الطائفيون ليسوا طائفيين لأنهم يكرهون مخالفيهم فى الدين فقط، لكنهم طائفيون لأنهم يكرهون أى مختلف معهم فى الرأى أو العقيدة أو المذهب أو المنهج.. نقول هذا بمناسبة التحليلات الطائفية والعرقية التى انتشرت لتفسير التصويت فى انتخابات الرئاسة.. يستسهل البعض إطلاق الأحكام متجاهلا اتجاهات التصويت التى تشير إلى قسمة بين شفيق ومرسى بفروق بسيطة.. قسمة لا تعنى أن النصف يؤيد الإخوان والنصف يؤيد النظام السابق، فهى رؤية تختصر الشعب المصرى فى الإخوان ومبارك، وتتجاهل أربعة أخماس الشعب ممن لا ينتمون إلى أى من الفريقين، بعضهم ينتمى لتيارات تمتد من اليسار إلى اليمين إلى الوسط وأغلبية لا تنتمى فكريا أو تنظيميا لأى تيار.. وكانت الأصوات موزعة بين من يرون فى هذا المرشح أو ذاك أهون الشرين وليس المرشح المناسب.
لقد تجاوز البعض فى عنصريته ليرى محافظة المنوفية أو الغربية للفلول، أو أن الأقباط صوتوا للنظام السابق، أو النظر للوجه القبلى أنه مع الثورة والبحرى ضدها، ومن يقسم الشعب إلى نصفين، خائن ووطنى، والبعض يطالب بمحاكمة من صوتوا لأحمد شفيق فى حال فوز مرسى، أو العكس، وكلها تفسيرات تكشف عن خيال مريض، ورؤية طائفية وعنصرية.
لقد كان التصويت عكسيا بهدف الإسقاط وليس بهدف الإنجاح. واختيار الأقل ضررا من وجهة نظر المصوتين، وليس بمعنى أن نصف الشعب فلول ونصفه إخوان، أو نصفه مع الثورة ونصفه ضدها، بينما الخريطة أوسع وأكثر عمقا، والواقع السياسى والاجتماعى مازال يعانى من تأثيرات النظام السابق بالفعل من جهة الاستقطاب الحاد والتلاعب بالمشاعر والتخويف والتخويف المضاد وكلها أمور انتخابية يدخل بعضها فى صورة الابتزاز.
ولا يمكن لمنصف إنكار أن من صوتوا لمرسى أو شفيق مصريون بعيدا عن النظرة لكل مرشح، كما أنهم يرون مصالحهم مع هذا أو ذاك، بعيدا عن التقييم المتعسف الذى يشق الصف، ويهدد الحرية التى قامت الثورة من أجلها، هو خوف من الحرية أكثر مما هو خوف عليها، هذه التقسيمات أدت إلى حروب أهلية وطائفية فى دول كثيرة، وهذه النظرة العنصرية الطائفية تشق المصريين وتفرقهم لصالح كل متسلط، سواء كان العسكر أو الجماعة أو النظام السابق.
ربما يحتاج المنصفون إلى قراءة علمية للتصويت فى الانتخابات الأخيرة وفى الإعادة، على ضوء التصويت فى المرحلة الأولى التى كان التصويت فيها واضحا، المرشحون المستقلون حصلوا على 9 ملايين صوت مقابل خمسة لكل من مرشحى الاستقطاب، وقد توزعت الأصوات على مرشحى الإعادة، الأمر الذى ينفى التقسيم المتعسف للطائفيين العنصريين.
وعلى العنصريين والطائفيين الجدد أن يتوقفوا، وأيضا على الرئيس القادم أن يقرأ الأصوات على أنها كانت لإسقاط خصمه، أكثر منها لإنجاحه، وهو نفس ما يفترض أن يقرأه الطريق الثالث الذى لم يولد بعد.