مدخل مقترح لتطوير
التدقيق الحكومي لمكافحة الفساد في العالم العربي
فى ظل الاقتصاد المبني على المعرفة
الأستاذ الدكتور غالب عوض الرفاعي الدكتور أحمد حلمي جمعة
(1) المقدمة
تكتسب قضية مكافحة الفساد فى ظل الاقتصاد المبني على المعرفة* Knowledge Based Economy قدراً كبيراً من الدعم والتأييد، وأضحي لها ما يشبه المكانة الرسمية في الخطاب الدولي والعربي وتتعاون بانتظام منظمات لها تقديرها واحترامها للتباحث بشأن مكافحتها في مختلف بلدان العالم، ولذلك أضحي مكافحة الفساد كظاهرة عالمية من أهم القضايا المثارة حالياً للأسباب التالية(1):
(1) علاقة الفساد بتمويل الإرهاب وتشجيع منظمات العنف.
(2) تعدد مجالات الفساد التي يتم الكشف عنها في مختلف دول العالم التي تزداد بشكل مطرد وفقاً لمؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية (ITO ) International Transparency Organization عام 2003.
(3) ارتفاع مستوي الفساد يجعل السياسات العامة عديمة الجدوى وبالتالي تحويل الاستثمار والأنشطة الاقتصادية بعيدا عن المسارات الإنتاجية لتتجه نحو أنشطة سرية تدر عائدات مالية مرتفعة.
(4) حاجة الدول النامية والمتقدمة على حد سواء إلى التنمية الاقتصادية المستدامة.
(5) أن أغلب حكومات العالم قد وضعت قوانين أو في طريقها لوضع قوانين لمطالبة كافة المنظمات الحكومية وغيرها بمكافحة الفساد.
(6) إن أغلب الحكومات التي وضعت القوانين ستطلب من المنظمات المختلفة وضع برامج لمتابعة الالتزام بهذه القوانين واختبار مدى مكافحة الفساد وخصوصاً المنظمات الحكومية.
ومما لاشك فيه أن الأسباب السابقة سوف تلقي بظلالها على مهنة المحاسبة من خلال ضرورة تطوير الأنظمة الرقابية( بيئة الرقابة) والمحاسبية فضلاً عن تطوير المهام والمسؤوليات للمحاسبين والمدققين الداخليين والخارجيين والحكوميين لبذل العناية المهنية لمنع واكتشاف وتصحيح عمليات الفساد لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وعلى الرغم من التطورات المهنية والتقنية الهائلة التي دعمت مهنة التدقيق على مستوي العالم خصوصاً في ظل الجهود المبذولة من قبل المعهد الأمريكي للمحاسبين AICPA ومكتب المحاسب العام GAO و معهد المدققين الداخليين IIA في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الدولي للمحاسبين IFAC، إلا أن مهنة التدقيق لم تواجه مع بداية الألفية الثالثة بمثل ما واجهته من حالة عدم اتزان وضعف وتدهور نتيجة لسلسلة الفضائح المالية والمحاسبية التي أصابت العديد من كبرى الشركات العالمية، والتي كشفت النقاب عن حجم الفساد المختلط بين القطاعين الحكومي والخاص وتورط قادة سياسيين، وعدم الشفافية المنتشرين في أوساط المال العالمية، وعن توجيه الأدب المحاسبي للمزيد من الاهتمام بدراسة أسباب الفساد وكيفية مكافحته.
وفي إطار مكافحة الفساد كظاهرة عالمية فقد أعدت هيئة الأمم المتحدة مشروع اتفاقية دولية** لمكافحته في صورة كافة، فتشير المادة الأولى إلى أن أغراض الاتفاقية الدولية هي(2):
1- ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة اكفأ وانفع.
2- ترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد بما في ذلك استرداد الموجودات.
3- تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشئون والممتلكات العمومية.
وتعد هذه الاتفاقية امتداد لاتفاقيات جماعية(3) كثيرة أبرمت خلال عقد التسعينات**، وبخصوص الأوضاع في الدول النامية فقد نشرت هيئة الأمم المتحدة وثيقة بعنوان (4):" الفساد ومبادرات تعزيز النزاهة في البلدان النامية".
وفي نفس الإطار وضعت الإدارة الأمريكية(5) آلية جديدة للاستفادة من برامج المساعدات تسمى حساب تحدي الألفية (MCA) Millennium Challenge Accountبهدف تقديم برنامج مساعدات لمجموعة الدول النامية، ومنها الدول العربية وتأكيد التزامها بتطبيق مقررات مؤتمر Monterrey الذي عقد بالمكسيك عام 2002، كما تم تشكيل هيئة حكومية مستقلة(MCC) Millennium Challenge Corporation للأشراف على تنفيذ برنامج المساعدات خلال العام المالي 2004 وما بعد.
وعلى الجانب الأخر نجد أن الدول العربية تقوم بجهود حثيثة لمكافحة الفساد على كافة المستويات لمواجهة تمويل عجز الموازنة العامة الناتج عن انخفاض الإيرادات وزيادة النفقات عن طريق تحديث التشريعات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية، وتطوير سياسات التصحيح/ الإصلاح الاقتصادي وقد كان موضوع مكافحة الفساد من أهم التكليفات للحكومات الجديدة فى العديد من الدول العربية نظراً لتأثيره على السياسات المتعلقة بالأجور والأسعار، وعلى تطوير قطاعات التعليم والصحة والعدالة وغيرها، كما عقد ونظم العديد من المؤتمرات والندوات، ولكنها تركزت حول التشريعات والآثار القانونية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالفساد.
مشكلة وأهمية الدراسة:
واليوم يبحث المجتمع عن دور مهنة المحاسبة في مكافحة الفساد الذي تتركز أغلب أبعاده على البعد المالي من خلال حركة الأموال، نتيجة للفضائح المالية للفساد المختلط بين القطاعين العام والخاص وعلى الموظفين الحكوميين(الرسميين) والقطاع الحكومي(العام) بأشكاله وصورة المختلقة وأركانه المتعددة، ودعوة مجلس الاتحاد الدولي للمحاسبين IFAC في 24/5/2004 لتطوير المساهمة بالنقاشات القومية والعالمية وضمان أن المعركة ضد الفساد تقدمت بوجود أعضاء مهنة المحاسبة الذين يلعبون دورهم الكامل لخلق الثقافة التي فيها لا يمكن أن ينجو الفساد، وخصوصا في اقتصاديات الدول النامية والناشئة Particularly in Developing and Emerging Economies .
ويري الباحثان أنه على الرغم من تأخر أو قصور الدور المحاسبي وخاصة الأكاديمي في مجال مكافحة الفساد الذي ربما يعود إلى اختلاف وجهة نظر المجتمع في الماضي إلى دور مهنة المحاسبة في هذا المجال بقدر التركيز على العقاب القانوني للمفسدين و/ أو صعوبات الكشف عنه، و/ أو تركيز البحث المحاسبي على قطاع الأعمال أكثر من القطاع الحكومي، نجد أن الأدب الاقتصادي(6) قد قدم العديد من الإسهامات العلمية في هذا المجال على الرغم من عدم وجود مقياس صادق له أو يحظي بالقبول العام.
