| كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:55 am | |
| | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:56 am | |
|
مُخْتَصَرُ سِيْرَةِ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِشَيخِ الإِسلامِ محمَّدِ بْنِ عَبدِ الوَهَّابِ
رَحمِهُ اللهُ تَعَالَى
[ مقدمة الكتاب ]
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ <3> الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ وَصَلّى اللّهُ وَسَلّمَ وَبَارَكَ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ اعْلَمْ رَحِمَك اللّهُ أَنّ أَفْرَضَ مَا فَرَضَ اللّهُ عَلَيْك مَعْرِفَةُ دِينِك . الّذِي مَعْرِفَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنّةِ وَالْجَهْلُ بِهِ وَإِضَاعَتُهُ سَبَبٌ لِدُخُولِ النّارِ . وَمِنْ أَوْضَحِ مَا يَكُونُ لِذَوِي الْفَهْمِ قَصَصُ الْأَوّلِينَ وَالْآخِرِينَ قَصَصُ مَنْ أَطَاعَ اللّهُ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ وَقَصَصُ مَنْ عَصَاهُ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ . فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فَلَا حِيلَةَ فِيهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 50 : 36 ) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ . وَقَالَ بَعْضُ السّلَفِ " الْقَصَصُ جُنُودُ اللّهِ " يَعْنِي أَنّ الْمُعَانِدَ لَا يَقْدِرُ يَرُدّهَا . فَأَوّلُ ذَلِكَ مَا قَصّ اللّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ آدَمَ وَإِبْلِيسَ إلَى أَنْ هَبَطَ آدَمُ وَزَوْجُهُ إلَى الْأَرْضِ . فَفِيهَا مِنْ إيضَاحِ الْمُشْكِلَاتِ مَا هُوَ وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمّلَهُ . وَآخِرُ الْقِصّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 2 : 38 ، 39 ) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمّا يَأْتِيَنّكُمْ مِنّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا وَكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ( 20 : 133 - 137 ) فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا - إلَى قَوْلِهِ - وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدّ وَأَبْقَى . وَهُدَاهُ الّذِي وَعَدَنَا بِهِ هُوَ إرْسَالُهُ الرّسُلَ . وَقَدْ وَفَى بِمَا وَعَدَ سُبْحَانَهُ فَأَرْسَلَ الرّسُلَ مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ . لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ . <4> فَأَوّلُهُمْ نُوحٌ . وَآخِرُهُمْ نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلّمَ . فَاحْرِصْ يَا عَبْدَ اللّهِ عَلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْحَبْلِ الّذِي بَيْنَ اللّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ الّذِي مَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ سَلِمَ وَمَنْ ضَيّعَهُ عَطِبَ . فَاحْرِصْ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا جَرَى لِأَبِيك آدَمَ وَعَدُوّك إبْلِيسَ وَمَا جَرَى لِنُوحٍ وَقَوْمِهِ وَهُودٍ وَقَوْمِهِ وَصَالِحٍ وَقَوْمِهِ و إبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ وَلُوطٍ وَقَوْمِهِ وَمُوسَى وَقَوْمِهِ وَعِيسَى وَقَوْمِهِ وَمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلّمَ وَقَوْمِهِ . وَاعْرِفْ مَا قَصّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَخْبَارِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَوْمِهِ وَمَا جَرَى لَهُ مَعَهُمْ فِي مَكّةَ ، وَمَا جَرَى لَهُ فِي الْمَدِينَةِ . وَاعْرِفْ مَا قَصّ الْعُلَمَاءُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ . لَعَلّك أَنْ تَعْرِفَ الْإِسْلَامَ وَالْكُفْرَ . فَإِنّ الْإِسْلَامَ الْيَوْمَ غَرِيبٌ وَأَكْثَرُ النّاسِ لَا يُمَيّزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ . وَذَلِكَ هُوَ الْهَلَاكُ الّذِي لَا يُرْجَى مَعَهُ فَلَاحٌ . وَأَمّا قِصّةُ آدَمَ . وَإِبْلِيسَ فَلَا زِيَادَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ . وَلَكِنْ قِصّةُ ذُرّيّتِهِ . فَأَوّلُ ذَلِكَ أَنّ اللّهَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ أَمْثَالَ الذّرّ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعُهُودَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 7 : 172 ) وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا وَرَأَى فِيهِمْ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السّرُجِ . وَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا مِنْ أَنْوَرِهِمْ . فَسَأَلَهُ عَنْهُ ؟ فَأَعْلَمَهُ أَنّهُ دَاوُد . فَقَالَ كَمْ عُمْرُهُ ؟ قَالَ سِتّونَ سَنَةً . قَالَ وَهَبْت لَهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً وَكَانَ عُمُرُ آدَمَ أَلْفَ سَنَةٍ . وَرَأَى فِيهِمْ الْأَعْمَى ، وَالْأَبْرَصَ وَالْمُبْتَلَى . قَالَ يَا رَبّ لِمَ لَا سَوّيْت بَيْنَهُمْ ؟ قَالَ إنّي أُحِبّ أَنْ أُشْكَرَ . فَلَمّا مَضَى مِنْ عُمُرِ آدَمَ أَلْفُ سَنَةٍ إلّا أَرْبَعِينَ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ . فَقَالَ إنّهُ بَقِيَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً . فَقَالَ إنّك وَهَبْتهَا لِابْنِك دَاوُد . فَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرّيّتُهُ وَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرّيّتُهُ ([1]) . <5> فَلَمّا مَاتَ آدَمُ . بَقِيَ أَوْلَادُهُ بَعْدَهُ عَشَرَةَ قُرُونٍ عَلَى دِينِ أَبِيهِمْ دِينِ الْإِسْلَامِ . ثُمّ كَفَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ . وَسَبَبُ كُفْرِهِمْ الْغُلُوّ فِي حُبّ الصّالِحِينَ . كَمَا ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ ( 70 : 23 ) وَقَالُوا لَا تَذَرُنّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنّ وَدّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَذَلِكَ أَنّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ قَوْمٌ صَالِحُونَ كَانُوا يَأْمُرُونَهُمْ وَيَنْهَوْنَهُمْ . فَمَاتُوا فِي شَهْرٍ . فَخَافَ أَصْحَابُهُمْ مِنْ نَقْصِ الدّينِ بَعْدَهُمْ . فَصَوّرُوا صُورَةَ كُلّ رَجُلٍ فِي مَجْلِسِهِ لِأَجْلِ التّذْكِرَةِ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ إذَا رَأَوْا صُوَرَهُمْ وَلَمْ يَعْبُدُوهُمْ ثُمّ حَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ فَعَظّمُوهُمْ أَشَدّ مِنْ تَعْظِيمِ مَنْ قَبْلَهُمْ وَلَمْ يَعْبُدُوهُمْ تَمّ طَالَ الزّمَانُ وَمَاتَ أَهْلُ الْعِلْمِ . فَلَمّا خَلَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْجُهّالِ أَنّ أُولَئِكَ الصّالِحِينَ مَا صَوّرُوا صُوَرَ مَشَايِخِهِمْ إلّا لِيَسْتَشْفِعُوا بِهِمْ إلَى اللّهِ فَعَبَدُوهُمْ ([2]) . فَلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَرْسَلَ اللّهُ إلَيْهِمْ نُوحًا عَلَيْهِ السّلَامُ لِيَرُدّهُمْ إلَى دِينِ آدَمَ وَذُرّيّتِهِ الّذِينَ مَضَوْا قَبْلَ التّبْدِيلِ . فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَصّ اللّهُ فِي كِتَابِهِ ثُمّ عَمَرَ نُوحٌ وَأَهْلُ السّفِينَةِ الْأَرْضَ وَبَارَكَ اللّهُ فِيهِمْ وَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ، وَبَقُوا عَلَى الْإِسْلَامِ مُدّةً لَا نَدْرِي مَا قَدْرُهَا ؟ . تَمّ حَدَثَ الشّرْكُ . فَأَرْسَلَ اللّهُ الرّسُلَ . وَمَا مِنْ أُمّةٍ إلّا وَقَدْ بَعَثَ اللّهُ فِيهَا رَسُولًا يَأْمُرُهُمْ بِالتّوْحِيدِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الشّرْكِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 16 : 36 ) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ وَقَالَ تَعَالَى ( 23 : 44 ) ثُمّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلّ مَا جَاءَ أُمّةً رَسُولُهَا كَذّبُوهُ الْآيَةَ . وَلَمّا ذَكَرَ الْقَصَصَ فِي سُورَةِ الشّعَرَاءِ خَتَمَ كُلّ قِصّةٍ بِقَوْلِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فَقَصّ اللّهُ سُبْحَانَهُ مَا قَصّ لِأَجْلِنَا . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 12 : 111 ) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى الْآيَةَ . وَلَمّا أَنْكَرَ اللّهُ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ - فِي زَمَنِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشْيَاءَ فَعَلُوهَا . قَالَ ( 9 : 70 ) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ الْآيَةَ . <6> وَكَذَلِك كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُصّ عَلَى أَصْحَابِهِ قَصَصَ مَنْ قَبْلَهُمْ لِيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ . وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَقْلِهِمْ سِيرَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا جَرَى لَهُ مَعَ قَوْمِهِ وَمَا قَالَ لَهُمْ وَمَا قِيلَ لَهُمْ . وَكَذَلِكَ نَقْلُهُمْ سِيرَةَ الصّحَابَةِ وَمَا جَرَى لَهُمْ مَعَ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَذِكْرُهُمْ أَحْوَالَ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ . كُلّ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشّرّ . إذَا فَهِمْت ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنّ كَثِيرًا مِنْ الرّسُلِ وَأُمَمِهِمْ لَا نَعْرِفُهُمْ . لِأَنّ اللّهَ لَمْ يُخْبِرْنَا عَنْهُمْ لَكِنْ أَخْبَرَنَا عَنْ عَادٍ ، الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . فَبَعَثَ اللّهُ إلَيْهِمْ هُودًا عَلَيْهِ السّلَامُ . فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَصّ اللّهُ فِي كِتَابِهِ وَبَقِيَ التّوْحِيدُ فِي أَصْحَابِ هُودٍ إلَى أَنْ عُدِمَ بَعْدَ مُدّةٍ لَا نَدْرِي كَمْ هِيَ ؟ وَبَقِيَ فِي أَصْحَابِ صَالِحٍ . إلَى أَنْ عَدِمَ مُدّةً لَا نَدْرِي كَمْ هِيَ ؟ . تَمّ بَعَثَ اللّهُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ . فَجَرَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ مَا جَرَى ، وَآمَنَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ سَارَةُ ثُمّ آمَنَ لَهُ لُوطٌ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَعَ هَذَا نَصَرَهُ اللّهُ وَرَفَعَ قَدْرَهُ وَجَعَلَهُ إمَامًا لِلنّاسِ . وَمُنْذُ ظَهَرَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يُعْدَمْ التّوْحِيدُ فِي ذُرّيّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 43 : 28 ) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِهِ لَا يَسْتَغْنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَعْرِفَتِهَا ،فَنَقُولُ فِي الصّحِيحِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَطّ . إلّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللّهِ قَوْلُهُ ( 37 : 89 ) إِنّي سَقِيمٌ وَقَوْلُهُ ( 21 : 63 ) بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ فَإِنّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النّاسِ فَقَالَ لَهَا : إنّ هَذَا الْجَبّارَ إنْ يَعْلَمْ أَنّك امْرَأَتِي : يَغْلِبْنِي عَلَيْك ، فَإِنْ سَأَلَك ، فَأَخْبِرِيهِ أَنّك أُخْتِي ، فَإِنّك أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَك ، فَلَمّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبّارِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَك امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلّا لَك ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا ، <7> فَأُوتِيَ بِهَا ، فَقَامَ إبْرَاهِيمُ إلَى الصّلَاةِ فَلَمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً فَقَالَ لَهَا : اُدْعِي اللّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي ، فَلَك اللّهُ أَنْ لَا أَضُرّك . فَفَعَلَتْ فَعَادَ فَقُبِضَتْ يَدُهُ أَشَدّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَعَادَ فَقُبِضَتْ يَدُهُ أَشَدّ مِنْ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَقَالَ لَهَا : اُدْعِي اللّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي ، وَلَك اللّهَ أَنّ لَا أَضُرّك ، فَفَعَلَتْ فَأُطْلِقَتْ يَدُهُ وَدَعَا الّذِي جَاءَ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ إنّك إنّمَا جِئْتنِي بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ . فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي ، وَأَعْطَاهَا هَاجَرَ ، فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا إبْرَاهِيمُ . انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ ؟ قَالَتْ خَيْرًا ، كَفّ اللّهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا " . قَالَ أَبُو هَرِيرَةَ : فَتِلْكَ أُمّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السّمَاءِ وَلِلْبُخَارِيّ أَنّ إبْرَاهِيمَ لَمّا سُئِلَ عَنْهَا ؟ قَالَ هِيَ أُخْتِي ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهَا ، فَقَالَ لَا تَكْذِبِي حَدِيثِي . فَإِنّي أَخْبَرْتهمْ أَنّك أُخْتِي . وَاَللّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُك ، فَأَرْسَلَ بِهَا إلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهَا ، فَقَامَتْ تَتَوَضّأُ وَتُصَلّي ، فَقَالَتْ اللّهُمّ إنْ كُنْت آمَنْت بِك وَبِرَسُولِك ، وَأَحْصَنْت فَرْجِي إلّا عَلَى زَوْجِي ، فَلَا تُسَلّطْ عَلَيّ يَدَ الْكَافِرِ . فَغَطّ حَتّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ . فَقَالَتْ اللّهُمّ إنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ فَأُرْسِلَ ثُمّ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَتْ تَتَوَضّأُ وَتُصَلّي ، وَتَقُولُ اللّهُمّ إنْ كُنْت آمَنْت بِك وَبِرَسُولِك ، وَأَحْصَنْت فَرْجِي إلّا عَلَى زَوْجِي ، فَلَا تُسَلّطْ عَلَيّ هَذَا الْكَافِرَ فَغَطّ حَتّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ . فَقَالَتْ اللّهُمّ إنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ فَأُرْسِلَ فِي الثّانِيَةِ أَوْ الثّالِثَةِ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إلَيّ إلّا شَيْطَانًا ، أَرْجِعُوهَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَأَعْطُوهَا هَاجَرَ . فَرَجَعَتْ إلَى إبْرَاهِيمَ فَقَالَتْ أَشَعَرْت ؟ إنّ اللّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً " ([3])<8> وَكَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ . وَبَعْدَ مَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ مَا جَرَى هَاجَرَ إلَى الشّامِ . وَاسْتَوْطَنَهَا ، إلَى أَنْ مَاتَ فِيهَا . وَأَعْطَتْهُ سَارَةُ الْجَارِيَةَ الّتِي أَعْطَاهَا الْجَبّارُ . فَوَاقَعَهَا . فَوَلَدَتْ لَهُ إسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَغَارَتْ سَارَةُ . فَأَمَرَهُ اللّهُ بِإِبْعَادِهِ عَنْهَا . فَذَهَبَ بِهَا وَبِابْنِهَا فَأَسْكَنَهَا فِي مَكّةَ . تَمّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَبَ اللّهُ لَهُ وَلِسَارَةَ إسْحَاقَ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا ذَكَرَ اللّهُ بِشَارَةَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ وَلَهَا بِإِسْحَاقِ . وَمِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ . وَفِي الصّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا كَانَ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمّ إسْمَاعِيلَ وَمَعَهُ شَنّةٌ فِيهَا مَاءٌ . فَجَعَلَتْ أُمّ إسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنْ الشّنّةِ فَيُدَرّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيّهَا ، حَتّى قَدِمَ مَكّةَ . فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ - وَلَيْسَ بِمَكّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ - وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ . ثُمّ قَفّى إبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا ، فَتَبِعَتْهُ أُمّ إسْمَاعِيلَ . فَلَمّا بَلَغُوا كَدَاءَ ، نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الّذِي لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ وَلَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا ، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا . فَقَالَتْ لَهُ آللّهُ أَمَرَك بِهَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ إذَنْ لَا يُضَيّعُنَا - وَفِي لَفْظٍ إلَى مَنْ تَكِلُنَا ؟ قَالَ إلَى اللّهِ . قَالَتْ رَضِيت - ثُمّ رَجَعَتْ . فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حَتّى إذَا كَانَ عِنْدَ الثّنِيّةِ . حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الدّعَوَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ ( 14 : 37 ) رَبّنَا إِنّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبّنَا لِيُقِيمُوا الصّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ وَجَعَلَتْ أُمّ إسْمَاعِيلَ تُرْضِعُهُ . وَتَشْرَبُ مِنْ الشّنّةِ . فَيُدَرّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيّهَا . حَتّى إذَا نَفِدَ مَا فِي السّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا . وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ يَتَلَوّى - أَوْ قَالَ يَتَلَبّطُ - فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ . فَوَجَدَتْ الصّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ إلَيْهَا ، فَقَامَتْ وَاسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا ؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا . فَهَبَطَتْ مِنْ الصّفَا ، حَتّى إذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعَهَا . ثُمّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا . فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ؟ فَم تَرَ أَحَدًا . فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرّاتٍ <9> قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النّاسِ بَيْنَهُمَا - ثُمّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْت فَنَظَرْت مَا فَعَلَ ؟ - تَعْنِي الصّبِيّ - فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ . فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ . فَلَمْ تَقَرّ نَفْسَهَا . فَقَالَتْ لَوْ ذَهَبْت لَعَلّي أُحِسّ أَحَدًا ؟ فَذَهَبْت فَصَعَدْتُ الصّفَا . فَنَظَرَتْ . فَلَمْ تُحِسّ أَحَدًا . حَتّى أَتَمّتْ سَبْعًا . ثُمّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْت فَنَظَرْت مَا فَعَلَ ؟ فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ . فَقَالَتْ أَغِثْ إنْ كَانَ عِنْدَك خَيْرٌ . فَإِذَا بِجِبْرِيلَ . قَالَ فَقَالَ بِعَقِبِهِ عَلَى الْأَرْضِ . فَانْبَثَقَ الْمَاءُ فَذَهَبَتْ أُمّ إسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِرُ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْحَمُ اللّهُ أُمّ إسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ - لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مُعِينًا - وَفِي حَدِيثِهِ فَجَعَلَتْ تَغْرِفُ الْمَاءَ فِي سِقَائِهَا - قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا . فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ لَا تَخَافِي الضّيْعَةَ . فَإِنّ هَهُنَا بَيْتًا لِلّهِ يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ إنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ . وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ الرّابِيَةِ . تَأْتِيهِ السّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ . فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتّى مَرّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ ، مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءَ ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا ، فَقَالُوا : إنّ هَذَا الطّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ . لِعَهْدِنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسِلُوا جَرِيّا ، أَوْ جَرِيّيْنِ . فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ فَأَقْبَلُوا ، وَقَالُوا لِأُمّ إسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَك ؟ قَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ . قَالُوا : نَعَمْ - قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : قَالَ النّبِيّ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمّ إسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبّ الْأُنْسَ - فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ . حَتّى إذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبّ الْغُلَامُ . وَتَعَلّمَ الْعَرَبِيّةَ مِنْهُمْ . وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبّ فَلَمّا أَدْرَكَ زَوّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ . وَمَاتَتْ أُمّ إسْمَاعِيلَ . وَجَاءَ إبْرَاهِيمُ - بَعْدَ مَا تَزَوّجَ إسْمَاعِيلُ - يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ ؟ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا . ثُمّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ ؟ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدّةٍ . فَشَكَتْ إلَيْهِ . قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُك أَقْرِئِي عَلَيْهِ السّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ . فَلَمّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ كَأَنّهُ آنَسَ شَيْئًا . فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ - كَذَا وَكَذَا - فَسَأَلَنَا عَنْك ؟ فَأَخْبَرْته ، وَسَأَلَنِي : كَيْفَ عَيْشُنَا ؟ <10> فَأَخْبَرَتْهُ أَنَا فِي جَهْدٍ وَشِدّةٍ . قَالَ فَهَلْ أَوْصَاك بِشَيْءٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْك السّلَامَ و يَقُولُ غَيّرْ عَتَبَةَ بَابِك . قَالَ ذَاكَ أَبِي . وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَك . الْحَقِي بِأَهْلِك ، فَطَلّقَهَا . وَتَزَوّجَ مِنْهُمْ امْرَأَةً أُخْرَى ، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللّهُ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إنّي مُطّلِعٌ تَرِكَتِي . فَجَاءَ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أَيْنَ إسْمَاعِيلُ ؟ قَالَتْ ذَهَبَ يَصِيدُ . قَالَتْ أَلَا تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ ؟ قَالَ وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ ؟ قَالَتْ طَعَامُنَا اللّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ . قَالَ اللّهُمّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ - قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَرَكَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكّةَ إلّا لَمْ يُوَافِقَاهُ . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبّ . وَلَوْ كَانَ لَهُمْ حَبّ دَعَا لَهُمْ فِيهِ - وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهَا وَهَيْئَتِهِمْ ؟ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللّهِ . قَالَ إذَا جَاءَ زَوْجُك : فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السّلَامَ وَمُرِيهِ يُثَبّتْ عَتَبَةَ بَابِهِ . فَلَمّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَتْ نَعَمْ . شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ - وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ - فَسَأَلَنِي عَنْك ؟ فَأَخْبَرْته . فَسَأَلَنِي : كَيْفَ عَيْشُنَا : فَأَخْبَرْته أَنَا بِخَيْرٍ . قَالَ هَلْ أَوْصَاك بِشَيْءٍ ؟ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْك السّلَامَ وَيَأْمُرُك أَنْ تُثَبّتَ عَتَبَةَ بَابِك . قَالَ ذَاكَ أَبِي . وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَك . ثُمّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللّهُ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إنّي مُطَلّعٌ تَرِكَتِي ، فَجَاءَ . فَوَافَقَ إسْمَاعِيلَ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ : فَلَمّا رَآهُ قَامَ إلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ . ثُمّ قَالَ يَا إسْمَاعِيلُ إنّ اللّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَك رَبّك . قَالَ وَتُعِينُنِي ؟ قَالَ وَأُعِينُك . قَالَ فَإِنّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي هَهُنَا بَيْتًا - وَأَشَارَ إلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا - قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ . فَجَعَلَ إسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي . حَتّى إذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ ، فَوُضِعَ لَهُ . فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي ، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ ( 3 : 127 ) رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّا إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ . هَذَا آخِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ ([4]) . فَصَارَتْ وِلَايَةُ الْبَيْتِ وَمَكّةَ لِإِسْمَاعِيلَ . ثُمّ لِذُرّيّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَانْتَشَرَتْ ذُرّيّتُهُ فِي الْحِجَازِ وَكَثُرُوا . وَكَانُوا عَلَى الْإِسْلَامِ دِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ قُرُونًا كَثِيرَةً . وَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتّى كَانَ فِي آخِرِ الدّنْيَا : نَشَأَ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ فَابْتَدَعَ الشّرْكَ وَغَيّرَ دِينَ إبْرَاهِيمَ وَتَأْتِي قِصّتُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ . <11> وَأَمّا إسْحَاقُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَإِنّهُ بِالشّامِ . وَذُرّيّتُهُ هُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ وَالرّومُ . أَمَا بَنُو إسْرَائِيلَ : فَأَبُوهُمْ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السّلَامُ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَيَعْقُوبُ هُوَ إسْرَائِيلُ . وَأَمّا الرّومُ : فَأَبُوهُمْ عِيصُ بْنُ إسْحَاقَ . وَمِمّا أَكْرَمَ اللّهُ بِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّ اللّهَ لَمْ يَبْعَثْ بَعْدَهُ نَبِيّا إلّا مِنْ ذُرّيّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 29 : 27 ) وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ وَكُلّ الْأَنْبِيَاءِ وَالرّسُلِ مِنْ ذُرّيّةِ إسْحَاقَ . وَأَمّا إسْمَاعِيلُ فَلَمْ يُبْعَثْ مِنْ ذُرّيّتِهِ إلّا نَبِيّنَا مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ اللّهُ إلَى الْعَالَمِينَ كَافّةً . وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كُلّ نَبِيّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصّةً . وَفَضّلَهُ اللّهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ . وَأَمّا قِصّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ وَتَغْيِيرُهُ دِينِ إبْرَاهِيمَ فَإِنّهُ نَشَأَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالصّدَقَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى أُمُورِ الدّينِ . فَأَحَبّهُ النّاسُ حُبّا عَظِيمًا . وَدَانُوا لَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ . حَتّى مَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ . وَصَارَ مُلْكُ مَكّةَ وَوِلَايَةُ الْبَيْتِ بِيَدِهِ . وَظَنّوا أَنّهُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ وَأَفَاضِلِ الْأَوْلِيَاءِ . تَمّ إنّهُ سَافَرَ إلَى الشّامِ . فَرَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ . فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ وَظَنّهُ حَقّا . لِأَنّ الشّامَ مَحِلّ الرّسُلِ وَالْكُتُبِ . فَلَهُمْ الْفَضِيلَةُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ . فَرَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَقَدِمَ مَعَهُ بِهُبَلَ . وَجَعَلَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَدَعَا أَهْلَ مَكّةَ إلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ . فَأَجَابُوهُ . وَأَهْلُ الْحِجَازِ فِي دِينِهِمْ تَبَعٌ لِأَهْلِ مَكّةَ . لِأَنّهُمْ وُلَاةُ الْبَيْتِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ . فَتَبِعَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ عَلَى ذَلِكَ ظَنّا أَنّهُ الْحَقّ . فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَإِبْطَالُ مَا أَحْدَثَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ . وَكَانَتْ الْجَاهِلِيّةُ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِمْ بَقَايَا مِنْ دِينِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَتْرُكُوهُ كُلّهُ . وَأَيْضًا يَظُنّونَ أَنّ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَأَنّ مَا أَحْدَثَهُ عَمْرٌو : بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ . لَا تُغَيّرُ دِينَ إبْرَاهِيمَ . وَكَانَتْ تَلْبِيَةُ نِزَارٍ لَبّيْكَ . لَا شَرِيكَ لَك ، إلّا شَرِيكًا هُوَ لَك ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 30 : 27 ) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . وَمِنْ أَقْدَمِ أَصْنَامِهِمْ " مَنَاةُ " وَكَانَ مَنْصُوبًا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِقُدَيْدٍ . تُعَظّمُهُ الْعَرَبُ كُلّهَا ، لَكِنّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانُوا أَشَدّ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ . وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ ( 2 : 158 ) إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوّفَ بِهِمَا <12> ([1]) أَخرَجَهُ : ت (بِرَقْمِ : 3368) وابنُ حِبَّان (بِرَقْمِ : 6167) مِن حديثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .قال التِّرمذيّ : ( حَسَنٌ غريبٌ ) . وصَحَّحَهُ الحاكم 2/325 على شَرطِ مُسلِم ؛ وَسَكَت الذَّهبي .([2]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 4920) بِنَحوهِ .([3]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3357 و3358 وَغيره) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 2371) مِن حديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .([4]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3362 و3364 و3365) . | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:57 am | |
| إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوّفَ بِهِمَا <12> . ثُمّ اتّخَذُوا " اللّاتَ " فِي الطّائِفِ ، وَقِيلَ إنّ أَصْلَهُ رَجُلٌ صَالِحٌ كَانَ يَلُتّ السّوِيقَ لِلْحَاجّ فَمَاتَ فَعَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ . ثُمّ اتّخَذُوا " الْعُزّى " بِوَادِي نَخْلَةَ بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ . فَهَذِهِ الثّلَاثُ أَكْبَرُ أَوْثَانِهِمْ . تَمّ كَثُرَ الشّرْكُ . وَكَثُرَتْ الْأَوْثَانُ فِي كُلّ بُقْعَةٍ مِنْ الْحِجَازِ . وَكَانَ لَهُمْ أَيْضًا بُيُوتٌ يُعَظّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ . وَكَانُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 3 : 164 ) لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَلَمّا دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ إلَى اللّهِ اشْتَدّ إنْكَارُ النّاسِ لَهُ عُلَمَائِهِمْ وَعِبَادِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَعَامّتِهِمْ حَتّى إنّهُ لَمّا دَعَا رَجُلًا إلَى الْإِسْلَامِ قَالَ لَهُ " مَنْ مَعَك عَلَى هَذَا ؟ قَالَ حُرّ وَعَبْدٌ " وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا . وَأَعْظَمُ الْفَائِدَةِ لَك أَيّهَا الطّالِبُ وَأَكْبَرُ الْعِلْمِ وَأَجَلّ الْمَحْصُولِ - إنْ فَهِمْت مَا صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ : - « بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ » ( ) . - وَقَوْلُهُ : « لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذّةِ بِالْقُذّةِ حَتّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبّ لَدَخَلْتُمُوهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى ؟ قَالَ فَمَنْ ؟ » ( ) . وَقَوْلُهُ : « سَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً . كُلّهَا فِي النّارِ إلّا وَاحِدَةً » ( ) . فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَجَلّ الْمَسَائِلِ . فَمَنْ فَهِمَهَا فَهُوَ الْفَقِيهُ . وَمَنْ عَمِلَ بِهَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ . فَنَسْأَلُ اللّهَ الْكَرِيمَ الْمَنّانَ أَنْ يَتَفَضّلَ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ بِفَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا . أَمَا الْبَيْتُ الْمُحَرّمُ فَإِنّ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ لَمّا بَنَيَاهُ صَارَتْ وِلَايَتُهُ فِي إسْمَاعِيلَ وَذُرّيّتِهِ . ثُمّ غَلَبَهُمْ عَلَيْهِ أَخْوَالُهُمْ مِنْ جُرْهُمٍ . وَلَمْ يُنَازِعْهُمْ بَنُو إسْمَاعِيلَ <13> لِقَرَابَتِهِمْ وَإِعْظَامِهِمْ لِلْحُرْمَةِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا قِتَالٌ . ثُمّ إنّ جُرْهُمَ بَغَوْا فِي مَكّةَ . وَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا ، فَرّقَ أَمْرُهُمْ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ بَنُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ . وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ، أَجْمَعُوا عَلَى جُرْهُمٍ ، فَاقْتَتَلُوا ، فَغَلَبَهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ وَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكّةَ . وَكَانَتْ مَكّةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا يُقَرّ فِيهَا ظُلْمٌ وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلّا أُخْرِجَ وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلّ حُرْمَتَهَا إلّا هَلَكَ . ثُمّ إنّ غُبْشَانَ - مِنْ خُزَاعَةَ - وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرٍ . وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصُرُمٌ وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ . فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ . حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ حَلِيلُ بْنُ حُبَيْشَةَ . فَتَزَوّجَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ ابْنَتَهُ . فَلَمّا عَظُمَ شَرَفُ قُصَيّ ، وَكَثُرَ بَنُوهُ وَمَالُهُ هَلَكَ حَلِيلٌ فَرَأَى قُصَيّ أَنّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ وَأَنّ قُرَيْشًا رُءُوسُ آلِ إسْمَاعِيلَ وَصَرِيحَهُمْ فَكَلّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ فِي إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ . فَأَجَابُوهُ . وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّةَ بْنِ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ . لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ جُرْهُمِيّةً لَا تَلِدُ . فَنَذَرَتْ لِلّهِ إنْ وَلَدَتْ رَجُلًا : أَنْ تَتَصَدّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ يَخْدُمُهَا . فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ . فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ . فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنّاسِ لِمَكَانِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ فَكَانَ إذَا رَفَعَ يَقُولُ اللّهُمّ إنّي تَابِعٌ تِبَاعَةْ إنْ كَانَ إثْمًا فَعَلَى قُضَاعَةْ وَكَانَتْ " صُوفَةُ " تَدْفَعُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ وَتُجِيزُهُمْ إذَا نَقَرُوا مِنْ مِنًى . فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النّضْرِ أَتَوْا رَمْيَ الْجِمَارِ وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لَهُمْ لَا يَرْمُونَ حَتّى يَرْمِيَ لَهُمْ . فَكَانَ الْمُتَعَجّلُونَ يَأْتُونَهُ يَقُولُونَ ارْمِ حَتّى نَرْمِيَ . فَيَقُولُ لَا وَاَللّهِ حَتّى تَمِيلَ الشّمْسُ . فَإِذَا مَالَتْ الشّمْسُ رَمَى وَرَمَى النّاسُ مَعَهُ . فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الرّمْيِ وَأَرَادُوا النّفْرَ مِنْ مِنًى أَخَذَتْ صُوفَةُ بِالْجَانِبَيْنِ . فَلَمْ يُجْزَ أَحَدٌ حَتّى يَمُرّوا ، ثُمّ يُخَلّونَ سَبِيلَ النّاسِ . <14> فَلَمّا انْقَرَضُوا وَرِثَهُمْ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . وَكَانَتْ الْإِفَاضَةُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فِي " عُدْوَانَ " يَتَوَارَثُونَهَا . حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ كَرْبُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جُنَابٍ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ . فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَعَلَتْ صُوفَةُ مَا كَانَتْ تَفْعَلُ قَدْ عَرَفَتْ الْعَرَبُ ذَلِكَ لَهُمْ . هُوَ دِينٌ لَهُمْ مِنْ عَهْدِ جُرْهُمٍ وَوِلَايَةِ خُزَاعَةَ . فَأَتَاهُمْ قُصَيّ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقُضَاعَةَ وَكِنَانَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، فَقَالَ نَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ فَقَاتَلُوهُ فَاقْتَتَلَ النّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا . ثُمّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ . وَغَلَبَهُمْ قُصَيّ عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ . وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيّ ، وَعَرَفُوا أَنّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ . وَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ . فَلَمّا انْحَازُوا بَادَأَهُمْ وَأَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ . فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا . تَمّ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ فَحَكّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عَوْفٍ أَحَدَ بَنِي بَكْرٍ . فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنّ قُصَيّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَكُلّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيّ مِنْهُمْ مَوْضُوعٌ شَدْخُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَمَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَفِيهِ الدّيَةُ وَأَنْ يُخْلَى بَيْنَ قُصَيّ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَمَكّةَ . فَسُمّيَ يَوْمَئِذٍ يَعْمُرَ الشّدّاخَ . فَوَلِيَهَا قُصَيّ . وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكّةَ . وَتَمَلّكَ عَلَيْهِمْ وَمَلّكُوهُ . لِأَنّهُ أَقَرّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ . لِأَنّهُ يَرَاهُ دِينًا لَا يُغَيّرُ فَأَقَرّ النّسْأَةَ وَآلَ صَفْوَانَ وَعُدْوَانَ ، وَمُرّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ . حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ ذَلِكَ كُلّهُ . وَفِيهِ يَقُولُ الشّاعِرُ قُصَيّ ، لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجَمّعًا بِهِ جَمَعَ اللّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ فَكَانَ قُصَيّ بْنُ لُؤَي ّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ فَكَانَتْ إلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسّقَايَةُ وَالرّفَادَةُ وَالنّدْوَةُ ، وَاللّوَاءُ . وَقَطّعَ مَكّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ كُلّ قَوْمٍ مِنْهُمْ مَنَازِلَهُمْ . وَقِيلَ إنّهُمْ هَابُوا قَطْعَ الشّجَرِ عَنْ مَنَازِلِهِمْ . فَقَطَعَهَا بِيَدِهِ وَأَعْوَانُهُ فَسَمّتْهُ قُرَيْشٌ " مُجَمّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَتَيَمّنَتْ بِأَمْرِهِ فَلَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ وَلَا يَتَزَوّجُ رَجُلٌ وَلَا يَتَشَاوَرُونَ فِيمَا نَزَلَ بِهِمْ وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءَ حَرْبٍ إلّا فِي دَارِهِ يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ . - 15 - فَكَانَ أَمْرُهُ فِي حَيَاتِهِ - وَبَعْدَ مَوْتِهِ - عِنْدَهُمْ كَالدّينِ الْمُتّبَعِ وَاِتّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النّدْوَةِ .
