاتب الإدارية لجماعة «الإخوان» في المحافظات لحشد الأنصار للاعتصام في التحرير والتنبيه عليهم أن الفترة قد تطول لمدة أسبوع أو أكثر.
وبدا أن الإسلاميين عموماً، وجماعة «الإخوان» خصوصاً، أرادوا توجيه رسالة تحذير استباقية إلى السلطات من التلاعب في النتيجة التي أظهرت مؤشراتها الأولية فوز مرشح «الإخوان» محمد مرسي على المرشح المحسوب على المجلس العسكري الحاكم الفريق أحمد شفيق الذي أعلن هو الآخر فوزه.
واستنفر الإسلاميون بعد إعلان اللجنة إرجاء إعلان النتيجة وتوجه آلاف منهم إلى ميدان التحرير وافترشوه بالخيام التي زادت أعدادها في شكل ملحوظ، استعداداً لاعتصام بدا أنه سيستمر أياماً، إذ لوحظ أن أعداداً كبيرة منهم ضربت خياماً كبيرة وأمنت كميات كبيرة من الأطعمة والمياه. وانتشر مئات في أطراف الميدان والحدائق القريبة منه ونصبوا خيامهم فيها.
وواصل المعتصمون تظاهراتهم أمس رغم ارتفاع درجات الحرارة وصبوا جام غضبهم على المجلس العسكري وقياداته، ورددوا هتافات من بينها «يسقط يسقط حكم العسكر» و «يا مشير قُل لعنان، الشرعية في الميدان»، في إشارة إلى نائب رئيس المجلس العسكري الفريق سامي عنان، و «ارحل... ارحل» و «المرة دي بجد، مش حنسيبها لحد» و «الصلاحية الصلاحية، مرسي حيمشي الحرامية» و «باطل باطل» و «المجلس من غير شرعية ومرسي رئيس الجمهورية» و «يا طنطاوي قول الحق مرسي رئيسك ولا لأ».
ورفض المعتصمون زيارة الميدان من شخصيات رأوا أنها محسوبة على المجلس العسكري، وطردوا عضو البرلمان المنحل إيهاب رمزي، وظلوا يهتفون خلفه: «فلول، فلول» إلى أن غادر الميدان، في مشهد تكرر مراراً أيام «ثورة 25 يناير». وأغلق المعتصمون الميدان من كل الجهات، كما أغلقوا جسر قصر النيل الموصل إليه استعدادا لمليونية اليوم. ونصبوا منصة رئيسة كبيرة في مواجهة الحديقة المركزية من ناحية الجامعة الأميركية لإلقاء المتحدثين خطبهم من عليها. وتوقع أحمد سبيع المسؤول في حملة محمد مرسي أن يزور المرشح الرئاسي الميدان اليوم ويشارك المتظاهرين احتجاجهم.
من جانبه، نفى القيادي في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لـ «الإخوان»، محمد البلتاجي ما تردد عن اعتزام مرسي تأدية اليمين الدستورية في ميدان التحرير اليوم. وقال لـ «الحياة»: «نتظاهر ليس لتأدية اليمين ولكن لإسقاط الإعلان الدستوري الجائر وأيضاً رفضاً لقرار حل البرلمان»، معتبراً أن «إرجاء إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة يأتي في إطار الضغط على الإخوان ومساومتهم لتمرير الإعلان الدستوري المكمل الذي يعني في حقيقة الأمر النكوص عن عهود تسليم السلطة».
وكان ميدان التحرير اكتظ مساء أول من أمس بآلاف المتظاهرين الذين رددوا هتافات ضد المجلس العسكري، ووزعوا بيانات في الميدان تؤكد أن «المجلس العسكري انقلب على الثورة بإصداره الإعلان الدستوري المكمل ومنح ضباط الشرطة العسكرية والاستخبارات الحربية سلطة الضبطية القضائية للمدنيين». ودعوا «جموع المصريين إلى النزول إلى الميادين والاعتصام فيها لمواجهة هذا الانقلاب».