وانطلاقا من النقطة السابقة تبرز أهمية هذه الدراسة في ضرورة توجيه جهود الأدب المحاسبي لتطوير وتفعيل دور مهنة المحاسبة في الدول العربية عامة والأردن خاصة تجاه تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدد خططها للتنمية الاقتصادية، وعلاج قصور البحث المحاسبي العربي في الاهتمام بها على الرغم من الاهتمام الأكاديمي الذي حظيت بها هذه القضية من قبل الاقتصاديين والقانونيين وعلماء الاجتماع والنفس والسلوك لذلك استأثر هذا الموضوع اهتمام الباحثان وشكل الباعث الرئيسي لهذه الدراسة.
وعليه فإن الباحثان سوف يركزان في هذه الدراسة على كيف يمكن أن تؤدي مهنة التدقيق الحكومي دورها في مكافحة الفساد، لوضع الحلول والإجابة على التساؤلات الهامة للمجتمع التي تتعلق بهذه القضية التي تثير جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع والأفراد في الوقت الحاضر، ومن المتوقع أن تظل تشغل هذا الاهتمام لفترة ليست قصيرة لأنها ظاهرة عالمية ومرفوضة دينياً ودنيوياً وخصوصاً في الدول العربية التي تشهد حالياً ضغوطاً لإجراء تطورات وإصلاحات في تشريعاتها الاقتصادية وثقافتها المهنية نتيجة لمعاناتها من مطالب الإصلاح الأمريكية والأوربية على حد سواء.
وبناء على ما تقدم يمكن إعادة صياغة عناصر مشكلة الدراسة في مجموعة الأسئلة التالية:
س1 : ماذا يعني مصطلح الفساد؟ ما هي علاقة الفساد بمهنة المحاسبة؟
س2 : ما هي الجهود الدولية والمحاسبية لمكافحة الفساد؟ وموقف مهنة التدقيق الحكومي منها؟
س3: ما هو الدور المقترح للتدقيق الحكومي في مكافحة الفساد فى ظل الاقتصاد المبني على المعرفة؟.
كما تتزايد أهمية هذه الدراسة من الأهمية التي يستأثر بها أهمية موضوع الفساد وتأثيرة على عملية التنمية الاقتصادية فضلاً عن جذب اهتمام الباحثين والأكاديميين والممارسين والمهنيين إلى وجود قصور أو تجاهل فى البحث المحاسبي لمكافحة الفساد سواء على مستوى الشركات أو الدول بالإضافة إلى:
1- إثارة المحاسبين ليلعبوا الدور الرئيسي المنتظر في مكافحة الفساد.
2- زيادة أو خلق الوعي المحاسبي بمدى خطورة الفساد وإعداد وسائل الحماية أو الحد منه.
3- تعد هذه الدراسة إضافة علمية لبحوث التدقيق من حيث اعتماده على فروع المعرفة المختلفة.
4- ندرة الكتابات المحاسبية في هذا الموضوع إن لم تكن منعدمة ولذلك تعتبر هذه الدراسة وسيلة لفتح الاتجاه البحثي المحاسبي أمام الباحثين.
5- البحث عن الجهود العلمية والمهنية المحاسبية التي أسهمت في مكافحة الفساد.
6- زيادة كفاءة وفعالية مهنة التدقيق الحكومي فى مكافحة الفساد فى ظل الاقتصاد المبني على المعرفة.
7- التطورات الاقتصادية الهائلة التي تعيشها الدول العربية والتي تتمثل أهم مظاهرها في التحول إلى اقتصاديات السوق وبالتالي وجود تدقيق حكومي ذو جودة عالية يخفض من حجم الفساد الناتج عنه.
8- اقتراح تطوير دور الوزارات والوحدات الحكومية وديوان المحاسبة في مكافحة الفساد، وتقديم أفكار لبحوث مستقبلية في هذا المجال.
هدف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تطوير دور مهنة التدقيق الحكومي( ويقصد بها الرقابة الحكومية قبل وأثناء وبعد عند استخدام نفقات وتحصيل إيرادات الدولة) في مكافحة الفساد فى ظل الاقتصاد المبني على المعرفة وتفعيل هذا الدور من خلال تقديم مدخل مقترح لتطوير دور الوزارات والوحدات الحكومية وديوان المحاسبة( الجهاز المركزي للمحاسبات) فى مكافحة الفساد فى العالم العربي ويعد هذا الهدف أهم ما تسهم به الدراسة الحالية مقارنة بندرة أو ربما عدم وجود دراسات سابقة حسب علم الباحثان فى هذا المجال، كما أنها تقدم الدليل العملي لدور الوزارات والدوائر الحكومية وديوان المحاسبة فى مكافحة الفساد فى ظل الاقتصاد المبني على المعرفة.
(2) التأصيل العلمي والعملي لمصطلح الفساد وعلاقته بمهنة المحاسبة
مع بداية القرن الحادي والعشرين وبفضل هدير تكنولوجيا المعلومات فقد ظهرت الجريمة المنتظمة عابرة القارات والحدود الإقليمية، تلك الجريمة قوضت أركان الدول وتحقق ناتجاً اقتصاديا كبيراً وخفياً يزيد على حجم ميزانيات كثير من دول العالم مما جعل العصابات الإجرامية المنظمة تسعر من ضراوتها وتوسع من نشاطها مهددة التنمية الاقتصادية العالمية فظهرت الجرائم الاقتصادية الدولية التي لا تعترف بحدود وأوقات والتي هى في حركة دائبة ومستمرة لتواكب النظم التكنولوجية السائدة فى ظل المتغيرات العالمية، وعليه يعرض الباحثان فى هذا القسم التأصيل العلمي والعملي لمصطلح الفساد وأبعاده الدينية والقانونية والاقتصادية، وأخيراّ بيان علاقته بمهنة المحاسبة كما يلي:
2/1 التأصيل العلمي والعملي لمصطلح الفساد:
يشتق لفظ الفساد Corruption من الفعل اللاتيني Rumpere بمعني الكسر آي أن شيئا ما تم كسره، هذا الشيء قد يكون سلوكا أخلاقياً أو اجتماعيا أو إدارياً، وفى السعي لتعريف الفساد وجد أنه يرتبط بفعل لا أخلاقي وغير قانوني، كما أنه يتطور على مدى التاريخ لينتشر في البلاد المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، ولقد ورد مصطلح الفساد أكثر من 23 مرة في العديد من سور القرآن الكريم* فمن الناحية التاريخية يقول المولى عز وجل **:" فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين".