فَلَمّا كَبِرَ قُصَيّ وَرَقّ عَظْمُهُ - وَكَانَ عَبْدُ الدّارِ بِكْرَهُ . وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَعَبْدُ الْعُزّى وَعَبْدُ الدّارِ . فَقَالَ قُصَيّ لِعَبْدِ الدّارِ لَأَلْحَقَنك بِالْقَوْمِ وَإِنْ شَرَفُوا عَلَيْك . لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا لَهُ . وَلَا يُعْقَدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءٌ لِحَرْبِهَا إلّا أَنْتَ . وَلَا يَشْرَبُ رَجُلٌ بِمَكّةَ إلّا مِنْ سِقَايَتِك . وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلّا مِنْ طَعَامِك . وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلّا فِي دَارِك . فَأَعْطَاهُ دَارَ النّدْوَةِ ، وَالْحِجَابَةَ وَاللّوَاءَ وَالسّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ وَهِيَ خَرْجٌ تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي الْمَوْسِمِ مِنْ أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيّ ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ . لِأَنّ قُصَيّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ . فَقَالَ لَهُمْ إنّكُمْ جِيرَانُ اللّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ . وَإِنّ الْحَاجّ ضَيْفُ اللّهِ وَهُمْ أَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ . فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَتُرَابًا أَيّامَ الْحَجّ حَتّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ . فَفَعَلُوا . وَكَانَ قُصَيّ لَا يُخَالَفُ وَلَا يُرَدّ عَلَيْهِ شَيْءٌ صَنَعَهُ . فَلَمّا هَلَكَ أَقَامَ بَنُوهُ أَمْرَهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ . ثُمّ إنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَرَادُوا أَخْذَ مَا بِيَدِ عَبْدِ الدّارِ وَرَأَوْا أَنّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ فَتَفَرّقَتْ قُرَيْشٌ : بَعْضُهُمْ مَعَهُمْ . وَبَعْضُهُمْ مَعَ عَبْدِ الدّارِ . فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ عَبْدِ مَنَافٍ . عَبْدُ شَمْسٍ . لِأَنّهُ أَسَنّهُمْ . وَصَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . فَعَقَدَ كُلّ قَوْمٍ حِلْفًا مُؤَكّدًا . فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا . فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِيهَا ، وَمَسَحُوا بِهَا الْكَعْبَةَ . فَسُمّوا " الْمُطَيّبِينَ " وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ وَحُلَفَاؤُهُمْ فَسُمّوا " الْأَحْلَافَ " ثُمّ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ عَلَى أَنّ لِعَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ وَأَنّ الْحِجَابَةَ وَاللّوَاءَ وَالنّدْوَةَ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ فَرَضُوا . وَثَبَتَ كُلّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا ، حَتّى جَاءَ اللّهُ بِالْإِسْلَامِ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : « كُلّ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً » ( ) . وَأَمّا حِلْفُ الْفُضُولِ ( ) فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ لِشَرَفِهِ وَسِنّهِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ ، وَبَنُو الْمُطّلِبِ ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ ، وَتَيْمُ <16> ابْنُ مُرّةَ تَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكّةَ مَظْلُومًا مِنْ أَهْلِهَا ، أَوْ مِمّنْ دَخَلَهَا ، إلّا أَقَامُوا مَعَهُ حَتّى تُرَدّ إلَيْهِ مُظْلَمَتَهُ فَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : إنّ الْفُضُولَ تَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا
أَنْ لَا يُقِيمَ بِبَطْنِ مَكّةَ ظَالِمُ أَمْرٌ عَلَيْهِ تَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا
فَالْجَارُ وَالْمُعْتَرّ فِيهِمْ سَالِمُ فَوَلِيَ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ لِأَنّ عَبْدَ شَمْسٍ سُفّارٌ قَلّمَا يُقِيمُ بِمَكّةَ . وَكَانَ مُقِلّا ذَا وَلَدٍ . وَكَانَ هَاشِمٌ مُوسِرًا ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ . وَأَوّلُ مَنْ أَطْعَمَ الثّرِيدَ بِمَكّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ
قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافُ وَلَمّا مَاتَ هَاشِمٌ وُلِيَ ذَلِكَ الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ . فَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ يُسَمّونَهُ الْفَيّاضَ لِسَمَاحَتِهِ . وَكَانَ هَاشِمٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ . فَتَزَوّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو ، مِنْ بَنِي النّجّارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ . فَلَمّا تَرَعْرَعَ خَرَجَ إلَيْهِ الْمُطّلِبُ لِيَأْتِيَ بِهِ فَأَبَتْ أُمّهُ . فَقَالَ إنّهُ يَلِي مُلْكَ أَبِيهِ . فَأَذِنَتْ لَهُ . فَرَحَلَ بِهِ . وَسَلّمَ إلَيْهِ مُلْكَ أَبِيهِ . فَوَلِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ مَا كَانَ أَبُوهُ يَلِي . وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا أَقَامَ آبَاؤُهُ . وَشَرُفَ فِيهِمْ لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ . وَأَحَبّوهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ . ثُمّ ذَكَرَ قِصّةَ حَفْر زَمْزَمَ ، وَمَا فِيهَا مِنْ الْعَجَائِبِ . ثُمّ ذَكَرَ قِصّةَ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ وَمَا جَرَى فِيهَا مِنْ الْعَجَائِبِ . ثُمّ ذَكَرَ الْآيَاتِ الّتِي لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ وَبَعْدَهَا . وَمَا جَرَى لَهُ وَقْتَ رَضَاعِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ . ثُمّ ذَكَرَ كَفَالَةَ أُمّهِ لَهُ . ثُمّ كَفَالَةَ جَدّهِ . ثُمّ كَفَالَةَ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ . ثُمّ ذَكَرَ قِصّةَ بُحَيْرِيّ الرّاهِبِ وَغَيْرَهَا مِنْ الْآيَاتِ . <17> ثُمّ ذَكَرَ تَزَوّجَهُ خَدِيجَةَ وَمَا ذَكَرَ لَهَا غُلَامَهَا مَيْسَرَةَ وَمَا ذَكَرَتْهُ هِيَ لِوَرَقَةِ وَقَوْلَ وَرَقَةَ لَجَجْت وَكُنْت فِي الذّكْرَى لَجُوجًا
لِهَمّ طَالَمَا بُعِثَ النّشِيجَا إلَى آخِرِهَا . ثُمّ ذَكَرَ حِكْمَةَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ بِنَائِهِمْ الْكَعْبَةَ . وَذَكَرَ قِصّةَ بِنَائِهَا . وَذَكَرَ أَمْرَ الْحُمْسِ وَقَالَ إنّ قُرَيْشًا ابْتَدَعَتْهُ رَأْيًا رَأَوْهُ . فَقَالُوا : نَحْنُ بَنُو إبْرَاهِيمَ وَأَهْلُ الْحَرَمِ ، وَوُلَاةُ الْبَيْتِ . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقّنَا . فَلَا تُعَظّمُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْحِلّ مِثْلَمَا تُعَظّمُونَ الْحَرَمَ ، لِئَلّا تَسْتَخِفّ الْعَرَبُ بِحُرْمَتِكُمْ . فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا ، مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ أَنّهَا مِنْ الْمَشَاعِرِ وَمِنْ دِينِ إبْرَاهِيمَ . وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ الْعَرَبِ أَنْ يَقِفُوا بِهَا ، وَيُفِيضُوا مِنْهَا ، إلّا أَنّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ . فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ . نَحْنُ الْحُمْسُ و " الْحُمْسُ " أَهْلُ الْحَرَمِ . ثُمّ جَعَلُوا لِمَنْ وُلِدُوا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ : مِثْلَ مَا لَهُمْ بِوِلَادَتِهِمْ إيّاهُمْ يَحِلّ لَهُمْ مَا يَحِلّ لَهُمْ . وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ . وَكَانَتْ كِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ . ثُمّ ابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ أُمُورًا ، فَقَالُوا : لَا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَقِطُوا الْأَقِطَ وَلَا أَنْ يَسُلّوا السّمْنَ وَهُمْ حُرُمٌ وَلَا يُدْخِلُوا بَيْتًا مِنْ شِعْرٍ وَلَا يَسْتَظِلّوا إلّا فِي بُيُوتِ الْأَدَمِ مَا دَامُوا حُرُمًا . ثُمّ قَالُوا : لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحِلّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامٍ جَاءُوا بِهِ مِنْ الْحِلّ إلَى الْحَرَمِ ، إذَا جَاءُوا حُجّاجًا أَوْ عُمّارًا ، وَلَا يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمُوا - أَوّلَ طَوَافِهِمْ - إلّا فِي ثِيَابِ الْحُمْسِ . فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْقَادِمُ ثِيَابَ أَحْمُسَ طَافَ فِي ثِيَابِهِ وَأَلْقَاهَا إذَا فَرَغَ . وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهُ . فَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمّيهَا " اللّقَى " وَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ الْعَرَبُ . فَدَانَتْ <18> بِهِ . أَمّا الرّجَالُ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً وَأَمّا النّسَاءُ فَتَضَعُ الْمَرْأَةُ ثِيَابَهَا كُلّهَا إلّا دِرْعًا مُفَرّجًا ثُمّ نَطُوفُ فِيهِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلّهُ
وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلّهُ فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتّى جَاءَ اللّهُ بِالْإِسْلَامِ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 2 : 196 ) ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ وَأَنْزَلَ فِيمَا حَرّمُوا ( 7 : 26 - 33 ) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ إلَى قَوْلِهِ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ إلَى قَوْلِهِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَذَكَرَ حُدُوثَ الرّجُومِ . وَإِنْذَارَ الْكُهّانِ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنُزُولُ سُورَةِ الْجِنّ وَقِصّتِهِمْ . ثُمّ ذَكَرَ إنْذَارَ الْيَهُودِ ، وَأَنّهُ سَبَبُ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ ، وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ . وَقِصّةَ ابْنِ الْهَيْبَانِ وَقَوْلَهُ " يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا تَرَوْنَهُ أَخْرِجْنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ ؟ " وَقَوْلُهُ " إنّمَا قَدِمْت هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَتَوَكّفُ خُرُوجَ نَبِيّ قَدْ أَظَلّ زَمَانَهُ . وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجِرَةٌ " إلَى آخِرِهَا . ثُمّ ذَكَرَ قِصّةَ إسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . ثُمّ ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَفَرّقِينَ عَنْ الشّرْكِ فِي طَلَبِ الدّينِ الْحَقّ وَهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ . ثُمّ ذَكَرَ وَصِيّةَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِاتّبَاعِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَخَذَ اللّهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِ وَالنّصْرِ لَهُ وَأَنْ يُؤَدّوهُ إلَى أُمَمِهِمْ . فَأَدّوْا ذَلِكَ . وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ تَعَالَى ( 3 : 81 ) وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ - الْآيَةَ . <19> ثُمّ ذَكَرَ قِصّةَ بَدْءِ الْوَحْيِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْقِصّةَ فِي الصّحِيحَيْنِ ( )- وَفِيهَا " أَنّ أَوّلَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ إلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ ثُمّ أَنَزَلَ عَلَيْهِ ( 74 : 1 - 7 ) يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبّكَ فَاصْبِرْ فَمَنْ فَهِمَ أَنّ هَذِهِ أَوّلُ آيَةٍ أَرْسَلَهُ اللّهُ بِهَا ، عَرَفَ أَنّ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ أَنْ يُنْذِرَ النّاسَ عَنْ الشّرْكِ الّذِي يَعْتَقِدُونَ أَنّهُ عِبَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ لِيُقَرّبُوهُمْ إلَى اللّهِ قَبْلَ إنْذَارِهِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَعَرَفَ أَنّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَرَبّكَ فَكَبّرْ أَمْرٌ بِالتّوْحِيدِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالصّلَاةِ وَغَيْرِهَا . وَعَرَفَ قَدْرَ الشّرْكِ عِنْدَ اللّهِ وَقَدْرَ التّوْحِيدِ . فَلَمّا أَنْذَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ اسْتَجَابَ لَهُ قَلِيلٌ . وَأَمّا الْأَكْثَرُ فَلَمْ يَتّبِعُوا وَلَمْ يُنْكِرُوا ، حَتّى بَادَأَهُمْ بِالتّنْفِيرِ عَنْ دِينِهِمْ وَبَيَانِ نَقَائِصِهِ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ . فَاشْتَدّتْ عَدَاوَتُهُمْ لَهُ وَلِمَنْ تَبِعَهُ . وَعَذّبُوهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ، وَأَرَادُوا أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ . فَمَنْ فَهِمَ هَذَا : عَرَفَ أَنّ الْإِسْلَامَ لَا يَسْتَقِيمُ إلّا بِالْعَدَاوَةِ لِمَنْ تَرَكَهُ وَعَيّبَ دِينَهُ وَإِلّا لَوْ كَانَ لِأُولَئِكَ الْمُعَذّبِينَ رُخْصَةٌ لَفَعَلُوا . وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ . وَقَصّ اللّهُ سُبْحَانَهُ بَعْضَهُ فِي كِتَابِهِ . وَمِنْ أَشْهَرِ ذَلِكَ قِصّةُ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ لَمّا حَمَاهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَعِيَالِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَقَاسَى فِي ذَلِكَ الشّدَائِدَ الْعَظِيمَةَ . وَصَبَرَ عَلَيْهَا ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ مُصَدّقًا لَهُ وَمَادِحًا لِدِينِهِ مُحِبّا لِمَنْ اتّبَعَهُ مُعَادِيًا لِمَنْ عَادَاهُ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَلَمْ يَتَبَرّأْ مِنْ دِينِ آبَائِهِ . وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنّهُ لَا يَرْضَى بِمِسَبّةِ آبَائِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتّبَعَهُ وَلَمّا مَاتَ - وَأَرَادَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ ( ) - أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ ( 9 : 113 ) مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . فَيَا لَهَا مِنْ عِبْرَةٍ مَا أَبْيَنِهَا وَمِنْ عِظَةٍ مَا أَبْلَغَهَا وَمِنْ بَيَانٍ مَا أَوْضَحِهِ لِمَا يَظُنّ كَثِيرٌ مِمّنْ يَدّعِي اتّبَاعَ الْحَقّ فِيمَنْ أَحَبّ الْحَقّ وَأَهْلَهُ مِنْ غَيْرِ اتّبَاعٍ لِلْحَقّ لِأَجْلِ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدّنْيَا . <20> وَمِمّا وَقَعَ أَيْضًا : قِصّتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ - لَمّا قَرَأَ سُورَةَ النّجْمِ بِحَضْرَتِهِمْ - فَلَمّا وَصَلَ إلَى قَوْلِهِ ( 53 : 19 ، 20 ) أَفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَالْعُزّى وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي تِلَاوَتِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى ، وَإِنّ شَفَاعَتَهُنّ لَتُرْتَجَى . وَظَنّوا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَهُ فَفَرِحُوا بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا ، وَتَلَقّاهَا الصّغِيرُ وَالْكَبِيرُ مِنْهُمْ وَقَالُوا كَلَامًا مَعْنَاهُ هَذَا الّذِي نُرِيدُ نَحْنُ نَقْرَأُ أَنّ اللّهَ هُوَ الْخَالِقُ الرّازِقُ الْمُدَبّرُ لِلْأُمُورِ وَلَكِنْ نُرِيدُ شَفَاعَتَهَا عِنْدَهُ . فَإِذَا أَقَرّ بِذَلِكَ فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَيّ خِلَافٍ . وَاسْتَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَؤُهَا ، فَلَمّا بَلَغَ السّجْدَةَ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ( ) . وَشَاعَ الْخَبَرُ : أَنّهُمْ صَافَوْهُ . حَتّى إنّ الْخَبَرَ وَصَلَ إلَى الصّحَابَةِ الّذِينَ بِالْحَبَشَةِ فَرَكِبُوا بِالْبَحْرِ رَاجِعِينَ لِظَنّهِمْ أَنّ ذَلِكَ صِدْقٌ . فَلَمّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ فَخَافَ مِنْ اللّهِ خَوْفًا عَظِيمًا ، حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ ( 22 - 55 ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيّ إِلّا إِذَا تَمَنّى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي أُمْنِيّتِهِ - إلَى قَوْلِهِ - عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ فَمَنْ عَرَفَ هَذِهِ الْقِصّةَ وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ الْيَوْمَ وَمَا قَالَهُ وَيَقُولُهُ عُلَمَاؤُهُمْ وَلَمْ يُمَيّزْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ الّذِي أَتَى بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ دِينِ قُرَيْشٍ الّذِي أَرْسَلَ اللّهُ رَسُولَهُ يُنْذِرُهُمْ عَنْهُ وَهُوَ الشّرْكُ الْأَكْبَرُ فَأَبْعَدَهُ اللّهُ فَإِنّ هَذِهِ الْقِصّةَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ إلّا مَنْ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَذَلِكَ لَا حِيلَةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَفْهَمْ النّاسِ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْفَهْمِ الّذِينَ لَمْ يُوَفّقُوا ( 46 : 26 ) وَلَقَدْ مَكّنّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكّنّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةُ . ثُمّ لَمّا أَرَادَ اللّهُ إظْهَارَ دِينِهِ ، وَإِعْزَازَ الْمُسْلِمِينَ أَسْلَمَ الْأَنْصَارُ - أَهْلُ الْمَدِينَةِ - بِسَبَبِ الْعُلَمَاءِ الّذِينَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْيَهُودِ . وَذِكْرِهِمْ لَهُمْ النّبِيّ وَصِفَتَهُ وَأَنّ هَذَا زَمَانُهُ وَقَدّرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنّ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ الّذِينَ يَتَمَنّوْنَ ظُهُورَهُ وَيَنْتَظِرُونَهُ ويتوعدونهم بِهِ - لِمَعْرِفَتِهِمْ أَنّ الْعِزّ لِمَنْ اتّبَعَهُ - يُكَفّرُونَ بِهِ وَيُعَادُونَهُ . فَهُوَ قَوْلُ اللّهِ سُبْحَانَهُ ( 2 : 89 ) وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ . <21> فَلَمّا أَسْلَمَ الْأَنْصَارُ : أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَانَ بِمَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ . فَهَاجَرُوا إلَيْهَا . وَأَعَزّهُمْ اللّهُ تَعَالَى بَعْدَ تِلْكَ الذّلّةِ . فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 8 : 26 ) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ - الْآيَةَ . وَفَوَائِدُ الْهِجْرَةِ وَالْمَسَائِلُ الّتِي فِيهَا كَثِيرَةٌ لَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً . وَهِيَ أَنّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا ، كَرَاهَةَ مُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ وَالْأَقَارِبِ فَهُوَ قَوْلُ اللّهِ تَعَالَى ( 9 : 24 ) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ فَلَمّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ خَرَجُوا مَعَهُمْ كُرْهًا . فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ بِالرّمْيِ فَلَمّا عَلِمَ الصّحَابَةُ أَنّ فُلَانًا قُتِلَ وَفُلَانًا قُتِلَ تَأَسّفُوا عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا : قَتَلْنَا إخْوَانَنَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ ( 4 : 97 - 100 ) إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ - إلَى قَوْلِهِ - وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . فَلْيَتَأَمّلْ النّاصِحُ لِنَفْسِهِ هَذِهِ الْقِصّةَ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ الْآيَاتِ . فَإِنّ أُولَئِكَ لَوْ تَكَلّمُوا بِكَلَامِ الْكُفْرِ وَفَعَلُوا كُفْرًا ظَاهِرًا يُرْضُونَ بِهِ قَوْمَهُمْ لَمْ يَتَأَسّفْ الصّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِمْ . لِأَنّ اللّهَ بَيّنَ لَهُمْ - وَهُمْ بِمَكّةَ - لَمّا عُذّبُوا قَوْلَهُ تَعَالَى ( 16 : 106 ) مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ فَلَوْ سَمِعُوا عَنْهُمْ كَلَامًا أَوْ فِعْلًا يُرْضُونَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ مَا كَانُوا يَقُولُونَ " قَتَلْنَا إخْوَانَنَا " . وَيُوَضّحُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ وَلَمْ يَقُولُوا : كَيْفَ عَقِيدَتُكُمْ ؟ أَوْ كَيْفَ فِعْلُكُمْ ؟ بَلْ . قَالُوا : فِي أَيّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْتُمْ ؟ فَاعْتَذَرُوا بِقَوْلِهِمْ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ <22> فَلَمْ تُكَذّبْهُمْ الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا ، بَلْ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ؟ وَيُوَضّحُهُ قَوْلُهُ ( 4 : 99 ) إِلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُورًا فَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الصّحَابَةِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ ؟ . وَلَا يَفْهَمُ هَذَا إلّا مَنْ فَهِمَ أَنّ أَهْلَ الدّينِ الْيَوْمَ لَا يَعُدّونَهُ ذَنْبًا . فَإِذَا فَهِمْت مَا أَنَزَلَ اللّهُ فَهْمًا جَيّدًا . وَفَهِمْت مَا عِنْدَ مَنْ يَدّعِي الدّينَ الْيَوْمَ تَبَيّنَ لَك أُمُورٌ مِنْهَا : أَنّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ . فَإِنّ هَذِهِ وَأَمْثَالَهَا : لَا تُعْرَفُ إلّا بِالتّنْبِيهِ . فَإِذَا كَانَتْ قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَى الصّحَابَةِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ ؟ . وَمِنْهَا : أَنّك تَعْرِفُ أَنّ الْإِيمَانَ لَيْسَ كَمَا يَظُنّهُ غَالِبُ النّاسِ الْيَوْمَ بَلْ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ - فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيّ لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتّحَلّي وَلَا بِالتّمَنّي ، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدّقَتْهُ الْأَعْمَالُ . نَسْأَلُ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا ، وَيُعِيذَنَا مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ . قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَا بُنَيّ لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكُونَ مَالُك وَوَلَدُك ، وَلَكِنّ الْخَيْرَ أَنْ تَعْقِلَ عَنْ اللّهِ ثُمّ تُطِيعَهُ
| |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:58 am | |
| وَلَمّا هَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ : شَرَعَ اللّهُ لَهُمْ الْجِهَادَ . وَقَبْلَ ذَلِكَ نُهُوا عَنْهُ وَقِيلَ لَهُمْ ( 4 : 77 ) كُفّوا أَيْدِيَكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 3 : 216 ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرّ لَكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لِلّهِ تَعَالَى ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ فَشَكَرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ وَنَصَرَهُمْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ مَعَ قِلّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقُوّتِهِمْ . فَمِنْ الْوَقَائِعِ الْمَشْهُورَةِ الّتِي أَنَزَلَ اللّهُ فِيهَا الْقُرْآنَ وَقْعَةُ بَدْرٍ ، قَدْ أَنَزَلَ اللّهُ <23> فِيهَا سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَبَعْدَهَا وَقْعَةُ قَيْنُقَاع َ ثُمّ وَقْعَةُ أُحُدٍ بَعْدَ سَنَةٍ وَفِيهَا الْآيَاتُ الّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ ، وَبَعْدَهَا وَقْعَةُ بَنِي النّضِيرِ ، وَفِيهَا الْآيَاتُ الّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ ثُمّ وَقْعَةُ الْخَنْدَقِ ، وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ . وَفِيهَا الْآيَاتُ الّتِي فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ . ثُمّ وَقْعَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَفَتْحُ خَيْبَرَ . وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهَا سُورَةَ الْفَتْحِ . وَفَتْحَ مَكّةَ . وَوَقْعَةَ حُنَيْنٍ ، وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهَا سُورَةَ النّصْرِ . حُنَيْنٍ وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهَا سُورَةَ النّصْرِ . وَذَكَرَ حُنَيْنَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ . ثُمّ غَزْوَةَ تَبُوكَ وَذَكَرَهَا اللّهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ . وَلَمّا دَانَتْ لَهُ الْعَرَبُ ، وَدَخَلُوا فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا ، وَابْتَدَأَ فِي قِتَالِ الْعَجَمِ : اخْتَارَ اللّهُ لَهُ مَا عِنْدَهُ . فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَمَا أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ . وَقَدْ بَلّغَ الرّسَالَةَ وَأَدّى الْأَمَانَةَ . فَوَقَعَتْ الرّدّةُ الْمَشْهُورَةُ . وَذَلِكَ أَنّهُ لَمّا مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْتَدّ غَالِبُ مَنْ أَسْلَمَ وَحَصَلَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ ثَبّتَ اللّهُ فِيهَا مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالثّبَاتِ بِسَبَبِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَإِنّهُ قَامَ فِيهَا قِيَامًا لَمْ يُدَانِهِ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ ذَكّرَهُمْ فِيهِ مَا نَسُوا . وَعَلّمَهُمْ مَا جَهِلُوا . وَشَجّعَهُمْ لَمّا جَبُنُوا . فَثَبّتَ اللّهُ بِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ . جَعَلَنَا اللّهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَتْبَاعِ مَا حَمَلَهُ أَصْحَابُهُ . قَالَ اللّهُ تَعَالَى ( 5 : 35 ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ - الْآيَةَ قَالَ الْحَسَنُ : هُمْ وَاَللّهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ . قِتَالُ أَهْلِ الرّدّةِ وَصُورَةُ الرّدّةِ أَنّ الْعَرَبَ افْتَرَقَتْ فِي رِدّتِهَا . فَطَائِفَةٌ رَجَعَتْ إلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ . وَقَالُوا : لَوْ كَانَ نَبِيّا لَمَا مَاتَ . وَفِرْقَةٌ قَالَتْ نُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَلَا نُصَلّي . وَطَائِفَةٌ أَقَرّوا بِالْإِسْلَامِ وَصَلّوْا . وَلَكِنْ مَنَعُوا الزّكَاةَ . وَطَائِفَةٌ شَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ . وَلَكِنْ صَدّقُوا مُسَيْلِمَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشْرَكَهُ مَعَهُ النّبُوّةَ . وَذَلِكَ أَنّهُ أَقَامَ شُهُودًا مَعَهُ بِذَلِكَ . وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ يُقَالُ لَهُ الرّجّالُ فَصَدّقُوهُ لِأَجْلِ مَا عَرَفُوا فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ . فَفِيهِ <24> يَقُولُ بَعْضُهُمْ مِمّنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ يَا سُعَادَ الْفُؤَادِ بِنْتَ أَثَالٍ طَالَ لَيْلِي بِفِتْنَةِ الرّجّالِ فَتَنَ الْقَوْمَ بِالشّهَادَةِ وَاللـّ ـهُ عَزِيزٌ ذُو قُوّةٍ وَمِحَالِ وَقَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، صَدّقُوا الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيّ فِي ادّعَائِهِ النّبُوّةَ . وَقَوْمٌ صَدّقُوا طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيّ . وَلَمْ يَشُكّ أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ فِي كُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا ، وَوُجُوبِ قِتَالِهِمْ إلّا مَانِعَ الزّكَاةِ وَلَمّا عَزَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى قِتَالِهِمْ . قِيلَ لَهُ كَيْفَ نُقَاتِلُهُمْ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلّا اللّهُ . فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلّا بِحَقّهَا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنّ الزّكَاةَ مِنْ حَقّهَا ، وَاَللّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدّونَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَاتَلْتهمْ عَلَى مَنْعِهِ ( ) . ثُمّ زَالَتْ الشّبْهَةُ عَنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَعَرَفُوا وُجُوبَ قِتَالِهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ وَنَصَرَهُمْ اللّهُ عَلَيْهِمْ . فَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَعِيَالَهُمْ . فَمِنْ أَهَمّ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ تَأَمّلُ هَذِهِ الْقِصّةِ الّتِي جَعَلَهَا اللّهُ مِنْ حُجَجِهِ عَلَى خَلْقِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَمَنْ تَأَمّلَ هَذَا تَأَمّلًا جَيّدًا - خُصُوصًا إذَا عَرَفَ أَنّ اللّهَ شَهَرَهَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامّةِ . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْوِيبِ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ وَجَعَلُوا مِنْ أَكْبَرِ فَضَائِلِهِ وَعِلْمِهِ أَنّهُ لَمْ يَتَوَقّفْ فِي قِتَالِهِمْ بَلْ قَاتَلَهُمْ مِنْ أَوّلِ وَهْلَةٍ . وَعَرَفُوا غَزَارَةَ فَهْمِهِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِمْ بِالدّلِيلِ الّذِي أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ . فَرُدّ عَلَيْهِمْ . بِدَلِيلِهِمْ بِعَيْنِهِ مَعَ أَنّ الْمَسْأَلَةَ مُوَضّحَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ . أَمّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ( 9 : 5) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ وَفِي الصّحِيحَيْنِ ( ) : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَيُقِيمُوا الصّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزّكَاةَ . فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلّا بِحَقّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللّهِ تَعَالَى <25> فَهَذَا كِتَابُ اللّهِ الصّرِيحُ لِلْعَامّيّ الْبَلِيدِ . وَهَذَا كَلَامُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَهَذَا إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ الّذِينَ ذَكَرْت لَك . وَاَلّذِي يُعَرّفُك هَذَا جَيّدًا : هُوَ مَعْرِفَةُ ضِدّهِ وَهُوَ أَنّ الْعُلَمَاءَ فِي زَمَانِنَا يَقُولُونَ مَنْ قَالَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " فَهُوَ الْمُسْلِمُ حَرَامُ الْمَالِ وَالدّمِ لَا يُكَفّرُ وَلَا يُقَاتَلُ حَتّى إنّهُمْ يُصَرّحُونَ بِذَلِكَ فِي شَأْنِ الْبَدْوِ الّذِينَ يُكَذّبُونَ بِالْبَعْثِ . وَيُنْكِرُونَ الشّرَائِعَ . وَيَزْعُمُونَ أَنّ شَرْعَهُمْ الْبَاطِلُ هُوَ حَقّ اللّهِ وَلَوْ طَلَبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَصْمَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ عِنْدَ شِرْعِ اللّهِ لَعَدّوهُ مِنْ أَنْكَرِ الْمُنْكَرَاتِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إنّهُمْ يُكَفّرُونَ بِالْقُرْآنِ مِنْ أَوّلِهِ إلَى آخِرِهِ . وَيُكَفّرُونَ بِدِينِ الرّسُولِ كُلّهِ مَعَ إقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ أَنّ شَرْعَهُمْ أَحْدَثَهُ آبَاؤُهُمْ لَهُمْ كُفْرًا بِشِرْعِ اللّهِ . وَعُلَمَاءُ الْوَقْتِ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا كُلّهِ . وَيَقُولُونَ مَا فِيهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ . وَهَذَا الْقَوْلُ تَلَقّتْهُ الْعَامّةُ عَنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَنْكَرُوا بِهِ مَا بَيّنَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ . بَلْ كَفّرُوا مَنْ صَدَقَ اللّهَ وَرَسُولَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالُوا : مَنْ كَفّرَ مُسْلِمًا فَقَدْ كَفَرَ . وَالْمُسْلِمُ عِنْدَهُمْ الّذِي لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ إلّا أَنّهُ يَقُولُ بِلِسَانِهِ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَهُوَ أَبْعَدُ النّاسِ عَنْ فَهْمِهَا وَتَحْقِيقِ مَطْلُوبِهَا عِلْمًا وَعَقِيدَةً وَعَمَلًا . فَاعْلَمْ - رَحِمَك اللّهُ - أَنّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَهَمّ الْأَشْيَاءِ كُلّهَا عَلَيْك . لِأَنّهَا هِيَ الْكُفْرُ وَالْإِسْلَامُ . فَإِنْ صَدّقْتهمْ فَقَدْ كَفَرْت بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرْنَا لَك مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالسّنّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِنْ صَدَقْت اللّهَ وَرَسُولَهُ عَادُوك وَكَفّرُوك . وَهَذَا الْكُفْرُ الصّرِيحُ بِالْقُرْآنِ وَالرّسُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْأَرْضِ مَشْرِقِهَا وَمَغْرِبِهَا . وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ إلّا أَقَلّ الْقَلِيلِ . فَإِنْ رَجَوْت الْجَنّةَ وَخِفْت مِنْ النّارِ فَاطْلُبْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَادْرُسْهَا مِنْ الْكُتُبِ وَالسّنّةِ وَحَرّرْهَا . وَلَا تُقَصّرْ فِي طَلَبِهَا ، لِأَجْلِ شِدّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ، وَلِأَنّهَا الْإِسْلَامُ وَالْكُفْرُ . وَقُلْ اللّهُمّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي ، وَفَهّمْنِي عَنْك ، وَعَلّمْنِي مَعَك ، <26> وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلّاتِ الْفِتَنِ مَا أَحْيَيْتنِي . وَأَكْثَرُ الدّعَاءِ بِالدّعَاءِ الّذِي صَحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي الصّلَاةِ ؛ وَهُوَ : « اللّهُمّ رَبّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِك : إنّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » ( ) . وَنَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ إيضَاحًا وَدَلَائِلَ لِشِدّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ، فَنَقُولُ لِيَفْطِنَ الْعَاقِلُ لَقِصّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا . وَهِيَ أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ أَشْهَرُ أَهْلِ الرّدّةِ ، وَهُمْ الّذِينَ يَعْرِفُهُمْ الْعَامّةُ مِنْ أَهْلِ الرّدّةِ . وَهُمْ عِنْدَ النّاسِ أَقْبَحُ أَهْلِ الرّدّةِ . وَأَعْظَمُهُمْ كُفْرًا . وَهُمْ - مَعَ هَذَا - يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَيُؤَذّنُونَ وَيُصَلّونَ . وَهَذَا فَإِنّ أَكْثَرَهُمْ يَظُنّونَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الشّهُودِ الّذِينَ شَهِدُوا مَعَ الرّجّالِ . وَاَلّذِي يَعْرِفُ هَذَا - وَلَا يَشُكّ فِيهِ - يَقُولُ مَنْ قَالَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " فَهُوَ الْمُسْلِمُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ بَلْ قَدْ تَرَكَهُ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ مُتَعَمّدًا . فَسُبْحَانَ اللّهِ مُقَلّبَ الْقُلُوبِ كَيْفَ يَشَاءُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ فِي قَلْبِ مَنْ لَهُ عَقْلٌ - وَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النّاسِ - أَنّهُ يَعْرِفُ أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ كَفَرُوا ، مَعَ أَنّ حَالَهُمْ مَا ذَكَرْنَا . وَأَنّ الْبَدْوَ إسْلَامٌ . وَلَوْ تَرَكُوا الْإِسْلَامَ كُلّهُ وَأَنْكَرُوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ عَلَى عَمْدٍ . لِأَنّهُمْ يَقُولُونَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " لَكِنْ أَشْهَدُ أَنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . نَسْأَلُهُ أَنْ يُثَبّتَ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِهِ وَلَا يَزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا ، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْهُ رَحْمَةً . إنّهُ هُوَ الْوَهّابُ . الدّلِيلُ الثّانِي قِصّةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ وَهِيَ أَنّ بَقَايَا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ ، لَمّا رَجَعُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَتَبَرّءُوا مِنْ مُسَيْلِمَةَ وَأَقَرّوا بِكَذِبِهِ كَبُرَ ذَنْبُهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَتَحَمّلُوا بِأَهْلِيهِمْ إلَى الثّغْرِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ لَعَلّ ذَلِكَ يَمْحُو عَنْهُمْ آثَارَ تِلْكَ الرّدّةِ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُولُ ( 25 : <27> 70 ) إِلّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدّلُ اللّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَيَقُولُ ( 30 : 82 ) وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمّ اهْتَدَى فَنَزَلُوا الْكُوفَةَ . وَصَارَ لَهُمْ بِهَا مَحَلّةٌ مَعْرُوفَةٌ فِيهَا مَسْجِدٌ يُسَمّى مَسْجِدَ بَنِي حَنِيفَةَ فَمَرّ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَسْجِدِهِمْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ . فَسَمِعُوا مِنْهُمْ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنّ مُسَيْلِمَةَ كَانَ عَلَى حَقّ وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ لَكِنْ الّذِي لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ . فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، فَجَمَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ الصّحَابَةِ وَاسْتَشَارَهُمْ هَلْ يَقْتُلُهُمْ وَإِنْ تَابُوا ، أَوْ يَسْتَتِيبُهُمْ ؟ فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ . وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِاسْتِتَابَتِهِمْ فَاسْتَتَابَ بَعْضَهُمْ وَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَلَمْ يَسْتَتِبْهُ . فَتَأَمّلْ - رَحِمَك اللّهُ - إذَا كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا مِنْ الْأَعْمَالِ الصّالِحَةِ الشّاقّةِ مَا أَظْهَرُوا ، لَمّا تَبَرّءُوا مِنْ الْكُفْرِ وَعَادُوا إلَى الْإِسْلَامِ . وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ إلّا كَلِمَةٌ أَخْفَوْهَا فِي مَدْحِ مُسَيْلِمَةَ لَكِنْ سَمِعَهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ . وَمَعَ هَذَا لَمْ يَتَوَقّفْ أَحَدٌ فِي كُفْرِهِمْ كُلّهِمْ - الْمُتَكَلّمُ وَالْحَاضِرُ الّذِي لَمْ يُنْكِرْ - وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا : هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ أَوْ لَا ؟ وَالْقِصّةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ . فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيَقُولُ الْبَدْوُ مَا مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ إلّا أَنّهُمْ يَقُولُونَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَمَعَ ذَلِكَ يَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِمْ بِذَلِكَ ؟ أَيْنَ هَذَا مِمّا أَجَمَعَ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ أَوْ حَضَرَهَا وَلَمْ يُنْكِرْ ؟ سَارَتْ مُشَرّقَةً وَسِرْت مُغَرّبًا شَتّانَ بَيْنَ مُشَرّقٍ وَمُغَرّبٍ رَبّنَا إنّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ لِمَنْ قُلْت فِيهِمْ ( 3 : 17 ) فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ وَلَا مِمّنْ قُلْت فِيهِمْ ( 8 : 22 ) إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ . الدّلِيلُ الثّالِثُ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ قِصّةُ أَصْحَابِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - لَمّا اعْتَقَدُوا فِيهِ الْإِلَهِيّةَ الّتِي تُعْتَقَدُ الْيَوْمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَكْفَرِ بَنِي آدَمَ وَأَفْسَقِهِمْ - فَدَعَاهُمْ إلَى التّوْبَةِ فَأَبَوْا . فَحَدّ لَهُمْ <28> الْأَخَادِيدَ وَمَلَأَهَا حَطَبًا . وَأَضْرَمَ فِيهَا النّارَ . وَقَذَفَهُمْ فِيهَا وَهُمْ أَحْيَاءٌ . وَمَعْلُومٌ أَنّ الْكَافِرَ - مِثْلُ الْيَهُودِيّ وَالنّصْرَانِيّ - إذَا أَمَرَ اللّهُ بِقَتْلِهِ لَا يَجُوزُ إحْرَاقُهُ بِالنّارِ فَعُلِمَ أَنّهُمْ أَغْلَظُ كُفْرًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى . هَذَا ، وَهُوَ يَقُومُونَ اللّيْلَ وَيَصُومُونَ النّهَارَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ آخِذِينَ لَهُ عَنْ أَصْحَابِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا غَلَوْا فِي عَلِيّ ذَلِكَ الْغُلُوّ أَحْرَقَهُمْ فِي النّارِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ . وَأَجْمَعَ الصّحَابَةُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ كُلّهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ . فَأَيْنَ هَذَا مِمّنْ يَقُولُ فِي الْبَدْوِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِهَذِهِ الْقِصّةِ وَأَمْثَالِهَا ، وَاعْتِرَافِهِ أَنّ الْبَدْوَ كَفَرُوا بِالْإِسْلَامِ كُلّهِ إلّا أَنّهُمْ يَقُولُونَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ . وَاعْلَمْ أَنّ جِنَايَةَ هَؤُلَاءِ إنّمَا هِيَ عَلَى الْأُلُوهِيّةِ وَمَا عَلِمْنَا فِيهِمْ جِنَايَةً عَلَى النّبُوّةِ وَاَلّذِينَ قَبْلَهُمْ جِنَايَتُهُمْ عَلَى النّبُوّةِ مَا عَلِمْنَا لَهُمْ جِنَايَةً عَلَى الْإِلَهِيّةِ . وَهَذَا مِمّا يُبَيّنُ لَك شَيْئًا مِنْ مَعْنَى الشّهَادَتَيْنِ اللّتَيْنِ هُمَا أَصْلُ الْإِسْلَامِ . الدّلِيلُ الرّابِعُ مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الصّحَابَةِ أَيْضًا وَهِيَ قِصّةُ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثّقَفِيّ . وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ التّابِعِينَ مُصَاهِرٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ مُظْهِرٌ لِلصّلَاحِ . فَظَهَرَ فِي الْعِرَاقِ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَقُتِلَ ابْنُ زِيَادٍ وَمَالَ إلَيْهِ مَنْ مَالَ لِطَلَبِهِ دَمَ أَهْلِ الْبَيْتِ مِمّنْ ظَلَمَهُمْ ابْنُ زِيَادٍ . فَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْعِرَاقِ ، وَأَظْهَرَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَنَصَبَ الْقُضَاةَ وَالْأَئِمّةَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَكَانَ هُوَ الّذِي يُصَلّي بِالنّاسِ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ لَكِنْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ زَعَمَ أَنّهُ يُوحَى إلَيْهِ . فَسَيّرَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ جَيْشًا ، فَهَزَمُوا جَيْشَهُ وَقَتَلُوهُ وَأَمِيرُ الْجَيْشِ مُصْعَبُ بْنُ الزّبَيْرِ ، وَتَحْتَهُ امْرَأَةٌ أَبُوهَا أَحَدُ الصّحَابَةِ فَدَعَاهَا مُصْعَبٌ إلَى تَكْفِيرِهِ فَأَبَتْ . فَكَتَبَ إلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللّهِ يَسْتَفْتِيهِ فِيهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ إنْ لَمْ تَبْرَأْ مِنْهُ فَاقْتُلْهَا . فَامْتَنَعَتْ فَقَتَلَهَا مُصْعَبٌ . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ كُلّهُمْ عَلَى كُفْرِ الْمُخْتَارِ - مَعَ إقَامَتِهِ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ - لِمَا جَنَى عَلَى النّبُوّةِ . <29> وَإِذَا كَانَ الصّحَابَةُ قَتَلُوا الْمَرْأَةَ الّتِي هِيَ مِنْ بَنَاتِ الصّحَابَةِ لَمّا امْتَنَعَتْ مِنْ تَكْفِيرِهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يُكَفّرُوا الْبَدْوَ مَعَ إقْرَارِهِ بِحَالِهِمْ ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ زَعَمَ أَنّهُمْ هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ هُوَ الْكَافِرُ ؟ يَا رَبّنَا نَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ . الدّلِيلُ الْخَامِسُ مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ التّابِعِينَ وَذَلِكَ قِصّةُ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ وَكَانَ مِنْ أَشْهَرِ النّاسِ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ فَلَمّا جَحَدَ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللّهِ - مَعَ كَوْنِهَا مَقَالَةً خَفِيّةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ - ضَحّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْقَسْرِيّ يَوْمَ الْأَضْحَى ، فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ ضَحّوا تَقَبّلَ اللّهُ ضَحَايَاكُمْ فَإِنّي مُضَحّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ فَإِنّهُ زَعَمَ أَنّ اللّهَ لَمْ يَتّخِذْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وَلَمْ يُكَلّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا . ثُمّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ . بَلْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيّمِ إجْمَاعَهُمْ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ فَقَالَ شَكَرَ الضّحِيّةَ كُلّ صَاحِبِ سُنّةٍ
| |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:58 am | |
| لِلّهِ دَرّك مِنْ أَخِي قُرْبَانِ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَشْهَرِ النّاسِ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ الصّحَابَةِ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْسَانِ قَتْلِهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ اعْتِقَادِ أَعْدَاءِ اللّهِ فِي الْبَدْوِ ؟ . الدّلِيلُ السّادِسُ قِصّةُ بَنِي عُبَيْدٍ الْقَدّاحِ فَإِنّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثّالِثَةِ . فَادّعَى عُبَيْدُ اللّهِ أَنّهُ مِنْ آلِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، مِنْ ذُرّيّةِ فَاطِمَةَ وَتَزَيّا بِزَيّ أَهْلِ الطّاعَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبِعَهُ أَقْوَامٌ مِنْ الْبَرْبَرِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ . وَصَارَ لَهُ دَوْلَةٌ كَبِيرَةٌ فِي الْمَغْرِبِ وَلِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ . ثُمّ مَلَكُوا مِصْرَ وَالشّامَ ، وَأَظْهَرُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ و أَقَامُوا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَنَصَبُوا الْقُضَاةَ وَالْمُفْتِينَ . لَكِنْ أَظْهَرُوا الشّرْكَ وَمُخَالَفَةَ الشّرِيعَةِ وَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى نِفَاقِهِمْ وَشِدّةِ كُفْرِهِمْ . فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنّهُمْ كُفّارٌ وَأَنّ دَارَهُمْ دَارُ حَرْبٍ مَعَ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ . وَفِي مِصْرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ أُنَاسٌ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ مِصْرَ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِيمَا - 30ْ - أَحْدَثُوا مِنْ الْكُفْرِ . وَمَعَ ذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ حَتّى إنّ بَعْضَ أَكَابِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ بِالصّلَاحِ قَالَ لَوْ أَنّ مَعِي عَشَرَةَ أَسْهُمٍ لَرَمَيْت بِوَاحِدٍ مِنْهَا النّصَارَى الْمُحَارَبِينَ . وَرَمَيْت بِالتّسْعَةِ بَنِي عُبَيْدٍ . وَلَمّا كَانَ زَمَانُ السّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ زِنْكِي أَرْسَلَ إلَيْهِمْ جَيْشًا عَظِيمًا بِقِيَادَةِ صَلَاحِ الدّينِ . فَأَخَذُوا مِصْرَ مِنْ أَيْدِيهِمْ . وَلَمْ يَتْرُكُوا جِهَادَهُمْ بِمِصْرِ لِأَجْلِ مَنْ فِيهَا مِنْ الصّالِحِينَ . فَلَمّا فَتَحَهَا السّلْطَانُ مَحْمُودٌ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ أَشَدّ الْفَرَحِ . وَصَنّفَ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمّاهُ " النّصْرُ عَلَى مِصْرَ " . وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ التّصْنِيفِ وَالْكَلَامِ فِي كُفْرِهِمْ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إظْهَارِهِمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ الظّاهِرَةِ . فَانْظُرْ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ دِينِنَا : أَنّ الْبَدْوَ إسْلَامٌ مَعَ مَعْرِفَتِنَا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ كُلّهِ إلّا قَوْلَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَلَا تَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَكْفُرُ إلّا إنْ انْتَقَلَ يَهُودِيّا أَوْ نَصْرَانِيّا . فَإِنْ آمَنْت بِمَا ذَكَرَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَبِمَا أَجَمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَتَبَرّأْت مِنْ دِينِ آبَائِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقُلْت : آمَنْت بِاَللّهِ وَبِمَا أَنَزَلَ اللّهُ وَتَبَرّأْت مِمّنْ خَالَفَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، مُخْلِصًا لِلّهِ الدّينَ فِي ذَلِكَ . وَعَلِمَ اللّهُ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِك ، فَأَبْشِرْ . وَلَكِنْ اسْأَلْ اللّهَ التّثْبِيتَ . وَاعْرِفْ أَنّهُ مُقَلّبُ الْقُلُوبِ . الدّلِيلُ السّابِعُ قِصّةُ التّتَارِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ بَعْدَ مَا فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ مَا فَعَلُوا ، وَسَكَنُوا بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَعَرَفُوا دِينَ الْإِسْلَامِ اسْتَحْسَنُوهُ وَأَسْلَمُوا . لَكِنْ لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ شَرَائِعِهِ . وَأَظْهَرُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى الشّرِيعَةِ لَكِنّهُمْ كَانُوا يَتَلَفّظُونَ بِالشّهَادَتَيْنِ وَيُصَلّونَ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَلَيْسُوا كَالْبَدْوِ وَمَعَ هَذَا كَفّرَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَقَاتَلُوهُمْ وَغَزَوْهُمْ . حَتّى أَزَالَهُمْ اللّهُ عَنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ . <31> وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللّهُ . وَأَمّا مَنْ أَرَادَ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَوْ تَنَاطَحَتْ الْجِبَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ . وَلَوْ ذَكَرْنَا مَا جَرَى مِنْ السّلَاطِينِ وَالْقُضَاةِ مِنْ قَتْلِ مَنْ أَتَى بِأُمُورٍ يَكْفُرُ بِهَا - وَلَوْ كَانَ يُظْهِرُ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ - وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيّنَةُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْقَتْلِ مَعَ أَنّ فِي هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِينَ مَنْ كَانَ مِنْ أَعْلَمْ النّاسِ وَأَزْهَدِهِمْ وَأَعْبَدِهِمْ فِي الظّاهِرِ مِثْلُ الْحَلّاجِ وَأَمْثَالِهِ وَمَنْ هُوَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنّفِينَ كَالْفَقِيهِ عُمَارَةَ . فَلَوْ ذَكَرْنَا قَصَصَ هَؤُلَاءِ لَاحْتَمَلَ مُجَلّدَاتٍ . وَلَا نَعْرِفُ فِيهِمْ رَجُلًا وَاحِدًا بَلَغَ كُفْرُهُ كُفْرَ الْبَدْوِ الّذِينَ يَقُولُ عَنْهُمْ - مَنْ يَزْعُمُ إسْلَامَهُمْ - إنّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ إلّا قَوْلُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَلَكِنْ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُرْشِدًا . وَالْعَجَبُ أَنّ الْكُتُبَ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ وَاَلّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ يَعْرِفُونَهَا وَيَعْلَمُونَ بِهَا : فِيهَا مَسَائِلُ الرّدّةِ . وَتَمَامُ الْعَجَبِ أَنّهُمْ يَعْرِفُونَ بَعْضَ ذَلِكَ وَيُقِرّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ كَفَرَ . وَمَنْ شَكّ فِيهِ كَفَرَ . وَمَنْ سَبّ الشّرْعَ كَفَرَ . وَمَنْ أَنْكَرَ فَرْعًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَفَرَ . كُلّ هَذَا يَقُولُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . فَإِذَا كَانَ مَنْ أَنْكَرَ الْأَكْلَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْكَرَ النّهْيَ عَنْ إسْبَالِ الثّيَابِ أَوْ أَنْكَرَ سُنّةَ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَيُصَرّحُونَ أَنّ مَنْ أَنْكَرَ الْإِسْلَامَ كُلّهُ وَكَذّبَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِمَنْ صَدّقَهُ فَهُوَ أَخُوك الْمُسْلِمُ حَرَامُ الدّمِ وَالْمَالِ مَا دَامَ يَقُولُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " ثُمّ يُكَفّرُونَنَا ، وَيَسْتَحِلّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا ، مَعَ أَنّا نَقُولُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : مَنْ كَفّرَ مُسْلِمًا فَقَدْ كَفَرَ . تَمّ لَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتّى أَفْتَوْا لِمَنْ عَاهَدَنَا بِعَهْدِ اللّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْعَهْدَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ عَظِيمٌ وَيُفْتُونَ مَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ لَنَا ، أَوْ مَالُ يَتِيمٍ أَنّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ أَمَانَتِنَا . وَلَوْ كَانَتْ مَالَ يَتِيمٍ بِضَاعَةً عِنْدَهُ أَوْ وَدِيعَةً بَلْ يُرْسِلُونَ الرّسَائِلَ لِدَهّامِ بْنِ دَوّاسٍ وَأَمْثَالِهِ إذَا حَارَبُوا التّوْحِيدَ وَنَصَرُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ يَقُولُونَ أَنْتَ يَا فُلَانُ قُمْت مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ . مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنّ التّوْحِيدَ - الّذِي نَدْعُو إلَيْهِ - 32 - وَكَفَرُوا بِهِ وَصُدّوا النّاسَ عَنْهُ - هُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ وَأَنّ الشّرْكَ - الّذِي نَهَيْنَا النّاسَ عَنْهُ وَرَغّبُوهُمْ هُمْ فِيهِ وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ عَلَى آلِهَتِهِمْ - أَنّهُ الشّرْكُ الّذِي نَهَى عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ . وَلَكِنْ هَذِهِ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ اللّهِ فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْهَا فَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ . وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . نَسَبُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ <33> مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْر بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِذَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ . إلَى هُنَا مَعْلُومُ الصّحّةِ . وَمَا فَوْقَ عَدْنَانَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ أَنّ عَدْنَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الذّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصّوَابِ . وَالْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ بَاطِلٌ . وَلَا خِلَافَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُلِدَ بِمَكّةَ عَامَ الْفِيلِ . وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدّمَهَا اللّهُ لِنَبِيّهِ وَبَيْتِهِ وَإِلّا فَأَهْلُ الْفِيلِ نَصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ دِينُهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكّةَ . لِأَنّهُمْ عُبّادُ أَوْثَانٍ . فَنَصَرَهُمْ اللّهُ نَصْرًا لَا صُنْعَ لِلْبَشَرِ فِيهِ تَقْدِمَةً لِلنّبِيّ الّذِي أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكّةَ . وَتَعْظِيمًا لِلْبَلَدِ الْحَرَامِ . قِصّةُ الْفِيلِ وَكَانَ سَبَبُ قِصّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ - عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ - أَنّ أَبْرَهَةَ بْنَ الصّبّاحِ كَانَ عَامِلًا لِلنّجَاشِيّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ عَلَى الْيَمَنِ فَرَأَى النّاسَ يَتَجَهّزُونَ أَيّامَ الْمَوْسِمِ إلَى مَكّةَ - شَرّفَهَا اللّهُ - فَبَنَى كَنِيسَةً بِصَنْعَاءَ . وَكَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ " إنّي بَنَيْت لَك كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا ، وَلَسْت مُنْتَهِيًا حَتّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ " فَسَمِعَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ فَدَخَلَهَا لَيْلًا . فَلَطّخَ قِبْلَتَهَا بِالْعَذِرَةِ . فَقَالَ أَبْرَهَةُ مَنْ الّذِي اجْتَرَأَ عَلَى هَذَا ؟ قِيلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَمِعَ بِاَلّذِي قُلْت . فَحَلَفَ أَبْرَهَةُ لَيَسِيرَن إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى يَهْدِمَهَا . وَكَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَث إلَيْهِ بِفِيلِهِ . وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوّةً . فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ . فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ سَائِرًا إلَى مَكّةَ . فَسَمِعَتْ الْعَرَبُ <34> بِذَلِكَ فَأَعْظَمُوهُ وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقّا عَلَيْهِمْ . فَخَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ ذُو نَفَرٍ . فَقَاتَلَهُ . فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ وَأَخَذَهُ أَسِيرًا ، فَقَالَ أَيّهَا الْمَلِكُ فَاسْتَبْقِنِي خَيْرًا لَك ، فَاسْتَبَقَاهُ وَأَوْثَقَهُ . وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا . فَسَارَ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ بِلَادِ خَثْعَمَ خَرَجَ إلَيْهِ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيّ ، وَمَنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمَهُمْ أَبْرَهَةُ . فَأَخَذَ نُفَيْلًا ، فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّنِي دَلِيلُك بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ عَلَى قَوْمِي بِالسّمْعِ وَالطّاعَةِ . فَاسْتَبْقِنِي خَيْرًا لَك . فَاسْتَبَقَاهُ . وَخَرَجَ مَعَهُ يَدُلّهُ عَلَى الطّرِيقِ . فَلَمّا مَرّ بِالطّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتّبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ . فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُك . وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَك مَنْ يَدُلّك . فَبَعَثُوا مَعَهُ بِأَبِي رَغَالٍ مَوْلًى لَهُمْ . فَخَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْمُغَمّسِ مَاتَ أَبُو رَغَالٍ ، وَهُوَ الّذِي يُرْجَمُ قَبْرُهُ . وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ - يُقَالُ لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ مَفْصُودٍ - عَلَى مُقَدّمَةِ خَيْلِهِ وَأَمَرَ بِالْغَارَةِ عَلَى نَعَمِ النّاسِ . فَجَمَعَ الْأَسْوَدُ إلَيْهِ أَمْوَالَ الْحَرَمِ . وَأَصَابَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ مِائَتَيْ بَعِيرٍ . ثُمّ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَر إلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَقَالَ أَبْلِغْ شَرِيفَهَا أَنّنِي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ بَلْ جِئْت لِأَهْدِمَ الْبَيْتَ . فَانْطَلَقَ فَقَالَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَلِكَ . فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ : مَا لَنَا بِهِ يَدَانِ . سَنُخَلّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ . فَإِنّ هَذَا بَيْتُ اللّهِ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ . فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ . وَأَنْ يَخْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ مَا لَنَا بِهِ مِنْ قُوّةٍ . قَالَ فَانْطَلِقْ مَعِي إلَى الْمَلِكِ - وَكَانَ ذُو نَفْرٍ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَك غَنَاءٌ فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ مَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ بُكْرَةً أَوْ عَشِيّا ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُ إلى أُنَيْسٍ سَائِسِ الْفِيلِ فَإِنّهُ لِي صَدِيقٌ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يُعَظّمَ خَطَرَك عِنْدَ الْمَلِكِ . فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ لِأَبْرَهَةَ إنّ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك . وَقَدْ جَاءَ غَيْرُ نَاصِبٍ لَك وَلَا مُخَالِفٍ لِأَمْرِك ، وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ . وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا وَسِيمًا . فَلَمّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ . وَكَرِهَ <35> أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ . وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ . فَهَبَطَ إلَى الْبِسَاطِ فَدَعَاهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ . فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ مِائَتَيْ الْبَعِيرِ الّتِي أَصَابَهَا مِنْ مَالِهِ . فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إنّك كُنْت أَعْجَبْتنِي حِينَ رَأَيْتُك . وَلَقَدْ زَهِدْت فِيك . قَالَ لِمَ ؟ قَالَ جِئْت إلَى بَيْتٍ - هُوَ دِينُك وَدِينُ آبَائِك ، وَشَرَفُكُمْ وَعِصْمَتُكُمْ - لِأَهْدِمَهُ . فَلَمْ تُكَلّمْنِي فِيهِ وَتُكَلّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ ؟ قَالَ أَنَا رَبّ الْإِبِلِ . وَالْبَيْتُ لَهُ رَبّ يَمْنَعُهُ مِنْك . فَقَالَ مَا كَانَ لِيَمْنَعَهُ مِنّي . قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدّتْ عَلَيْهِ . ثُمّ خَرَجَ وَأَخْبَرَ قُرَيْشًا الْخَبَرَ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرّقُوا فِي الشّعَابِ وَيَتَحَرّزُوا فِي رُءُوسُ الْجِبَالِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ . فَفَعَلُوا . وَأَتَى عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْبَيْتَ . فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَجَعَلَ يَقُولُ يَا رَبّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبّ فَامْنَعْ مِنْهُمُو حِمَاكَا إنّ عَدُوّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا فَامْنَعْهُمُو أَنْ يُخَرّبُوا قُرَاكَا وَقَالَ أَيْضًا : لَا هُمّ إنّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ وَحَلَالَهُ فَامْنَعْ حَلَالَك لَا يَغْلِبَن صَلِيبَهُمْ وَمِحَالَهُمْ غُدُوّا مِحَالَك جَرّوا جُمُوعَهُمْ وَبِلَادَهُمْ وَالْفِيلَ كَيْ يَسُبّوا عِيَالَك إنْ كُنْت تَارِكَهُمْ وَكَعْبَ تَنَا فَأْمُرْ مَا بَدَا لَك ثُمّ تَوَجّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ . وَأَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمّسِ قَدْ تَهَيّأَ لِلدّخُولِ . وَعَبّأَ جَيْشَهُ . وَهَيّأَ فِيهِ . فَأَقْبَلَ نُفَيْلٌ إلَى الْفِيلِ . فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ . فَقَالَ اُبْرُكْ مَحْمُودُ . فَإِنّك فِي بَلَدِ اللّهِ الْحَرَامِ . فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى . فَوَجّهُوهُ إلَى الْيَمَنِ ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ . وَوَجّهُوهُ إلَى الشّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَوَجّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَصَرَفُوهُ إلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ . وَخَرَجَ نُفَيْلٌ يَشْتَدّ حَتّى صَعِدَ الْجَبَلَ فَأَرْسَلَ اللّهُ طَيْرًا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ مَعَ كُلّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ . حَجَرَيْنِ فِي رِجْلَيْهِ وَحَجَرًا فِي مِنْقَارِهِ . فَلَمّا غَشِيَتْ الْقَوْمَ أَرْسَلَتْهَا عَلَيْهِمْ . فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إلّا هَلَكَ . وَلَيْسَ كُلّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ . فَخَرَجَ الْبَقِيّةُ هَارِبِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ - 36 - نُفَيْلٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ . فَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ . يَتَسَاقَطُونَ بِكُلّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلّ مَنْهَلٍ . وَبَعَثَ اللّهُ عَلَى أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ . فَجَعَلَتْ تَسّاقَطُ أَنَامِلُهُ حَتّى انْتَهَى إلَى صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ الْفَرْخِ . وَمَا مَاتَ حَتّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمّ هَلَكَ . رَجَعْنَا إلَى سِيرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَفَاةُ عَبْدِ اللّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللّهِ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ هَلْ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا ؟ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنّهُ تُوُفّيَ وَهُوَ حَمْلٌ . وَلَا خِلَافَ أَنّ أُمّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ بِالْأَبْوَاءِ مُنْصَرَفَهَا مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ . وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إذْ ذَاكَ سِتّ سِنِينَ . فَكَفَلَهُ جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ . وَرَقّ عَلَيْهِ رِقّةً لَمْ يَرِقّهَا عَلَى أَوْلَادِهِ . فَكَانَ لَا يُفَارِقُهُ . وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِهِ - إجْلَالًا لَهُ - إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدِمَ مَكّةَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ مِنْ الْقَافَةِ . فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ قَالُوا لِجَدّهِ احْتَفِظْ بِهِ . فَلَمْ نَجِدْ قَدَمًا أَشْبَهَ بِالْقَدَمِ الّذِي فِي الْمَقَامِ مِنْ قَدَمِهِ . فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ اسْمَعْ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَاحْتَفِظْ بِهِ . وَتُوُفّيَ جَدّهُ فِي السّنَةِ الثّامِنَةِ مِنْ مَوْلِدِهِ . وَأَوْصَى بِهِ إلَى أَبِي طَالِبٍ . وَقِيلَ إنّهُ قَالَ لَهُ أُوصِيك يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي بِمُفْرَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ وَكُنْت كَالْأُمّ لَهُ فِي الْوَجْدِ تُدْنِيهِ مِنْ أَحْشَائِهَا وَالْكَبِدِ فَأَنْتَ مِنْ أَرْجَى بَنِيّ عِنْدِي لِرَفْعِ ضَيْمٍ وَلِشَدّ عَضُدِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ جَدّ رَسُولِ اللّهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ ، مُحَافِظًا عَلَى الْعُهُودِ . مُتَخَلّقًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ . يُحِبّ الْمَسَاكِينَ وَيَقُومُ فِي خَدْمَةِ الْحَجِيجِ وَيُطْعِمُ فِي <37> الْأَزَمَاتِ . وَيَقْمَعُ الظّالِمِينَ . وَكَانَ يُطْعِمُ حَتّى الْوُحُوشَ وَالطّيْرَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ . وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَكْبَرُهُمْ الْحَارِثُ . تُوُفّيَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ . وَأَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ الْحَارِثِ عُبَيْدَةُ . قُتِلَ بِبَدْرٍ وَرَبِيعَةُ ، وَأَبُو سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللّهِ . وَمِنْهُمْ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ شَقِيقُ عَبْدِ اللّهِ . وَكَانَ رَئِيسَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ فِي حَرْبِ الْفُجّارِ . شَرِيفًا شَاعِرًا . وَلَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ . وَاسْم مِنْ أَوْلَادِهِ عَبْدُ اللّهِ . وَاسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ . وَضُبَاعَةُ وَمَجْلٌ وَصَفِيّةُ وَعَاتِكَةُ . وَأَسْلَمَ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْعَبّاسُ . وَمِنْهُمْ أَبُو لَهَبٍ مَاتَ عَقِيبَ بَدْرٍ . وَلَهُ مِنْ الْوَلَدِ عُتَيْبَةُ الّذِي دَعَا عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَتَلَهُ السّبُعُ . وَلَهُ عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ . أَسْلَمَا يَوْمَ الْفَتْحِ . وَمِنْ بَنَاتِهِ أَرْوَى . تَزَوّجَهَا كُرْزُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . فَوَلَدَتْ لَهُ عَامِرًا وَأَرْوَى . فَتَزَوّجَ أَرْوَى عَفّانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ . فَوَلَدَتْ لَهُ عُثْمَانَ ثُمّ خَلّفَ عَلَيْهَا عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ ، وَعَاشَتْ إلَى خِلَافَةِ ابْنِهَا عُثْمَانَ . وَمِنْهُنّ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أُمّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ . وَمِنْهُنّ عَاتِكَةُ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ . وَهِيَ صَاحِبَةُ الْمَنَامِ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ . وَاخْتَلَفَ فِي إسْلَامِهَا . وَمِنْهُنّ صَفِيّةُ أُمّ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ . أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ . وَأَرْوَى أُمّ آلِ جَحْشٍ - عَبْدِ اللّهِ وَأَبِي أَحْمَدَ وَعُبَيْدِ اللّهِ وَزَيْنَبَ وَحَمْنَةَ . وَأُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : هِيَ سَلْمَى بِنْتُ زَيْدِ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، تَزَوّجَهَا أَبُوهُ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ . فَخَرَجَ إلَى الشّامِ - وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِعَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَمَاتَ بِغَزّةَ . فَرَجَعَ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَأَصْحَابَهُ إلَى الْمَدِينَةِ بِتِرْكَتِهِ . وَوَلَدَتْ امْرَأَتُهُ سَلْمَى : عَبْدَ الْمُطّلِبِ . وَسَمّتْهُ شَيْبَةَ الْحَمْدِ . فَأَقَامَ فِي أَخْوَالِهِ مُكَرّمًا . فَبَيْنَمَا هُوَ يُنَاضِلُ الصّبْيَانَ فَيَقُولُ أَنَا ابْنُ هَاشِمٍ سَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لِعَمّهِ الْمُطّلِبِ إنّي مَرَرْت بِدُورِ بَنِي قَيْلَةَ فَرَأَيْت غُلَامًا يَعْتَزِي إلَى أَخِيك . وَمَا يَنْبَغِي تَرْكُ مِثْلِهِ فِي الْغُرْبَةِ . فَرَحَلَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي طَلَبِهِ . فَلَمّا رَآهُ فَاضَتْ عَيْنَاهُ وَضَمّهُ إلَيْهِ وَأَنْشَدَ شِعْرًا : <38> عَرَفْت شَيْبَةَ وَالنّجّارَ قَدْ جَعَلَتْ أَبْنَاءَهَا حَوْلَهُ بِالنّبْلِ تَنْتَصِلُ عَرَفْت أَجْلَادَهُ فِينَا وَشِيمَتَهُ فَفَاضَ مِنّي عَلَيْهِ وَابِلٌ هَطْلُ فَأَرْدَفَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَقَالَ يَا عَمّ ذَلِكَ إلَى الْوَالِدَةِ . فَجَاءَ إلَى أُمّهِ . فَسَأَلَهَا أَنْ تُرْسِلَ بِهِ مَعَهُ فَامْتَنَعَتْ . فَقَالَ لَهَا : إنّمَا يَمْضِي إلَى مُلْكِ أَبِيهِ وَإِلَى حَرَمِ اللّهِ . فَأَذِنَتْ لَهُ . فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ ، فَقَالَ النّاسُ هَذَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ وَيْحَكُمْ إنّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ . فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتّى تَرَعْرَعَ . فَسَلّمَ إلَيْهِ مُلْكَ هَاشِمٍ مِنْ أَمْرِ الْبَيْتِ وَالرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ وَأَمْرِ الْحَجِيجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَكَانَ الْمُطّلِبُ شَرِيفًا مُطَاعًا جَوَادًا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمّيهِ الْفَيّاضَ لِسَخَائِهِ . وَهُوَ الّذِي عَقَدَ الْحِلْفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ النّجَاشِيّ . وَلَهُ مِنْ الْوَلَدِ الْحَارِثُ وَمَخْرَمَةُ وَعَبّادٌ وَأُنَيْسٌ وَأَبُو عُمَرَ وَأَبُو رُهْمٍ وَغَيْرُهُمْ . وَلَمّا مَاتَ وَثَبَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى أَرْكَاحِ شَيْبَةَ . فَغَصَبَهُ إيّاهَا ، فَسَأَلَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ النّصْرَةَ عَلَى عَمّهِ . فَقَالُوا : لَا نَدْخُلَ بَيْنَك وَبَيْنَ عَمّك فَكَتَبَ إلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النّجّارِ أَبْيَاتًا مَعَهَا : يَا طُولَ لَيْلِي لِأَحْزَانِي وَإِشْغَالِي هَلْ مِنْ رَسُولٍ إلَى النّجّارِ أَخْوَالِي ؟ بَنِي عَدِيّ وَدِينَارٍ وَمَازِنِهَا وَمَالِكِ عِصْمَةِ الْحَيْرَانِ عَنْ حَالِي قَدْ كُنْت فِيهِمْ وَمَا أَخْشَى ظُلَامَةَ ذِي ظُلْمٍ عَزِيزًا مَنِيعًا نَاعِمَ الْبَالِ حَتّى ارْتَحَلْت إلَى قَوْمِي ، وَأَزْعَجَنِي لِذَاكَ مُطّلِبٌ عَمّي بِتَرْحَالِي فَغَابَ مُطّلِبٌ فِي قَعْرِ مَظْلِمَةٍ ثُمّ انْبَرَى نَوْفَلٌ يَعْدُو عَلَى مَالِي لَمّا رَأَى رَجُلًا غَابَتْ عُمُومَتُهُ وَغَابَ أَخْوَالُهُ عَنْهُ بِلَا وَالِي فَاسْتَنْفِرُوا وَامْنُعُوا ضَيْمَ ابْنِ أُخْتِكُمْ لَا تَخْذُلُوهُ فَمَا أَنْتُمْ بِجِذَالِي فَلَمّا وَقَفَ خَالُهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ عَلَى كِتَابِهِ بَكَى . وَسَارَ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا ، حَتّى قَدِمَ مَكّةَ . فَنَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَتَلَقّاهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، وَقَالَ الْمَنْزِلُ يَا خَالِ . فَقَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى أَلْقَى نَوْفَلًا . فَقَالَ تَرَكْته بِالْحَجَرِ جَالِسًا <39> فِي مَشَايِخِ قَوْمِهِ . فَأَقْبَلَ أَبُو سَعْدٍ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ نَوْفَلٌ قَامِئًا ، فَقَالَ يَا أَبَا سَعْدٍ أَنْعِمْ صَبَاحًا . فَقَالَ لَا أَنْعَمَ اللّهُ لَك صَبَاحًا ، وَسَلّ سَيْفَهُ . وَقَالَ وَرَبّ هَذَا الْبَيْتِ لَئِنْ لَمْ تَرُدّ عَلَى ابْنِ أُخْتِي أَرْكَاحَهُ لَأُمَكّنَن مِنْك هَذَا السّيْفَ . فَقَالَ رَدَدْتهَا عَلَيْهِ . فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَشَايِخَ قُرَيْشٍ . ثُمّ نَزَلَ عَلَى شَيْبَةَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثًا . ثُمّ اعْتَمَرَ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ : وَيَأْبَى مَازِنٌ وَأَبُو عَدِيّ وَدِينَارُ بْنُ تَيْمِ اللّهِ ضَيْمِي بِهِمْ رَدّ الْإِلَهُ عَلَيّ رُكْحِي وَكَانُوا فِي انْتِسَابٍ دُونَ قَوْمِي فَلَمّا جَرَى ذَلِكَ حَالَفَ نَوْفَلُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَحَالَفَتْ بَنُو هَاشِمٍ : خُزَاعَةَ عَلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ . فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَتْحِ مَكّةَ . كَمَا سَيَأْتِي . فَلَمّا رَأَتْ خُزَاعَةُ نَصْرَ بَنِي النّجّارِ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالُوا : نَحْنُ وَلَدْنَاهُ كَمَا وَلَدْتُمُوهُ فَنَحْنُ أَحَقّ بِنَصْرِهِ . وَذَلِكَ أَنّ أُمّ عَبْدِ مَنَافٍ مِنْهُمْ . فَدَخَلُوا دَارَ النّدْوَةِ وَتَحَالَفُوا وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا . عَبْدُ اللّهِ وَالِدُ رَسُولِ اللّهِ وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ وَالِدُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ الذّبِيحُ . وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِب ِ أُمِرَ فِي الْمَنَامِ بِحَفْرِ زَمْزَمَ . وَوُصِفَ لَهُ مَوْضِعُهَا . وَكَانَتْ جُرْهُم قَدْ غَلَبَتْ آلَ إسْمَاعِيلَ عَلَى مَكّةَ ، وَمَلَكُوهَا زَمَانًا طَوِيلًا . ثُمّ أَفْسَدُوا فِي حَرَمِ اللّهِ . فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ حَرْبٌ وَخُزَاعَةُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، مِنْ أَهْلِ سَبَأٍ . وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ بَنُو إسْمَاعِيلَ . فَغَلَبَتْهُمْ خُزَاعَةُ . وَنَفَتْ جُرْهُمًا مِنْ مَكّةَ . وَكَانَتْ جُرْهُمٌ قَدْ دَفَنَتْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، وَالْمَقَامَ وَبِئْرَ زَمْزَمَ . وَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ عَلَى مَكّةَ . وَرَجَعَ إلَيْهِ مِيرَاثُ قُرَيْشٍ . فَأَنْزَلَ بَعْضَهُمْ دَاخِلَ مَكّةَ - وَهُمْ قُرَيْشُ الْأَبَاطِحِ - و بَعْضَهُمْ خَارِجَهَا - وَهُمْ قُرَيْشُ الظّوَاهِرِ - فَبَقِيَتْ زَمْزَمُ مَدْفُونَةً إلَى عَصْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَرَأَى فِي الْمَنَامِ مَوْضِعَهَا . فَقَامَ يَحْفِرُ فَوَجَدَ فِيهَا سُيُوفًا مَدْفُونَةً وَحُلِيّا ، وَغَزَالًا مِنْ ذَهَبٍ مُشَنّفًا بِالدّرّ . فَعَلّقَهُ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ عَلَى الْكَعْبَةِ . وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا وَلَدُهُ الْحَارِثُ . فَنَازَعَتْهُ قُرَيْشٌ ، وَقَالُوا لَهُ أَشْرِكْنَا ، فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . هَذَا أَمْرٌ خُصِصْت بِهِ . فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أَحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ . <40> فَنَذَرَ حِينَئِذٍ عَبْدَ الْمُطّلِب ِ : لَئِنْ آتَاهُ اللّهُ عَشَرَةَ أَوْلَادٍ وَبَلَغُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ لَيَنْحَرَن أَحَدَهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا تَمّوا عَشَرَةً . وَعَرَفَ أَنّهُمْ يَمْنَعُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ فَأَطَاعُوهُ . وَكَتَبَ كُلّ مِنْهُمْ اسْمَهُ فِي قَدَحٍ . وَأَعْطَوْهَا الْقِدَاحَ قَيّمَ هُبَلَ - وَكَانَ الّذِي يُجِيلُ الْقِدَاحَ - فَخَرَجَ الْقَدَحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ . وَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْمُدْيَةَ لِيَذْبَحَهُ . فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ نَادِيهَا فَمَنَعُوهُ . فَقَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِنَذْرِي ؟ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ مَكَانَهُ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ . فَأُقْرِعَ بَيْنَ عَبْدِ اللّهِ وَبَيْنَهَا . فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ . فَاغْتَمّ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ ، ثُمّ لَمْ يَزَلْ عَشْرًا عَشْرًا ، وَلَا تَقَعُ الْقُرْعَةُ إلّا عَلَيْهِ إلَى أَنْ بَلَغَ مِائَةً . فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْإِبِلِ . فَنُحِرَتْ عَنْهُ . فَجَرَتْ سُنّةٌ وَرُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَنَا ابْنُ الذّبِيحَيْنِ يَعْنِي إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَبَاهُ عَبْدُ اللّهِ . ثُمّ تَرَكَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ الْإِبِلَ لَا يَرُدّ عَنْهَا إنْسَانًا وَلَا سَبُعًا . فَجَرَتْ الدّيَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَقَرّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ . وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ زَمْزَمَ سُقِيَا الْخَلِيلِ وَابْنِهِ الْمُكَرّمِ جِبْرِيلُ الّذِي لَمْ يُذَمّمْ شِفَاءَ سُقُمٍ وَطَعَامُ مُطْعِمِ أَبُو طَالِبٍ عَمّ رَسُولِ اللّهِ وَأَمّا أَبُو طَالِبٍ فَهُوَ الّذِي يَتَوَلّى تَرْبِيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَعْدِ جَدّهِ كَمَا تَقَدّمَ وَرَقّ عَلَيْهِ رِقّةً شَدِيدَةً . وَكَانَ يُقَدّمُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : قَامَ أَبُو طَالِبٍ - مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ مَوْلِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى السّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ النّبُوّةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ - يَحُوطُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَيَذُبّ عَنْهُ . وَيَلْطُفُ بِهِ . وَقَالَ أَبُومُحَمّدِ بْنُ قُدَامَةَ : كَانَ يُقِرّ بِنُبُوّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارٌ . مِنْهَا : <41> أَلَا أَبْلِغَا عَنّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا لُؤَيّا . وَخُصّا مِنْ لُؤَيّ بَنِي كَعْبٍ بِأَنّا وَجَدْنَا فِي الْكِتَابِ مُحَمّدًا نَبِيّا كَمُوسَى ، خُطّ فِي أَوّلِ الْكُتُبِ وَأَنّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبّةً وَلَا خَيْرَ مِمّنْ خَصّهُ اللّهُ بِالْحُبّ وَمِنْهَا : تَعَلّمْ خِيَارَ النّاسِ أَنّ مُحَمّدًا وَزِيرًا لِمُوسَى وَالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا فَإِنّ طَرِيقَ الْحَقّ لَيْسَ بِمُظْلِمٍ وَلَكِنّهُ أَبَى أَنْ يَدِينَ بِذَلِكَ خَشْيَةَ الْعَارِ . وَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ . دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ - فَقَالَ يَا عَمّ قُلْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ كَلِمَةً أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْدَ اللّهِ فَقَالَا لَهُ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَلْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَدّدُهَا عَلَيْهِ وَهُمَا يُرَدّدَانِ عَلَيْهِ حَتّى كَانَ آخِرَ كَلِمَةٍ قَالَهَا هُوَ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 9 : 113 ) مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 38 : 56 ) إِنّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ - الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ رَثَاهُ وَلَدُهُ عَلِيّ بِأَبْيَاتٍ مِنْهَا : أَرَقْت لِطَيْرٍ آخِرَ اللّيْلِ غَرّدَا يَذْكُرُنِي شَجْوًا عَظِيمًا مُجَدّدَا أَبَا طَالِبٍ مَأْوَى الصّعَالِيكِ ذَا النّدَى جَوَادًا إذَا مَا أَصْدَرَ الْأَمْرَ أَوْرَدَا فَأَمْسَتْ قُرَيْشٌ يَفْرَحُونَ بِمَوْتِهِ وَلَسْت أَرَى حَيّا يَكُونُ مُخَلّدَا أَرَادُوا أُمُورًا زَيّفَتْهَا حُلُومُهُمْ سَتُورِدُهُمْ يَوْمًا مِنْ الْغَيّ مَوْرِدَا يَرْجُونَ تَكْذِيبَ النّبِيّ وَقَتْلَهُ وَأَنْ يُفْتَرَى قِدَمًا عَلَيْهِ وَيَجْحَدَا كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ حَتّى نُذِيقَكُمْ صُدُورَ الْعَوَالِي وَالْحُسَامِ الْمُهَنّدَا خَلّفَ أَبُو طَالِبٍ أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ وَابْنَتَيْنِ . فَالذّكُورُ طَالِبٌ وَعُقَيْلٌ وَجَعْفَرٌ وَعَلِيّ ، وَبَيْنَ كُلّ وَاحِدٍ عَشْرُ سِنِينَ . فَطَالِبٌ أَسَنّهُمْ ثُمّ عُقَيْلٌ ثُمّ جَعْفَرٌ ثُمّ عَلِيّ . فَأَمّا طَالِبٌ فَأَخْرَجَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ كُرْهًا . فَلَمّا انْهَزَمَ الْكُفّارُ طَلَبَ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْقَتْلَى ، وَلَا فِي الْأَسْرَى ، وَلَا رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ . وَأَمّا عُقَيْلٌ فَأَسَرّ ذَلِكَ الْيَوْمَ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ . فَفَدَاهُ عَمّهُ الْعَبّاسُ . ثُمّ رَجَعَ إلَى مَكّةَ . فَأَقَامَ بِهَا إلَى السّنَةِ الثّامِنَةِ . ثُمّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَشَهِدَ مُؤْتَةَ مَعَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ . وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : « وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عُقَيْلٌ مِنْ مَنْزِلٍ ؟ » ( ) <42> وَاسْتَمَرّتْ كَفَالَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولٍ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَلَمّا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً - وَقِيلَ تِسْعًا خَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ فَرَآهُ بُحَيْرِيّ الرّاهِبُ وَأَمَرَ عَمّهُ أَنْ لَا يَقْدَمَ بِهِ إلَى الشّامِ ، خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْيَهُودِ . فَبَعَثَهُ عَمّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إلَى الْمَدِينَةِ . وَوَقَعَ فِي التّرْمِذِيّ ( ) " أَنّهُ بَعَثَ مَعَهُ بِلَالًا " وَهُوَ غَلَطٌ وَاضِحٌ . فَإِنّ بَلَالًا إذْ ذَلِكَ لَعَلّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا . خُرُوجُهُ إلَى الشّامِ وَزَوَاجُهُ خَدِيجَةَ فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَرَجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ غُلَامُهَا . فَوَصَلَ بُصْرَى . ثُمّ رَجَعَ فَتَزَوّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ . وَهِيَ أَوّلُ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا ، وَأَوّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ . وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا . وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ " أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السّلَامَ مِنْ رَبّهَا وَيُبَشّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ مِنْ قُصْبٍ " ( ) . تَحَنّثُهُ فِي غَارِ حِرَاءٍ ثُمّ حُبّبَ إلَيْهِ الْخَلَاءُ . وَالتّعَبّدُ لِرَبّهِ فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَعَبّدُ فِيهِ . وَبُغِضَتْ إلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ . فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . وَأَنْبَتَهُ اللّهُ نَبَاتًا حَسَنًا ، حَتّى كَانَ أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ، وَأَعَزّهُمْ جِوَارًا ، وَأَعْظَمَهُمْ حُلْمًا ، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا . وَأَحْفَظَهُمْ لِأَمَانَةٍ . حَتّى سَمّاهُ قَوْمُهُ " الْأَمِينَ " لِمَا جَمَعَ اللّهُ فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الصّالِحَةِ . وَالْخِصَالِ الْكَرِيمَةِ الْمَرْضِيّةِ . بِنَاءُ الْكَعْبَةِ وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً قَامَتْ قُرَيْشٌ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ حِينَ تَضَعْضَعَتْ . <43> قَالَ أَهْلُ السّيَرِ كَانَ أَمْرُ الْبَيْتِ - بَعْدَ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ - إلَى وَلَدِهِ ثُمّ غَلَبَتْ جُرْهُمٌ عَلَيْهِ . فَلَمْ يَزَلْ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى اسْتَحَلّوا حُرْمَتَهُ . وَأَكَلُوا مَا يُهْدَى إلَيْهِ . وَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَ مَكّةَ ثُمّ وُلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ بَعْدَهُمْ إلّا أَنّهُ كَانَ إلَى قَبَائِلَ مِنْ مُضَرَ ثَلَاثُ خِلَالٍ- الْإِجَازَةُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ يَوْمَ الْحَجّ إلَى مُزْدَلِفَةَ ، تُجِيزُهُمْ صُوفَةُ . وَالثّانِيَةُ الْإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ ، غَدَاةَ النّحْرِ إلَى مِنًى . وَكَانَ ذَلِكَ إلَى يَزِيدَ بْنِ عُدْوَانَ ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ وَلِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو سَيّارَةَ . وَالثّالِثَةُ إنْسَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . وَكَانَ إلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ ثُمّ صَارَ إلَى جُنَادَةَ بْنِ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً جَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ . وَكَانُوا يَهُمّونَ بِذَلِكَ لِيَسْقُفُوهَا ، وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا ، وَإِنّمَا كَانَتْ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا . وَذَلِكَ أَنّ قَوْمًا سَرَقُوا كَنْزَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ . وَكَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى سَفِينَةً إلَى جِدّةَ لِرَجُلٍ مِنْ تُجّارِ الرّومِ ، فَتَحَطّمَتْ . فَأَخَذُوا خَشَبَهَا فَأَعَدّوهُ لِسُقُفِهَا . وَكَانَ بِمَكّةَ رَجُلٌ قِبْطِيّ نَجّارٌ . فَهَيّأَ لَهُمْ بَعْضَ مَا كَانَ يُصْلِحُهَا . وَكَانَتْ حَيّةٌ تَخْرُجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الّتِي كَانَ يُطْرَحُ فِيهِ مَا يُهْدَى لَهَا كُلّ يَوْمٍ فَتَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَتْ مِمّا يَهَابُونَ . وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إلّا اخْزَأَلّتْ وَكَشّتْ وَفَتَحَتْ فَاهَا . فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ تَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ ، بَعَثَ اللّهُ إلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا . فَذَهَبَ بِهَا . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللّهُ قَدْ رَضِيَ مَا أَرَدْنَا . عِنْدَنَا عَامِلٌ رَفِيقٌ وَعِنْدَنَا خُشُبٌ . وَقَدْ كَفَانَا اللّهُ الْحَيّةَ . فَلَمّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا : قَامَ أَبُو وَهْبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّ فَتَنَاوَلَ مِنْ الْكَعْبَةِ حَجَرًا . فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، لَا تَدْخُلُوا فِي بُنْيَانِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طِيبًا ، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَهْرُ بَغِيّ وَلَا بَيْعُ رِبًا . وَلَا مَظْلِمَةُ أَحَدٍ مِنْ النّاسِ . ثُمّ إنّ قُرَيْشًا تَجَزّأَتْ الْكَعْبَةَ . فَكَانَ شِقّ الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ . وَمَا بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيّ - 44ْ - لِبَنِي مَخْزُومٍ . وَقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَافَتْ إلَيْهِمْ . وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ : لِبَنِي جُمَحَ وَبَنِيّ سَهْمٍ . وَكَانَ شِقّ الْحَجَرِ : لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَلِبَنِي عَدِيّ . وَهُوَ الْحَطِيمُ . ثُمّ إنّ النّاسَ هَابُوا هَدْمَهَا . فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ . ثُمّ قَامَ عَلَيْهَا . وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ لَا تُرَعْ - أَوْ لَمْ نَزِغْ - اللّهُمّ إنّا لَا نُرِيدُ إلّا الْخَيْرَ . ثُمّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرّكْنَيْنِ . فَتَرَبّصَ النّاسُ تِلْكَ اللّيْلَةَ . وَقَالُوا : إنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا . وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَإِلّا فَقَدْ رَضِيَ اللّهُ مَا صَنَعْنَا . فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ . فَهَدَمَ وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ . حَتّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ - أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ - أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسِنّةِ أَخَذَ بَعْضَهَا بَعْضًا . فَأَدْخَلَ بَعْضُهُمْ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيُقْلِعَ أَحَدَهُمَا . فَلَمّا تَحَرّكَ الْحَجَرُ : انْتَفَضَتْ مَكّةُ بِأَسْرِهَا . فَانْتَهَوْا عِنْدَ ذَلِكَ الْأَسَاسِ . ثُمّ إنّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتْ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا ، كُلّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ . ثُمّ بَنَوْهَا . حَتّى بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . فَاخْتَصَمُوا فِيهِ كُلّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ حَتّى تَحَاوَرُوا وَتَخَالَفُوا وَأَعَدّوا لِلْقِتَالِ فَقَرّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَة دَمًا . تَعَاهَدُوا - هُمْ وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ - عَلَى الْمَوْتِ وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدّمِ . فَسُمّوا " لَعَقَةَ الدّمِ " فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ . أَوْ خَمْسًا . ثُمّ إنّهُمْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ . فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا . فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرّوَايَةِ أَنّ أَبَا أُمَيّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيّ - وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَسَنّ قُرَيْشٍ كُلّهِمْ - قَالَ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ . فَفَعَلُوا . فَكَانَ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا " هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا بِهِ هَذَا مُحَمّدٌ " فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلُمّ إلَيّ ثَوْبًا " فَأُتِيَ بِهِ . فَأَخَذَ الرّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ . ثُمّ قَالَ لِتَأْخُذ كُلّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الثّوْبِ . ثُمّ ارْفَعُوا جَمِيعًا " فَفَعَلُوا ، حَتّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ بَنَى عَلَيْهِ . <45> وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ . وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلُبِطَ بِهِ - أَيْ طَاحَ عَلَى وَجْهِهِ - وَنُودِيَ " اُسْتُرْ عَوْرَتَك " فَمَا رُئِيَتْ لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ( ) . فَلَمّا بَلَغُوا خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا سَقّفُوهُ عَلَى سِتّةِ أَعْمِدَةٍ . وَكَانَ الْبَيْتُ يُكْسَى الْقَبَاطِيّ . تَمّ كُسِيَ الْبُرُودَ . وَأَوّلُ مَنْ كَسَاهُ الدّيبَاجَ الْحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ . وَأَخْرَجَتْ قُرَيْشٌ الْحَجَرَ لِقِلّةِ نَفَقَتِهِمْ . وَرَفَعُوا بَابَهَا عَنْ الْأَرْضِ لِئَلّا يَدْخُلَهَا إلّا مَنْ أَرَادُوا . وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ لَا يُرِيدُونَ دُخُولَهُ تَرَكُوهُ حَتّى يَبْلُغَ الْبَابَ ثُمّ يَرْمُونَهُ . فَلَمّا بَلَغَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ بَعَثَهُ اللّهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا . بَعْضُ مَا ك | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:59 am | |
| لِلّهِ دَرّك مِنْ أَخِي قُرْبَانِ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَشْهَرِ النّاسِ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ الصّحَابَةِ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْسَانِ قَتْلِهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ اعْتِقَادِ أَعْدَاءِ اللّهِ فِي الْبَدْوِ ؟ . الدّلِيلُ السّادِسُ قِصّةُ بَنِي عُبَيْدٍ الْقَدّاحِ فَإِنّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثّالِثَةِ . فَادّعَى عُبَيْدُ اللّهِ أَنّهُ مِنْ آلِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، مِنْ ذُرّيّةِ فَاطِمَةَ وَتَزَيّا بِزَيّ أَهْلِ الطّاعَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبِعَهُ أَقْوَامٌ مِنْ الْبَرْبَرِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ . وَصَارَ لَهُ دَوْلَةٌ كَبِيرَةٌ فِي الْمَغْرِبِ وَلِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ . ثُمّ مَلَكُوا مِصْرَ وَالشّامَ ، وَأَظْهَرُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ و أَقَامُوا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَنَصَبُوا الْقُضَاةَ وَالْمُفْتِينَ . لَكِنْ أَظْهَرُوا الشّرْكَ وَمُخَالَفَةَ الشّرِيعَةِ وَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى نِفَاقِهِمْ وَشِدّةِ كُفْرِهِمْ . فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنّهُمْ كُفّارٌ وَأَنّ دَارَهُمْ دَارُ حَرْبٍ مَعَ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ . وَفِي مِصْرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ أُنَاسٌ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ مِصْرَ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِيمَا - 30ْ - أَحْدَثُوا مِنْ الْكُفْرِ . وَمَعَ ذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ حَتّى إنّ بَعْضَ أَكَابِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ بِالصّلَاحِ قَالَ لَوْ أَنّ مَعِي عَشَرَةَ أَسْهُمٍ لَرَمَيْت بِوَاحِدٍ مِنْهَا النّصَارَى الْمُحَارَبِينَ . وَرَمَيْت بِالتّسْعَةِ بَنِي عُبَيْدٍ . وَلَمّا كَانَ زَمَانُ السّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ زِنْكِي أَرْسَلَ إلَيْهِمْ جَيْشًا عَظِيمًا بِقِيَادَةِ صَلَاحِ الدّينِ . فَأَخَذُوا مِصْرَ مِنْ أَيْدِيهِمْ . وَلَمْ يَتْرُكُوا جِهَادَهُمْ بِمِصْرِ لِأَجْلِ مَنْ فِيهَا مِنْ الصّالِحِينَ . فَلَمّا فَتَحَهَا السّلْطَانُ مَحْمُودٌ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ أَشَدّ الْفَرَحِ . وَصَنّفَ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمّاهُ " النّصْرُ عَلَى مِصْرَ " . وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ التّصْنِيفِ وَالْكَلَامِ فِي كُفْرِهِمْ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إظْهَارِهِمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ الظّاهِرَةِ . فَانْظُرْ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ دِينِنَا : أَنّ الْبَدْوَ إسْلَامٌ مَعَ مَعْرِفَتِنَا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ كُلّهِ إلّا قَوْلَ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَلَا تَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَكْفُرُ إلّا إنْ انْتَقَلَ يَهُودِيّا أَوْ نَصْرَانِيّا . فَإِنْ آمَنْت بِمَا ذَكَرَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَبِمَا أَجَمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَتَبَرّأْت مِنْ دِينِ آبَائِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقُلْت : آمَنْت بِاَللّهِ وَبِمَا أَنَزَلَ اللّهُ وَتَبَرّأْت مِمّنْ خَالَفَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، مُخْلِصًا لِلّهِ الدّينَ فِي ذَلِكَ . وَعَلِمَ اللّهُ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِك ، فَأَبْشِرْ . وَلَكِنْ اسْأَلْ اللّهَ التّثْبِيتَ . وَاعْرِفْ أَنّهُ مُقَلّبُ الْقُلُوبِ . الدّلِيلُ السّابِعُ قِصّةُ التّتَارِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ بَعْدَ مَا فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ مَا فَعَلُوا ، وَسَكَنُوا بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَعَرَفُوا دِينَ الْإِسْلَامِ اسْتَحْسَنُوهُ وَأَسْلَمُوا . لَكِنْ لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ شَرَائِعِهِ . وَأَظْهَرُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى الشّرِيعَةِ لَكِنّهُمْ كَانُوا يَتَلَفّظُونَ بِالشّهَادَتَيْنِ وَيُصَلّونَ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَلَيْسُوا كَالْبَدْوِ وَمَعَ هَذَا كَفّرَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَقَاتَلُوهُمْ وَغَزَوْهُمْ . حَتّى أَزَالَهُمْ اللّهُ عَنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ . <31> وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللّهُ . وَأَمّا مَنْ أَرَادَ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَوْ تَنَاطَحَتْ الْجِبَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ . وَلَوْ ذَكَرْنَا مَا جَرَى مِنْ السّلَاطِينِ وَالْقُضَاةِ مِنْ قَتْلِ مَنْ أَتَى بِأُمُورٍ يَكْفُرُ بِهَا - وَلَوْ كَانَ يُظْهِرُ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ - وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيّنَةُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْقَتْلِ مَعَ أَنّ فِي هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِينَ مَنْ كَانَ مِنْ أَعْلَمْ النّاسِ وَأَزْهَدِهِمْ وَأَعْبَدِهِمْ فِي الظّاهِرِ مِثْلُ الْحَلّاجِ وَأَمْثَالِهِ وَمَنْ هُوَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنّفِينَ كَالْفَقِيهِ عُمَارَةَ . فَلَوْ ذَكَرْنَا قَصَصَ هَؤُلَاءِ لَاحْتَمَلَ مُجَلّدَاتٍ . وَلَا نَعْرِفُ فِيهِمْ رَجُلًا وَاحِدًا بَلَغَ كُفْرُهُ كُفْرَ الْبَدْوِ الّذِينَ يَقُولُ عَنْهُمْ - مَنْ يَزْعُمُ إسْلَامَهُمْ - إنّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ شَعْرَةٌ إلّا قَوْلُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " وَلَكِنْ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُرْشِدًا . وَالْعَجَبُ أَنّ الْكُتُبَ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ وَاَلّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ يَعْرِفُونَهَا وَيَعْلَمُونَ بِهَا : فِيهَا مَسَائِلُ الرّدّةِ . وَتَمَامُ الْعَجَبِ أَنّهُمْ يَعْرِفُونَ بَعْضَ ذَلِكَ وَيُقِرّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ كَفَرَ . وَمَنْ شَكّ فِيهِ كَفَرَ . وَمَنْ سَبّ الشّرْعَ كَفَرَ . وَمَنْ أَنْكَرَ فَرْعًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَفَرَ . كُلّ هَذَا يَقُولُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . فَإِذَا كَانَ مَنْ أَنْكَرَ الْأَكْلَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْكَرَ النّهْيَ عَنْ إسْبَالِ الثّيَابِ أَوْ أَنْكَرَ سُنّةَ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَيُصَرّحُونَ أَنّ مَنْ أَنْكَرَ الْإِسْلَامَ كُلّهُ وَكَذّبَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِمَنْ صَدّقَهُ فَهُوَ أَخُوك الْمُسْلِمُ حَرَامُ الدّمِ وَالْمَالِ مَا دَامَ يَقُولُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " ثُمّ يُكَفّرُونَنَا ، وَيَسْتَحِلّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا ، مَعَ أَنّا نَقُولُ " لَا إلَهَ إلّا اللّهُ " فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : مَنْ كَفّرَ مُسْلِمًا فَقَدْ كَفَرَ . تَمّ لَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتّى أَفْتَوْا لِمَنْ عَاهَدَنَا بِعَهْدِ اللّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْعَهْدَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ عَظِيمٌ وَيُفْتُونَ مَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ لَنَا ، أَوْ مَالُ يَتِيمٍ أَنّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ أَمَانَتِنَا . وَلَوْ كَانَتْ مَالَ يَتِيمٍ بِضَاعَةً عِنْدَهُ أَوْ وَدِيعَةً بَلْ يُرْسِلُونَ الرّسَائِلَ لِدَهّامِ بْنِ دَوّاسٍ وَأَمْثَالِهِ إذَا حَارَبُوا التّوْحِيدَ وَنَصَرُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ يَقُولُونَ أَنْتَ يَا فُلَانُ قُمْت مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ . مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنّ التّوْحِيدَ - الّذِي نَدْعُو إلَيْهِ - 32 - وَكَفَرُوا بِهِ وَصُدّوا النّاسَ عَنْهُ - هُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ وَأَنّ الشّرْكَ - الّذِي نَهَيْنَا النّاسَ عَنْهُ وَرَغّبُوهُمْ هُمْ فِيهِ وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ عَلَى آلِهَتِهِمْ - أَنّهُ الشّرْكُ الّذِي نَهَى عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ . وَلَكِنْ هَذِهِ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ اللّهِ فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْهَا فَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ . وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . نَسَبُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ <33> مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْر بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِذَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ . إلَى هُنَا مَعْلُومُ الصّحّةِ . وَمَا فَوْقَ عَدْنَانَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ أَنّ عَدْنَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الذّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصّوَابِ . وَالْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ بَاطِلٌ . وَلَا خِلَافَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُلِدَ بِمَكّةَ عَامَ الْفِيلِ . وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدّمَهَا اللّهُ لِنَبِيّهِ وَبَيْتِهِ وَإِلّا فَأَهْلُ الْفِيلِ نَصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ دِينُهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكّةَ . لِأَنّهُمْ عُبّادُ أَوْثَانٍ . فَنَصَرَهُمْ اللّهُ نَصْرًا لَا صُنْعَ لِلْبَشَرِ فِيهِ تَقْدِمَةً لِلنّبِيّ الّذِي أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكّةَ . وَتَعْظِيمًا لِلْبَلَدِ الْحَرَامِ . قِصّةُ الْفِيلِ وَكَانَ سَبَبُ قِصّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ - عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ - أَنّ أَبْرَهَةَ بْنَ الصّبّاحِ كَانَ عَامِلًا لِلنّجَاشِيّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ عَلَى الْيَمَنِ فَرَأَى النّاسَ يَتَجَهّزُونَ أَيّامَ الْمَوْسِمِ إلَى مَكّةَ - شَرّفَهَا اللّهُ - فَبَنَى كَنِيسَةً بِصَنْعَاءَ . وَكَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ " إنّي بَنَيْت لَك كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا ، وَلَسْت مُنْتَهِيًا حَتّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ " فَسَمِعَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ فَدَخَلَهَا لَيْلًا . فَلَطّخَ قِبْلَتَهَا بِالْعَذِرَةِ . فَقَالَ أَبْرَهَةُ مَنْ الّذِي اجْتَرَأَ عَلَى هَذَا ؟ قِيلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَمِعَ بِاَلّذِي قُلْت . فَحَلَفَ أَبْرَهَةُ لَيَسِيرَن إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى يَهْدِمَهَا . وَكَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَث إلَيْهِ بِفِيلِهِ . وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوّةً . فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ . فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ سَائِرًا إلَى مَكّةَ . فَسَمِعَتْ الْعَرَبُ <34> بِذَلِكَ فَأَعْظَمُوهُ وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقّا عَلَيْهِمْ . فَخَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ ذُو نَفَرٍ . فَقَاتَلَهُ . فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ وَأَخَذَهُ أَسِيرًا ، فَقَالَ أَيّهَا الْمَلِكُ فَاسْتَبْقِنِي خَيْرًا لَك ، فَاسْتَبَقَاهُ وَأَوْثَقَهُ . وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا . فَسَارَ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ بِلَادِ خَثْعَمَ خَرَجَ إلَيْهِ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيّ ، وَمَنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمَهُمْ أَبْرَهَةُ . فَأَخَذَ نُفَيْلًا ، فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّنِي دَلِيلُك بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ عَلَى قَوْمِي بِالسّمْعِ وَالطّاعَةِ . فَاسْتَبْقِنِي خَيْرًا لَك . فَاسْتَبَقَاهُ . وَخَرَجَ مَعَهُ يَدُلّهُ عَلَى الطّرِيقِ . فَلَمّا مَرّ بِالطّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتّبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ . فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُك . وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَك مَنْ يَدُلّك . فَبَعَثُوا مَعَهُ بِأَبِي رَغَالٍ مَوْلًى لَهُمْ . فَخَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْمُغَمّسِ مَاتَ أَبُو رَغَالٍ ، وَهُوَ الّذِي يُرْجَمُ قَبْرُهُ . وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ - يُقَالُ لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ مَفْصُودٍ - عَلَى مُقَدّمَةِ خَيْلِهِ وَأَمَرَ بِالْغَارَةِ عَلَى نَعَمِ النّاسِ . فَجَمَعَ الْأَسْوَدُ إلَيْهِ أَمْوَالَ الْحَرَمِ . وَأَصَابَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ مِائَتَيْ بَعِيرٍ . ثُمّ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَر إلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَقَالَ أَبْلِغْ شَرِيفَهَا أَنّنِي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ بَلْ جِئْت لِأَهْدِمَ الْبَيْتَ . فَانْطَلَقَ فَقَالَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَلِكَ . فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ : مَا لَنَا بِهِ يَدَانِ . سَنُخَلّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ . فَإِنّ هَذَا بَيْتُ اللّهِ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ . فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ . وَأَنْ يَخْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ مَا لَنَا بِهِ مِنْ قُوّةٍ . قَالَ فَانْطَلِقْ مَعِي إلَى الْمَلِكِ - وَكَانَ ذُو نَفْرٍ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَك غَنَاءٌ فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ مَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ بُكْرَةً أَوْ عَشِيّا ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُ إلى أُنَيْسٍ سَائِسِ الْفِيلِ فَإِنّهُ لِي صَدِيقٌ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يُعَظّمَ خَطَرَك عِنْدَ الْمَلِكِ . فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ لِأَبْرَهَةَ إنّ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك . وَقَدْ جَاءَ غَيْرُ نَاصِبٍ لَك وَلَا مُخَالِفٍ لِأَمْرِك ، وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ . وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا وَسِيمًا . فَلَمّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ . وَكَرِهَ <35> أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ . وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ . فَهَبَطَ إلَى الْبِسَاطِ فَدَعَاهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ . فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ مِائَتَيْ الْبَعِيرِ الّتِي أَصَابَهَا مِنْ مَالِهِ . فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إنّك كُنْت أَعْجَبْتنِي حِينَ رَأَيْتُك . وَلَقَدْ زَهِدْت فِيك . قَالَ لِمَ ؟ قَالَ جِئْت إلَى بَيْتٍ - هُوَ دِينُك وَدِينُ آبَائِك ، وَشَرَفُكُمْ وَعِصْمَتُكُمْ - لِأَهْدِمَهُ . فَلَمْ تُكَلّمْنِي فِيهِ وَتُكَلّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ ؟ قَالَ أَنَا رَبّ الْإِبِلِ . وَالْبَيْتُ لَهُ رَبّ يَمْنَعُهُ مِنْك . فَقَالَ مَا كَانَ لِيَمْنَعَهُ مِنّي . قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدّتْ عَلَيْهِ . ثُمّ خَرَجَ وَأَخْبَرَ قُرَيْشًا الْخَبَرَ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرّقُوا فِي الشّعَابِ وَيَتَحَرّزُوا فِي رُءُوسُ الْجِبَالِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ . فَفَعَلُوا . وَأَتَى عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْبَيْتَ . فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَجَعَلَ يَقُولُ يَا رَبّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبّ فَامْنَعْ مِنْهُمُو حِمَاكَا إنّ عَدُوّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا فَامْنَعْهُمُو أَنْ يُخَرّبُوا قُرَاكَا وَقَالَ أَيْضًا : لَا هُمّ إنّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ وَحَلَالَهُ فَامْنَعْ حَلَالَك لَا يَغْلِبَن صَلِيبَهُمْ وَمِحَالَهُمْ غُدُوّا مِحَالَك جَرّوا جُمُوعَهُمْ وَبِلَادَهُمْ وَالْفِيلَ كَيْ يَسُبّوا عِيَالَك إنْ كُنْت تَارِكَهُمْ وَكَعْبَ تَنَا فَأْمُرْ مَا بَدَا لَك ثُمّ تَوَجّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ . وَأَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمّسِ قَدْ تَهَيّأَ لِلدّخُولِ . وَعَبّأَ جَيْشَهُ . وَهَيّأَ فِيهِ . فَأَقْبَلَ نُفَيْلٌ إلَى الْفِيلِ . فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ . فَقَالَ اُبْرُكْ مَحْمُودُ . فَإِنّك فِي بَلَدِ اللّهِ الْحَرَامِ . فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى . فَوَجّهُوهُ إلَى الْيَمَنِ ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ . وَوَجّهُوهُ إلَى الشّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَوَجّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَصَرَفُوهُ إلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ . وَخَرَجَ نُفَيْلٌ يَشْتَدّ حَتّى صَعِدَ الْجَبَلَ فَأَرْسَلَ اللّهُ طَيْرًا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ مَعَ كُلّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ . حَجَرَيْنِ فِي رِجْلَيْهِ وَحَجَرًا فِي مِنْقَارِهِ . فَلَمّا غَشِيَتْ الْقَوْمَ أَرْسَلَتْهَا عَلَيْهِمْ . فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إلّا هَلَكَ . وَلَيْسَ كُلّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ . فَخَرَجَ الْبَقِيّةُ هَارِبِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ - 36 - نُفَيْلٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ . فَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ . يَتَسَاقَطُونَ بِكُلّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلّ مَنْهَلٍ . وَبَعَثَ اللّهُ عَلَى أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ . فَجَعَلَتْ تَسّاقَطُ أَنَامِلُهُ حَتّى انْتَهَى إلَى صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ الْفَرْخِ . وَمَا مَاتَ حَتّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمّ هَلَكَ . رَجَعْنَا إلَى سِيرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَفَاةُ عَبْدِ اللّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللّهِ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ هَلْ تُوُفّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا ؟ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنّهُ تُوُفّيَ وَهُوَ حَمْلٌ . وَلَا خِلَافَ أَنّ أُمّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ بِالْأَبْوَاءِ مُنْصَرَفَهَا مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ . وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إذْ ذَاكَ سِتّ سِنِينَ . فَكَفَلَهُ جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ . وَرَقّ عَلَيْهِ رِقّةً لَمْ يَرِقّهَا عَلَى أَوْلَادِهِ . فَكَانَ لَا يُفَارِقُهُ . وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِهِ - إجْلَالًا لَهُ - إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدِمَ مَكّةَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ مِنْ الْقَافَةِ . فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ قَالُوا لِجَدّهِ احْتَفِظْ بِهِ . فَلَمْ نَجِدْ قَدَمًا أَشْبَهَ بِالْقَدَمِ الّذِي فِي الْمَقَامِ مِنْ قَدَمِهِ . فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ اسْمَعْ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَاحْتَفِظْ بِهِ . وَتُوُفّيَ جَدّهُ فِي السّنَةِ الثّامِنَةِ مِنْ مَوْلِدِهِ . وَأَوْصَى بِهِ إلَى أَبِي طَالِبٍ . وَقِيلَ إنّهُ قَالَ لَهُ أُوصِيك يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي بِمُفْرَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ وَكُنْت كَالْأُمّ لَهُ فِي الْوَجْدِ تُدْنِيهِ مِنْ أَحْشَائِهَا وَالْكَبِدِ فَأَنْتَ مِنْ أَرْجَى بَنِيّ عِنْدِي لِرَفْعِ ضَيْمٍ وَلِشَدّ عَضُدِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ جَدّ رَسُولِ اللّهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ ، مُحَافِظًا عَلَى الْعُهُودِ . مُتَخَلّقًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ . يُحِبّ الْمَسَاكِينَ وَيَقُومُ فِي خَدْمَةِ الْحَجِيجِ وَيُطْعِمُ فِي <37> الْأَزَمَاتِ . وَيَقْمَعُ الظّالِمِينَ . وَكَانَ يُطْعِمُ حَتّى الْوُحُوشَ وَالطّيْرَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ . وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَكْبَرُهُمْ الْحَارِثُ . تُوُفّيَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ . وَأَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ الْحَارِثِ عُبَيْدَةُ . قُتِلَ بِبَدْرٍ وَرَبِيعَةُ ، وَأَبُو سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللّهِ . وَمِنْهُمْ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ شَقِيقُ عَبْدِ اللّهِ . وَكَانَ رَئِيسَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ فِي حَرْبِ الْفُجّارِ . شَرِيفًا شَاعِرًا . وَلَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ . وَاسْم مِنْ أَوْلَادِهِ عَبْدُ اللّهِ . وَاسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ . وَضُبَاعَةُ وَمَجْلٌ وَصَفِيّةُ وَعَاتِكَةُ . وَأَسْلَمَ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْعَبّاسُ . وَمِنْهُمْ أَبُو لَهَبٍ مَاتَ عَقِيبَ بَدْرٍ . وَلَهُ مِنْ الْوَلَدِ عُتَيْبَةُ الّذِي دَعَا عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَتَلَهُ السّبُعُ . وَلَهُ عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ . أَسْلَمَا يَوْمَ الْفَتْحِ . وَمِنْ بَنَاتِهِ أَرْوَى . تَزَوّجَهَا كُرْزُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . فَوَلَدَتْ لَهُ عَامِرًا وَأَرْوَى . فَتَزَوّجَ أَرْوَى عَفّانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ . فَوَلَدَتْ لَهُ عُثْمَانَ ثُمّ خَلّفَ عَلَيْهَا عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ ، وَعَاشَتْ إلَى خِلَافَةِ ابْنِهَا عُثْمَانَ . وَمِنْهُنّ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أُمّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ . وَمِنْهُنّ عَاتِكَةُ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ . وَهِيَ صَاحِبَةُ الْمَنَامِ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ . وَاخْتَلَفَ فِي إسْلَامِهَا . وَمِنْهُنّ صَفِيّةُ أُمّ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ . أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ . وَأَرْوَى أُمّ آلِ جَحْشٍ - عَبْدِ اللّهِ وَأَبِي أَحْمَدَ وَعُبَيْدِ اللّهِ وَزَيْنَبَ وَحَمْنَةَ . وَأُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : هِيَ سَلْمَى بِنْتُ زَيْدِ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، تَزَوّجَهَا أَبُوهُ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ . فَخَرَجَ إلَى الشّامِ - وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِعَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَمَاتَ بِغَزّةَ . فَرَجَعَ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَأَصْحَابَهُ إلَى الْمَدِينَةِ بِتِرْكَتِهِ . وَوَلَدَتْ امْرَأَتُهُ سَلْمَى : عَبْدَ الْمُطّلِبِ . وَسَمّتْهُ شَيْبَةَ الْحَمْدِ . فَأَقَامَ فِي أَخْوَالِهِ مُكَرّمًا . فَبَيْنَمَا هُوَ يُنَاضِلُ الصّبْيَانَ فَيَقُولُ أَنَا ابْنُ هَاشِمٍ سَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لِعَمّهِ الْمُطّلِبِ إنّي مَرَرْت بِدُورِ بَنِي قَيْلَةَ فَرَأَيْت غُلَامًا يَعْتَزِي إلَى أَخِيك . وَمَا يَنْبَغِي تَرْكُ مِثْلِهِ فِي الْغُرْبَةِ . فَرَحَلَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي طَلَبِهِ . فَلَمّا رَآهُ فَاضَتْ عَيْنَاهُ وَضَمّهُ إلَيْهِ وَأَنْشَدَ شِعْرًا : <38> عَرَفْت شَيْبَةَ وَالنّجّارَ قَدْ جَعَلَتْ أَبْنَاءَهَا حَوْلَهُ بِالنّبْلِ تَنْتَصِلُ عَرَفْت أَجْلَادَهُ فِينَا وَشِيمَتَهُ فَفَاضَ مِنّي عَلَيْهِ وَابِلٌ هَطْلُ فَأَرْدَفَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَقَالَ يَا عَمّ ذَلِكَ إلَى الْوَالِدَةِ . فَجَاءَ إلَى أُمّهِ . فَسَأَلَهَا أَنْ تُرْسِلَ بِهِ مَعَهُ فَامْتَنَعَتْ . فَقَالَ لَهَا : إنّمَا يَمْضِي إلَى مُلْكِ أَبِيهِ وَإِلَى حَرَمِ اللّهِ . فَأَذِنَتْ لَهُ . فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ ، فَقَالَ النّاسُ هَذَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ وَيْحَكُمْ إنّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ . فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتّى تَرَعْرَعَ . فَسَلّمَ إلَيْهِ مُلْكَ هَاشِمٍ مِنْ أَمْرِ الْبَيْتِ وَالرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ وَأَمْرِ الْحَجِيجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَكَانَ الْمُطّلِبُ شَرِيفًا مُطَاعًا جَوَادًا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمّيهِ الْفَيّاضَ لِسَخَائِهِ . وَهُوَ الّذِي عَقَدَ الْحِلْفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ النّجَاشِيّ . وَلَهُ مِنْ الْوَلَدِ الْحَارِثُ وَمَخْرَمَةُ وَعَبّادٌ وَأُنَيْسٌ وَأَبُو عُمَرَ وَأَبُو رُهْمٍ وَغَيْرُهُمْ . وَلَمّا مَاتَ وَثَبَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى أَرْكَاحِ شَيْبَةَ . فَغَصَبَهُ إيّاهَا ، فَسَأَلَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ النّصْرَةَ عَلَى عَمّهِ . فَقَالُوا : لَا نَدْخُلَ بَيْنَك وَبَيْنَ عَمّك فَكَتَبَ إلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النّجّارِ أَبْيَاتًا مَعَهَا : يَا طُولَ لَيْلِي لِأَحْزَانِي وَإِشْغَالِي هَلْ مِنْ رَسُولٍ إلَى النّجّارِ أَخْوَالِي ؟ بَنِي عَدِيّ وَدِينَارٍ وَمَازِنِهَا وَمَالِكِ عِصْمَةِ الْحَيْرَانِ عَنْ حَالِي قَدْ كُنْت فِيهِمْ وَمَا أَخْشَى ظُلَامَةَ ذِي ظُلْمٍ عَزِيزًا مَنِيعًا نَاعِمَ الْبَالِ حَتّى ارْتَحَلْت إلَى قَوْمِي ، وَأَزْعَجَنِي لِذَاكَ مُطّلِبٌ عَمّي بِتَرْحَالِي فَغَابَ مُطّلِبٌ فِي قَعْرِ مَظْلِمَةٍ ثُمّ انْبَرَى نَوْفَلٌ يَعْدُو عَلَى مَالِي لَمّا رَأَى رَجُلًا غَابَتْ عُمُومَتُهُ وَغَابَ أَخْوَالُهُ عَنْهُ بِلَا وَالِي فَاسْتَنْفِرُوا وَامْنُعُوا ضَيْمَ ابْنِ أُخْتِكُمْ لَا تَخْذُلُوهُ فَمَا أَنْتُمْ بِجِذَالِي فَلَمّا وَقَفَ خَالُهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ عَلَى كِتَابِهِ بَكَى . وَسَارَ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا ، حَتّى قَدِمَ مَكّةَ . فَنَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَتَلَقّاهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، وَقَالَ الْمَنْزِلُ يَا خَالِ . فَقَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى أَلْقَى نَوْفَلًا . فَقَالَ تَرَكْته بِالْحَجَرِ جَالِسًا <39> فِي مَشَايِخِ قَوْمِهِ . فَأَقْبَلَ أَبُو سَعْدٍ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ نَوْفَلٌ قَامِئًا ، فَقَالَ يَا أَبَا سَعْدٍ أَنْعِمْ صَبَاحًا . فَقَالَ لَا أَنْعَمَ اللّهُ لَك صَبَاحًا ، وَسَلّ سَيْفَهُ . وَقَالَ وَرَبّ هَذَا الْبَيْتِ لَئِنْ لَمْ تَرُدّ عَلَى ابْنِ أُخْتِي أَرْكَاحَهُ لَأُمَكّنَن مِنْك هَذَا السّيْفَ . فَقَالَ رَدَدْتهَا عَلَيْهِ . فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَشَايِخَ قُرَيْشٍ . ثُمّ نَزَلَ عَلَى شَيْبَةَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثًا . ثُمّ اعْتَمَرَ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ : وَيَأْبَى مَازِنٌ وَأَبُو عَدِيّ وَدِينَارُ بْنُ تَيْمِ اللّهِ ضَيْمِي بِهِمْ رَدّ الْإِلَهُ عَلَيّ رُكْحِي وَكَانُوا فِي انْتِسَابٍ دُونَ قَوْمِي فَلَمّا جَرَى ذَلِكَ حَالَفَ نَوْفَلُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَحَالَفَتْ بَنُو هَاشِمٍ : خُزَاعَةَ عَلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ . فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَتْحِ مَكّةَ . كَمَا سَيَأْتِي . فَلَمّا رَأَتْ خُزَاعَةُ نَصْرَ بَنِي النّجّارِ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالُوا : نَحْنُ وَلَدْنَاهُ كَمَا وَلَدْتُمُوهُ فَنَحْنُ أَحَقّ بِنَصْرِهِ . وَذَلِكَ أَنّ أُمّ عَبْدِ مَنَافٍ مِنْهُمْ . فَدَخَلُوا دَارَ النّدْوَةِ وَتَحَالَفُوا وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا . عَبْدُ اللّهِ وَالِدُ رَسُولِ اللّهِ وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ وَالِدُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ الذّبِيحُ . وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِب ِ أُمِرَ فِي الْمَنَامِ بِحَفْرِ زَمْزَمَ . وَوُصِفَ لَهُ مَوْضِعُهَا . وَكَانَتْ جُرْهُم قَدْ غَلَبَتْ آلَ إسْمَاعِيلَ عَلَى مَكّةَ ، وَمَلَكُوهَا زَمَانًا طَوِيلًا . ثُمّ أَفْسَدُوا فِي حَرَمِ اللّهِ . فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ حَرْبٌ وَخُزَاعَةُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، مِنْ أَهْلِ سَبَأٍ . وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ بَنُو إسْمَاعِيلَ . فَغَلَبَتْهُمْ خُزَاعَةُ . وَنَفَتْ جُرْهُمًا مِنْ مَكّةَ . وَكَانَتْ جُرْهُمٌ قَدْ دَفَنَتْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، وَالْمَقَامَ وَبِئْرَ زَمْزَمَ . وَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ عَلَى مَكّةَ . وَرَجَعَ إلَيْهِ مِيرَاثُ قُرَيْشٍ . فَأَنْزَلَ بَعْضَهُمْ دَاخِلَ مَكّةَ - وَهُمْ قُرَيْشُ الْأَبَاطِحِ - و بَعْضَهُمْ خَارِجَهَا - وَهُمْ قُرَيْشُ الظّوَاهِرِ - فَبَقِيَتْ زَمْزَمُ مَدْفُونَةً إلَى عَصْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَرَأَى فِي الْمَنَامِ مَوْضِعَهَا . فَقَامَ يَحْفِرُ فَوَجَدَ فِيهَا سُيُوفًا مَدْفُونَةً وَحُلِيّا ، وَغَزَالًا مِنْ ذَهَبٍ مُشَنّفًا بِالدّرّ . فَعَلّقَهُ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ عَلَى الْكَعْبَةِ . وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا وَلَدُهُ الْحَارِثُ . فَنَازَعَتْهُ قُرَيْشٌ ، وَقَالُوا لَهُ أَشْرِكْنَا ، فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . هَذَا أَمْرٌ خُصِصْت بِهِ . فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أَحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ . <40> فَنَذَرَ حِينَئِذٍ عَبْدَ الْمُطّلِب ِ : لَئِنْ آتَاهُ اللّهُ عَشَرَةَ أَوْلَادٍ وَبَلَغُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ لَيَنْحَرَن أَحَدَهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا تَمّوا عَشَرَةً . وَعَرَفَ أَنّهُمْ يَمْنَعُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ فَأَطَاعُوهُ . وَكَتَبَ كُلّ مِنْهُمْ اسْمَهُ فِي قَدَحٍ . وَأَعْطَوْهَا الْقِدَاحَ قَيّمَ هُبَلَ - وَكَانَ الّذِي يُجِيلُ الْقِدَاحَ - فَخَرَجَ الْقَدَحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ . وَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْمُدْيَةَ لِيَذْبَحَهُ . فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ نَادِيهَا فَمَنَعُوهُ . فَقَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِنَذْرِي ؟ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ مَكَانَهُ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ . فَأُقْرِعَ بَيْنَ عَبْدِ اللّهِ وَبَيْنَهَا . فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ . فَاغْتَمّ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ ، ثُمّ لَمْ يَزَلْ عَشْرًا عَشْرًا ، وَلَا تَقَعُ الْقُرْعَةُ إلّا عَلَيْهِ إلَى أَنْ بَلَغَ مِائَةً . فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْإِبِلِ . فَنُحِرَتْ عَنْهُ . فَجَرَتْ سُنّةٌ وَرُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَنَا ابْنُ الذّبِيحَيْنِ يَعْنِي إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَبَاهُ عَبْدُ اللّهِ . ثُمّ تَرَكَ عَبْدُ الْمُطّلِب ِ الْإِبِلَ لَا يَرُدّ عَنْهَا إنْسَانًا وَلَا سَبُعًا . فَجَرَتْ الدّيَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَقَرّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ . وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ زَمْزَمَ سُقِيَا الْخَلِيلِ وَابْنِهِ الْمُكَرّمِ جِبْرِيلُ الّذِي لَمْ يُذَمّمْ شِفَاءَ سُقُمٍ وَطَعَامُ مُطْعِمِ أَبُو طَالِبٍ عَمّ رَسُولِ اللّهِ وَأَمّا أَبُو طَالِبٍ فَهُوَ الّذِي يَتَوَلّى تَرْبِيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَعْدِ جَدّهِ كَمَا تَقَدّمَ وَرَقّ عَلَيْهِ رِقّةً شَدِيدَةً . وَكَانَ يُقَدّمُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : قَامَ أَبُو طَالِبٍ - مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ مَوْلِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى السّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ النّبُوّةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ - يَحُوطُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَيَذُبّ عَنْهُ . وَيَلْطُفُ بِهِ . وَقَالَ أَبُومُحَمّدِ بْنُ قُدَامَةَ : كَانَ يُقِرّ بِنُبُوّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارٌ . مِنْهَا : <41> أَلَا أَبْلِغَا عَنّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا لُؤَيّا . وَخُصّا مِنْ لُؤَيّ بَنِي كَعْبٍ بِأَنّا وَجَدْنَا فِي الْكِتَابِ مُحَمّدًا نَبِيّا كَمُوسَى ، خُطّ فِي أَوّلِ الْكُتُبِ وَأَنّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبّةً وَلَا خَيْرَ مِمّنْ خَصّهُ اللّهُ بِالْحُبّ وَمِنْهَا : تَعَلّمْ خِيَارَ النّاسِ أَنّ مُحَمّدًا وَزِيرًا لِمُوسَى وَالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا فَإِنّ طَرِيقَ الْحَقّ لَيْسَ بِمُظْلِمٍ وَلَكِنّهُ أَبَى أَنْ يَدِينَ بِذَلِكَ خَشْيَةَ الْعَارِ . وَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ . دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ - فَقَالَ يَا عَمّ قُلْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ كَلِمَةً أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْدَ اللّهِ فَقَالَا لَهُ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَلْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَدّدُهَا عَلَيْهِ وَهُمَا يُرَدّدَانِ عَلَيْهِ حَتّى كَانَ آخِرَ كَلِمَةٍ قَالَهَا هُوَ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 9 : 113 ) مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 38 : 56 ) إِنّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ - الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ رَثَاهُ وَلَدُهُ عَلِيّ بِأَبْيَاتٍ مِنْهَا : أَرَقْت لِطَيْرٍ آخِرَ اللّيْلِ غَرّدَا يَذْكُرُنِي شَجْوًا عَظِيمًا مُجَدّدَا أَبَا طَالِبٍ مَأْوَى الصّعَالِيكِ ذَا النّدَى جَوَادًا إذَا مَا أَصْدَرَ الْأَمْرَ أَوْرَدَا فَأَمْسَتْ قُرَيْشٌ يَفْرَحُونَ بِمَوْتِهِ وَلَسْت أَرَى حَيّا يَكُونُ مُخَلّدَا أَرَادُوا أُمُورًا زَيّفَتْهَا حُلُومُهُمْ سَتُورِدُهُمْ يَوْمًا مِنْ الْغَيّ مَوْرِدَا يَرْجُونَ تَكْذِيبَ النّبِيّ وَقَتْلَهُ وَأَنْ يُفْتَرَى قِدَمًا عَلَيْهِ وَيَجْحَدَا كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ حَتّى نُذِيقَكُمْ صُدُورَ الْعَوَالِي وَالْحُسَامِ الْمُهَنّدَا خَلّفَ أَبُو طَالِبٍ أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ وَابْنَتَيْنِ . فَالذّكُورُ طَالِبٌ وَعُقَيْلٌ وَجَعْفَرٌ وَعَلِيّ ، وَبَيْنَ كُلّ وَاحِدٍ عَشْرُ سِنِينَ . فَطَالِبٌ أَسَنّهُمْ ثُمّ عُقَيْلٌ ثُمّ جَعْفَرٌ ثُمّ عَلِيّ . فَأَمّا طَالِبٌ فَأَخْرَجَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ كُرْهًا . فَلَمّا انْهَزَمَ الْكُفّارُ طَلَبَ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْقَتْلَى ، وَلَا فِي الْأَسْرَى ، وَلَا رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ . وَأَمّا عُقَيْلٌ فَأَسَرّ ذَلِكَ الْيَوْمَ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ . فَفَدَاهُ عَمّهُ الْعَبّاسُ . ثُمّ رَجَعَ إلَى مَكّةَ . فَأَقَامَ بِهَا إلَى السّنَةِ الثّامِنَةِ . ثُمّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَشَهِدَ مُؤْتَةَ مَعَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ . وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : « وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عُقَيْلٌ مِنْ مَنْزِلٍ ؟ » ( ) <42> وَاسْتَمَرّتْ كَفَالَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولٍ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَلَمّا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً - وَقِيلَ تِسْعًا خَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ فَرَآهُ بُحَيْرِيّ الرّاهِبُ وَأَمَرَ عَمّهُ أَنْ لَا يَقْدَمَ بِهِ إلَى الشّامِ ، خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْيَهُودِ . فَبَعَثَهُ عَمّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إلَى الْمَدِينَةِ . وَوَقَعَ فِي التّرْمِذِيّ ( ) " أَنّهُ بَعَثَ مَعَهُ بِلَالًا " وَهُوَ غَلَطٌ وَاضِحٌ . فَإِنّ بَلَالًا إذْ ذَلِكَ لَعَلّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا . خُرُوجُهُ إلَى الشّامِ وَزَوَاجُهُ خَدِيجَةَ فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَرَجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَةٍ لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ غُلَامُهَا . فَوَصَلَ بُصْرَى . ثُمّ رَجَعَ فَتَزَوّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ . وَهِيَ أَوّلُ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا ، وَأَوّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ . وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا . وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ " أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السّلَامَ مِنْ رَبّهَا وَيُبَشّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ مِنْ قُصْبٍ " ( ) . تَحَنّثُهُ فِي غَارِ حِرَاءٍ ثُمّ حُبّبَ إلَيْهِ الْخَلَاءُ . وَالتّعَبّدُ لِرَبّهِ فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَعَبّدُ فِيهِ . وَبُغِضَتْ إلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ . فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . وَأَنْبَتَهُ اللّهُ نَبَاتًا حَسَنًا ، حَتّى كَانَ أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ، وَأَعَزّهُمْ جِوَارًا ، وَأَعْظَمَهُمْ حُلْمًا ، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا . وَأَحْفَظَهُمْ لِأَمَانَةٍ . حَتّى سَمّاهُ قَوْمُهُ " الْأَمِينَ " لِمَا جَمَعَ اللّهُ فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الصّالِحَةِ . وَالْخِصَالِ الْكَرِيمَةِ الْمَرْضِيّةِ . بِنَاءُ الْكَعْبَةِ وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً قَامَتْ قُرَيْشٌ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ حِينَ تَضَعْضَعَتْ . <43> قَالَ أَهْلُ السّيَرِ كَانَ أَمْرُ الْبَيْتِ - بَعْدَ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ - إلَى وَلَدِهِ ثُمّ غَلَبَتْ جُرْهُمٌ عَلَيْهِ . فَلَمْ يَزَلْ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى اسْتَحَلّوا حُرْمَتَهُ . وَأَكَلُوا مَا يُهْدَى إلَيْهِ . وَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَ مَكّةَ ثُمّ وُلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ بَعْدَهُمْ إلّا أَنّهُ كَانَ إلَى قَبَائِلَ مِنْ مُضَرَ ثَلَاثُ خِلَالٍ- الْإِجَازَةُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ يَوْمَ الْحَجّ إلَى مُزْدَلِفَةَ ، تُجِيزُهُمْ صُوفَةُ . وَالثّانِيَةُ الْإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ ، غَدَاةَ النّحْرِ إلَى مِنًى . وَكَانَ ذَلِكَ إلَى يَزِيدَ بْنِ عُدْوَانَ ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ وَلِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو سَيّارَةَ . وَالثّالِثَةُ إنْسَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . وَكَانَ إلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ ثُمّ صَارَ إلَى جُنَادَةَ بْنِ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً جَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ . وَكَانُوا يَهُمّونَ بِذَلِكَ لِيَسْقُفُوهَا ، وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا ، وَإِنّمَا كَانَتْ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا . وَذَلِكَ أَنّ قَوْمًا سَرَقُوا كَنْزَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ . وَكَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى سَفِينَةً إلَى جِدّةَ لِرَجُلٍ مِنْ تُجّارِ الرّومِ ، فَتَحَطّمَتْ . فَأَخَذُوا خَشَبَهَا فَأَعَدّوهُ لِسُقُفِهَا . وَكَانَ بِمَكّةَ رَجُلٌ قِبْطِيّ نَجّارٌ . فَهَيّأَ لَهُمْ بَعْضَ مَا كَانَ يُصْلِحُهَا . وَكَانَتْ حَيّةٌ تَخْرُجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الّتِي كَانَ يُطْرَحُ فِيهِ مَا يُهْدَى لَهَا كُلّ يَوْمٍ فَتَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَتْ مِمّا يَهَابُونَ . وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إلّا اخْزَأَلّتْ وَكَشّتْ وَفَتَحَتْ فَاهَا . فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ تَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ ، بَعَثَ اللّهُ إلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا . فَذَهَبَ بِهَا . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللّهُ قَدْ رَضِيَ مَا أَرَدْنَا . عِنْدَنَا عَامِلٌ رَفِيقٌ وَعِنْدَنَا خُشُبٌ . وَقَدْ كَفَانَا اللّهُ الْحَيّةَ . فَلَمّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا : قَامَ أَبُو وَهْبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّ فَتَنَاوَلَ مِنْ الْكَعْبَةِ حَجَرًا . فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، لَا تَدْخُلُوا فِي بُنْيَانِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طِيبًا ، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَهْرُ بَغِيّ وَلَا بَيْعُ رِبًا . وَلَا مَظْلِمَةُ أَحَدٍ مِنْ النّاسِ . ثُمّ إنّ قُرَيْشًا تَجَزّأَتْ الْكَعْبَةَ . فَكَانَ شِقّ الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ . وَمَا بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيّ - 44ْ - لِبَنِي مَخْزُومٍ . وَقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَافَتْ إلَيْهِمْ . وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ : لِبَنِي جُمَحَ وَبَنِيّ سَهْمٍ . وَكَانَ شِقّ الْحَجَرِ : لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَلِبَنِي عَدِيّ . وَهُوَ الْحَطِيمُ . ثُمّ إنّ النّاسَ هَابُوا هَدْمَهَا . فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ . ثُمّ قَامَ عَلَيْهَا . وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ لَا تُرَعْ - أَوْ لَمْ نَزِغْ - اللّهُمّ إنّا لَا نُرِيدُ إلّا الْخَيْرَ . ثُمّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرّكْنَيْنِ . فَتَرَبّصَ النّاسُ تِلْكَ اللّيْلَةَ . وَقَالُوا : إنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا . وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَإِلّا فَقَدْ رَضِيَ اللّهُ مَا صَنَعْنَا . فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ . فَهَدَمَ وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ . حَتّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ - أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ - أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسِنّةِ أَخَذَ بَعْضَهَا بَعْضًا . فَأَدْخَلَ بَعْضُهُمْ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيُقْلِعَ أَحَدَهُمَا . فَلَمّا تَحَرّكَ الْحَجَرُ : انْتَفَضَتْ مَكّةُ بِأَسْرِهَا . فَانْتَهَوْا عِنْدَ ذَلِكَ الْأَسَاسِ . ثُمّ إنّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتْ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا ، كُلّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ . ثُمّ بَنَوْهَا . حَتّى بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . فَاخْتَصَمُوا فِيهِ كُلّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ حَتّى تَحَاوَرُوا وَتَخَالَفُوا وَأَعَدّوا لِلْقِتَالِ فَقَرّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَة دَمًا . تَعَاهَدُوا - هُمْ وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ - عَلَى الْمَوْتِ وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدّمِ . فَسُمّوا " لَعَقَةَ الدّمِ " فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ . أَوْ خَمْسًا . ثُمّ إنّهُمْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ . فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا . فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرّوَايَةِ أَنّ أَبَا أُمَيّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيّ - وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَسَنّ قُرَيْشٍ كُلّهِمْ - قَالَ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ . فَفَعَلُوا . فَكَانَ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا " هَذَا الْأَمِينُ رَضِينَا بِهِ هَذَا مُحَمّدٌ " فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلُمّ إلَيّ ثَوْبًا " فَأُتِيَ بِهِ . فَأَخَذَ الرّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ . ثُمّ قَالَ لِتَأْخُذ كُلّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الثّوْبِ . ثُمّ ارْفَعُوا جَمِيعًا " فَفَعَلُوا ، حَتّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ بَنَى عَلَيْهِ . <45> وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ . وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلُبِطَ بِهِ - أَيْ طَاحَ عَلَى وَجْهِهِ - وَنُودِيَ " اُسْتُرْ عَوْرَتَك " فَمَا رُئِيَتْ لَهُ عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ( ) . فَلَمّا بَلَغُوا خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا سَقّفُوهُ عَلَى سِتّةِ أَعْمِدَةٍ . وَكَانَ الْبَيْتُ يُكْسَى الْقَبَاطِيّ . تَمّ كُسِيَ الْبُرُودَ . وَأَوّلُ مَنْ كَسَاهُ الدّيبَاجَ الْحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ . وَأَخْرَجَتْ قُرَيْشٌ الْحَجَرَ لِقِلّةِ نَفَقَتِهِمْ . وَرَفَعُوا بَابَهَا عَنْ الْأَرْضِ لِئَلّا يَدْخُلَهَا إلّا مَنْ أَرَادُوا . وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ لَا يُرِيدُونَ دُخُولَهُ تَرَكُوهُ حَتّى يَبْلُغَ الْبَابَ ثُمّ يَرْمُونَهُ . فَلَمّا بَلَغَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ بَعَثَهُ اللّهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا . بَعْضُ مَا ك | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 3:59 am | |
| الثّانِي : مَا كَانَ الْمَلَكُ يُلْقِيهِ فِي رَوْعِهِ - أَيْ قَلْبِهِ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ رُوحَ الْقُدُسِ نُفِثَ فِي رَوْعِي : أَنّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا ، فَاتّقُوا اللّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللّهِ . فَإِنّ مَا عِنْدَ اللّهِ لَا يَنَالُ إلّا بِطَاعَتِهِ الثّالِثُ أَنّ الْمَلَكَ يَتَمَثّلُ لَهُ رَجُلًا فَيُخَاطِبُهُ . وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصّحَابَةُ أَحْيَانًا . الرّابِعُ أَنّهُ كَانَ يَأْتِيهِ مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدّ عَلَيْهِ . فَيَلْتَبِسُ بِهِ الْمَلَكُ . حَتّى إنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشّدِيدِ الْبَرْدِ . وَحَتّى إنّ رَاحِلَتَهُ لَتَبْرُكُ بِهِ إلَى الْأَرْضِ وَجَاءَهُ مَرّةً وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَكَادَتْ تُرَضّ . الْخَامِسُ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي الصّورَةِ الّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا . فَيُوحِي إلَيْهِ مَا شَاءَ اللّهُ وَهَذَا وَقَعَ مَرّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ النّجْمِ . السّادِسُ مَا أَوْحَاهُ اللّهُ لَهُ فَوْقَ السّمَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصّلَاةِ وَغَيْرِهَا . قَالَ ابْنُ الْقَيّمِ رَحِمَهُ اللّهُ أَوّلُ مَا أَوْحَى إلَيْهِ رَبّهُ أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ رَبّهِ الّذِي خَلَقَ . وَذَلِكَ أَوّلُ نُبُوّتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالتّبْلِيغِ . ثُمّ أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ فَنَبّأَهُ بِاقْرَأْ وَأَرْسَلَهُ بـِ يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ ثُمّ أَمَرَهُ أَنْ <52> يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ . ثُمّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ . ثُمّ أَنْذَرَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ . ثُمّ أَنْذَرَ الْعَرَبَ قَاطِبَةً . ثُمّ أَنْذَرَ الْعَالَمِينَ . فَأَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يُنْذِرُ بِالدّعْوَةِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا جِزْيَةٍ . وَيَأْمُرهُ اللّهُ بِالْكَفّ وَالصّبْرِ . ثُمّ أَذِنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ . ثُمّ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ وَيَكُفّ عَمّنْ لَمْ يُقَاتِلْهُ . ثُمّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتّى يَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ . أَوّلُ مَنْ آمَنَ وَلَمّا دَعَا إلَى اللّهِ اسْتَجَابَ لَهُ عِبَادٌ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ . فَكَانَ حَائِزُ السّبْقِ صِدّيقُ الْأُمّةِ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَوَازَرَهُ فِي دِينِ اللّهِ . وَدَعَا مَعَهُ إلَى اللّهِ . فَاسْتَجَابَ لِأَبِي بَكْرٍ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . وَبَادَرَ إلَى اسْتِجَابَتِهِ أَيْضًا صِدّيقَةُ النّسَاءِ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا . وَبَادَرَ إلَى الْإِسْلَامِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَكَانَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَقِيلَ أَكْثَرُ إذْ كَانَ فِي كِفَالَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَهُ مِنْ عَمّهِ . شَأْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَبَادَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حِبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ غُلَامًا لِخَدِيجَةَ فَوَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا تَزَوّجَهَا . وَقَدِمَ أَبُوهُ حَارِثَةَ وَعَمّهُ فِي فِدَائِهِ . فَقَالَا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا ابْنَ سَيّدِ قَوْمِهِ أَنْتُمْ أَهْلُ حَرَمِ اللّهِ وَجِيرَانُهُ تَفُكّونَ الْعَانِيَ وَتُطْعِمُونَ الْأَسِيرَ . جِئْنَاك فِي ابْنِنَا عَبْدِك فَأَحْسِنْ لَنَا فِي فِدَائِهِ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَهَلْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ أَدْعُوهُ فَأُخَيّرُهُ فَإِنْ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ . وَإِنْ اخْتَارَنِي : فَوَاَللّهِ مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي " قَالُوا : قَدْ زِدْتنَا عَلَى النّصْفِ وَأَحْسَنْت . فَدَعَاهُ . فَقَالَ " هَلْ تَعْرِفُ هَؤُلَاءِ ؟ " قَالَ نَعَمْ أَبِي وَعَمّي . قَالَ " فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْت وَقَدْ رَأَيْت صُحْبَتِي لَك . فَاخْتَرْنِي ، أَوْ اخْتَرْهُمَا " فَقَالَ مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَيْك أَحَدًا . أَنْتَ مَكَان أَبِي وَعَمّي . فَقَالَا : وَيْحَك يَا زَيْدُ أَتَخْتَارُ الْعُبُودِيّةَ عَلَى الْحُرّيّةِ . وَعَلَى أَبِيك وَعَمّك ، وَأَهْلِ بَيْتِك ؟ قَالَ نَعَمْ قَدْ رَأَيْت مِنْ هَذَا الرّجُلِ شَيْئًا ، مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَيْهِ أَحَدًا أَبَدًا . فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ خَرَجَ إلَى الْحَجَرِ . فَقَالَ " أَشْهَدُ أَنّ زَيْدًا ابْنِي ، أَرِثُهُ وَيَرِثُنِي فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ وَعَمّهُ طَابَتْ نَفُوسُهُمَا . فَانْصَرَفَا . وَدُعِيَ زَيْدُ بْنُ مُحَمّدٍ حَتّى جَاءَ <53> اللّهُ بِالْإِسْلَامِ فَنَزَلَتْ ( 33 : 5 ) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ قَالَ الزّهْرِيّ : مَا عَلِمْنَا أَحَدًا أَسْلَمَ قَبْلَ زَيْدٍ . وَأَسْلَمَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ . وَفِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ " أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ وَدَخَلَ النّاسُ فِي دِينِ اللّهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ . وَقُرَيْشٌ لَا تُنْكِرُ ذَلِكَ حَتّى بَادَأَهُمْ بِعَيْبِ دِينِهِمْ وَسَبّ آلِهَتِهِمْ وَأَنّهَا لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ . فَحِينَئِذٍ شَمّرُوا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ عَنْ سَاقِ الْعَدَاوَةِ . فَحَمَى اللّهُ رَسُولَهُ بِعَمّهِ أَبِي طَالِبٍ . لِأَنّهُ كَانَ شَرِيفًا مُعَظّمًا . وَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ بَقَاؤُهُ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الّتِي تَبْدُو لِمَنْ تَأَمّلَهَا . وَأَمّا أَصْحَابُهُ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ امْتَنَعَ بِعَشِيرَتِهِ وَسَائِرُهُمْ تَصُدّوا لَهُ بِالْأَذَى وَالْعَذَابِ . مِنْهُمْ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأُمّهُ سُمَيّةُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ . عُذّبُوا فِي اللّهِ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا مَرّ بِهِمْ - وَهُمْ يُعَذّبُونَ - يَقُولُ صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ . فَإِنّ مَوْعِدَكُمْ الْجَنّةُ سُمَيّةُ أَوّلُ شَهِيدَةٍ وَمَرّ أَبُو جَهْلٍ بِسُمَيّةَ - أُمّ عَمّارٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - وَهِيَ تُعَذّبُ وَزَوْجُهَا وَابْنُهَا . فَطَعَنَهَا بِحَرْبَةٍ فِي فَرْجِهَا فَقَتَلَهَا . وَكَانَ الصّدّيقُ إذَا مَرّ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَبِيدِ يُعَذّبُ اشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ . مِنْهُمْ بِلَالٌ . فَإِنّهُ عُذّبَ فِي اللّهِ أَشَدّ الْعَذَابِ . وَمِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَجَارِيَةٌ لِبَنِي عَدِيّ كَانَ عُمَرُ يُعَذّبُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ . فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ - عُثْمَانُ بْنُ عَامِرٍ - لِابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ يَا بُنَيّ أَرَاك تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا . فَلَوْ أَعْتَقْت قَوْمًا جَلْدًا يَمْنَعُونَك ؟ فَقَالَ إنّي أُرِيدُ <54> مَا أُرِيدُ . وَكَانَ بِلَالٌ كُلّمَا اشْتَدّ بِهِ الْعَذَابُ يَقُولُ أَحَدٌ ، أَحَدٌ . ابْتِدَاءُ الدّعْوَةِ وَقَالَ الزّهْرِيّ : لَمّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ أَتَى جَمَاعَةٌ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ إلَى مَنْ آمَنَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ فَعَذّبُوهُمْ وَسَجَنُوهُمْ وَأَرَادُوا أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ . قَالَ التّرْمِذِيّ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَغَيْرُهُمْ . قَالُوا " قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا " . تَمّ أَعْلَنَ فِي الرّابِعَةِ . فَدَعَا النّاسُ عَشْرَ سِنِينَ يُوَافِي الْمَوَاسِمَ كُلّ عَامٍ يَتّبِعُ النّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ . وَفِي الْمَوَاسِمِ بِعُكَاظٍ وَمَجَنّةَ ، وَذِي الْمَجَازِ يَدْعُوهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ حَتّى يُبَلّغَ رِسَالَاتِ رَبّهِ . وَلَهُمْ الْجَنّةُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَنْصُرُهُ وَيَحْمِيهِ . حَتّى لِيَسْأَلَ عَنْ الْقَبَائِلِ وَمَنَازِلِهَا قَبِيلَةً قَبِيلَةً فَيَقُولُ أَيّهَا النّاسُ قُولُوا لَا إلَهَ إلّا اللّهُ تَفْلَحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ . فَإِذَا مُتّمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِي الْجَنّةِ وَأَبُو لَهَبٍ وَرَاءَهُ يَقُولُ لَا تُطِيعُوهُ . فَإِنّهُ صَابِئٌ كَذّابٌ . فَيَرُدّونَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَحَ الرّدّ . وَيُؤْذُونَهُ وَيَقُولُونَ عَشِيرَتُك أَعْلَمُ بِك حَيْثُ لَمْ يَتّبِعُوك . وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ لَوْ شِئْت لَمْ يَكُونُوا هَكَذَا وَلَمّا نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 36 : 214 ) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صَعِدَ الصّفَا فَنَادَى وَاصَبَاحَاه فَلَمّا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ قَالَ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنّ خَيْلًا تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ عَلَيْكُمْ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدّقِيّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ مَا جَرّبْنَا عَلَيْك كَذِبًا . قَالَ فَإِنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبّا لَك ، مَا جَمَعْتنَا إلّا لِهَذَا ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ قَوْلَهُ تَعَالَى تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ قَالَ ابْنُ الْقَيّمِ رَحِمَهُ اللّهُ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى اللّهِ مُسْتَخْفِيًا ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمّ نَزَلَ عَلَيْهِ ( 15 : 94 ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَوّلُ دَمٍ أُهْرِيقَ وَفِي السّنَةِ الرّابِعَةِ ضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَشَجّهُ . وَذَلِكَ أَنّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي الشّعَابِ فَيُصَلّونَ فِيهَا . فَرَآهُمْ رَجُلٌ مِنْ الْكُفّارِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ . فَسَبّوهُمْ . وَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ رَجُلًا مِنْهُمْ فَسَالَ دَمُهُ . فَكَانَ أَوّلَ دَمٍ أُهْرِيقَ فِي الْإِسْلَامِ . اسْتِهْزَاءُ الْمُشْرِكِينَ <55> وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَلَسَ وَحَوْلَهُ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ - مِثْلُ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَخَبّابِ بْنِ الْأَرَتّ ، وَصُهَيْبٍ الرّومِيّ وَبِلَالٍ وَأَشْبَاهِهِمْ - فَإِذَا مَرّتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ اسْتَهْزَءُوا بِهِمْ وَقَالُوا : أَهَؤُلَاءِ - جُلَسَاؤُهُ - قَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 6 : 53 ) أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ وَفِيهِمْ نَزَلَ ( 16 : 41 ) وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَاَللّهِ لَئِنْ رَأَيْت مُحَمّدًا يُصَلّي لَأَطَأَن عَلَى رَقَبَتِهِ . فَبَلَغَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ يُصَلّي ، فَأَتَاهُ . فَقَالَ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ الصّلَاةِ ؟ فَانْتَهَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَتَنْتَهِرُنِي ، وَأَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ ) فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 96 : 9 ، 10 ) أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلّى وَفِي بَعْضِ الرّوَايَاتِ أَنّهُ قَالَ أَلَمْ أَنْهَكَ ؟ فَوَاَللّهِ مَا فِي مَكّةَ أَعَزّ مِنْ نَادِي . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ " يُعَفّرُ مُحَمّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ وَاللّاتِ وَالْعُزّى ، لَئِنْ رَأَيْته لَأَطَأَن عَلَى رَقَبَتِهِ . فَأَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُصَلّي ، وَزَعَمَ لَيَطَأَن رَقَبَته ، فَمَا فَجْأَهُمْ إلّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتّقِي بِيَدَيْهِ . وَقَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقٌ مِنْ نَارٍ وَهَوْلٌ وَأَجْنِحَةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ دَنَا مِنّي لَاخْتَطَفْته الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى - لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَ شَيْءٌ بَلَغَهُ - ( 96 : 6 ، 7 ) كَلّا إِنّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى الْهِجْرَةُ الْأُولَى إلَى الْحَبَشَةِ وَفِي السّنَةِ الْخَامِسَةِ أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ لَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْعَذَابُ وَالْأَذَى . وَقَالَ إنّ فِيهَا رَجُلًا لَا يُظْلَمُ النّاسُ عِنْدَهُ وَكَانَتْ الْحَبَشَةُ مَتْجَرَ قُرَيْشٍ . وَكَانَ أَهْلُ هَذِهِ الْهِجْرَةِ الْأُولَى : اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهَا : عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَسَتَرَ قَوْمٌ إسْلَامَهُمْ . وَمِمّنْ خَرَجَ الزّبَيْرُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو سَلَمَةَ وَامْرَأَتُهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . خَرَجُوا مُتَسَلّلِينَ سِرّا ، فَوَفّقَ اللّهُ لَهُمْ سَاعَةَ وُصُولِهِمْ إلَى السّاحِلِ <56> سَفِينَتَيْنِ لِلتّجّارِ . فَحَمَلُوهُمْ إلَى الْحَبَشَةِ . وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي آثَارِهِمْ حَتّى جَاءُوا الْبَحْرَ . فَلَمْ يُدْرِكُوا مِنْهُمْ أَحَدًا . وَكَانَ خُرُوجُهُمْ فِي رَجَبٍ . فَأَقَامُوا بِالْحَبَشَةِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ . ثُمّ رَجَعُوا إلَى مَكّةَ فِي شَوّالٍ لَمّا بَلَغَهُمْ أَنّ قُرَيْشًا صَافُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَفّوا عَنْهُ . وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرَأَ سُورَةَ النّجْمِ . فَلَمّا بَلَغَ ( 53 : 18 ، 19 ) أَفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَالْعُزّى وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنّ شَفَاعَتَهُنّ لَتُرْتَجَى فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ . وَقَدْ عَلِمْنَا أَنّ اللّهَ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَكِنّ آلِهَتَنَا تَشْفَعُ عِنْدَهُ . فَلَمّا بَلَغَ السّجْدَةَ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ كُلّهُمْ . إلّا شَيْخًا مِنْ قُرَيْشٍ . رَفَعَ إلَى جَبْهَتِهِ كَفّا مِنْ حَصَى فَسَجَدَ عَلَيْهِ . وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا . فَحَزِنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حُزْنًا شَدِيدًا ، وَخَافَ مِنْ اللّهِ خَوْفًا عَظِيمًا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 22 : 52 - 55 ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيّ إِلّا إِذَا تَمَنّى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي أُمْنِيّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ - الْآيَاتِ وَلَمّا اسْتَمَرّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى سَبّ آلِهَتِهِمْ عَادُوا إلَى شَرّ مِمّا كَانُوا عَلَيْهِ وَازْدَادُوا شِدّةً عَلَى مَنْ أَسْلَمَ . الْهِجْرَةُ الثّانِيَةُ إلَى الْحَبَشَةِ فَلَمّا قَرُبَ مُهَاجَرَةُ الْحَبَشَةِ مِنْ مَكّةَ ، وَبَلَغَهُمْ أَمْرَهُمْ تَوَقّفُوا عَنْ الدّخُولِ . ثُمّ دَخَلَ كُلّ رَجُلٍ فِي جِوَارِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ . ثُمّ اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ وَالْعَذَابُ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَطَتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ وَصَعُبَ عَلَيْهِمْ مَا بَلَغَهُمْ عَنْ النّجَاشِيّ مِنْ حُسْنِ جِوَارِهِ . فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْحَبَشَةِ مَرّةً ثَانِيَةً . فَخَرَجُوا . وَكَانَ عِدّةُ مَنْ خَرَجَ فِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا - إنْ كَانَ فِيهِمْ عَمّارُ ابْنُ يَاسِرٍ - وَمِنْ النّسَاءِ تِسْعَةَ عَشَرَ امْرَأَةً . <57> فَلَمّا سَمِعُوا بِمُهَاجِرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ : رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا ، وَمِنْ النّسَاءِ ثَمَانٌ . وَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكّةَ . وَحُبِسَ سَبْعَةٌ . وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا . كِتَابُ رَسُولِ اللّهِ إلَى النّجَاشِيّ يُزَوّجُهُ أُمّ حَبِيبَةَ فَلَمّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ . كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا إلَى النّجَاشِيّ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ . وَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُزَوّجَهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ . وَكَانَتْ مُهَاجِرَةً زَوْجَهَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ . فَتَنَصّرَ هُنَاكَ وَمَاتَ نَصْرَانِيّا . وَكَتَبَ إلَيْهِ أَيْضًا : أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ . فَلَمّا قَرَأَ الْكِتَابَ أَسْلَمَ . وَقَالَ لَوْ قَدَرْت أَنْ آتِيَهُ لَأَتَيْته . وَزَوّجَهُ أُمّ حَبِيبَةَ وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ . وَحَمَلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِهِ فِي سَفِينَتَيْنِ . فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ وَقَدْ فَتَحَهَا . بَعْثُ قُرَيْشٍ إلَى النّجَاشِيّ تَطْلُبُ إرْجَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمّا كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي دَارِ النّدْوَةِ . وَقَالُوا : إنّ لَنَا فِي الّذِينَ عِنْدَ النّجَاشِيّ ثَأْرًا . فَاجْمَعُوا مَالًا . وَاهْدُوهُ إلَى النّجَاشِيّ ، لَعَلّهُ يَدْفَعُ إلَيْكُمْ مَنْ عِنْدَهُ وَلِتَنْتَدِب لِذَلِكَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ رَأْيِكُمْ . فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ مَعَ الْهَدْيِ . فَرَكِبَا الْبَحْرَ . فَلَمّا دَخَلَا ، عَلَى النّجَاشِيّ سَجَدَا ، وَسَلّمَا عَلَيْهِ . وَقَالَا : قَوْمًا لَك نَاصِحُونَ . وَإِنّهُمْ بَعَثُونَا إلَيْك لِنُحَذّرَك هَؤُلَاءِ الّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْك لِأَنّهُمْ قَوْمٌ اتّبَعُوا رَجُلًا كَذّابًا . خَرَجَ فِينَا يَزْعُمُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَلَمْ يَتّبِعْهُ إلّا السّفَهَاءُ فَضَيّقْنَا عَلَيْهِمْ وَأَلْجَأْنَاهُمْ إلَى شِعْبٍ بِأَرْضِنَا ، لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ . فَقَتَلَهُمْ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ . فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ بَعَثَ إلَيْك ابْنَ عَمّهِ لِيُفْسِدَ عَلَيْك دِينَك وَمُلْكَك . فَاحْذَرْهُمْ . وَادْفَعْهُمْ إلَيْنَا لِنَكْفِيَكَهُمْ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنّهُمْ إذَا دَخَلُوا عَلَيْك لَا يَسْجُدُونَ لَك ، وَلَا يُحَيّونَك بِالتّحِيّةِ الّتِي تُحَيّي بِهَا ، رَغْبَةً عَنْ دِينِك . فَدَعَاهُمْ النّجَاشِيّ . فَلَمّا حَضَرُوا . صَاحَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْبَابِ " يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك حِزْبَ اللّهِ " فَقَالَ النّجَاشِيّ : مُرُوا هَذَا الصّائِحَ فَلْيُعِدْ كَلَامَهُ . فَفَعَلَ . قَالَ <58> نَعَمْ . فَلْيَدْخُلُوا بِإِذْنِ اللّهِ وَذِمّتِهِ . فَدَخَلُوا وَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ . فَقَالَ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَسْجُدُوا لِي ؟ قَالُوا : إنّمَا نَسْجُدُ لِلّهِ الّذِي خَلَقَك وَمُلْكَك ، وَإِنّمَا كَانَتْ تِلْكَ التّحِيّةُ لَنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ . فَبَعَثَ اللّهُ فِينَا نَبِيّا صَادِقًا . وَأَمَرَنَا بِالتّحِيّةِ الّتِي رَضِيَهَا اللّهُ . وَهِيَ " السّلَامُ " تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَعَرَفَ النّجَاشِيّ أَنّ ذَلِكَ حَقّ . وَأَنّهُ فِي التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ . فَقَالَ أَيّكُمْ الْهَاتِفُ يَسْتَأْذِنُ ؟ فَقَالَ جَعْفَرٌ أَنَا . قَالَ فَتَكَلّمَ . قَالَ إنّك مَلِكٌ لَا يَصْلُحُ عِنْدَك كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَلَا الظّلْمِ . وَأَنَا أُحِبّ أَنْ أُجِيبَ عَنْ أَصْحَابِي . فَأَمَرَ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ فَلْيَتَكَلّمْ أَحَدُهُمَا ، فَتَسَمّعَ مُحَاوَرَتَنَا . فَقَالَ عَمْرٌو لِجَعْفَرٍ تَكَلّمْ . فَقَالَ جَعْفَرٌ لِلنّجَاشِيّ سَلْهُ أَعَبِيدٌ نَحْنُ أَمْ أَحْرَارٌ ؟ فَإِنْ كُنّا عَبِيدًا أَبْقِنَا مِنْ أَرْبَابِنَا فَارْدُدْنَا إلَيْهِمْ . فَقَالَ عَمْرٌو : بَلْ أَحْرَارٌ كِرَامٌ . فَقَالَ هَلْ أَهْرَقْنَا دَمًا بِغَيْرِ حَقّ فَيُقْتَصّ مِنّا ؟ قَالَ عَمْرٌو : وَلَا قَطْرَةٌ . فَقَالَ هَلْ أَخَذْنَا أَمْوَالَ النّاسِ بِغَيْرِ حَقّ فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهَا ؟ فَقَالَ عَمْرٌو : وَلَا قِيرَاطٌ . فَقَالَ النّجَاشِيّ : فَمَا تَطْلُبُونَ مِنْهُ ؟ قَالَ كُنّا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ عَلَى دِينِ آبَائِنَا . فَتَرَكُوا ذَلِكَ وَاتّبَعُوا غَيْرَهُ . فَقَالَ النّجَاشِيّ : مَا هَذَا الّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ . وَمَا الّذِي اتّبَعْتُمُوهُ ؟ قُلْ وَاصْدُقْنِي . فَقَالَ جَعْفَرٌ أَمّا الّذِي كُنّا عَلَيْهِ فَتَرَكْنَاهُ وَهُوَ دِينُ الشّيْطَانِ . كُنّا نُكَفّرُ بِاَللّهِ وَنَعْبُدُ الْحِجَارَةَ . وَأَمّا الّذِي تَحَوّلْنَا إلَيْهِ فَدِينُ اللّهِ الْإِسْلَامُ جَاءَنَا بِهِ مِنْ اللّهِ رَسُولٌ وَكِتَابٌ مِثْلُ كِتَابِ ابْنِ مَرْيَمَ مُوَافِقًا لَهُ . فَقَالَ تَكَلّمْت بِأَمْرٍ عَظِيمٍ . فَعَلَى رِسْلِك . ثُمّ أَمَرَ بِضَرْبِ النّاقُوسِ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ كُلّ قِسّيسٍ وَرَاهِبٍ . فَقَالَ لَهُمْ أَنْشُدُكُمْ اللّهَ الّذِي أَنَزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ، هَلْ تَجِدُونَ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ نَبِيّا ؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ . قَدْ بَشّرْنَا بِهِ عِيسَى ، وَقَالَ مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ آمَنَ بِي ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِي . <59> فَقَالَ النّجَاشِيّ لِجَعْفَرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَاذَا يَقُولُ لَكُمْ هَذَا الرّجُلُ ؟ وَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ ؟ وَمَا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ ؟ . فَقَالَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللّهِ وَيَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ . وَيَأْمُرُنَا بِحُسْنِ الْجِوَارِ وَصِلَةِ الرّحِمِ وَبِرّ الْيَتِيمِ . وَيَأْمُرُنَا بِأَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . فَقَالَ اقْرَأْ مِمّا يَقْرَأُ عَلَيْكُمْ . فَقَرَأَ سُورَتَيْ الْعَنْكَبُوتِ وَالرّومِ . فَفَاضَتْ عَيْنَا النّجَاشِيّ مِنْ الدّمْعِ . وَقَالَ زِدْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الطّيّبِ . فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الْكَهْفِ . فَأَرَادَ عَمْرٌو أَنْ يُغْضِبَ النّجَاشِيّ . فَقَالَ إنّهُمْ يَشْتُمُونَ عِيسَى وَأُمّهُ . فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأُمّهِ ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ مَرْيَمَ . فَلَمّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى وَأُمّهِ رَفَعَ النّجَاشِيّ بِقَشّةٍ مِنْ سِوَاكِهِ قَدْرَ مَا يُقْذِي الْعَيْنَ . فَقَالَ وَاَللّهِ مَا زَاد الْمَسِيحُ عَلَى مَا تَقُولُونَ نَقِيرًا . وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُ اللّهِ تَعَالَى ( 5 : 83 - 85 ) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقّ - الْآيَاتِ . فَأَقْبَلَ النّجَاشِيّ عَلَى جَعْفَرٍ . ثُمّ قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سيوم بِأَرْضِي - والسيوم الْآمِنُونَ - مِنْ سبكم غرم . فَلَا هَوَادَةَ الْيَوْمِ عَلَى حِزْبِ إبْرَاهِيمَ . مَوْتُ النّجَاشِيّ وَلَمّا مَاتَ النّجَاشِيّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَلّى عَلَيْهِ كَمَا يُصَلّي عَلَى الْجَنَائِزِ . فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ يُصَلّي عَلَى عِلْجٍ مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 3 : 199 ) وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ الْآيَةَ . وَقِيلَ إنّ إرْسَالَ قُرَيْشٍ فِي طَلَبِهِمْ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ ، <60> وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنْ النّبُوّةِ اسْتَتَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ . إسْلَامُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَفِي السّنَةِ السّادِسَةِ أَسْلَمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَعُمَرُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مَرّ أَبُو جَهْلٍ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الصّفَا : فَآذَاهُ وَنَالَ مِنْهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاكِتٌ . فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ . وَكَانَتْ مَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُعْدَانَ فِي مَسْكَنٍ لَهَا عَلَى الصّفَا ، تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو جَهْلٍ . وَأَقْبَلَ حَمْزَةُ مِنْ الْقَنْصِ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ . وَكَانَ يُسَمّى : أَعَزّ قُرَيْشٍ . فَأَخْبَرَتْهُ مَوْلَاةُ ابْنِ جُدْعَانَ بِمَا سَمِعَتْ مِنْ أَبِي جَهْلٍ . فَغَضِبَ . وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ - وَأَبُو جَهْلِ جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِهِ - فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ يَا مُصَفّرَ اسْتِهِ . تَشْتُمُ ابْنَ أَخِي وَأَنَا عَلَى دِينِهِ ؟ ثُمّ ضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ مُوضِحَةً . فَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ . وَثَارَ بَنُو هَاشِمٍ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ دَعَوَا أَبَا عُمَارَةَ . فَإِنّي سَبَبْت ابْنَ أَخِيهِ سَبّا قَبِيحًا . فَعَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَزّ . فَكَفّوا عَنْهُ بَعْضَ مَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُ . إسْلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ اللّهُمّ أَعِزّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبّ الرّجُلَيْنِ إلَيْك : إمّا عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ . أَوْ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَكَانَ أَحَبّهُمَا إلَى اللّهِ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَرُوِيَ عَنْ <61> ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : أَنّهُ قَالَ لِعُمَرِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لِمَ سُمّيت الْفَارُوقَ ؟ فَقَالَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ . ثُمّ شَرَحَ اللّهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ . وَأَوّلُ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ الْقُرْآنِ وَوَقِرَ فِي صَدْرِي ( 20 : 8 ) اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبّ إلَيّ مِنْ نَسَمَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَسَأَلْت عَنْهُ ؟ فَقِيلَ لِي : هُوَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ . فَأَتَيْت الدّارَ - وَحَمْزَةُ فِي أَصْحَابِهِ جُلُوسًا فِي الدّارِ . وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْبَيْتِ - فَضَرَبْت الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ . فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا : عُمَرُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِي . ثُمّ نَتَرَنِي نَتْرَةً لَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ وَقَعْت عَلَى رُكْبَتِي . فَقَالَ مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ ؟ فَقُلْت : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ فَكَبّرَ أَهْلُ الدّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقّ إنْ مُتْنَا أَوْ حَيِينَا ؟ قَالَ بَلَى . فَقُلْت : فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ ؟ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَتَخْرُجَن ، فَخَرَجْنَا فِي صِفّينَ . حَمْزَةُ فِي صَفّ . وَأَنَا فِي صَفّ - لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطّحْنِ - حَتّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ . فَلَمّا نَظَرَتْ إلَيْنَا قُرَيْشٌ أَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلُهَا قَطّ . فَسَمّانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَارُوقَ . وَقَالَ صُهَيْبٌ لَمّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جَلَسْنَا حَوْلَ الْبَيْتِ حِلَقًا ، فَطُفْنَا وَاسْتَنْصَفْنَا مِمّا غَلُظَ عَلَيْنَا . حِمَايَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولِ اللّهِ وَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَزَايَدُ أَمْرُهُ وَيَقْوَى ، وَرَأَوْا مَا صَنَعَ أَبُو طَالِبٍ بِهِ . مَشَوْا إلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ . فَقَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ ، هَذَا أَنْهَدُ فَتًى فِي قُرَيْشٍ وَأَجْمَلُهُ . فَخُذْهُ وَادْفَعْ إلَيْنَا هَذَا الّذِي خَالَفَ دِينَك وَدِينَ آبَائِك فَنَقْتُلْهُ فَإِنّمَا هُوَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ . فَقَالَ بِئْسَمَا تَسُومُونَنِي ، تُعْطُونِي ابْنَكُمْ أُرَبّيهِ لَكُمْ وَأُعْطِيكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ ؟ فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ : يَا أَبَا طَالِبٍ قَدْ أَنْصَفَك قَوْمُك ، وَجَهَدُوا عَلَى التّخَلّصِ مِنْك بِكُلّ طَرِيقٍ . قَالَ وَاَللّهِ مَا أَنْصَفْتُمُونِي ، وَلَكِنّك أَجْمَعْت عَلَى خِذْلَانِي . فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك . وَقَالَ أَشْرَافُ مَكّةَ لِأَبِي طَالِبٍ إمّا أَنْ تُخَلّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكَهُ . فَإِنّك عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ أَوْ أَجْمَعَ لِحَرْبِنَا . فَإِنّا لَسْنَا بِتَارِكِي ابْنِ أَخِيك عَلَى هَذَا ، حَتّى نُهْلِكَهُ أَوْ يَكُفّ عَنّا ، فَقَدْ طَلَبْنَا التّخَلّصَ مِنْ حَرْبِك بِكُلّ مَا نَظُنّ أَنّهُ يَخْلُص . فَبَعَثَ أَبُو طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي ، إنّ قَوْمَك جَاءُونِي ، وَقَالُوا كَذَا وَكَذَا ، فَأَبَقَ عَلَيّ وَعَلَى نَفْسِك ، وَلَا تُحَمّلْنِي مَا لَا أُطِيقُ أَنَا وَلَا أَنْتَ . فَاكْفُفْ عَنْ قَوْمِك مَا يَكْرَهُونَ مِنْ قَوْلِك . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي ، مَا تَرَكْت هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلَكَ فِي طَلَبِهِ فَقَالَ امْضِ عَلَى أَمْرِك ، فَوَاَللّهِ لَا أُسْلِمْك أَبَدًا وَدَعَا أَبُو طَالِبٍ أَقَارِبَهُ إلَى نُصْرَتِهِ فَأَجَابَهُ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ ، غَيْرَ أَبِي لَهَبٍ ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ وَاَللّهِ لَنْ يَصِلُوا إلَيْك بِجَمْعِهِمْ حَتّى أُوَسّدَ فِي التّرَابِ دَفِينَا فَاصْدَعْ بِأَمْرِك مَا عَلَيْك غَضَاضَةٌ وَأَبْشِرْ وَقَرّ بِذَاكَ مِنْك عُيُونَا وَدَعَوْتنِي ، وَعَرَفْت أَنّك نَاصِحِي وَلَقَدْ صَدَقْت ، وَكُنْت ثَمّ أَمِينَا وَعَرَضْت دِينًا قَدْ عَرَفْت بِأَنّهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيّةِ دِينَا لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبّةٍ لَوَجَدْتنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا حِصَارُ بَنِي هَاشِم ٍ فِي الشّعْبِ <62> وَلَمّا اجْتَمَعُوا - مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ - عَلَى مَنْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ . فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ . حَتّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقَتْلِ . وَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً فِيهَا عُهُودٌ وَمَوَاثِيقُ " أَنْ لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ صُلْحًا أَبَدًا ، وَلَا تَأْخُذُهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ حَتّى يُسْلِمُوهُ لِلْقَتْلِ " فَأَمَرَهُمْ أَبُو طَالِب ٍ أَنْ يَدْخُلُوا . شِعْبَهُ فَلَبِثُوا فِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ . وَاشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ وَقَطَعُوا عَنْهُمْ الْأَسْوَاقَ . فَلَا يَتْرُكُونَ طَعَامًا يَدْخُلُ مَكّةَ ، وَلَا بَيْعًا إلّا بَادَرُوا فَاشْتَرَوْهُ . وَمَنَعُوهُ أَنْ يَصِلَ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ . حَتّى كَانَ يَسْمَعُ أَصْوَاتَ نِسَائِهِمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ وَرَاءِ الشّعْبِ مِنْ الْجُوعِ . وَاشْتَدّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِمّنْ لَمْ يَدْخُلْ الشّعْبَ ، فَأَوْثَقَهُمْ . وَعَظُمَتْ الْفِتْنَةُ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إذَا أَخَذَ النّاسُ مَضَاجِعَهُمْ . أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتّى يَرَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ اغْتِيَالَهُ . فَإِذَا نَامَ النّاسُ أَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ فُرُشَهُمْ . وَفِي ذَلِكَ عَمِلَ أَبُو طَالِبٍ قَصِيدَتَهُ اللّامِيّةَ الْمَشْهُورَةَ الّتِي قَالَ فِيهَا <63> <64> وَلَمّا رَأَيْت الْقَوْمَ لَا وُدّ فِيهِمُو وَقَدْ قَطَعُوا كُلّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوّ الْمُزَايِلِ صِرْت لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ وَأَحْضَرْت عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَأُسْرَتِي وَأَمْسَكْت مِنْ أَثْوَابِهِ بِالْوَصَائِلِ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ مِنْ كُلّ طَاعِنٍ عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلْحٍ بِبَاطِلِ وَمِنْ كَاشِحٍ يَسْعَى لَنَا بِمُغِيظَةٍ وَمِنْ مُلْحَقٍ فِي الدّينِ مَا لَمْ يُحَاوِلْ وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ وَبِالْبَيْتِ - حَقّ الْبَيْتِ - مِنْ بَطْنِ مَكّةَ وَبِاَللّهِ إنّ اللّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَبِالْحَجَرِ الْمُسَوّدِ إذْ يَمْسَحُونَهُ إذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضّحَى وَالْأَصَائِلِ وَمَوْطِئُ إبْرَاهِيمَ فِي الصّخْرِ رَطْبَةٌ عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ وَأَشْوَاطٌ بَيْنَ الْمَرْوَتَيْنِ إلَى الصّفَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ صُورَةٍ وَتَمَاثُلِ وَبِالْمُشْعِرِ الْأَقْصَى ، إذَا عَمَدُوا لَهُ الْإِلّ إلَى مُفْضَى الشّرَاجِ الْقَوَابِلِ وَمنْ حَجّ بَيْتِ اللّهِ مِنْ كُلّ رَاكِبٍ وَمِنْ كُلّ ذِي نَذْرٍ وَمِنْ كُلّ رَاجِلِ وَلَيْلَةَ جَمْعٍ وَالْمَنَازِلُ مِنْ مِنَى وَهَلْ فَوْقَهَا مِنْ حُرْمَةٍ وَمَنَازِلِ ؟ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ لِعَائِذٍ ؟ وَهَلْ مِنْ مُعِيذٍ يَتّقِي اللّهَ عَادِلِ ؟ كَذَبْتُمْ وَبَيْتَ اللّهِ نَتْرُكُ مَكّةَ وَنَظْعَنُ إلّا أَمْرَكُمْ فِي بَلَابِلِ كَذَبْتُمْ وَبَيْتَ اللّهِ نَبْزَى مُحَمّدًا وَلَمّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَنُنَاضِلُ وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ وَنَذْهَلُ عَنْ آبَائِنَا وَالْحَلَائِلِ وَيَنْهَضُ قَوْمٌ فِي الْحَدِيدِ إلَيْكُمُو نُهُوضُ الرّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصّلَاصِلِ وَإِنّا لَعَمْرُ اللّهِ إنْ جَدّ مَا أَرَى لَتُلْتَبَسْنَ أَسْيَافُنَا بِالْأَمَاثِلِ بِكَفّي فَتًى مِثْلُ الشّهَابِ سُمَيْدِعٌ أَخِي ثَقْوٍ حَامِي الْحَقِيقَةِ بَاسِلِ وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ - لَا أَبَا لَك - سَيّدًا يَحُوطُ الذّمَارُ غَيْرَ ذَرَبٍ مُوَاكِلِ وَأَبْيَضُ يَسْتَسْقِي الْغَمَامَ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ يَلُوذُ بِهِ الْهَلَاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي حُرْمَةٍ وَفَوَاضِلِ فَعُتْبَةُ لَا تَسْمَعْ بِنَا قَوْلَ كَاشِحٍ حَسُودٍ كَذُوبٍ مُبْغِضٍ ذِي دَغَائِلِ وَمَرّ أَبُو سُفْيَانَ عَنّي مُعْرِضًا كَمَا مَرّ قَيْلٌ مِنْ عِظَامِ الْمَقَاوِلِ تَفِرّ إلَى نَجْدٍ وَبُرْدٍ مِيَاهُهُ وَتَزْعُمُ أَنّي لَسْت عَنْك بِغَافِلِ أَمُطْعِمٌ لَمْ أَخْذُلْك فِي يَوْمِ نَجْدَةٍ وَلَا مُعْظَمَ عِنْدَ الْأُمُورِ الْجَلَائِلِ أَمُطْعِمٌ إنّ الْقَوْمَ سَامُوك خُطّةً وَإِنّي مَتَى أُوكِلَ فَلَسْت بِآكِلِي جَزَى اللّهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا عُقُوبَةً شَرّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ فَعَبْدُ مَنَافٍ أَنْتُمُو خَيْرَ قَوْمِكُمْ فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلّ وَاغِلِ وَكُنْتُمْ حَدِيثًا حَطْبَ قِدْرٍ فَأَنْتُمُو الْآنَ حِطَابُ أَقْدَرَ وَمَرَاجِلِ فَكُلّ صَدِيقٍ وَابْنُ أُخْتٍ نَعُدّهُ لَعَمْرِي وَجَدْنَا غَبّهُ غَيْرَ طَائِلِ سِوَى أَنّ رَهْطًا مِنْ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بُرَاءٌ إلَيْنَا مِنْ مَعَقّةِ خَاذِلِ وَنِعْمَ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرُ مُكَذّبٍ زُهَيْرًا حُسَامًا مُفْرَدًا مِنْ حَمَائِلِ لَعَمْرِي لَقَدْ كُلّفْت وَجْدًا بِأَحْمَدَ وَإِخْوَتِهِ دَأْبُ الْمُحِبّ الْمُوَاصِلِ فَمَنْ مَثَلُهُ فِي النّاسِ أَيّ مُؤَمّلٍ إذَا قَاسَهُ الْحُكّامُ عِنْدَ التّفَاضُلِ ؟ حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ يُوَالِي إلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ فَوَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُبّةٍ تَجُرّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ لَكُنّا اتّبَعْنَاهُ عَلَى كُلّ حَالَةٍ مِنْ الدّهْرِ جَدّا ، غَيْرَ قَوْلِ التّهَازُلِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ ابْنَنَا لَا مُكَذّبٌ لَدِينًا ، وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ حَدَبْتُ بِنَفْسِي دُونَهُ وَحَمِيتُهُ وَدَافَعْت عَنْهُ بِالذّرَى وَالْكَلَاكِلِ نَقْضُ الصّحِيفَةِ ثُمّ بَعْدَ ذَلِكَ مَشَى هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ . وَكَانَ يَصِلُ بَنِي هَاشِمٍ فِي الشّعْبِ خُفْيَةً بِاللّيْلِ بِالطّعَامِ - مَشَى إلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ - وَكَانَتْ أُمّهُ عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - وَقَالَ يَا زُهَيْرُ أَرَضِيت أَنْ تَأْكُلَ الطّعَامَ وَتَشْرَبَ الشّرَابَ وَأَخْوَالُك بِحَيْثُ تَعْلَمُ ؟ فَقَالَ وَيْحَك ، فَمَا أَصْنَعُ وَأَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ؟ أَمّا وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْت فِي نَقْضِهَا . قَالَ أَنَا . قَالَ أَبْغِنَا ثَالِثًا . قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْغِنَا رَابِعًا . قَالَ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ . قَالَ أَبْغِنَا خَامِسًا . قَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ . قَالَ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَجُونِ ، وَتَعَاقَدُوا عَلَى الْقِيَامِ بِنَقْضِ الصّحِيفَةِ . فَقَالَ زُهَيْرٌ أَنَا أَبْدَأُ بِهَا . فَجَاءُوا إلَى الْكَعْبَةِ - وَقُرَيْشٌ مُحْدِقَةٌ بِهَا - فَنَادَى زُهَيْرٌ يَا أَهْلَ مَكّةَ ، إنّا نَأْكُلُ الطّعَامَ . وَنَشْرَبُ الشّرَابَ وَنَلْبَسُ الثّيَابَ وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى . وَاَللّهِ لَا أَقْعُدُ حَتّى تُشَقّ الصّحِيفَةُ الْقَاطِعَةُ الظّالِمَةُ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : كَذَبْت . وَاَللّهِ لَا تَشُقّ . فَقَالَ زَمَعَةُ أَنْتَ وَاَللّهِ أَكْذَبُ . مَا رَضِينَا كِتَابَتَهَا حِينَ كُتِبَتْ . وَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ صَدَقَ زَمَعَةُ لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا وَلَا نَقَارّ عَلَيْهِ . فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ . وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ . نَبْرَأُ إلَى اللّهِ مِنْهَا وَمِمّا كُتِبَ فِيهَا . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ هَذَا أَمْرٌ قَدْ قُضِيَ بِلَيْلٍ تُشُووِرَ فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ . وَبَعَثَ اللّهُ عَلَى صَحِيفَتِهِمْ الْأَرَضَةَ فَلَمْ تَتْرُكْ اسْمًا لِلّهِ إلّا لَحَسَتْهُ و بَقِيَ مَا فِيهَا <65> مِنْ شِرْكٍ وَظُلْمٍ وَقَطِيعَةٍ وَأَطْلَعَ اللّهُ رَسُولَهُ عَلَى الّذِي صُنِعَ بِصَحِيفَتِهِمْ . فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعَمّهِ . فَقَالَ لَا ، وَالثّوَاقِبِ مَا كَذَبْتنِي . فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، حَتّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ فِي قُرَيْشٍ . فَلَمّا رَأَوْهُمْ ظَنّوا أَنّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدّةِ الْحِصَارِ وَأَتَوْا لِيُعْطُوهُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَكَلّمَ أَبُو طَالِبٍ . فَقَالَ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ . لَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحًا . فَأْتُوا بِصَحِيفَتِكُمْ - وَإِنّمَا قَالَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا ، فَلَا يَأْتُونَ بِهَا - فَأَتَوْا بِهَا مُعْجَبِينَ . لَا يَشُكّونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَدْفُوعٌ إلَيْهِمْ قَالُوا : قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَفِيئُوا وَتَرْجِعُوا خَطَرًا لِهَلَكَةِ قَوْمِكُمْ . فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : لَأُعْطِيَنكُمْ أَمْرًا فِيهِ نِصْفٌ . إنّ ابْنِي أَخْبَرَنِي - وَلَمْ يَكْذِبْنِي - أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الصّحِيفَةِ الّتِي فِي أَيْدِيكُمْ وَأَنّهُ مَحَا كُلّ اسْمٍ لَهُ فِيهَا ، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ . فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ حَقّا ، فَوَاَللّهِ لَا نُسَلّمُهُ إلَيْكُمْ حَتّى نَمُوتَ عَنْ آخِرِنَا . وَإِنْ كَانَ الّذِي يَقُولُ بَاطِلًا ، دَفَعْنَاهُ إلَيْكُمْ فَقَتَلْتُمُوهُ . أَوْ اسْتَحْيَيْتُمُوهُ . قَالُوا : قَدْ رَضِينَا . فَفَتَحُوا الصّحِيفَةَ فَوَجَدُوهَا كَمَا أَخْبَرَ . فَقَالُوا : هَذَا سِحْرٌ مِنْ صَاحِبِكُمْ فَارْتَكَسُوا وَعَادُوا إلَى شَرّ مَا هُمْ عَلَيْهِ . فَتَكَلّمَ عِنْدَ ذَلِكَ النّفَرُ الّذِينَ تَعَاقَدُوا - كَمَا تَقَدّمَ - وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ شِعْرًا يَمْدَحُ النّفَرَ الّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى نَقْضِ الصّحِيفَةِ . وَيَمْدَحُ النّجَاشِيّ ، مِنْهُ جَزَى اللّهُ رَهْطًا بِالْحَجُونِ تَتَابَعُوا عَلَى مَلَأٍ يُهْدَى بِحُزَمٍ وَيَرْشُدُ أَعَانَ عَلَيْهَا كُلّ صَقْرٍ كَأَنّهُ إذَا مَا مَشَى فِي رَفْرَفِ الدّرْعِ أَجْرَدَ قُعُودًا لَدَى جَنْبِ الْحَجُونِ كَأَنّهُمْ مُقَاوَلَةً بَلْ هُمْ أَعَزّ وَأَمْجَدُ وَأَسْلَمَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ الْفَتْحِ . وَخَرَجَ بَنُو هَاشِمٍ مِنْ شِعْبِهِمْ وَخَالَطُوا النّاسَ . وَكَانَ خُرُوجُهُمْ فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنْ النّبُوّةِ . مَاتَ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتّةِ أَشْهُرٍ . مَوْتُ خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ وَمَاتَتْ خَدِيجَة | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:00 am | |
| وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إلَى أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : بَعَثَتْ قُرَيْشٌ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، إلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ ، فَقَالُوا لَهُمَا : سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمّدٍ وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ . فَإِنّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ . وَعِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ . فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ ، فَسَأَلَاهُمْ عَنْهُ ؟ وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ . فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ الْيَهُودِ : سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ . فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنّ فَهُوَ نَبِيّ مُرْسَلٌ وَإِلّا فَهُوَ رَجُلٌ مَنْقُولٌ . سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَا كَانَ أَمَرَهُمْ ؟ فَإِنّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ . وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا . فَمَا كَانَ نَبَؤُهُ ؟ وَسَلُوهُ عَنْ الرّوحِ مَا هُوَ ؟ فَأَقْبَلَا ، حَتّى قَدِمَا مَكّةَ . فَقَالُوا : قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ . قَدْ أَخْبَرَنَا أَحْبَارَ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا . فَجَاءُوا رَسُولَ اللّهِ فَسَأَلُوهُ عَمّا أَخْبَرَهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ . فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الْكَهْفِ فِيهَا خَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ . مِنْ الْفِتْيَةِ وَالرّجُلِ الطّوّافِ . وَجَاءَهُ بِقَوْلِهِ ( 17 : 85) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ - الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِحَمْدِهِ وَذِكْرِ نُبُوّةِ رَسُولِهِ لَمّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ ( 18 : 1 ) الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ يَعْنِي أَنّك رَسُولٌ مِنّي ، أَيْ تَحْقِيقُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ نُبُوّتِك وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا أَيْ أَنْزَلَهُ مُعْتَدِلًا . لَا خِلَافَ فِيهِ - وَذَكَرَ تَفْسِيرَ السّورَةِ - إلَى أَنْ قَالَ ( 18 : 9 ) أَمْ حَسِبْتَ أَنّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا أَيْ مَا رَأَوْا مِنْ قُدْرَتِي فِي أَمْرِ الْخَلَائِقِ ، وَفِيمَا وَضَعْت عَلَى الْعِبَادِ مِنْ حُجَجِي مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْجَبُ . وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : الّذِي آتَيْتُك مِنْ الْكِتَابِ وَالسّنّةِ أَعْظَمُ مِنْ شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ . قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : وَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرُوا . فَإِنّ مُكْثَهُمْ نِيَامًا ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ <68> آيَةٌ دَالّةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللّهِ وَمَشِيئَتِهِ وَهِيَ آيَةٌ دَالّةٌ عَلَى مُعَادِ الْأَبْدَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( 18 : 21 ) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَأَنّ السّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا وَكَانَ النّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي زَمَانِهِمْ هَلْ تُعَادُ الْأَرْوَاحُ وَحْدَهَا ؟ أَمْ الْأَرْوَاحُ وَالْأَبْدَانُ ؟ فَجَعَلَهُمْ اللّهُ آيَةً دَالّةً عَلَى مُعَادِ الْأَبْدَانِ وَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقِصّتِهِمْ . مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهُ بِشَرّ . آيَةٌ دَالّةٌ عَلَى نُبُوّتِهِ . فَكَانَتْ قِصّتُهُمْ آيَةً دَالّةً عَلَى الْأُصُولِ الثّلَاثَةِ الْإِيمَانِ بِاَللّهِ . وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَمَعَ هَذَا : فَمِنْ آيَاتِ اللّهِ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سُؤَالَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الّتِي سَأَلُوهُ عَنْهَا لِيَعْلَمُوا : هَلْ هُوَ نَبِيّ صَادِقٌ . أَوْ كَاذِبٌ ؟ فَقَالَ ( 18 : 83 - 100 ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا - إلَى قَوْلِهِ - وَعَرَضْنَا جَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا وَقَوْلُهُ ( 13 : 7 - 103 ) لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسّائِلِينَ - إلَى قَوْلِهِ - إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ إخْبَارِهِ بِالْغَيْبِ الْمَاضِي . الّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ الْبَشَرِ . إلّا مِنْ جِهَةِ الْأَنْبِيَاءِ . لَا مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا . وَقَدْ عَرَفُوا أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَتَعَلّمُ هَذَا مِنْ بَشَرٍ . فَفِيهِ آيَةٌ وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوّتِهِ . قَوْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْقُرْآنِ سِحْرٌ وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ إنّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، جَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ اقْرَأْ عَلَيّ . فَقَرَأَ عَلَيْهِ ( 16 : 90 ) إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى الْآيَةَ فَقَالَ أَعِدْ . فَأَعَادَ . فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ لَهُ لَحَلَاوَةً . وَإِنّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً . وَإِنّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ . وَإِنّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ . وَإِنّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ . وَإِنّهُ لَيُحَطّمُ مَا تَحْتَهُ . وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ . وَفِي رِوَايَةٍ " وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ ، فَأَتَاهُ . فَقَالَ يَا عَمّ إنّ قَوْمَك يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَك مَالًا . قَالَ وَلِمَ ؟ قَالَ آتَيْت مُحَمّدًا لِتُعَوّضَ مِمّا قَبْلَهُ . قَالَ قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا . قَالَ فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَك : إنّك مُنْكِرٌ لَهُ . قَالَ مَاذَا أَقُولُ ؟ فَوَاَللّهِ مَا فِيكُمْ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنّي إلَخْ " . وَفِي رِوَايَةٍ أَنّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ لَهُمْ - وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ - " سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ <69> وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ . فَأَجْمَعُوا فِيهِ رَأْيًا ، وَلَا تَخْتَلِفُوا ، فَيُكَذّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا . فَقَالُوا : فَأَنْتَ فَقُلْ . فَقَالَ بَلْ قُولُوا وَأَنَا أَسْمَعُ . قَالُوا : نَقُولُ كَاهِنٌ . قَالَ مَا هُوَ بِزُمْرَةِ الْكُهّانِ وَلَا سَجْعِهِمْ . قَالُوا نَقُولُ مَجْنُونٌ قَالَ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ . لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ . فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ . قَالُوا : نَقُولُ شَاعِرٌ . قَالَ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ . لَقَدْ عَرَفْنَا الشّعْرَ رَجَزَهُ وَهَزَجَهُ وَقَرِيضَهُ . وَمَقْبُوضَهُ وَمَبْسُوطَهُ قَالُوا : نَقُولُ سَاحِرٌ قَالَ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ . لَقَدْ رَأَيْنَا السّحَرَةَ وَسِحْرَهُمْ فَمَا هُوَ بِعِقْدِهِمْ وَلَا نَفْثِهِمْ قَالُوا : فَمَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ ؟ قَالَ مَا نَقُولُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا إلّا عَرَفَ أَنّهُ بَاطِلٌ وَإِنّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا : سَاحِرٌ يُفَرّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ فَتَفَرّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ . فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ لِلنّاسِ لَا يَمُرّ بِهِمْ أَحَدٌ إلّا حَذّرُوهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ( 74 : 11 - 26 ) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا - إلَى قَوْلِهِ - سَأُصْلِيهِ سَقَرَ . وَنَزَلَ فِي النّفَرِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُصَنّفُونَ الْقَوْلَ فِي رَسُولِ اللّهِ وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ( 15 : 91 ) الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أَيْ أَصْنَافًا . وَكَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْآيَاتِ فَمِنْهَا مَا يَأْتِيهِمْ اللّهُ بِهِ لِحِكْمَةٍ أَرَادَهَا اللّهُ سُبْحَانَهُ . انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ . وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ ( 54 : 1 - 3 ) اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ الْقَمَرُ الْآيَاتِ إلَى قَوْلِهِ وَكُلّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ فَقَالُوا : سَحَركُمْ اُنْظُرُوا إلَى السّفّارِ فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ . فَقَدِمُوا مِنْ كُلّ وَجْهٍ . فَقَالُوا : رَأَيْنَا . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُبّمَا طَلَبَ مِنْ الْآيَاتِ - الّتِي يَقْتَرِحُونَ - رَغْبَةً مِنْهُ فِي إيمَانِهِمْ فَيُجَابُ بِأَنّهَا : لَا تَسْتَلْزِمُ الْهُدَى . بَلْ تُوجِبُ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ لِمَنْ كَذَبَ بِهَا . سُؤَالُهُمْ الْآيَاتِ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يُظْهِرُ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةَ . مَعَ طَبْعِهِ عَلَى قَلْبِ الْكَافِرِ كَفِرْعَوْنَ <70> قَالَ تَعَالَى ( 6 : 109 - 111 ) وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنّ بِهَا - إلَى قَوْلِهِ - وَلَكِنّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى ( 17 : 59 ) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلّا أَنْ كَذّبَ بِهَا الْأَوّلُونَ الْآيَةَ . بَيّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : أَنّهُ إنّمَا مَنَعَهُ أَنْ يُرْسِلَ بِهَا إلّا أَنْ كَذّبَ بِهَا الْأَوّلُونَ فَإِذْ كَذّبَ هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ اسْتَحَقّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ . وَرَوَى أَهْلُ التّفْسِيرِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ " سَأَلَهُ أَهْلُ مَكّةَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ الصّفَا ذَهَبًا ، وَأَنْ يُنَحّيَ عَنْهُمْ الْجِبَالَ حَتّى يَزْرَعُوا . فَقِيلَ لَهُ إنْ شِئْت نَسْتَأْنِي بِهِمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ نُؤْتِيَهُمْ الّذِي سَأَلُوا ، فَإِنْ كَفَرُوا هَلَكُوا ، كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَهُمْ . فَقَالَ بَلْ أَسَتَأْنِي بِهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلّا أَنْ كَذّبَ بِهَا الْأَوّلُونَ الْآيَةَ . وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ . قَالَ رَحْمَةٌ لَكُمْ أَيّهَا الْأُمّةُ إنّا لَوْ أَرْسَلْنَا بِالْآيَاتِ فَكَذّبْتُمْ بِهَا : أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَكُمْ . وَكَانَتْ الْآيَاتُ تَأْتِيهِمْ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ . فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا قَالَ تَعَالَى ( 6 : 4 - 6 ) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبّهِمْ إِلّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ الْآيَاتِ . أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنّ الْآيَاتِ تَأْتِيهِمْ فَيُعْرِضُونَ عَنْهَا ، وَأَنّهُمْ سَيَرَوْنَ صِدْقَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرّسُلُ كَمَا أَهْلَكَ اللّهُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالذّنُوبِ الّتِي هِيَ تَكْذِيبُ الرّسُلِ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ ( 38 : 59 ) وَمَا كَانَ رَبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمّهَا رَسُولًا الْآيَةَ وَأَخْبَرَ بِشِدّةِ كُفْرِهِمْ بِأَنّهُمْ لَوْ أَنَزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسّوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَكَذّبُوا بِهِ وَبَيّنَ سُبْحَانَهُ أَنّهُ لَوْ جُعِلَ الرّسُولُ مَلَكًا لَجَعَلَهُ عَلَى صُورَةِ الرّجُلِ . إذْ كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرَوْا الْمَلَائِكَةَ فِي صُوَرِهِمْ الّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا . وَحِينَئِذٍ يَقَعُ اللّبْسُ عَلَيْهِمْ لِظَنّهِمْ الرّسُولَ بَشَرًا لَا مَلَكًا . وَقَالَ تَعَالَى ( 17 : 90 - 96 ) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا الْآيَاتِ . وَهَذِهِ الْآيَاتُ لَوْ أَجِيبُوا إلَيْهَا ، ثُمّ لَمْ يُؤْمِنُوا : لَأَتَاهُمْ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ الْإِيمَانَ بَلْ إقَامَةً لِلْحُجّةِ وَالْحُجّةُ قَائِمَةٌ بِغَيْرِهَا . وَهِيَ أَيْضًا مِمّا لَا يَصْلُحُ فَإِنّ قَوْلَهُمْ حَتّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا يَقْتَضِي تَفْجِيرَهَا بِمَكّةَ فَيَصِيرُ وَادِيًا ذَا زَرْعٍ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَضَى بِسَابِقِ حِكْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ بَيْتَهُ بِوَادٍ <71> غَيْرِ ذِي زَرْعٍ لِئَلّا يَكُونَ عِنْدَهُ مَا تَرْغَبُ النّفُوسُ فِيهِ مِنْ الدّنْيَا . فَيَكُونُ حَجّهُمْ لِلدّنْيَا . وَإِذَا كَانَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ كَانَ فِي هَذَا مِنْ التّوَسّعِ فِي الدّنْيَا مَا يَقْتَضِي نَقْصَ دَرَجَتِهِ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ قَصْرٌ مِنْ زُخْرُفٍ . وَهُوَ الذّهَبُ . أَمّا إسْقَاطُ السّمَاءِ كِسَفًا : فَهَذَا لَا يَكُونُ إلّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَأَمّا الْإِتْيَانُ بِاَللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ، : فَهَذَا لَمّا سَأَلَ قَوْمُ مُوسَى مُوسَى مَا هُوَ دُونَهُ أَخَذَتْهُمْ الصّاعِقَةُ . وَقَالَ تَعَالَى ( 4 : 153 - 161 ) يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السّمَاءِ الْآيَاتِ . بَيّنَ سُبْحَانَهُ أَنّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ سَأَلُوهُ إنْزَالَ كِتَابٍ مِنْ السّمَاءِ وَبَيّنَ أَنّ الطّائِفَتَيْنِ لَا يُؤْمِنُونَ إذَا جَاءَهُمْ ذَلِكَ وَأَنّهُمْ إنّمَا سَأَلُوهُ تَعَنّتًا ، فَقَالَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ ( 6 : 7 ) وَلَوْ نَزّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ الْآيَةَ . وَقَالَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ( 4 : 153 ) فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ - إلَى قَوْلِهِ - مِيثَاقًا غَلِيظًا فَهُمْ - مَعَ هَذَا - نَقَضُوا الْمِيثَاقَ وَكَفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَقَتَلُوا النّبِيّينَ . فَكَانَ فِيهِ مِنْ الِاعْتِبَارِ أَنّ الّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ إذَا جَاءَتْهُمْ الْآيَاتُ الْمُقْتَرَحَةُ لَمْ يَكُنْ فِي مَجِيئِهَا مَنْفَعَةٌ لَهُمْ بَلْ فِيهَا وُجُوبُ عُقُوبَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ إذَا لَمْ يُؤْمِنُوا ، وَتَغْلِيظُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 4 : 160 ) فَبِظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا الْآيَةَ . فَكَانَ فِي إنْزَالِ مِثْلِ هَذِهِ أَعْظَمَ رَحْمَةً وَحِكْمَةً . وَلَمّا طَلَبَ الْحَوَارِيّونَ مِنْ الْمَسِيحِ الْمَائِدَةَ كَانَتْ مِنْ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِمَنْ كَفَرَ بِهَا عَذَابًا ، لَمْ يُعَذّبْ اللّهُ بِهِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ التّوْرَاةِ يُهْلِكُ اللّهُ الْمُكَذّبِينَ بِالرّسُلِ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ عَاجِلًا . وَأَظْهَرَ آيَاتٍ كَثِيرَةً لَمّا أَرْسَلَ مُوسَى لِيَبْقَى ذِكْرُهَا فِي الْأَرْضِ . إذْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ التّوْرَاةِ لَمْ يُهْلِكْ أُمّةً بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 28 : 43 ) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَلْ كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ لَمّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ - مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي - يُعَذّبُ اللّهُ بَعْضَهُمْ وَيُبْقِي بَعْضَهُمْ إذْ كَانُوا لَا يَتّفِقُونَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ يَزَلْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ أُمّةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى الصّلَاحِ . قَالَ تَعَالَى ( 7 : 168 <72> ) وَقَطّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ الْآيَةَ وَقَالَ ( 3 : 113 ، 114 ) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ الْآيَتَيْنِ . وَكَانَ مِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ - لَمّا أَرْسَلَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَاتَمَ الْمُرْسَلِينَ - أَنْ لَا يُهْلِكَ قَوْمَهُ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ بَلْ عَذّبَ بَعْضَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ كالمستهزئين الّذِينَ قَالَ اللّهُ فِيهِمْ ( 15 : 95 ، 96 ) إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْآيَاتِ . وَاَلّذِي دَعَا عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسَلّطَ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 9 : 52 ) قُلْ هَلْ تَرَبّصُونَ بِنَا إِلّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ الْآيَةَ . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّهُ يُعَذّبُ الْكُفّارَ تَارَةً بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْجِهَادِ وَالْحُدُودِ وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ . فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا يُوجِبُ إيمَانَ أَكْثَرِهِمْ كَمَا جَرَى لِقُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ . فَإِنّهُ لَوْ أَهْلَكَهُمْ لَبَادُوا ، وَانْقَطَعَتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ ذُرّيّةٌ تُؤْمِنُ بِخِلَافِ مَا عَذّبَهُمْ بِهِ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالْقَهْرِ فَإِنّ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ عَجْزَهُمْ وَالنّفُوسُ إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى كَمَالِ أَغْرَاضِهَا ، فَلَا تَكَادُ تَنْصَرِفُ عَنْهَا . بِخِلَافِ عَجْزِهَا عَنْهَا . فَإِنّهُ يَدْعُوهَا إلَى التّوْبَةِ كَمَا قِيلَ مِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَقْدِرَ وَلِهَذَا آمَنَ عَامّتُهُمْ . وَقَدْ ذَكَرَ اللّهُ فِي التّوْرَاةِ لِمُوسَى " إنّي أُقَسّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ . فَلَا يُؤْمِنُ بِك لِتُظْهِرَ آيَاتِي وَعَجَائِبِي " . بَيّنَ أَنّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ انْتِشَارُ آيَاتِهِ الدّالّةِ عَلَى صِدْقِ أَنْبِيَائِهِ فِي الْأَرْضِ إذْ كَانَ مُوسَى أَخْبَرَ بِتَكْلِيمِ اللّهِ لَهُ وَبِكِتَابَةِ التّوْرَاةِ لَهُ فَأَظْهَرَ لَهُ مِنْ الْآيَاتِ مَا يَبْقَى ذِكْرُهُ فِي الْأَرْضِ . وَكَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ تَقْسِيَةِ قَلْبِ فِرْعَوْنَ مَا أَوْجَبَ هَلَاكَهُ وَهَلَاكَ قَوْمِهِ . وَفِرْعَوْنُ كَانَ جَاحِدًا لِلصّانِعِ . فَلِذَلِكَ أُوتِيَ مُوسَى مِنْ الْآيَاتِ مَا يُنَاسِبُ حَالَهُ . وَأَمّا بَنُو إسْرَائِيلَ - مَعَ الْمَسِيحِ - فَكَانُوا مُقِرّينَ بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ . فَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى مِثْلِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مُوسَى . وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى جَنْسِ تَقْرِيرِ النّبُوّةِ إذْ كَانَتْ الرّسُلُ قَبْلَهُ جَاءَتْ بِمَا يُثْبِتُ ذَلِكَ . وَإِنّمَا الْحَاجَةُ إلَى تَثْبِيتِ نُبُوّتِهِ . <73> وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَظْهَرَ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْآيَاتِ مِثْلَ آيَاتِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَعْظَمَ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْتِ بِآيَاتِ الِاسْتِئْصَالِ . بَلْ بَيّنَ اللّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنّهَا لَا تَنْفَعُهُمْ بَلْ تَضُرّهُمْ . لِأَنّهُ عَلِمَ أَنّ قُلُوبَهُمْ كَقُلُوبِ الْأَوّلِينَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 51 : 52 ، 53 ) كَذَلِكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى ( 2 : 118 ) كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى ( 54 : 43 ) أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ ؟ الْآيَةَ وَسُورَةُ اقْتَرَبَتْ الّتِي ذَكَرَ فِيهَا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ الْآيَاتِ وَقَوْلَهُمْ سِحْرٌ مُسْتَمِرّ وَقَالَ فِيهَا ( 54 : 4 ) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ أَيْ يَزْجُرُهُمْ عَنْ الْكُفْرِ زَجْرًا شَدِيدًا ، إذْ كَانَ فِي تِلْكَ الْأَنْبَاءِ صِدْقُ الرّسُلِ وَالْإِنْذَارُ بِالْعَذَابِ الّذِي وَقَعَ بالمتقدمين . وَلِهَذَا يَقُولُ عَقِيبَ كُلّ قِصّةٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ أَيْ عَذَابِي لِمَنْ كَذّبَ رُسُلِي ، وَإِنْذَارِي لَهُمْ بِذَلِكَ قَبْلَ مَجِيئِهِ . ثُمّ قَالَ أَكُفّارُكُمْ أَيّتُهَا الْأُمّةُ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ الّذِي كَذّبُوا الرّسُلَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزّبُرِ ؟ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ؟ وَذَلِكَ أَنّ كَوْنَكُمْ تُعَذّبُونَ مِثْلَهُمْ . إمّا لِكَوْنِكُمْ لَا تَسْتَحِقّونَ مَا اسْتَحَقّوا ، أَوْ لِكَوْنِ اللّهِ أَخْبَرَ أَنّهُ لَا يُعَذّبُكُمْ فَهَذَا بِالنّظَرِ إلَى فِعْلِ اللّهِ . وَأَمّا بِالنّظَرِ إلَى قُوّةِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَتْبَاعِهِ . فَيَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ فَإِنّهُمْ أَكْثَرُ وَأَقْوَى ، كَمَا قَالُوا ( 19 : 73 ) أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيّا - إلَى قَوْلِهِ - أَثَاثًا وَرِئْيًا أَيْ أَمْوَالًا وَمَنْظَرًا . فَقَالَ تَعَالَى ( 54 : 45 ) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ أَخْبَرَ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَزِيمَتِهِمْ وَهُوَ بِمَكّةَ فِي قِلّةِ الْأَتْبَاعِ وَضَعْفٍ مِنْهُمْ . وَلَا يَظُنّ أَحَدٌ - قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ - بِالْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنّ أَمْرَهُ يَعْلُو ، وَيُقَاتِلُهُمْ . فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ . وَذَلِكَ بِبَدْرٍ وَتِلْكَ سُنّةُ اللّهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 48 : 33 ) سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ . وَحَيْثُ يَظْهَرُ الْكُفّارُ وَيُغْلَبُونَ فَإِنّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الّتِي أَوْجَبَتْ نَقْصَ إيمَانِهِمْ فَإِذَا تَابُوا نَصَرَهُمْ اللّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 3 : 139 ) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ <74> فَإِذَا كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ وَالرّحْمَةِ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِالِاسْتِئْصَالِ كَاَلّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَالَ تَعَالَى أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزّبُرِ كَانَ لَا يَأْتِي بِمُوجِبِ ذَلِكَ مَعَ إتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يُقِيمُ الْحُجّةَ أَكْمَلَ فِي الْحِكْمَةِ وَالرّحْمَةِ إذْ كَانَ مَا أَتَى بِهِ حَصَلَ بِهِ كَمَالُ الْهُدَى وَالْحُجّةِ وَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ دَفَعَ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ مَا أَوْجَبَ بَقَاءَ جُمْهُورِ الْأُمّةِ حَتّى يَهْتَدُوا وَيُؤْمِنُوا . وَكَانَ فِي إرْسَالِ خَاتَمِ الرّسُلِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالْمِنَنِ السّابِغَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي رِسَالَةِ غَيْرِهِ . صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . رَجَعْنَا إلَى سِيرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الطّائِفِ وَلَمّا اشْتَدّ الْبَلَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ مَوْتِ عَمّهِ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ ، رَجَاءَ أَنْ يُؤْوُهُ وَيَنْصُرُوهُ عَلَى قَوْمِهِ وَيَمْنَعُوهُ مِنْهُمْ حَتّى يُبَلّغَ رِسَالَةَ رَبّهِ . وَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَلَمْ يُرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يُرَ نَاصِرًا ، وَآذَوْهُ أَشَدّ الْأَذَى . وَنَالُوا مِنْهُ مَا لَمْ يَنَلْ قَوْمَهُ . وَكَانَ مَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ . فَأَقَامَ بَيْنَهُمْ عَشَرَةَ أَيّامٍ . لَا يَدْعُ أَحَدًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ إلّا كَلّمَهُ فَقَالُوا : اُخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا . وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ . فَوَقَفُوا لَهُ سِمَاطَيْنِ . وَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَبِكَلِمَاتٍ مِنْ السّفَهِ هِيَ أَشَدّ وَقْعًا مِنْ الْحِجَارَةِ . حَتّى دَمِيَتْ قَدَمَاهُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتّى أَصَابَهُ شِجَاجٌ فِي رَأْسِهِ فَانْصَرَفَ إلَى مَكّةَ مَحْزُونًا . وَفِي مَرْجِعِهِ دَعَا بِالدّعَاءِ الْمَشْهُورِ : « اللّهُمّ إنّي أَشْكُو إلَيْك ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بِعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ، أَوْ إلَى عَدُوّ مَلّكْته أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيّ فَلَا أُبَالِي ، غَيْرَ أَنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي . أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ يَحِلّ عَلَيّ غَضَبُك ، أَوْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُك . لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك » ( ) فَأَرْسَلَ رَبّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَيْهِ مَلَكَ الْجِبَالِ يَسْتَأْمِرُهُ أَنْ يُطْبِقَ الْأَخْشَبَيْنِ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ - وَهُمَا جَبَلَاهَا اللّذَانِ هِيَ بَيْنَهُمَا - فَقَالَ : « بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ . لَعَلّ <75> اللّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا » ( ) فَلَمّا نَزَلَ بِنَخْلَةَ فِي مَرْجِعِهِ قَامَ يُصَلّي مِنْ اللّيْلِ مَا شَاءَ اللّهُ فَصَرَفَ اللّهُ إلَيْهِ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ . فَاسْتَمَعُوا قِرَاءَتَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ عَلَيْهِ ( 46 : 28 - 32 ) وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ - إلَى قَوْلِهِ - أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( ) . وَأَقَامَ بِنَخْلَةَ أَيّامًا . فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَخَرَجُوك ؟ - يَعْنِي قُرَيْشًا - فَقَالَ يَا زَيْدُ إنّ اللّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا . وَإِنّ اللّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيّهُ . ثُمّ انْتَهَى إلَى مَكّةَ . فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ أَدْخُلُ فِي جِوَارِك ؟ فَقَالَ نَعَمْ . فَدَعَا الْمُطْعِمُ بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ الْبَسُوا السّلَاحَ وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ . فَإِنّي قَدْ أَجَرْت مُحَمّدًا . فَلَا يَهْجُهُ أَحَدٌ . فَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الرّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ . وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ . وَانْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ وَوَلَدُهُ مُحْدِقُونَ بِهِ فِي السّلَاحَ حَتّى دَخَلَ بَيْتَهُ . الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ ثُمّ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِ الْقُدْسِ رَاكِبًا عَلَى الْبُرَاقِ صُحْبَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ . فَنَزَلَ هُنَاكَ . وَصَلّى بِالْأَنْبِيَاءِ إمَامًا . وَرَبَطَ الْبُرَاقَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ . ثُمّ عَرَجَ بِهِ إلَى السّمَاءِ الدّنْيَا . فَرَأَى فِيهَا آدَمَ . وَرَأَى أَرْوَاحَ السّعَدَاءِ عَنْ يَمِينِهِ وَالْأَشْقِيَاءِ عَنْ شِمَالِهِ . ثُمّ إلَى الثّانِيَةِ . فَرَأَى فِيهَا عِيسَى وَيَحْيَى . ثُمّ إلَى الثّالِثَةِ . فَرَأَى فِيهَا يُوسُفَ . ثُمّ إلَى الرّابِعَةِ . فَرَأَى فِيهَا إدْرِيسَ . ثُمّ إلى الْخَامِسَةِ . فَرَأَى فِيهَا هَارُونَ . ثُمّ إلَى السّادِسَةِ . فَرَأَى فِيهَا مُوسَى . فَلَمّا جَاوَزَهُ بَكَى . فَقِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ أَبْكِي أَنّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنّةَ مِنْ أُمّتِهِ أَكْثَرُ مِمّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمّتِي . ثُمّ عَرَجَ بِهِ إلَى السّمَاءِ السّابِعَةِ . فَلَقِيَ فِيهَا إبْرَاهِيمُ . ثُمّ إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى . ثُمّ رُفِعَ إلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ . فَرَأَى هُنَاكَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاحٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 53 : 13 - 14 ) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( ) وَكَلّمَهُ رَبّهُ وَأَعْطَاهُ مَا أَعْطَاهُ . وَأَعْطَاهُ الصّلَاةَ . فَكَانَتْ قُرّةَ عَيْنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ <76> فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْمِهِ وَأَخْبَرَهُمْ اشْتَدّ تَكْذِيبُهُمْ لَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَصِفَ لَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ . فَجَلّاهُ اللّهُ لَهُ حَتّى عَايَنَهُ . وَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ بِهِ . وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِ شَيْئًا ( ) . وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ عِيرِهِمْ الّتِي رَآهَا فِي مُسَرّاهُ وَمَرْجِعِهِ وَعَنْ وَقْتِ قُدُومِهَا ، وَعَنْ الْبَعِيرِ الّذِي يَقْدَمُهَا . فَكَانَ كَمَا قَالَ ( ) . فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إلّا ثُبُورًا . وَأَبَى الظّالِمُونَ إلّا كُفُورًا . فَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ قَدْ ذَكَرْنَا <77> أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلّ عَامٍ يَتّبِعُ الْحَاجّ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِي عُكَاظٍ وَغَيْرِهَا . يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ . فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ . وَلَمْ يُؤْوِهِ . فَكَانَ مِمّنْ صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ أَنّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ : أَنّ نَبِيّا يُبْعَثُ فِي هَذَا الزّمَانِ فَنَتّبِعُهُ وَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ . وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ تَحُجّ ، كَغَيْرِهَا مِنْ الْعَرَبِ ، دُونَ الْيَهُودِ . فَلَمّا رَأَى الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْعُو النّاسَ إلَى اللّهِ . وَتَأَمّلُوا أَحْوَالَهُ . قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَعْلَمُونَ وَاَللّهِ يَا قَوْمِ أَنّ هَذَا الّذِي تَوَعّدَكُمْ بِهِ الْيَهُودُ . فَلَا يَسْبِقَنكُمْ إلَيْهِ وَقَدّرَ اللّهُ بَعْدَ ذَلِكَ . أَنّ الْيَهُودَ يُكَفّرُونَ بِهِ . فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 2 : 89 ) وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْآيَةَ بَعْدَهَا . بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى فَلَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ : سِتّةُ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كُلّهُمْ مِنْ الْخَزْرَجِ . مِنْهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ السّلَمِيّ . فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا . ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ . فَنَشَأَ الْإِسْلَامُ فِيهَا ، حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ إلّا وَدَخَلَهَا . فَلَمّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ جَاءَ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا - السّتّةُ الْأُوَلُ . خَلَا جَابِرًا - وَمَعَهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَغَيْرُهُمْ . الْجَمِيعُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا . وَكَانَ السّتّةُ الْأَوّلُونَ قَدْ قَالُوا لَهُ - لَمّا أَسْلَمُوا - إنّ بَيْنَ قَوْمِنَا مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالشّرّ مَا بَيْنَهُمْ . وَعَسَى اللّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِك ، وَسَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِك . فَإِنْ يَجْمَعَهُمْ اللّهُ عَلَيْك فَلَا رَجُلٌ أَعَزّ مِنْك ، وَكَانَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَخَوَانِ لِأُمّ وَأَبٍ . أَصْلُهُمْ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ سَبَأٍ . وَأُمّهُمْ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلٍ - امْرَأَةٌ مِنْ <78> قُضَاعَةَ - وَيُقَالُ لَهُمْ لِذَلِكَ أَبْنَاءُ قَيْلَةَ . قَالَ الشّاعِرُ . بَهَالِيلُ مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمْ خَلِيطٌ فِي مُخَالَطَةِ عُتْبَا فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ قَتِيلٍ فَلَبِثَتْ بَيْنَهُمْ الْحَرْبُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَنْ أَطْفَأَهَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ . وَأَلّفَ بَيْنَهُمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ ( 3 : 103 ) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا - الْآيَةَ . فَلَمّا جَاءَهُ الِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا الْعَام الْآتِي - الّذِينَ ذَكَرْنَا - وَمِنْهُمْ اثْنَانِ مِنْ الْأَوْسِ : أَبُو الْهَيْثَمِ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَالْبَاقِي مِنْ الْخَزْرَجِ . فَلَمّا انْصَرَفُوا بَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ وَيُعَلّمَهُمْ الْإِسْلَامَ . فَنَزَلَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ - أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ - فَخَرَجَ بِمُصْعَبٍ - فِي إحْدَى خُرُجَاتِهِ - فَدَخَلَ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ بَنِي ظَفَرٍ . فَجَلَسَا فِيهِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ . إسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - سَيّدُ الْأَوْسِ - لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْر ٍ اذْهَبْ إلَى هَذَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا لِيُسَفّهَا ضُعَفَاءَنَا ، فَازْجُرْهُمَا . فَإِنّ أَسَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ ابْنُ خَالَتِي ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَفَيْتُك ذَلِكَ . وَكَانَ سَعْدٌ وَأُسَيْدٌ سَيّدَيْ قَوْمِهِمَا . فَأَخَذَ أُسَيْدٌ حَرْبَتَهُ . ثُمّ أَقَبْلَ إلَيْهِمَا . فَلَمّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمَصْعَبٍ هَذَا سَيّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَك . فَاصْدُقْ اللّهَ فِيهِ . قَالَ مُصْعَبٌ إنْ يُكَلّمْنِي أُكَلّمْهُ . فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا . فَقَالَ مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا ؟ تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا ؟ اعْتَزَلَا ، إنْ كَانَ لَكُمَا فِي أَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ . فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ . فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا قَبِلْته ، وَإِنْ كَرِهْته كُفّ عَنْك مَا تَكْرَهُ . فَقَالَ أَنْصَفْت . ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ . قَالَ فَوَاَللّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَهَلّلِهِ . ثُمّ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا وَمَا أَجْمَلَهُ كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ ؟ . <79> قَالَا لَهُ تَغْتَسِلُ وَتَطْهُرُ ثَوْبَك . ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ . ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ وَاغْتَسَلَ . وَطَهّرَ ثَوْبَهُ . وَتَشَهّدَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ . ثُمّ قَالَ إنّ وَرَائِي رَجُلًا إنْ تَبِعَكُمَا لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ . وَسَأُرْشِدُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ - سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ فِي قَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ . فَقَالَ سَعْدٌ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَى النّادِي . قَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا فَعَلَتْ ؟ فَقَالَ كَلّمْت الرّجُلَيْنِ . فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا . وَقَدْ نَهَيْتهمَا ، فَقَالَا : نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْت . وَقَدْ حُدّثْت : أَنّ بَنِي حَارِثَةَ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ - وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَرَفُوا أَنّهُ ابْنُ خَالَتِك - لِيَخْفِرُوك . فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا ، لِلّذِي ذُكِرَ لَهُ . فَأَخَذَ حَرْبَتَهُ فَلَمّا رَآهُمَا مُطْمَئِنّينَ عَرَفَ أَنّ أُسَيْدًا إنّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا . ثُمّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ وَاَللّهِ يَا أَبَا أُمَامَةَ . لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رَمَتْ هَذَا مِنّي ، تَغَشّانَا فِي دَارِنَا بِمَا نَكْرَهُ ؟ . وَقَدْ كَانَ أَسْعَدُ قَالَ لِمُصْعَبٍ جَاءَك وَاَللّهِ سَيّدٌ مِنْ وَرَائِهِ قَوْمُهُ . إنْ يَتّبِعْك لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْك مِنْهُمْ أَحَدٌ . فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَ تَقْعُدُ فَتَسْمَعُ ؟ فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا قَبِلْته ، وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا عَنْك مَا تَكْرَهُ قَالَ قَدْ أَنْصَفْت . ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ فَجَلَسَ . فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ . قَالَ فَعَرَفْنَا وَاَللّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَهَلّلِهِ . ثُمّ قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَسْلَمْتُمْ ؟ قَالَا : تَغْتَسِلُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَك ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ . ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ . ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ . فَأَقْبَلَ إلَى نَادِي قَوْمِهِ . فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا : نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ رَجَعَ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ أَمْرَى فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيّدُنَا . وَابْنُ سَيّدِنَا ، وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا ، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً . قَالَ فَإِنّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى تُؤْمِنُوا بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ . فَمَا أَمْسَى فِيهِمْ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا أَسْلَمُوا ، إلّا الْأُصَيْرِمَ . فَإِنّهُ تَأَخّرَ إسْلَامُهُ إلَى يَوْمِ أُحُدٍ . <80> فَأَسْلَمَ وَقَاتَلَ وَقُتِلَ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلّهِ سَجْدَةً . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا ( ) فَأَقَامَ مُصْعَبٌ فِي مَنْزِلِ أَسْعَدَ يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ إلّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ . وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانَ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْأَسْلَتِ الشّاعِرُ . وَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ حَتّى كَانَ عَامَ الْخَنْدَقِ ، بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ . وَجَاءَ مَوْسِمُ الْحَجّ . قَالَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ : حَتّى مَتَى نَتْرُكُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطْرُدُ فِي جِبَالِ مَكّةَ وَيَخَافُ ؟ فَخَرَجُوا مَعَ مُشْرِكِي قَوْمِهِمْ حُجّاجًا . بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ فَلَمّا وَصَلُوا وَاعَدُوهُ الْعَقَبَةَ ، مِنْ أَوَاسِطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ لِلْبَيْعَةِ بَعْدَ مَا انْقَضَى حَجّهُمْ . فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ مَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الّذِينَ جَاءُوك ؟ إنّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ . فَلَمّا كَانَ اللّيْلُ تَسَلّلُوا مِنْ رِحَالِهِمْ مُخْتَفِينَ وَمَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ - أَبُو جَابِرٍ - وَهُوَ مُشْرِكٌ وَكَانُوا يُكَاتِمُونَهُ الْأَمْرَ . فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي وَاعَدُوا فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : يَا أَبَا جَابِرٍ ، إنّك شَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا . وَإِنّا نَرْغَبُ بِك أَنْ تَكُونَ حَطْبًا لِلنّارِ غَدًا ، قَالَ وَمَا ذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ . فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ وَكَانَ نَقِيبًا .
