كنت احب أبي حبا ملك علي كل مشاعري وحواسي وقدرتي علي فهم الامور. كان ابي هو وطني الاول . وحين كبرت وباعدت بيننا المسافات الجغرافية والثقافية بقيت في مكامن روحي مساحة خاصة لما علمني . ولعل جزءا من هذا التراث الشخصي هو حب الوطن.
رغم انني وبحكم الدراسة والزواج والعمل امضيت ثلثي عمري بعيدا عن وطني مصر مازلت اشعر بأن مصريتي راسخة لا تتزحزح. فهي الاساس . مثل فص ماسي يخطف العيون تصطف من حوله احجار متنوعة ومتفاوتة القيمة والالوان لكي تبرزه وليس لكي تحجبه عن الرؤية.
اليوم تستولي علي فكرة الوطن والمواطنة وموقعها في وجدان كل انسان. فماذا تعني لي ولك كلمة وطن؟ هل هو مكان تشعر فيه بحقوق الملكية؟ مكان يوفر لك بيتا وصبحا ووردا و يجمعك باقارب واصدقاء ويذكرك بطفولتك وشبابك وبموقعك علي خارطة المجتمع؟ هل لوطنك حق عليك؟ ان اجبت بنعم فما هو ذلك الحق في رأيك؟ لو اصبحت ذات يوم ووجدت نفسك حاكما لوطنك فماذا تكون فاعلا ؟ هل تشكر حظك السعيد وتتمتع بالملك وتفصل نفسك في قصر عال كبير وتكتفي بسماع الهتافات التي تطلقها الحشود من دون ان تسأل لماذ يهتفون وبأمر من؟
ولعل السؤال الذي يرهبني كثيرا هو: هل يمكن لانسان سوي ان يخون وطنه؟ الا يكون مثله مثل الذي يذبح اباه وامه ؟
ماذا يريد الانسان من وطنه؟ هذا هو سؤالي اليوم. اتمني ان يجيبني عليه من يستطيع الاجابة ببساطة وبدون لف ولا دوران. ومن لا يستطيع فليقرأ ما يقوله الاخرون. وماذا يريد من أولي الامر في الوطن؟ ولماذ نحن شعوب تخاف من سلطة الحاكم؟ هل الحاكم يحكم بأمر الله؟ ام انه انسان مثلي ومثلك مكلف بمسئولية اكبر من ان يتحملها شخص عادي؟
هناك فرق كبير بين احترام الكبير والخوف منه.
المثل يقول ان الماء يكذب الغطاس. ولو اتيحت لكل منا فرصة افتراضية لأن يكون حاكما لوطنه فليطلق لخياله العنان وليفكر ماذا تكون خطواته الاولي في الحكم بحيث ينام الليل وهو نقي الضمير واثقا من انه لا يفعل في السر ما ينكره في العلن .