كلمة الصباح الفن في الحب والمحبة كيف ندركه؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الفن في الحب والمحبة ... كيف ندركه ؟؟؟
إن جميع المحاولات للوصول إلى الحب الحقيقي سيُقضى عليها بالفَشَل ما لم نحاوِل محاولةً أكثر فعالية لتطوير شخصيتنا الكلية ، وذلك لكي نحقق هدفًا منتِجًا في فهمنا لكنه أنفسنا ، فعملية الإشباع للحب الفردي لا يمكن الوصول إليها بدون مقدرة على محبة الجار وبدون التواضع الحقيقي والشجاعة والإيمان والنظام .
هل الحب يمكن اعتباره نوع من الفن ...!!!
إذا حدث لاثنين يكونان غريبين أن سمحا فجأة للحائط بينهما أن يسقط وشعرا بالقربة بينهما ، وبأنهما أصبحا كياناً واحدًا ، فإن هذه اللحظة الخاصة بالشعور بالواحدية هي من أشد التجارب انبعاثًا للبهجة والإثارة . وهذه التجربة تكون باعثة أكثر للدهشة والإعجاز بالنسبة للأشخاص المنعزلين المتوحدين الذين بلا حب . وهذه الأعجوبة الخاصة بالحميمية الفجائية غالبًا ما تكون أمرًا سهلاً إذا ما اقترنت أو صدَرَت بجاذبية وتحقق جنسيين . وهذا النمط من الحب لا يدوم بطبيعته نفسها . فالشخصان يزدادان تعرفًا على بعضهما ، وتشرع حميميتهما في فقدان طابعها الإعجازي إلى أن يقتل تطاحنهما وخيبات أملهما وهمهما المشترَك ما يتبقى من الإثارة الأولى . ومع هذا فإنهما في البداية لا يعرفان كل هذا : إنهما يعتبِران شدة الافتتان ، هذه "الجنة" ببعضهما دليلاً على شدة حبهما ، بينما لا يبرهِن هذا إلا على درجة وحدتهما السابقة .
إلى جانب تعلِّم النظرية والتطبيق يوجد عامِل ثالِث ضروري لكي يصبِح الإنسان أستاذًا في أي فن – يجب أن تكون مسألة السيطرة على أي فن مسألة اهتمام قصوى . لا يجب أن يكون هناك أي شيء في العالَم أكثر أهمية من الفن . إن الوحدة المتحققة في العمَل الإنتاجي ليست وحدة بين أشخاص ، والوحدة المتحققة في الاندماج العربيدي وحدة مؤقتة ، والوحدة المتحققة عن طريق الامتثال ليست سوى وحدة زائفة. ومن ثم فهي ليسَت سوى حلول جزئية لمشكلة الوجود . ويكمن الحل الكامن في تحقيق الوحدة بين الأشخاص ، في تحقيق الاندماج مع شخص آخَر في الحب .
هذه الرغبة للاندماج مع شخص آخَر هي أكبر توق يسعى له الإنسان . إنها تمثل أشد عواطفه جوهرية ، إنها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسِكًا وكذلك القبيلَة والأسرَة والمجتمَع . والفشَل في تحقيق هذا الاندماج يعني الجنون أو الدمار – الدمار للذات أو الدمار للآخَرين . فبدون حب ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يومًا واحدًا .
وفي مقابل الوحدة التكافلية ، نجد أن الحب الناضِج هو الوحدة بشرط الحفاظ على تكامل الإنسان ، الحفاظ على تفردية الإنسان . الحب هو قوة فعَّالَة في الإنسان ، قوة تقتحِم الجدران التي تفصِل الإنسان عن رفاقه ، والتي توحِّده مع الآخرين . فالحب يجعله يتغلَّب على الشعور بالانفصال والعزلة . ومع هذا يسمح له أن يكون نفسه ، أن يحتفِظ بتكامله . ففي الحب يحدث الانفراق : اثنان يصبحان واحدًا ومع هذا يظلان اثنين .
