وهل هناك غيره ممن يتسمى بهذا اللقب؟ نعم هناك غيره، ولكن ليس هناك مثله.
إنه نايف بن عبد العزيز.
ذلك الإنسان الذي كلما رأيته تولد لي إحساس أنه لم يرتح يوما واحدا في حياته، من كثرة ما كان يحمل على كاهله من كبر المسؤولية، وكثرة التحديات التي يتصدى لها بكل شجاعة ومن دون كلل أو ملل.
ذهبت إلى مكتبه يوما حسب موعد مسبق، وكان معنا شخص ثالث فصرفه، فشعرت حينها بالقلق وأصبحت كمن على رأسه بطحة يريد أن يمسح عليها.
فتبسم رحمه الله بوجهي وكأنه يريد أن يطمئنني، وبعد صمت ليس بالطويل قال لي: اسمع يا مشعل، هناك حقيقة ثابتة وصحيحة تقول: إن هناك نعمتين لا ينتبه لهما الإنسان أو يعرفهما إلا إذا فقدهما، وهما: الصحة بالأبدان، والأمان في الأوطان.
أما الصحة بالنسبة للفرد فموضوعها أسهل لأنها تخص الإنسان وحده، وتبعاتها تعود عليه وإليه. غير أن (الأمان) مختلف جدا، وهو القضية الكبرى التي لا يمكن المساومة عليها، إنها ليست بلعبة، فدونها (خرط القتاد)، وما دمت قد وُليت هذه المسؤولية، فلن يغمض لي جفن إلا أن أطمئن إلى أن كل رجل وكل امرأة وكل طفل في هذا الوطن ينام وهو آمن بسربه.
كان يتكلم بصدق أذهلني وتمنيت لو أنه لم يتوقف.
وفي العشرين سنة الأخيرة حارب الإرهاب والأفكار الشاذة المنحرفة التي اجتاحت منطقتنا العربية، حاربها من دون هوادة وبكل عزيمة وشدة ورحمة كذلك، ولم يضع السيف يوما في موضع الندى، وكذلك لم يضع الندى في موضع السيف.
وهو أول من ابتكر فكرة (المناصحة) بالتي هي أحسن وأقوم وأعقل، واستطاع أن ينتصر على الإرهاب والتطرف بالكلمة والفكر الحكيم الرشيد، وشهد له العالم كله بذلك.
وقبل وفاته بثلاثة أيام، كنت أشاهد بالصدفة برنامجا تلفزيونيا على قناة (الإخبارية)، وكان من ضمن فقراته وجود طفل كفيف من الممكن التغلب على عماه.
ويبدو أن الأمير في ذلك الوقت كان أيضا يتفرج على البرنامج، وما هي إلا عشر دقائق وقبل أن ينتهي البرنامج، وإذا بالمذيع يقول: أتتنا الآن مكالمة من الأمير نايف بالتكفل بعلاج الطفل حتى يعود له بصره بإذن الله، وانقلب (الاستديو) من الحزن إلى الفرح والدعوات، ولا أنسى ضحكة ذلك الطفل التي جعلت الدموع تترقرق في عيني.
ومن الصعب أن أقول: في الليلة الظلماء يفتقد البدر، فوطننا ولله الحمد به رجال يحملون اللواء كابرا عن كابر، غير أن فقد العزيز ليس بهين، فاعذروني.
رحم الله (أبو سعود) بقدر ما أحب بلاده ودافع عنها.