وعن ظهور الفساد يقول المولى عز وجل***:" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"
وعن مكافحة الفساد يقول المولى عز وجل ****:" إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
ولذلك يرى الباحثان أنه لا توجد اختلافات فى تعريف مصطلح الفساد حيث تعرفه " فريد " (7) بأنه سوء استغلال للسلطة والنفوذ المستمدة من المنصب أومن العلاقات من أجل عدم الإذعان لمبدأ المحافظة على الحدود بين المؤسسات الذي ينص على أن العلاقات الشخصية أو العائلية لا ينبغي أن تلعب أي دور في القرارات الاقتصادية التي يتخذها الموظفون المعنيون في القطاع الخاص أو الحكومة، كما تعرفه الأمم المتحدة (
بأنه "استغلال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص، وهذا المكسب الخاص أحد الجرائم الاقتصادية "، وتعرفه منظمة الشفافية الدولية(9) بأنه:" سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من اجل تحقيق مكاسب شخصية"، ولكن توجد العديد من المعايير لتصنيف الفساد(10):
المعيار الأول: انتماء الأفراد المنخرطين فيه إلى القطاع العام أو الخاص:
يصنف الفساد إلى فساد القطاع العام وفساد القطاع المختلط، ويعتبر النوع الأول أشد عائق للتنمية على مستوي العالم وهو استغلال المنصب العام خاصة أدوات السياسة مثل التعريفات والائتمان والإعفاءات لأغراض خاصة ويتواطأ الموظفون الرسميين معا لتحويل الفوائد لأنفسهم بطرق مختلفة مثل الاختلاس وسرقة الأموال العامة والرشوة؛ بينما النوع الثاني وهو الأوسع انتشارا ويعني استغلال نفوذ القطاع الخاص للتأثير على تغيير السياسات الحكومية مما يعود بالنفع على جميع الأطراف فى شكل رشاوى وهدايا من القطاع الخاص وإعفاءات وإعانات مختلفة من القطاع العام.
وأما المعيار الثاني لتصنيف الفساد فيتصل بالتنمية الاقتصادية:
وتبعاً لنوعين من التبادل يوجد أنواع مختلفة من الفساد، فالنوع الأول من التبادل يسمي حق التبادل غير المشروط (الفساد الموسع) نتيجة الحرية الاقتصادية، ويؤدي إلى زيادة ثروة المجتمع ككل، والنوع الثاني من التبادل يسمي التبادل الحر المقيد بشروط (الفساد المحدود) حيث يؤدي إلى نقل الثروة من أصحابها إلى أفراد آخرين بدلاً من توزيعها على أفراد المجتمع.
وفى إطار التأصيل العلمي والعملي للفساد ظهرت العديد من النظريات منها(11) نظرية Riggs عن ارتباط الفساد والانحراف الاقتصادي بالتغيرات الاجتماعية، وأشارت هذه النظرية إلى أن الفساد أحد الإفرازات الطبيعية لعملية التطور في المجتمع، وتتشابه هذه النظرية مع نظرية Huntingtonعن ارتباط الفساد بعمليات التحديث فى المجتمع، بينما تتجه نظرية Brasy عن ارتباط القوة بظاهرة الفساد إلى وجود نوعان من القوة الأولى:القوة المشتقة Drived Power، والثانية القوة الأصلية Original Power، وكذلك نظرية كويني وكلينارد عن ارتباط الفساد بنظام وأسلوب الحكم، وأخيراً تفرق نظرية Hoogvelt عن ارتباط الفساد والانحراف الاقتصادي بالنسق الاجتماعي غير المتجانس بين نوعين من الفساد، النوع الأول: الفساد على مستوي صناعة القانون، والثاني: الفساد على مستوي تطبيق القانون، ومن خلال هذا التقسيم يمكن التمييز بين أربعة نماذج مختلفة للفساد هي:
النموذج الأول: الرشوة الناتجة عن التأثير السياسي غير الرسمي على مستوى صناعة القانون.
النموذج الثاني: ابتزاز كبار الموظفين على مستوى صناعة القانون.
النموذج الثالث: الجرائم التي يرتكبها صفار الموظفين على مستوى تطبيق القانون.
النموذج الرابع: السلوك المتصل بالجمهور العام فى تعامله مع صغار الموظفين.
ومما تقدم يتضح أن الفساد موجود فى الأرض وهو قاصر على الإنسان دون سائر المخلوقات وان التصدي له واجب عقائدي كما يعتبر من أولويات المتطلبات الإنسانية حيث أن العالم يضم أسرة بشرية واحدة، وأن للإنسانية كلها وطن واحد وإله واحد، كما أن التحلي بالقيم والمبادئ الأخلاقية لا تخص شعب معين أو فرد دون الأخر وإنما جميع الشعوب، لذا فإن مكافحة الفساد يجب أن يكون عملاً مستمراً لأنه من الجرائم الاقتصادية ذات الطبيعة المستمرة والمتغيرة والمتجددة حيث يتزايد نتيجة للظروف التي تدعو إليه كالحروب والأزمات الاقتصادية، فضلاً عن تحولات المجتمع الحديث التي تجاوزت في أتساعها ما كان يمكن تصوره في الماضي فالتقدم التكنولوجي والتغيرات السكانية والاجتماعية غيرت من ظروف الحياة وأنماط النشاط البشري ومن القيم الأخلاقية والروحية ومن حاجات الشعوب وردود الفعل عندها، وأصبحت السلطات العامة مهددة بزيادة الفساد كما وكيفاً وباستحالة توفير الاحترام للقواعد التقليدية مما أوجب إعادة وضع هذه القواعد تحت الفحص أو إيجاد وسائل فعالة لتوفير الاحترام لها، حيث أن ممارسته تبدو كأنها تأخذ تدرجاً هرمياً تبدأ من الجماعات التي تشغل أوضاعاً متميزة في البناء الاجتماعي، وينتهي بالجماعات التي تشغل أوضاعاً بسيطة في البناء.
ولذلك يعتبر ميداني الاقتصاد والقانون من أكثر الميادين العلمية والعملية اهتماما بظاهرة الفساد حيث أن الدولة الحديثة لم تعد تستطيع أن تغض البصر عن التدخل في الاقتصاد حتى لو كانت تستلهم الحرية الاقتصادية كمبدأ أساسي، كما أن المشرع لم يعد يتصرف على مستوى النشاط الفردي ولكن على النطاق العام لمجموع الاقتصاد حيث أن العملية الاقتصادية الفردية كفعل الإنتاج أو التبادل يجب أن تنظم ليس فقط لأنها يمكن أن تضر بهذا الفرد، ولكن أيضاً لأنها يمكن أن تفسد السياسة الاقتصادية للدولة، وبالتالي فإن العقاب الجنائي لم يعد يفهم كأداة للتحكم أو وسيلة لإعادة التوازن المختل بين شخصين أو أكثر فيما يتعلق بعلاقاتهم الاقتصادية ولكن كأداة لعمل اقتصادي مستقل فاحترام الملكية الفردية منقولة أو عقارية واحترام النظام الاقتصادي يطرح أمرين مختلفين وحمايتها لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا كانت التصرفات الاقتصادية للأفراد أو الأشخاص القانونية متوافقة مع مجموع الاقتصاد.