هذا الموقف الخاص بالتأمل المركَّز هو أقصى نشاط قائم ، نشاط للنفس لا يكون ممكنًا إلا في ظل الحرية الباطنية والاستقلال . فهناك مفهوم آخَر للنشاط يشير إلى استخدام القوى المغروسة للإنسان بصرف النظر عما إذا كان قد حدث أي تغير فجائي... إن الإنسان وهو يمارس شعوره الإيجابي يكون حرًا ، يكون سيد شعوره . وهو عندما يمارس شعورًا سلبيًا يكون مساقًا ، يكون موضوع للدوافع التي لا يعيها هو نفسه . ومن ثم يصل اسبينوزا إلى عبارته القائلة بأن الفضيلة والقوة شيء واحد وهما الشيء نفسه ، إن الحسد والغيرة والطموح وأي نوع من الشرَه هي مجرد أهواء ، وأما الحب فهو فعل ممارسة للقوة الإنسانية التي لا يمكن ممارستها إلا في الحرية ولا يتم ذلك كنتيجة إرغام على الإطلاق .
الحب نشاط ، وليس شعورًا سلبيًا ، إنه "الوقوف" وليس "الوقوع" وبأشد الطرق عمومية يمكن وصف الطابع الإيجابي للحب بقولنا أن الحب هو أساساً بالعطاء وليس بالتلقِّي .
ما هو العطاء ؟ إن أكبر سوء فهم واسع النطاق ، هو ذلك الذي يفترِض أن العطاء هو "التخلي عن" شيء ، أو هو الحرمان ، أو هو التضحية .
علينا أن ندرك بأن العطاء أكثر ابتعاثًا للفرح من التلقي ، لا لأنه حرمان ، ولكن لأن في فعل العطاء يكمن التعبير عن الاتقاد بالحياة . ومن يكن قادرًا على أن يعطي من ذاته فهو الغني ، وهو من يعيش نفسه كإنسان يستطيع أن يعطي نفسه للآخَرين . إن أهم مجال للإعطاء ليس هو مجال الأشياء المادية ، بل هو المجال الذي يكمن في العالَم الإنساني بصفة خاصة . فماذا يعطي الإنسان للآخَر ؟ إنه يعطي من نفسه، من أثمن ما يملِك ، إنه يعطي من حياته . وليس هذا يعني بالضرورة أن يضحي بحياته للآخَر – بل إنه يعني أنه يعطيه من ذلك الشيء الحي فيه ، إنه يعطيه من فرحه ، من شغفه ، من فهمه ، من علمه ، من مرحه ، من حزنه – من كل التعابير والتجليات لذلك الشيء الحي الذي فيه . وهكذا بإعطائه من حياته إنما يثري الشخص الآخَر ، إنه يعزِّز شعور الآخَر بالحياة وذلك بتعزيزه لشعوره هو بالحياة . إنه لا يعطي لكي يتلقى ، العطاء هو في حد ذاته فرح رفيع ... العطاء يتضمن جعل الشخص الآخَر معطاءً أيضًا ، والاثنان يشتركان في فرح ما قد حملاه إلى الحياة . ففي فعل العطاء يولد الشيء ، وكلا الشخصين يكونان شاكرين للحياة التي تولد لهما كليهما . ويعني هذا بالنسبة للحب أن الحب قوة تنتج الحب .
وليس من الضروري أن نؤكِّد أن القدرة على الحب كفعل للعطاء إنما تتوقف على طبيعة تطور الشخص ذاته . إنها تفترِض اجتياز نزوع منتِج على نحو سائد ، وفي هذا النزوع يكون الشخص قد قهر التبعية والشمولية النرجسية والرغبة في استغلال الآخَرين أو في اكتناز المال ، ويكون قد حصل على الإيمان بقواه الإنسانية والشجاعة في الاعتماد على قواه في الحصول على أهدافه . وهو بقدر ما تكون هذه الصفات ناقِصَة يكون خائفًا من إعطاء نفسه – ومن ثم يكون خائفًا بحق من الحب .
وبجانب عنصر العطاء ، فإن الطابع الإيجابي للحب يصبح جليًا من أنه يتضمَّن دائمًا عناصر رئيسية معينة شائعَة في جميع أشكال الحب . هذه العناصِر هي : الرعاية والمسؤولية والاحترام والمعرفة .