وردد المتظاهرون الأناشيد والأغاني الحماسية والهتافات المنتقدة للعسكر، كما نال شفيق قدراً من الهجوم ورفع عشرات صوراً لمرسي. وزار المحامي السلفي المُبعد من انتخابات الرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل الميدان للمرة الثانية، لكن هذه المرة بدا أكثر حدة في انتقاد المجلس العسكري، إذ قال مخاطباً المتظاهرين من على المنصة الرئيسية: «أبرئ نفسي من أن ينفض الميدان من دون زوال المجلس العسكري... الإعلان الدستوري المكمل ليس انقلاباً على الحكم وإنما احتلال للبلاد. القوات المسلحة دورها الأساسي حماية الشعب وليس التحكم فيه».
ولم يقف الحشد على جماعة «الإخوان» وحدها، بل استنفرت القوى الإسلامية كلها للمشاركة في ما بدا أنه سيكون «عرضاً للقوة». وأعلن حزب «النور» السلفي المشاركة في التظاهرات في ميدان التحرير وكل ميادين مصر. وقال الناطق باسم الحزب يسري حماد إن «الحزب قام بحشد أبنائه من جميع المحافظات، للمشاركة في المليونية في ميدان التحرير وجميع الميادين».
وأوضح في تصريح أن الهدف من التظاهرات «هو الاعتراض على صدور الإعلان الدستوري المكمل بما فيه من الاعتداء على حق الشعب المصري في تقرير ما يناسبه، ومن دون وصاية من المجلس العسكري، ورفضاً لقرار حل مجلس الشعب، أو التلاعب في إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، ورفضاً لتدخل المجلس العسكري في عمل الجمعية التأسيسية سواء بالوصاية على التشكيل أو طريقة التصويت أو الاعتراض على بنود الدستور التي ستتفق عليها القوى السياسية بالمعايير التي وضعت سابقاً».
وطالب المتظاهرين بـ «الالتزام بسلمية الثورة وحماية المنشآت العامة والخاصة، وعدم التعرض للمخالفين، أو الاستجابة لأي دعوات تهدف إلى إحداث نوع من الفرقة أو التخريب المتعمد، أو الاستماع للإشاعات التي بدأت تنتشر بشدة بهدف إحداث وقيعة بين الشعب ومؤسساته الوطنية».
وأكد نائب رئيس جماعة «الدعوة السلفية» ياسر برهامي في تصريح أن الدعوة السلفية ستشارك في المليونية احتجاجاً على الإعلان الدستوري المكمل. وطالب المتظاهرين «بالالتزام بسلمية الثورة وعدم السماح بحدوث أي فوضي أو الاعتداء على المؤسسات الخاصة أو العامة وعدم الانسياق وراء الإشاعات».
وطالبت «الجبهة السلفية» جموع المصريين بـ «الاعتصام في ميدان التحرير لمواجهة أي محاولة لتزوير إرادة الشعب أو تسليم السلطة منقوصة». وقالت في بيان: «بعد عام ونصف العام من الثورة، كسر المصريون قيودهم واختاروا رئيسهم، والآن لاحت للكل محاولات الانقلاب على إرادة المصريين واختيارهم، واغتصاب سلطات الرئيس القادم بإعلان دستوري يسرق صلاحياته، واغتصاب سلطات البرلمان التشريعية بإصدار قوانين تكرس لمزيد من هيمنة العسكر».
وتشارك قوى ثورية وشبابية في التظاهرات اليوم. وقال الناطق باسم «حركة 6 أبريل» محمود عفيفي لـ «الحياة» إن الحركة عقدت اجتماعاً أمس لمناقشة كيفية التصدي لـ «انقلاب المجلس العسكري على الثورة بقراراته الأخيرة»، مشيراً إلى أنه «تقرر المشاركة في مليونية اليوم لرفض الإعلان الدستوري المكمل وكذلك للتأكيد على ضرورة إعلان نتائج الانتخابات من دون أي تلاعب».
وأوضح أن «الحركة لديها قناعة بأن إرجاء إعلان النتيجة هدفه ممارسة ضغوط على جماعة الإخوان لتقبل الإعلان الدستوري مقابل إعلان فوز مرسي». وأضاف: «ليس الإخوان وحدهم من يرفضون الإعلان الدستوري... كل قوى الثورة ترفضه». وأضاف أن اتصالات تمت مع حركة «الاشتراكيين الثوريين» و «ائتلاف شباب الثورة» وأكدا مشاركتهما في المليونية.