وعليه يشير " عبيد " إن الاعتبار العام للأجرام الاقتصادي ليس هو المستوى الاقتصادي للأفراد أو الشعوب بل هو مدي الإحساس بالقناعة أو الجشع، وأنه إذا صح أن للحالة الاقتصادية تأثيرها فى معدلات الإجرام فإن هذا التأثير يعود إلى الأتي(12): (1) حدوث انقلاب سريع مفاجئ أحياناً فى الظروف الاقتصادية قد يوسع مدي التفاوت بين الأثرياء والفقراء؛ و(2) نمو شعور السخط أحياناً عند الفقراء مما يلمسوه من تفاوت فى الثروات يجلب عليهم الحرمان ويجلب على غيرهم الوفرة والرفاهية.
ويقرر " الشلتاوي " (13) إذا كان من أهم مظاهر قانون العقوبات فى القرن العشرين التوسع الملحوظ فى نطاق السلوك المجرم، فإن الميدان الاقتصادي كان أهم ميدان ظهر فيه هذا التوسع، حيث أن هذه الظاهرة سادت في الدول جميعها أياً كانت نظمها الاقتصادية والسياسية وإن أختلف قدر التوسع ونوعه حسب النظام المعمول به، ولقد كانت مظاهر التوسع فى التجريم أن عدد ضخم من السلوك البشري هو فى الأصل طبيعي جداً مثل البيع والشراء وطلب سعر محدد وحيازة كميه معينة من البضائع فى المحلات ورفض بيع أنواع معينة من البضائع وشراء وبيع وسائل الدفع الأجنبية ونقل القيم خارج حدود الدولة أصبح له بشروط معينة صفة العمل المعاقب عليه، وبالتالي فإن الحماية الجنائية للتنظيمات الاقتصادية أشد ضرورة فى نظام الاقتصاد الحر من نظام الاقتصاد الموجه لأن مباشرة غير واعية للحرية الاقتصادية يمكن أن تبعث الاضطراب في السوق ويكون لها انعكاسات خطيرة على الخطة الاجتماعية للدولة.
ويضيف " الشلتاوي " (14) وعلى الرغم من أن الجريمة الاقتصادية أضحت جريمة دولية عابرة للقارات والحدود الإقليمية، إلا أنها لها خصوصيتها فى العالم الثالث فقد أشارت Hoogvelt إلى إن ممارسة الفساد فى المجتمعات النامية المعاصرة يعد أكثر استشراء وتغلغلاً عنه فى المجتمعات المتقدمة، حتى أنه يؤدي إلى تمزيق الحياة الاقتصادية فى هذه المجتمعات، وهذا يعني أن هناك فرق بين الجرائم الاقتصادية التي تجري في مجتمعات نامية عن تلك التي تقع في المجتمعات المتقدمة من حيث الآليات المحركة لها وحجم تأثيرها في البناءات والوظائف المختلفة فى المجتمع.
ومن العرض المتقدم يري الباحثان أنه يمكن تعريف الفساد بأنه انتهاك للقواعد والقوانين المعتمدة من أجل تحقيق كسب أو ربح شخصي"، كما أن هناك صعوبات لتقييم أسبابه للتعامل معها حيث انه شأن حساس محاط بالكتمان نظراً لطبيعته الأخلاقية ودلالته الاجتماعية السلبية، ولكن يمكن حصر مجموعة من العوامل التي تساهم فى ممارسته وخصوصاً في الدول العربية في الأتي: 1- التحول الاقتصادي وتحرير السوق والتخاصية. 2- قصور الأنظمة المحاسبية والرقابية أو عدم الإيمان بها. 3- انخفاض الأجور الحكومية. 4- العلاقات الاجتماعية والمحاباة. 5- احتكار المناصب. 6- السرية والكتمان. 7- خرق القوانين بسبب عدم دقتها. 8- الخصوصية. 9- الدعم السياسي. 10- العادات والتقاليد.
2/2 علاقة الفساد بمهنة المحاسبة:
تعتبر مهنة المحاسبة بأنواعها المختلفة أحد العناصر الهامة لمكافحة الفساد لما تمتلك من مقومات فنية - مستندات ودفاتر وتقارير للقياس والتقرير- ومعايير مهنية وقانونية، وقدرات بشرية وإدارية تشمل أنظمة رقابية ومحاسبية بالإضافة إلى دستور وممارسات أخلاقية فى البيئات الإنسانية أو المعتمدة على الحاسب، ولبيان علاقة الفساد بمهنة المحاسبة يجب أن نتعرف أولاً على أسباب الفساد وتأثيره أو بمعني أخر تحليل تكاليف ومنافع الفساد، ففي دراسة أعدتها Hoogvelt عام 1976 (15) أشارت فيها إلى أن الانحراف الاقتصادي في المجتمعات النامية يفهم على أنه عملية أتجار Process Trade ومن ثم فهو يأخذ أشكالاً نمطيه – على سبيل المثال- القوة تجارة من أجل الثروة، والثروة تجارة من أجل الهيبة، والهيبة تجارة من أجل الثروة، والثروة تجارة من أجل القوة، وهكذا حلقات متصلة.
وفى دراسة أعدها " العناني " عام 2002 (16) بعنوان: الاقتصاد الأمريكي بين مطرقة الفساد وسندان العولمة فقد أشار إلى أن هناك العديد من العوامل التي أسهمت فى الأزمة الحالية وهذه العوامل يمكن تقسيمها إلى نوعين الأولى: العوامل المباشرة وتشمل: (1)الفضائح المحاسبية للشركات. و(2) فساد المديرين التنفيذيين. و(3) تقارير بيوت السمسرة والمال.أما الثانية العوامل غير المباشرة وتشمل: (1) تضخم فقاعة التكنولوجيا. (2) تضخم الاقتصاد الأمريكي. (3) تقليص دور الدولة إلى أدني حد فى إطار تطبيق مفاهيم الاقتصاد الحر.(4) تصرف مد راء الشركات بحرية استنادا إلى الدعم السياسي.
أما تكلفة الفساد فقد تمثلث في خسارة 100 مليون مواطن أمريكي حوالي خمسة تريليونات $ ، وخسارة مستثمرين آخرين تبلغ 460 مليار $، أما خسائر أسواق المال فقد تراوحت بين 6-6.5 تريليون$ نتيجة لهروب المستثمرين من الأسواق الأمريكية.
