رحم الله الدكتور أنور عبدالملك الباحث والمفكر الاستراتيجى والمناضل السياسى الحقيقى الذى رحل فى صمت فى باريس عن عمر يناهز 88 عاما, ولم ينتبه الكثيرون إلى رحيله وسط صخب وضجيج الصراع المحتدم على السلطة حاليا فى مصر بين الإخوان والعسكر. الدكتور عبد الملك نتذكر بعض أفكاره وآراءه ونحن نعيش لحظة مشابهة تدفع بالمشهد السياسى الآن إلى سيناريو الصدام، وتكرار مشهد ولحظة تاريخية عنيفة فى التاريخ السياسى المصرى القريب بين الضباط الأحرار لثورة يوليو، والإخوان فى عام 54 والتى وصفها المفكر الراحل بأنها «حرب وصدام فى الظلام» على السلطة وانتهت نهاية مأساوية للجماعة.
ربما لا تتشابه الظروف هذه المرة، لكن يبدو أن التاريخ المصرى يتميز عن غيره بتكرار نفسه أحيانا بنفس الأطراف والتفاصيل، ولكن فى ظروف مختلفة، فالعلاقة بين العسكر والإخوان عقب الثورات تبدأ بالتقارب والتعاون، ثم سرعان ما تنقلب إلى محاولات احتواء سياسى وصدام مباشر، وهذا ماحدث عقب ثورة يوليو التى أصدر قادتها قرارات سريعة لصالح جماعة الإخوان، منها الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، خاصة من الإخوان وإعادة التحقيق فى مقتل الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة، وإشراك الإخوان فى وزارة محمد نجيب، حيث كانت تلك بداية الزهو بالقوة والطمع فى السلطة، وهنا كانت بداية طريق الصدام وإظهار العداء السافر للثورة والاتصالات مع الإنجليز وتطور الأمر حتى جاء قرار حل الجماعة وغلق مركزها العام واعتقال أهم كوادرها.
التشابه فى البدايات، حدث أيضا عقب ثورة يناير بالإسراع إلى القصر والاجتماع مع عمر سليمان ثم قرار الإفراج عن أهم قيادات الجماعة، خيرت الشاطر وحسن مالك، وتأييد الإعلان الدستورى والحشد للتصويت له، وتأييد حكومة الجنزورى رغم رفض القوى السياسية والثورية، ومع الإحساس بالقوة بدأ الصدام السياسى برفض وثيقة السلمى، والدخول فى معارك مع حكومة الجنزورى والقضاء، ثم اللحظة التى نعيشها الآن من ترويع وتهديد بالثورة فى حالة عدم فوز مرشح الجماعة محمد مرسى. نحن قد نكون على بعد خطوات قليلة من تكرار الأحداث، وبالتأكيد لا نتمنى ذلك، فالخسارة لن تكون فقط للإخوان والعسكر وإنما للوطن كله، ونتمنى أن تحتكم الأطراف إلى لغة العقل والحكمة هذه المرة.