كما تشير دراسة " فريد " عام 2001 (17) إلى أن التكلفة الاقتصادية للفساد تتمثل فى تشويه قدرة الحكومة على التخصيص وإحداث التو زان من خلال التأثير على القواعد المنظمة لتوزيع الدعم الائتماني والإعفاءات الضريبية على الصناعات المختلفة، وبدلاً من وضع إستراتيجيات لتوجيه تلك الأدوات للصناعات التي تحتاج إليها يتم توجيه معظم الدعم والمعاملات الخاصة إلى الصناعات ذات الإنتاج الضخم، ويوضح هذا المثال أن الفساد يشوه الدور التصحيحي للحكومة ويضعف من الكفاءة في السوق إلى جانب أن النظام الفاسد سوف يوزع عقود المشتريات الحكومية بطريقة تؤدي إلى التقليل من جودة البنية التحتية ومشاريع الخدمات العامة، ونظراً لأن اختيار مثل هذه المشروعات سوف يخضع للفرص المحتملة للحصول على الرشاوى بدلاً من الطاقة الإنتاجية للمشروع من أجل الصالح العام فإن مثل ذلك السلوك المتحيز يقلل من الكفاءة في تخصيص وتوزيع الموارد ويزيد من التكلفة الكلية للخدمات الحكومية وبالتالي يتم استبعاد مشروعات الخدمات الاجتماعية مثل مشروعات الصحة والتعليم من خطط الحكومة للتنمية مما يؤدي إلى نتائج عسيرة على المدى الطويل حيث يترجم عدم تكافؤ الفرص فى التعليم إلى عدم المساواة في توزيع الدخل الأمر الذي يزيد الفجوة بين الطبقات المختلفة.
كما يظهر أثر الفساد جليا فى البنية المشوهة للأنفاق الحكومي ويرجع ذلك إلى عاملين(18):
الأول: اختيار المشروعات التي تدر أعلى رشاوى.
الثاني: تراجع عائد الضرائب الناتج عن السماح بالتهرب الضريبي أو حصول المستوردين على إعفاءات ضريبية وإلى الزيادة فى الأنفاق العام حيث أن الفساد يميل إلى رفع تكلفة إدارة الحكومة بهيئتها المختلفة، بالإضافة إلى ذلك فإن الفساد ينتهك الثقة العامة حيث يؤدى إلى تآكل الثروة البشرية عن طريق المشروعات عديمة الجدوى مما يؤثر سلباً على مصداقية الأمة ككل.
كما يمكن تقدير أثر الفساد على إجمالي الناتج المحلي بعدد أيام العمل الضائعة لإقناع الموظف الحكومي ومساومته للاتفاق على قيمة الرشوة وبالعاملين الأكفاء الذين يتم فقدهم لصالح الفساد، فعامل الوقت الذي يفقد منه كم هائل خلال عملية التفاوض السري حول الصفقة والضمانات ضد الخطر الدائم الكامن فى احتمال عدم تسليم التوقيع أو الترخيص المطلوب مثل هذه الأفعال أو الأنشطة تستغرق وقتاً كثيفاً فالعلاقة طردية بين مستوى الرشوة والوقت الذي يمضيه المستثمر مع الموظفين الحكوميين على حساب الكفاءة في إدارة الشركة الخاصة أو الموقع الحكومي على حد سواء- على سبيل المثال - في عام 1996 تم عمل مسح فى أوكرانيا بين أصحاب الشركات الذين اعتادوا تقديم الرشوة وجد أن تلك الشركات تستنفذ ثلث الوقت مع الموظفين لإقناعهم بالصفقة، ويأتي هذا مساوياً لخمس وسبعين أسبوع عمل بالمقارنة لاثنين وعشرين أسبوع عمل فقط للشركات التي تستخدم الرشوة بدرجة أقل(19).
وفي مصر يقدر رأس المال المفقود في الاقتصاد بسبب الفساد فى الجهات الحكومية المختلفة( قطاع الاتصالات والمواصلات) بين 20% و 30% من الاقتصاد أي حوالي أربعة باليين جنيهاً، وينبع الفساد من عدم كفاءة الاستثمار البشري الذي يوجد العمالة الزائدة فى القطاع الحكومي والانخفاض فى مستوى الأجور مما يدفع بالموظفين الحكوميين إلى قبول الرشوة لتحسين دخلهم المتدني، ويظهر رأس المال المفقود فى "سوء توزيع المواهب" حيث تكون الوظائف التي تحمل إمكانات أكبر للرشاوى أكثر جاذبية من الوظائف المنتجة، أي أن الإغراء المادي للفساد يمكن أن يضلل الفئة الأكثر موهبة والأفضل تعليماً في المجتمع و إهدار الكثير من الكفاءات والقدرات الإنتاجية(20).
وتشير " فريد " (21) لقد أجريت العديد من الدراسات لتقييم أثر الفساد إحداها أعدت بواسطة المنتدى الاقتصادي العالمي في صورة مسح لألفي شركة عبر 49 دولة كشفت الدراسة عن أضرار المستثمرين إلى اللجوء للرشوة بسبب القواعد المتعنتة والتدخل البيروقراطي من قبل الدولة في أعمالهم مما يزيد من تكلفة تلك الأعمال بمقدار 20% ضرائب خاصة " ويضعف الحافز للاستثمار ويعيق النمو الاقتصادي وأثبتت الدراسة أن الفساد في القطاع العام يعد من الموعقات الرئيسية للاستثمار.
أما المنفعة الاقتصادية للفساد فمن منطق تبريري ترى " فريد ، والجوهري " (22) أن الرشوة يمكن أن تمثل وسيلة ناجحة لتجنب بعض الإجراءات الطويلة المملة والأنظمة القانونية الغير فعالة الآمر الذي يوجد تبريراً مشروعاً لاستخدام الشركات للرشوة لتعزيز الكفاءة وتقليل الوقت اللازم للأعمال المكتبية وإلا توقفت التعاملات وتوقف النمو، ولذلك فإن منافع الفساد في الدول النامية تكمن في ما يلي:
1- تعزيز تكوين رأس المال: حيث أن رأس المال المحلي يقل في الدول النامية بسبب الدخول المنخفضة والفرص المحدودة للتعاملات التجارية خاصة في وجود رأس المال العالمي والتقدم التكنولوجي مما يصعب على المستثمرين الدخول إلى السوق العالمية والاستمتاع بجانب من الربح.
2- توفير مصدر بديل لرأس المال: حيث يستغل السياسيون والبيروقراطيون من خلال مناصبهم رأس المال المتاح لتأسيس أعمالهم الخاصة التي توفر المزيد من فرص العمل وتؤدي إلى زيادة الاستثمار وبذا تنشأ طبقة مستثمرة جديدة.
3- خلق جماعة المنتفعين التي تحمي النظام السياسي الفاسد( خلق الولاء السياسي).
4- رفع كفاءة الأداء الحكومي: حيث انه يؤدي إلى تبسيط الإجراءات وتيسير المعاملات مع البيروقراطية.
5- تحديد نقاط الضعف في القوانين.
ومما تقدم يتضح أن هناك علاقة عكسية بين الفساد ومهنة المحاسبة حيث أن المحاسبة(المحاسب الموظف – المدقق الداخلي) كوظيفة خدمية سواء على مستوى الأفراد( محاسبة المنشآت الفردية أو شركات الأشخاص) أو الجماعات( الشركات المساهمة) أو على مستوى الدولة(الوحدات الحكومية) فهي أداة رقابية وكلما تم تصميم وتنفيذ الدور الرقابي للمحاسبة بكفاءة وفعالية كلما قل الفساد، فضلاً عن ذلك فإن المحاسبة باعتبارها أداة تحليلية من أدوات علم الاقتصاد، وروح القانون فإنها تهتم بالثروة وحركة الأموال، فالمحاسبة تهتم بالتوزيع العادل للثروة من خلال اختيار السياسات المحاسبية التي تهدف إلى تحقيق التوازن في توزيع الثروة بين الأطراف الاجتماعية(المستهلكين)والاقتصادية(المستثمرين)والسياسية(الدولة)، كما أنها تهتم بحركة الأموال بهدف بيان نتائج الأعمال والمركز المالي على كافة المستويات.
ويعني ما تقدم أن المحاسبة كمهنة رقابية(مدقق خارجي- مدقق حكومي) لها دور في خدمة الفرد والمجتمع والدولة من خلال منع( الرقابة المانعة) واكتشاف( الرقابة الوقائية) وتصحيح( الرقابة المصححة) مسببات الفساد، إلا أن منطق تبرير الفساد خادع في محتواه لأن الرشوة المسبب الرئيسي للفساد بصورها المختلفة تتجاهل القواعد وتضر بالأهداف الاجتماعية والقومية التي تخدمها تلك القواعد والقوانين وفي نهاية الأمر إعاقة التنمية الاقتصادية المستدامة في أي مكان في الكوكبة الأرضية.
وللتأكيد على العلاقة السلبية بين مهنة المحاسبة والفساد ففي يوليو عام 2002 قامت منظمة الشفافية العالمية بدراسة شملت 40838 مواطن يمثلون 47* دولة حول العالم لقياس مؤشر تقلبات الفساد العالمي(GCB)** Global Corruption Barometer لعام 2003 ، وقد قامت المنظمة بسؤال العينة السؤال التالي(23): If you had a magic wand and you could eliminate corruption from one of the following institutions, what would your first choice be?
وكانت إجابات العينة 29.7% اختاروا إزالة الفساد من الأحزاب السياسية، 13.7% من المحاكم، 11.5% من الشرطة، 8.4% من الخدمات الطبية، 7.5% من أنظمة التعليم، 7% من تراخيص الأعمال، 5.2% من الإيرادات الضريبية، 4.2% من التقاليد، 4.1% من المنافع( التليفونات... الخ)، 3.3% من الهجرة والجوازات، 2.2% أخري.
وعن تأثير الفساد على حياة العائلات والأفراد من حيث مستوي الدخل كانت إجابات العينة كما يوضحها الجدول رقم (1) التالي:
جدول رقم (1)
يوضح تأثير الفساد على حياة العائلات والأفراد من حيث مستوي الدخل
غير هام هام إلى حد ما هام جداً مستوي الدخل
29.7 29.3 41 منخفض
36.7 35.7 27.5 متوسط
44.5 30.1 25.4 عالي
وعن تأثير الفساد على المجالات المختلفة التالية كانت إجابات العينة( هام جداً) في 45 دولة ما عدا فلسطين كما يلي: 33.8 % على حياة الأفراد والعائلات، 48.6 على بيئة الأعمال، 55.1% على الحياة السياسية للمجتمع، و43.7% على الثقافة والقيم.
وعن التغيرات المتوقعة للفساد في الثلاث سنوات القادمة كانت إجابات العينة في 45 دولة عدا فلسطين كما يلي: 20.1% زيادة كبيرة، 22% زيادة قليلة، 27.1 يبقي كما هو، 15.4% انخفاض قليل، 6.4% انخفاض كبير، 10.8% لا أعرف.
كما قامت منظمة الشفافية الدولية من خلال 13جهة مختلفة تمثل مصادر المسح الميداني بعمل مسح لنتائج الجهات المختلفة بِشان قياس مؤشر مدركات الفساد Corruption Perceptions Index (CPI) نجد أن المسح قد ركز حول موضوع واحد فقط وهو الرشوةBribery من خلال طرح أسئلة للإجابة عليها( منتشر/ متكرر- غير منتشر/غير متكرر) تشمل ما يلي(24):
- هل توجد مدفوعات غير موثقة لها صلة برخص الاستيراد والتصدير، وعقود خدمات القطاع العام، الرخص التجارية، ودفع الضرائب أو طلبات قروض، أو مدفوعات لها صلة بالقوانين والأحكام؟.
- هل توجد الرشوة والفساد في الاقتصاد؟، وهل توجد الرشوة والفساد في القطاع العام؟.
- هل الرشوة ظاهرة متكررة وما هي كلفتها على مجال الأعمال؟، وهل إعطاء عقود في القطاع العام لأصدقاء وأقرباء في بلدان مجاورة ظاهرة متكررة؟.
- ما مدي الاعتماد على الرشاوى مع السياسيين وموظفي الدولة والقضاء؟ وكم من عائق تشكل المصاريف المتعلقة بهذه الرشاوى لتسيير الأعمال؟.
كما قامت منظمة الشفافية في كولومبيا بقياس مؤشر النزاهة في المؤسسات الحكوميةIntegrity Index for Public Institutions ويتكون المقياس من 16 مؤشر مقسمة إلى ثلاث مجموعات هي(25):
المجموعة الأولي: الشفافية وتتضمن أربعة مؤشرات وهي: وجود المعلومات على صفحة المؤسسة، و جود آليات لحفظ الشكاوي والحصول على المعلومات بواسطة التليفون، وتقدير الموظفين الحكوميين في كل مؤسسة للشفافية والرقابة الذاتية.
المجموعة الثانية: الرقابة والعقاب: وتتضمن ثمانية مؤشرات وهي:عدد الشكاوي التي عرضت، وعدد التحقيقات التي فتحت، وعدد الاتهامات التي حفظت، وعدد الاتهامات التي صدرت بشأنها عقوبات بواسطة مكتب المدعي العام،عدد الاتهامات التي حفظت، وعدد العقوبات المالية التي صدرت بواسطة مكتب المراقب العام، تكلفة نتائج العقوبات الإدارية، وتكلفة نتائج العقوبات المالية.
المجموعة الثالثة: الكفاءة المؤسساتية: وتتضمن أربعة مؤشرات وهي: نتائج عينة من الموظفين الحكوميين في كل مؤسسة الذين يؤدون العمليات التنظيمية ببساطة، وأداء وظيفة الرقابة الداخلية، وحوافز المستخدمين، والتزامات الموظفين.
و بصفة عامة لقد بلغت نتائج مؤشر النزاهة لقياس درجة خطر الفساد في المؤسسات الحكومية في كولومبيا أقل من 50% وكانت أعلى المؤشرات حوالي 49% في وزارة الدفاع، ومؤسسة التمويل الصحي، وصندوق الحماية الاجتماعي لقطاع الاتصالات، و45% في مخازن قطع غيار النقل والمواصلات، و40% في صندوق الضمان الاجتماعي لأعضاء البرلمان، ووزارة النقل والمواصلات، و35% في صندوق الضمان الاجتماعي القومي، و30% في المجلس الاستشاري، و25% في وزارة التعليم، و16% في جمعية الفنانين(26).
ومما تقدم يتضح أن هناك ثلاث مؤشرات عالمية لقياس الفساد هي:
- مؤشر مدركات الفساد الدولي ويعتمد على الرشوة.
- مؤشر تقلبات الفساد العالمي ويعتمد على تأثير الفساد على المجتمع والأفراد.
- مؤشر النزاهة ويعتمد على 16 مؤشر تتضمن الشفافية، والرقابة والعقاب، والكفاءة المؤسسية.
ولا شك أنه يمكن للمحاسبة بفروعها المختلفة باعتبارها وظيفة خدمية أن تلعب دوراً اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً لمنع واكتشاف وتصحيح( مكافحة) عمليات الفساد لوجود علاقة قوية بين طبيعة عمل وواجبات ومسؤوليات المحاسبين( المحاسب الموظف- المدقق الداخلي- المدقق الخارجي- المدقق الحكومي) ومقاييس مؤشرات الفساد السابقة.
وعلى الرغم مما تقدم يري كل من"Griffin& Pustay, 1999 - Dienhart, 2000 " (27) أن أغلب كتب إدارة الأعمال الدولية لا تناقش المستويات المختلفة لإدراك الفساد على المستوى الدولي، ويري أيضاً " Wartick& Wood,1998- Barton,1995 " أن الكتب التي نشرت مؤخراً في مجال الأعمال الدولية والمجتمع إما أنها لا تشير إلى موضوع الفساد، أو أنها تناقش ذلك الموضوع في عدد محدود من الدول.
كما يقرر" Burton, et al.,1991- Oddo,1997 " (28) بأنه على الرغم من أن الجمعية الدولية للتعليم الإداري The International Association for Management Education تضع الاعتبارات الأخلاقية ضمن معاييرها عند دراسة المؤسسات المختلفة إلا أن طلبة إدارة الأعمال عادة ما ينظرون إلى تلك الاعتبارات الأخلاقية على أنها مجرد "حبر على ورق" Out There ولا يأخذونها بالتالي مأخذ الجد.
وقد أشار"Johnston,1998" (29) إلى أن بعض المعلمين يرون أن هناك حاجة لأن يصبح التعليم الأخلاقي جزءاً لا يتجزأ من نظام القيم الفردي وبالتالي فانه لا ينبغي تهميش مثل ذلك التعليم الأخلاقي، ويؤكد على ذلك " Werhane and Freeman, 1999 " (30) حيث يرون أن القضايا الأخلاقية ينبغي أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من عالم التجارة والاقتصاد فضلاً عن المحاسبة والتمويل والتسويق والإدارة .
وتشير دراسة" Society for Human Resource Management " في عام 1998(31) إلى أنه كان ينظر إلى الفساد على نحو تقليدي على أنه مجرد " تكلفة لأداء العمل " Cost of Doing في العديد من الدول، ولقد قدرت وزارة التجارة الأمريكية ما تدفعه الشركات الأجنبية للمسؤولين الحكوميين في بعض الدول بحوالي 80 بليون دولار في الفترة من 1995 إلى 1998، ويتزايد النظر إلى الفساد على أنه معوق للتنمية والنمو الاقتصاديCorruption is increasingly seen as a barrier to development and economic growth.
ولقد سعى بعض الكتاب "Johnson etal,1998" (32) لتصنيف الدول على مقياس يترواح بين(1) خالية من الفساد) إلى(5)حيث تستشري الرشوة وتصبح شبه إجبارية ويتم تطبيق القوانين والتشريعات على نحو عشوائي.
كما يري" Coutinho,1997" (33) أن التوزيع غير العادل في أمريكا اللاتينية يؤدي إلى ازدياد حدة الفساد بين كافة الطبقات الاجتماعية وتتفاقم حدة المشكلة بفعل الضغوط التضخمية التي تدفع أفراد المجتمع للبحث عن طرق سهلة للحصول على المال.
كما تشير نتائج دراسة Wilhelm, 2002 (34) حول الإدراك الدولي للفساد إلى أنه يجب على مجتمع الأعمال أن يعمل على تثقيف المديرين قانونياً وأخلاقياً، ويمكن أن تلعب الجامعات والمنظمات التجارية ووسائل الإعلام دوراً هاماً في هذا المجال وتدعم بيانات هذه الدراسة بشدة النظر إلى النواحي الأخلاقية على أنها " الفضيلة الإدارية المحورية" Central Managerial Virtue ، فقد حاول الباحث في هذا البحث تطوير مقياس للفساد على المستوي الدولي، وقد تم تجميع مقياسين للفساد من مقياس الحرية الاقتصادية المكون من عشرة عوامل:
المقياس الأول: تجاوز التشريع Regulation Excess .
أما المقياس الثاني: حجم السوق السوداء Size of Black Market .
أما المقياس الثالث: للأنشطة غير الأخلاقية فيتمثل في مؤشر إدراك الفساد الدولي.
ولعل أهم نتائج هذه الدراسة تميل لتعزيز أن الاقتصاد يعد علماً أخلاقياً على الأقل في النواحي العلمية، فعلى حين تدرس علوم الأخلاق المشاكل الأخلاقية في حد ذاتها فان علم الاقتصاد يدرس المشاكل الاقتصادية، وهي مشاكل لا يمكن عزلها عن محيطها الأخلاقي.
وتدعم نتائج هذا البحث كذلك ما توصلت إليه دراسة "Goldsmith, 1995" (35) والتي تؤكد على أن الفساد أكثر شيوعاً في العديد من الاقتصاديات الناشئة Emerging والاقتصاديات في مرحلة الانتقالTransitional Economies.
ومن العرض المتقدم يمكن الوصول إلى الحقائق التالية:
1- الفساد ليس ظاهرة جديدة ولا الاقتراحات الخاصة بالتعامل معه فهو يعد استغلال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص، وهذا المكسب الخاص أحد الجرائم الاقتصادية من هذا المفهوم يمكن القول أن جرائم الفساد تنطوي دائما على جرائم مالية لها صور مختلفة مثل السرقة والاختلاس والرشوة والتهريب وغير ذلك من المسميات.
2- ترتكب جرائم الفساد مع الموظفين الحكوميين من خلال الإخلال بواجباتهم مع القطاعات الاقتصادية المختلفة سواء العائلية أو قطاع الأعمال المحلي أو الدولي.
3- تؤثر جرائم الفساد على التنمية الاقتصادية من خلال التأثير على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بسبب السوق السوداء والإفراط في التشريعات، ولكنها تعود بصفة أساسية إلى تدهور الأحوال الاقتصادية وتدهور القيم الاجتماعية وتزايد فرص الغش والتدليس بفعل التقدم التكنولوجي مثل الإنترنت والتحويلات المالية الدولية الإلكترونية.
4- توجد العديد من المقاييس التي يمكن استخدامها للتعرف على مدى الفساد تشمل مؤشر السوق السوداء ومؤشر تجاوز التشريعات ومؤشر الرشوة، ومؤشر النزاهة، ومؤشر الشفافية ومؤشر المساءلة المحاسبية، ومؤشر الرقابة، ومؤشر الثقة في الحكومة، ومؤشر الاعتمادية على البيانات المحاسبية.
(3) الجهود الدولية لمكافحة الفساد وموقف مهنة التدقيق الحكومي منها
يجب - بادئ ذي بدء – الإشارة إلى أن الباحثان سيتعرضان بإيجاز في هذا القسم من البحث إلى طبيعة مهنة التدقيق الحكومي ومقارنتها بإطار عمل المدقق الحكومي الأردني، ثم بيان الجهود الدولية لمكافحة الفساد وذلك كما يلي:
3/1طبيعة التدقيق الحكومي:
يري Walker(36) أن مكتب المحاسب العام منذ بدايته في 1/7/1921 في الولايات المتحدة الأمريكية يقوم بدورا هاما لتأصيل مهنة التدقيق الحكومي ومن أجل حكومة جيده ومواكبة احتياجات الكونجرس والوطن، ويري أن المهمة الحالية لـ GAO هي دعم الكونجرس لموافاة مسؤولياته الدستورية والمساعدة في تحسين الأداء وضمان المساءلة المحاسبية للحكومة الفيدرالية من اجل مصلحة الشعب الأمريكي.
كما يري كل من Boynton& Kell (37) أن لأعمال التدقيق الحكومي في أمريكا مقدمة تنص على أن الموظفين الرسميين والعاديين الذين يديرون الأموال خاضعون لمساءلة الجمهور" وذلك كما يتضح من النص التالي:
“ Audits of governmental organization are premised largely on the concept that the officials and employees who manage public funds are accountable to the public.
لذلك يتزايد الاهتمام في الدول المختلفة نحو مساءلة الموظفين الحكوميين محاسبياُ ويرجع ذلك إلى المطالب الشعبية المتزايدة وضغط الرأي العام حيث يصعب تواجد نظام كفء وفعال للإدارة الحكومية مركزياً ومحلياً بدون توافر نوع من المساءلة المحاسبية الشعبية والتي من أجلها كان التدقيق الحكومي للاطمئنان عليها من خلال قياس وتقييم أداء مديري الوحدات الحكومية في الأستحواز على الموارد وتخصيصها على الأهداف المنوطة بها.
و يتفق العديد من الكتاب(38)على تعريف التدقيق الحكومي بأنه " تدقيق مالي أو تدقيق أداء للوحدات الحكومية أو في وحدة اقتصادية يتم إداراتها من قبل الحكومة".
كما يعرف Konrath تدقيق الإذعان الحكومي بأنه(39):
“Testing and reporting on conformity with laws and regulations relating to recipients of federal financial assistance”.
ويبرز المفهومين السابقين أن التدقيق الحكومي يمتد إلى ما هو أبعد من نطاق الخضوع للقوانين والنظم التي تحكم استخدام الأموال العامة وبقية الموارد الأخرى وإعداد التقارير عن كيفية التنفيذ ومساره حيث أنه يحتوي أيضاً على الاهتمام الثابت والمتزايد بتجنب الإنفاق أو الاستخدام الغير ضروري والضائع للأموال والممتلكات العامة واستخدامها لجميع المقاييس والمعايير المناسبة لتحقيق الأهداف التي من أجلها تم تدبير وإتاحة هذه الموارد، كما أن التدقيق الحكومي يتضمن ستة مهام:الأول:الرقابة المالية، والثاني: رقابة الاقتصاد والثالث: رقابة الكفاءة؛ والرابع: رقابة الفعالية، والخامس: الرقابة الداخلية، والسادس: رقابة الإذعان.
ولذلك يري " العايدي" (40)أن المستوي المرتفع للتدقيق المالي يعد مطلب أساسي لتدقيق الفعالية حيث يوفر تدقيق الفعالية تغذية عكسية منتظمة ومستقرة للمسؤولين عن بناء الأهداف وينظر دائماً إلى هذه التغذية العكسية فوقياً على أنها حلقة ضرورية في المساءلة المحاسبية بمعناها الواسع.
وبناء على ما تقدم يرى الباحثان أن التدقيق الحكومي يتضمن نوعان أساسيان من التدقيق هما*:
1- التدقيق المالي ويشمل تدقيق البيانات المالية فقط.
2- تدقيق الأداء ويشمل تدقيق الاقتصادEconomically والكفاءة Efficiently والفعاليةEffectively أو ما يعرف بـ 3Es، بالإضافة إلى الرقابة الداخلية والإذعان.
واستنادا إلى معايير التدقيق الحكومي يتفق الكتاب (41) على إن الطبيعة الشاملة للتدقيق الحكومي تضع على عاتق من يقوم بواجبات الإشراف على التدقيق الحكومي المسؤولية للالتزام بالأمور التالية:
1- تنفيذ أعمال التدقيق من قبل أشخاص لديهم صورة شمولية Collectively والخبرات الضرورية للقيام بهذه المهام ((Qualifications.
2- وضع إجراءات للتوظيف والتشغيل والتقييم والتطوير المستمر للمدققين.
3- المحافظة على الاستقلالية(Independence) .
4- أتباع المعايير الملائمة المتعلقة بتخطيط وتنفيذ أعمال التدقيق والإبلاغ عن النتائج(Due Professional Care).
5- أن يكون لديها نظام موثق للرقابة على الجودة(Quality Control) .
6- أن تخضع هي نفسها لتقييم خارجي External Quality Control System للتأكد من أنها تقوم بالإذعان للسياسات والإجراءات وهذا يتطلب من منظمات التدقيق أن تحافظ وبكفاية على المستندات الدالة على التدقيق أو التصديق التي يمكن طلبها بمعرفة أطراف خارجية أخري.
ويؤكد على ذلك Walker (42) بقولة:
“All of GAO’s work must comply with applicable professional standards and our agency core values: Accountability, Integrity, Reliability.
وحرصا من مكتب المحاسب العام General Accounting Office (GAO) في الولايات المتحدة الأمريكية على جودة أعمال التدقيق الحكومي ( البرامج- الأنشطة – الوظائف – الأموال الحكومية) فقد أصدر معايير للتدقيق الحكومي المقبولة قبولا عاما ً(GAGAS) Generally Accepted Government Auditing Standards، والمعروفة باسم معايير الكتاب الأصفر Yellow Book، بالإضافة إلى مكتب إدارة الموازنة Office of management and budget (OMB)، ومتطلبات قانون التدقيق المفردThe single audit act والتعميميينCircular رقم A-128, A-133 فضلاً عن معايير التدقيق