فَلَمّا مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجُوا لِلْمِيعَادِ حَتّى اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ وَمَعَهُ عَمّهُ الْعَبّاسُ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ - وَلَكِنّهُ أَحَبّ أَنْ يُحْضِرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقُ لَهُ .
فَلَمّا نَظَرَ الْعَبّاسُ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا نَعْرِفُهُمْ هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ . فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمّي الْجَمِيعَ الْخَزْرَجَ - إنّ مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ إلّا أَنّهُ أَبَى إلّا الِانْقِطَاعَ إلَيْكُمْ وَاللّحُوقَ بِكُمْ . فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ <81> وَافُونَ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمّنْ خَالَفَهُ فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمّلْتُمْ . وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ - بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَيْكُمْ - فَمِنْ الْآنَ فَدَعُوهُ . فَإِنّهُ فِي عِزّ وَمَنَعَةٍ .
قَالُوا : قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت . فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللّهِ وَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا شِئْت .
فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي - إذَا قَدِمْت عَلَيْكُمْ - مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ . وَلَكُمْ الْجَنّةُ ( )
فَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَايَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ . فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَنَمْنَعَنّكَ مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا . فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ . فَنَحْنُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا صَاغِرًا عَنْ كَابِرٍ . فَاعْتَرَضَهُ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَقَالَ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النّاسِ حِبَالًا وَنَحْنُ قَاطِعُوهَا ، فَهَلْ عَسَيْت - إنْ أَظْهَرَك اللّهُ - أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا ؟ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ لَا وَاَللّهِ بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ ، أَنْتُمْ مِنّي وَأَنَا مِنْكُمْ . أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ . وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ
فَلَمّا قَدِمُوا يُبَايِعُونَهُ أَخَذَ بِيَدِهِ أَصْغَرَهُمْ - أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ - فَقَالَ رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، إنّا لَمْ نَضْرِبْ إلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إلّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَإِنّ إخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةٌ لِلْعَرَبِ كَافّةً وَقُتِلَ خِيَارُكُمْ وَأَنْ تَعَضّكُمْ السّيُوفُ . فَإِمّا أَنْتُمْ تَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ . فَخُذُوهُ وَأَجْرَكُمْ عَلَى اللّهِ وَإِمّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ . فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ . فَقَالُوا : أَمِطْ عَنّا يَدَك ، فَوَاَللّهِ مَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا .
فَقَامُوا إلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيُعْطِيهِمْ بِذَلِكَ الْجَنّةَ ثُمّ كَثُرَ اللّغَطُ فَقَالَ الْعَبّاسُ عَلَى رِسْلِكُمْ . فَإِنّ عَلَيْنَا عُيُونًا .
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ كَكِفَالَةِ الْحَوَارِيّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي "وَفِي رِوَايَةِ " أَنّ مُوسَى اتّخَذَ مِنْ قَوْمِهِ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
فَكَانَ نَقِيبُ بَنِي النّجّارِ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ . وَنَقِيبُ بَنِي سَلِمَةَ : الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ . وَنَقِيبُ بَنِي سَاعِدَةَ : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، <82> وَالْمُنْذِر بْنُ عَمْرٍو . وَنَقِيبُ بَنِي زُرَيْقٍ : رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَجْلَانَ . وَنَقِيبُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:00 am | |
| فَلَمّا أَصْبَحُوا غَدَتْ عَلَيْهِمْ جَلّةُ قُرَيْشٍ . فَقَالُوا : إنّهُ بَلَغَنَا أَنّكُمْ جِئْتُمْ صَاحِبَنَا الْبَارِحَةَ تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا . وَإِنّ اللّهَ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا مِنْ أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ . فَانْبَعَثَ رِجَالٌ - مِمّنْ لَمْ يَعْلَمْ - يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاَللّهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَاَلّذِينَ يَشْهَدُونَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ . وَجَعَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ . مَا كَانَ هَذَا . وَمَا كَانَ قَوْمِي لِيَفْتَاتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا . لَوْ كُنْت بِيَثْرِبَ مَا صَنَعَ قَوْمِي هَذَا . حَتّى يُؤَامِرُونِي .
فَقَامَ الْقَوْمُ - وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ - وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ . فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : كَلِمَةً - كَأَنّهُ يُرِيدُ أَنْ يُشْرِكَ الْقَوْمَ فِيمَا قَالُوا - فَقَالَ يَا آبَا جَابِرٍ مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتّخِذَ - وَأَنْتَ سَيّدٌ مِنْ سَادَتِنَا - مِثْلُ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى ؟ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ . فَجَعَلَهَا مِنْ رِجْلَيْهِ . ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيْهِ . وَقَالَ وَاَللّهِ لَتَنْتَعِلَنهُمَا . فَقَالَ أَبُو جَابِرٍ مَهْ ؟ أَحَفِظْت الْفَتَى . فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ ؟ فَقَالَ لَا أَرُدّهُمَا إلَيْهِ وَاَللّهِ فَأْلٌ صَالِحٌ . لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنهُ .
فَلَمّا انْفَصَلَتْ الْأَنْصَارُ عَنْ مَكّةَ : صَحّ الْخَبَرُ عِنْدَ قُرَيْشٍ . فَخَرَجُوا فِي <83> طَلَبِهِمْ فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو . فَأَعْجَزَهُمْ الْمُنْذِرُ وَمَضَى . وَأَمّا سَعْدٌ فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعَةِ رَحْلِهِ . وَجَعَلُوا يَسْحَبُونَهُ بِشَعْرِهِ وَيَضْرِبُوهُ - وَكَانَ ذَا جُمّةٍ - حَتّى أَدْخَلُوهُ مَكّةَ ، فَجَاءَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ وَالْحَارِثُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ . فَخَلّصَاهُ مِنْ أَيْدِيهمْ .
وَتَشَاوَرَتْ الْأَنْصَارُ أَنْ يَكْرُوَا إلَيْهِ . فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ . فَرَحَلُوا إلَى الْمَدِينَةِ .
وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ وَقَالَ
تَدَارَكْت سَعْدًا عَنْوَةً فَأَسَرْته وَكَانَ شِفَائِي ، لَوْ تَدَارَكْت مُنْذِرَا وَلَوْ نِلْته طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحَةٌ أَحَقّ دِمَاءً أَنْ تُهَانَ وَتُهْدَرَا
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
فَخَرّتْ بِسَعْدِ الْخَيْرِ حِينَ أَسَرْته وَقُلْت : شِفَائِي لَوْ تَدَارَكْت مُنْذِرَا وَإِنْ امْرَأً يَهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا كَمُسْتَبْضَعٍ تَمْرًا إلَى أَهْلِ خَيْبَرَا فَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا بِحَفْرِ ذِرَاعَيْهَا . فَلَمْ تَرْضَ مِحْفَرَا وَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ بِقَرْيَةِ كِسْرَى ، أَوْ بَقَرِيّةِ قَيْصَرَا وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى ، وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ عَنْ الثّكْلِ . لَوْ أَنّ الْفُؤَادَ تَفَكّرَا وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي ، وَأَقْبَلَ نَحْرَهُ وَلَمْ يَخْشَهُ سَهْمٌ مِنْ النّبْلِ مُضْمَرَا أَتَفْخَرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْته وَقَدْ يُلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدُ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ يَهْوِينَ حُسّرَا
وَسَمِعَتْ قُرَيْشٌ قَائِلًا يَقُولُ بِاللّيْلِ عَلَى أَبَى قُبَيْسٍ
فَإِنْ يَسْلَمْ السّعْدَانُ يُصْبِحْ مُحَمّدٌ بِمَكّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمَخَالِفِ
قَالُوا : مَنْ هُمَا ؟ قَالَ أَبِهِ سُفْيَانَ أَسْعَدُ بْنُ بَكْرٍ أَمْ سَعْدُ بْنُ هُزَيْمٍ ؟ فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الْقَابِلَةُ سَمِعُوهُ <84> يَقُولُ
فَيَا سَعْدُ - سَعْدَ الْأَوْسِ - كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا وَيَا سَعْدُ - سَعْدَ الْخَزْرَجَيْنِ - الْغَطَارِفِ أَجِيبَا إلَى دَاعِي الْهُدَى . وَتَمَنّيَا عَلَى اللّهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مِنّةَ عَارِفِ فَإِنّ ثَوَابَ اللّهِ لِلطّالِبِ الْهُدَى جِنَانٌ مِنْ الْفِرْدَوْسِ ذَاتِ رَفَارِفِ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ هَذَا وَاَللّهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ . الْهِجْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ . فَبَادَرُوا إلَيْهَا . وَأَوّلُ مَنْ خَرَجَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ ، وَزَوْجَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ . وَلَكِنّهَا حُبِسَتْ عَنْهُ سَنَةً وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا . ثُمّ خَرَجَتْ بَعْدُ هِيَ وَوَلَدُهَا إلَى الْمَدِينَةِ .
ثُمّ خَرَجُوا أَرْسَالًا ، يَتّبِعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بِمَكّةَ أَحَدٌ إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَلِيّ - أَقَامَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمَا - وَإِلّا مَنْ احْتَبَسَهُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا .
وَأَعَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَهَازَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ . وَأَعَدّ أَبُو بَكْرٍ جَهَازَهُ . تَآمُرُ قُرَيْشٍ بِدَارِ النّدْوَةِ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللّهِ فَلَمّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَجَهّزُوا وَخَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ : عَرَفُوا أَنّ الدّارَ دَارُ مَنَعَةٍ وَأَنّ الْقَوْمَ أَهْلُ حَلْقَةٍ وَبَأْسٍ فَخَافُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَيَشْتَدّ أَمْرُهُ عَلَيْهِمْ . فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النّدْوَةِ . وَحَضَرَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ . فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ كُلّ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ وَالشّيْخُ يَرُدّهُ وَلَا يَرْضَاهُ إلَى أَنْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ قَدْ فُرِقَ لِي فِيهِ بِرَأْيٍ مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ قَالُوا : مَا هُوَ ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا جَلْدًا . ثُمّ نُعْطِيهِ سَيْفًا صَارِمًا ، ثُمّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَتَفَرّقُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ . فَلَا تَدْرِي بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَصْنَعُ وَلَا يُمْكِنُهَا مُعَادَاةُ الْقَبَائِلِ كُلّهَا ، وَنَسُوقُ دِيَتَهُ . فَقَالَ الشّيْخُ لِلّهِ دَرّ هَذَا الْفَتَى . هَذَا وَاَللّهِ الرّأْيُ . فَتَفَرّقُوا عَلَى ذَلِكَ . فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ . وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ . <85> وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ نِصْفَ النّهَارِ - فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ فِيهَا - مُتَقَنّعًا ، فَقَالَ " أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَك " فَقَالَ إنّمَا هُمْ أَهْلُك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ " نَعَمْ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي - إحْدَى رَاحِلَتَيّ هَاتَيْنِ فَقَالَ " بِالثّمَنِ وَأَمَرَ عَلِيّا أَنْ يَبِيتَ تِلْكَ اللّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِهِ . وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ النّفَرُ يَتَطَلّعُونَ مَنْ صَيّرَ الْبَابَ وَيَرْصُدُونَهُ يُرِيدُونَ بَيَاتَهُ وَيَأْتَمِرُونَ أَيّهُمْ يَكُونُ أَشْقَاهَا ؟ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ . فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْبَطْحَاءِ فَذَرّهَا عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو ( 36 : 9 ) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَأَنْزَلَ اللّهُ ( 8 : 30 ) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ . فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ لَيْلًا . فَجَاءَ رَجُلٌ فَرَأَى الْقَوْمَ بِبَابِهِ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ قَالُوا : مُحَمّدًا . قَالَ خِبْتُمْ وَخَسِرْتُمْ قَدْ وَاَللّهِ مَرّ بِكُمْ وَذَرّ عَلَى رُءُوسِكُمْ التّرَابَ . قَالُوا : وَاَللّهِ مَا أَبْصَرْنَاهُ وَقَامُوا يَنْفُضُونَ التّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ . فَلَمّا أَصْبَحُوا : قَامَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَسَأَلُوهُ عَنْ مُحَمّدٍ ؟ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ ( ) . وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى غَارِ ثَوْرٍ ، فَنَسَجَتْ الْعَنْكَبُوتُ عَلَى بَابِهِ ( ) . وَكَانَا قَدْ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ اللّيْثِيّ وَكَانَ هَادِيًا مَاهِرًا - وَكَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ - وَأَمّنَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَسَلّمَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ ( ) . وَجَدّتْ قُرَيْشٌ فِي طَلَبِهِمَا ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ الْقَافَةَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَابِ الْغَارِ . فَوَقَفُوا عَلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا . فَقَالَ " مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ لَا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنَا ( ) <86> وَكَانَا يَسْمَعَانِ كَلَامَهُمْ إلّا أَنّ اللّهَ عَمَى عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمَا . وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَرْعَى غَنَمًا لِأَبِي بَكْرٍ وَيَتَسَمّعُ مَا يُقَالُ عَنْهُمَا بِمَكّةَ . ثُمّ يَأْتِيهِمَا بِالْخَبَرِ لَيْلًا . فَإِذَا كَانَ السّحَرُ سَرَحَ مَعَ النّاسِ ( ) . قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهّزْنَاهُمَا أَحَثّ الْجَهَازِ . وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ . فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ . قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا ، فَأَوْكَتْ بِهِ فَمَ الْجِرَابِ وَقَطَعَتْ الْأُخْرَى عِصَامًا لِلْقِرْبَةِ . فَبِذَلِكَ لُقّبَتْ " ذَاتَ النّطَاقَيْنِ " . وَمَكَثَا فِي الْغَارِ ثَلَاثًا . حَتّى خَمَدَتْ نَارُ الطّلَبِ . فَجَاءَهُمَا ابْنُ أُرَيْقِطٍ بِالرّاحِلَتَيْنِ فَارْتَحَلَا ، . وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ . قِصّةُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ فَلَمّا آيَسَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمَا جَعَلُوا لِمَنْ جَاءَ فِيهَا دِيَةَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، لِمَنْ يَأْتِي بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا . فَجَدّ النّاسُ فِي الطّلَبِ . وَاَللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ .
فَلَمّا مَرّوا بِحَيّ مِنْ مُدْلِجٍ مُصْعِدِينَ مِنْ قُدَيْدٍ . بَصُرَ بِهِمْ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى الْحَيّ . فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْت آنِفًا بِالسّاحِلِ أَسْوِدَةً مَا أَرَاهَا إلّا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ .
فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ ، فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الظّفَرُ لَهُ . وَشَدّ سَبَقَ لَهُ مِنْ الظّفَرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ . فَقَالَ بَلْ هُمَا فُلَانٌ وَفُلَانُ خَرَجَا فِي طَلَبِ حَاجَةٍ لَهُمَا . ثُمّ مَكَثَ قَلِيلًا . ثُمّ قَامَ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ وَقَالَ لِجَارِيَتِهِ اُخْرُجِي بِالْفَرَسِ مِنْ وَرَاءِ الْخِبَاءِ وَمَوْعِدُك وَرَاءَ الْأَكَمَةِ . ثُمّ أَخَذَ رُمْحَهُ وَخَفّضَ عَالِيَهُ يَخُطّ بِهِ الْأَرْضَ حَتّى رَكِبَ فَرَسَهُ . فَلَمّا قَرُبَ مِنْهُمْ وَسَمِعَ قِرَاءَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَلْتَفِتُ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ رَهِقَنَا . فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ .
فَقَالَ قَدْ عَلِمْت أَنّ الّذِي أَصَابَنِي بِدُعَائِكُمَا . فَادْعُوا اللّهَ لِي ، وَلَكُمَا أَنْ أَرُدّ النّاسَ عَنْكُمَا ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَلَصَتْ يَدَا فَرَسِهِ . فَانْطَلَقَ . وَسَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا ، فَكَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَمْرِهِ فِي أَدِيمٍ . وَكَانَ الْكِتَابُ مَعَهُ إلَى يَوْمِ فَتْحِ مَكّةَ . فَجَاءَ بِهِ فَوَفَى لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( ) . فَرَجَعَ . فَوَجَدَ النّاسَ فِي الطّلَبِ فَجَعَلَ يَقُولُ قَدْ اسْتَبْرَأْت لَكُمْ الْخَبَرَ ، وَقَدْ <87> كَفَيْتُمْ مَا هَهُنَا . فَكَانَ أَوّلُ النّهَارِ جَاهِدًا عَلَيْهِمَا . وَكَانَ آخِرُهُ حَارِسًا لَهُمَا . قِصّةُ أُمّ مَعْبَدٍ ( ) ثُمّ مَرّوا بِخَيْمَةِ أُمّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّةِ ، وَكَانَتْ امْرَأَةُ بَرْزَةَ جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ ثُمّ تُطْعِمُ وَتَسْقِي مَنْ مَرّ بِهَا ، يَسْأَلَاهَا : هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ يَشْتَرُونَهُ ؟ فَقَالَتْ وَاَللّهِ لَوْ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمْ الْقِرَى . وَالشّاءُ عَازِبٌ - وَكَانَتْ سَنَةً شَهْبَاءَ - فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ فَقَالَ " مَا هَذِهِ الشّاةُ ؟ " قَالَتْ خَلّفَهَا الْجَهْدُ عَنْ الْغَنَمِ . فَقَالَ " هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ ؟ " قَالَتْ هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ " أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا ؟ " قَالَتْ نَعَمْ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي - إنْ رَأَيْت بِهَا حَلِيبًا فَاحْلُبْهَا .
فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا ، وَسَمّى اللّهَ وَدَعَا ، فَتَفَاجّتْ عَلَيْهِ وَدَرّتْ . فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يَرْبِضُ الرّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ حَتّى عَلَتْهُ الرّغْوَةُ فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتّى رَوِيَتْ وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتّى رَوَوْا . ثُمّ شَرِبَ هُوَ . وَحَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا فَمَلَأَ الْإِنَاءَ . ثُمّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَارْتَحَلُوا .
فَقَلّ مَا لَبِثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا . فَلَمّا رَأَى اللّبَنَ قَالَ مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ وَالشّاءُ عَازِبٌ . وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ .
قَالَتْ لَا وَاَللّهِ إلّا أَنّهُ مَرّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ وَمِنْ حَدِيثِهِ كَيْت وَكَيْت قَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الّذِي تَطْلُبُهُ . صِفِيهِ لِي يَا أُمّ مَعْبَدٍ .
قَالَتْ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجُ الْوَجْهِ حَسَنُ الْخُلُقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةً وَلَمْ تَزِرْ بِهِ صَعْلَةً وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ وَفِي صُورَتِهِ صَحَلٌ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ . وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجّ أَقْرَنُ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ إذَا صَمَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ وَإِذَا تَكَلّمَ عَلَاهُ الْبَهَاءُ أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ . حُلْوُ الْمَنْطِقِ . لَا نَذْرٌ وَلَا هَذْرٌ كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتّحِدُونَ رَبْعَةٌ لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ وَلَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ . غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثّلَاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا . لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ . إذَا قَالَ <88> اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ . وَاذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ . لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ .
قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ هَذَا - وَاَللّهِ صَاحِبُ - قُرَيْشٍ الّذِي تَطْلُبُهُ . وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَصْحَبَهُ وَلَأَفْعَلَن ، إنْ وَجَدْت إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا . وَأَصْبَحَ صَوْتٌ عَالٍ بِمَكّةَ يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ الْقَائِلَ يَقُولُ
جَزَى اللّهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ وَارْتَحَلَا بِهِ فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدِ فَيَا لَقُصَيّ مَا زَوَى اللّهُ عَنْكُمُو بِهِ مِنْ فَخَارٍ . لَا يُحَاذَى وَسُؤْدُدِ وَقَدْ غَادَرْت وَهْنًا لَدَيْهَا بِحَالِبٍ يَرُدّ بِهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمّ مَوْرِدِ سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا فَإِنّكُمُوا إنْ تَسْأَلُوا الشّاةَ تَشْهَدْ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلّبَتْ لَهُ بِصَرِيحِ ضَرّةِ الشّاةِ مَزِيدِ لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيّهُمْ وَقُدّسَ مَنْ يَسْرِي إلَيْهِ وَيَغْتَدِي تَرَحّلَ عَنْ قَوْمٍ . فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ وَحَلّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدّدِ هَدَاهُمْ بِهِ - بَعْدَ الضّلَالَةِ - رَبّهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتّبِعُ الْحَقّ يُرْشَدْ وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ رِكَابُ هُدًى ، حَلّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ نَبِيّ يَرَى مَا لَا يَرَى النّاسُ حَوْلَهُ وَيَتْلُو كِتَابَ اللّهِ فِي كُلّ مَشْهَدِ وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ فَتَصْدِيقُهَا فِي ضَحْوَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ لِيَهْنَ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدّهِ بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدْ اللّهُ يَسْعَدْ وَيَهْنَ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ وَيُقْعِدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ . مَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ لَا نَدْرِي : أَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ يَتَغَنّى بِأَبْيَاتِ غِنَاءِ الْعَرَبِ ، وَالنّاسُ يَتّبِعُونَهُ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ وَلَا يَرَوْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكّةَ فَعَرَفْنَا أَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قَالَتْ وَلَمّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ مَعَهُ مَالَهُ . فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدّي أَبُو قُحَافَةَ - وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - فَقَالَ إنّي وَاَللّهِ لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ . قُلْت : كَلّا <89> وَاَللّهِ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا . وَأَخَذَتْ حِجَارَةً فَوَضَعَتْهَا فِي كُوّةِ الْبَيْتِ . وَقُلْت : ضَعْ يَدَك عَلَى الْمَالِ . فَوَضَعَهَا ، وَقَالَ لَا بَأْسَ . إنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَإِنّمَا أَرَدْت أَنْ أَسْكِتْ الشّيْخَ ( ) . دُخُولُ رَسُولِ اللّهِ الْمَدِينَةَ وَلَمّا بَلَغَ الْأَنْصَارُ مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ . كَانُوا يَخْرُجُونَ كُلّ يَوْمٍ إلَى الْحَرّةِ يَنْتَظِرُونَهُ . فَإِذَا اشْتَدّ حَرّ الشّمْسِ رَجَعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعَ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ نُبُوّتِهِ . فَخَرَجُوا عَلَى عَادَتِهِمْ . فَلَمّا حَمِيَتْ الشّمْسُ رَجَعُوا ، فَصَعِدَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ . فَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ مُبَيّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السّرَابَ . فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا صَاحِبُكُمْ قَدْ جَاءَ هَذَا جَدّكُمْ الّذِي تَنْتَظِرُونَهُ . فَثَارَ الْأَنْصَارُ إلَى السّلَامِ لِيَتَلَقّوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَسَمِعْت الْوَجْبَةَ وَالتّكْبِيرَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا بِقُدُومِهِ . وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ فَتَلْقَوْهُ وَحَيّوْهُ بِتَحِيّةِ النّبُوّةِ . وَأَحْدَقُوا بِهِ مَطِيفِينَ حَوْلَهُ . فَلَمّا أَتَى الْمَدِينَةَ ، عَدَلَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتّى نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ - أَوْ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ - فَأَقَامَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً . وَأَسّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ . وَهُوَ أَوّلُ مَسْجِدٍ أُسّسَ بَعْدَ النّبُوّةِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَكِبَ . فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ . فَجَمَعَ بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي . ثُمّ رَكِبَ . فَأَخَذُوا بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ يَقُولُونَ . هَلُمّ إلَى الْقُوّةِ وَالْمَنَعَةِ وَالسّلَاحِ . فَيَقُولُ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَلَمْ تَزَلْ نَاقَتُهُ سَائِرَةً لَا يَمُرّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ ، إلّا رَغِبُوا إلَيْهِ فِي النّزُولِ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَة فَسَارَتْ حَتّى وَصَلَتْ إلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ فَبَرَكَتْ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا ، حَتّى نَهَضَتْ وَسَارَتْ قَلِيلًا . ثُمّ رَجَعَتْ وَبَرَكَتْ فِي مَوْضِعِهَا الْأَوّلِ . فَنَزَلَ عَنْهَا . وَذَلِكَ فِي بَنِي النّجّارِ ، أَخْوَالُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( ) . <90> وَكَانَ مِنْ تَوْفِيقِ اللّهِ لَهَا . فَإِنّهُ أَحَبّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَخْوَالِهِ يُكْرِمَهُمْ . فَجَعَلَ النّاسُ يُكَلّمُونَهُ فِي النّزُولِ عَلَيْهِمْ . وَبَادَرَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ إلَى رَحْلِهِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ . فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِه وَجَاءَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ . فَكَانَتْ عِنْدَهُ ( ) . وَأَصْبَحَ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ - وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ لِيَحْفَظَهَا عَنْهُ . ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حُجّةً يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى حَبِيبًا مُوَاتِيًا وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ فَلَمْ يُرَ مَنْ يُؤْوَى وَلَمْ يُرَ دَاعِيًا فَلَمّا أَتَانَا وَاسْتَقَرّ بِهِ النّوَى وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطَيْبَةٍ رَاضِيًا وَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى ظِلَامَةَ ظَالِمٍ بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ بَاغِيًا بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ جُلّ مَالِنَا وَأَنْفُسِنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالتّآسِيَا نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ جَمِيعًا . وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبُ الْمُصَافِيَا وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرَهُ وَأَنّ كِتَابَ اللّهِ أَصْبَحَ هَادِيًا وَكَمَا قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . قَوْمِي الّذِينَ هَمّوا آوَوْا نَبِيّهُمُو وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارٌ إلّا خَصَائِصُ أَقْوَامٍ هُمُو تَبَعٌ فِي الصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارٌ مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ . قَوْلُهُمُو لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارٌ أَهْلًا وَسَهْلًا . فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ نِعْمَ النّبِيّ . وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ فَأَنْزَلُوهُ بِدَارٍ لَا يَخَافُ بِهَا مَنْ كَانَ جَارَهُمُو . دَارٌ هِيَ الدّارُ وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذْ قَدِمُوا مُهَاجِرِينَ . وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النّارُ وَكَمَا قَالَ نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا عَلَى أُنُفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَأُمِرَ بِالْهِجْرَةِ . وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ ( 17 : 80 ) وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْلَمُ أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إلّا بِسُلْطَانٍ . فَسَأَلَ اللّهَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ، فَأَعْطَاهُ ( ) . قَالَ الْبَرَاءُ . : أَوّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ، فَجَعَلَا يَقْرَآنِ النّاسَ الْقُرْآنَ . ثُمّ جَاءَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ ثُمّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ <91> فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا . ثُمّ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَمَا رَأَيْت النّاسَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحُهُمْ بِهِ حَتّى جَعَلَ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْإِمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( ) . قَالَ أَنَسٌ شَهِدْته يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، فَمَا رَأَيْت يَوْمًا قَطّ كَانَ أَحْسَنَ وَلَا أَضْوَأَ مِنْ الْيَوْمِ الّذِي دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَيْنَا . وَشَهِدْته يَوْمَ مَاتَ . فَمَا رَأَيْت يَوْمًا قَطّ كَانَ أَقْبَحَ وَلَا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمِ مَاتَ ( ) .
فَأَقَامَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى حَجَرَهُ وَمَسْجِدَهُ . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيّوبَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ . وَأَعْطَاهُمَا بَعِيرَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى مَكّةَ ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ بِفَاطِمَةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ ابْنَتَيْهِ . وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ زَوْجِهِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَأُمّ أَيْمَنَ . وَأَمّا زَيْنَبُ فَلَمْ يُمَكّنْهَا زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِعِيَالِ أَبِي بَكْرٍ . وَفِيهِم عَائِشَةُ [ فَنَزَلُوا فِي بَيتِ حارِثَةَ بنِ النّعمانَ ] . بِنَاءُ الْمَسْجِدِ قَالَ الزّهْرِيّ : بَرَكَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ وَكَانَ مُرِيدًا لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، كَانَا فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ . فَسَاوَمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغُلَامَيْنِ بِالْمِرْبَدِ لِيَتّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا : بَلْ نَهَبُهُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ . وَفِي الصّحِيحِ أَنّهُ قَالَ يَا بَنِي النّجّارِ ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ . قَالُوا : لَا ، وَاَللّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلّا إلَى اللّهِ وَكَانَ فِيهِ شَجَرٌ غَرْقَدُ وَنَخْلٌ ، وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ وَبِالنّخِيلِ وَالشّجَرِ فَقُطِعَ . وَصُفّتْ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ . وَجُعِلَ طُولُهُ مِمّا يَلِي الْقِبْلَةَ إلَى مُؤَخّرَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ . وَفِي الْجَانِبَيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ . وَأَسَاسُهُ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ . ثُمّ بَنَوْهُ بِاللّبَنِ . وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْنِي مَعَهُمْ وَيَنْقُلُ اللّبَنَ وَالْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ اللّهُمّ إنّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ ( ) وَكَانَ يَقُولُ هَذَا الْحَمّالُ لَا حَمّالُ خَيْبَرَ هَذَا أَبَرّ رَبّنَا وَأَطْهَرُ <92> وَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ فِي رَجَزِهِ وَلَئِنْ قَعَدْنَا وَالرّسُولُ يَعْمَلُ لِذَاكَ مِنّا الْعَمَلَ الْمُضَلّلَ وَجَعَلَ قِبْلَتَهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ . وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ بَابٌ فِي مُؤَخّرَةٍ وَبَابٌ يُقَالُ لَهُ بَابُ الرّحْمَةِ . وَالْبَابُ الّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَجَعَلَ عُمُدَهُ الْجُذُوعَ . وَسُقُفَهُ الْجَرِيدَ . وَقِيلَ لَهُ أَلَا تُسْقِفُهُ ؟ قَالَ " عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى " وَبَنَى بُيُوتَ نِسَائِهِ إلَى جَانِبَيْهِ . بُيُوتُ الْحُجَرِ بِاللّبِنِ وَسُقُفُهَا بِالْجُذُوعِ وَالْجَرِيدِ . بِنَاؤُهُ بِعَائِشَةَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْبِنَاء بَنَى بِعَائِشَةَ فِي الْبَيْتِ الّذِي بَنَاهُ لَهَا شَرْقِيّ الْمَسْجِدِ . وَكَانَ بِنَاؤُهُ بِهَا فِي شَوّالٍ مِنْ السّنَةِ الْأُولَى ، وَكَانَ بَعْضُ النّاسِ . يَكْرَهُ الْبِنَاءَ فِي شَوّالٍ . قِيلَ إنّ أَصْلَهُ أَنّ طَاعُونًا وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَتَحَرّى أَنْ تَدْخُلَ نِسَاءَهَا فِي شَوّالٍ وَتُخَالِفُهُمْ . وَجَعَلَ لِسَوْدَةِ بَيْتًا آخَرَ . الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ ثُمّ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَكَانُوا تِسْعِينَ رَجُلًا . نِصْفُهُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، وَنِصْفُهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ ، آخَى بَيْنَهُمْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَعَلَى أَنْ يَتَوَارَثُوا بَعْدَ الْمَوْتِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ . إلَى وَقْعَةِ بَدْرٍ . فَلَمّا أَنَزَلَ اللّهُ ( 8 : 75 ) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ . وَالتّوَارُثُ إلَى الْأَرْحَامِ [ دُونَ عَقدِ الأُخوَةِ ] ( ) . وَقِيلَ إنّهُ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ مُؤَاخَاةً ثَانِيَةً . وَاِتّخَذَ عَلِيّا أَخًا لِنَفْسِهِ وَالْأَثْبَتُ الْأَوّلُ . وَفِي الصّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ . فَمَرِضَ أَبُو بَكْرٍ . وَكَانَ يَقُولُ إذَا أَخَذَتْهُ الْحُمّى . كُلّ امْرِئٍ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي . هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ ؟ وَهَلْ أَرَدْنَ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنّةٍ ؟ وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ ؟ <93> اللّهُمّ الْعَنْ ابْنَ رَبِيعَةَ ، وَأُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ . كَمَا أَخَرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ . فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبّنَا مَكّةَ أَوْ أَشَدّ . اللّهُمّ صَحّحْهَا . وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدّهَا وَانْقُلْ جَمّاهَا إلَى الْجُحْفَةِ . قَالَتْ فَكَانَ الْمَوْلُودُ يُولَدُ فِي الْجُحْفَةِ . فَلَا يَبْلُغُ الْحُلُمَ حَتّى تَصْرَعُهُ الْحُمّى " ( ) . حَوَادِثُ السّنَةِ الْأُولَى وَفِي السّنَةِ الْأُولَى : زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ . فَصَارَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ . وَفِيهَا : نَزَلَ أَهْلُ الصّفّةِ الْمَسْجِدَ . وَكَانَتْ مَكَانًا فِي الْمَسْجِدِ يَنْزِلُ فِيهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الّذِي لَا أَهْلَ لَهُمْ وَلَا مَالَ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفَرّقُهُمْ فِي أَصْحَابِهِ إذَا جَاءَ اللّيْلُ وَيَتَعَشّى طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ حَتّى جَاءَ اللّهُ بِالْغِنَى . وَهَذِهِ السّنَةُ الرّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ النّبُوّةِ هِيَ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا تَقَدّمَ . وَمِنْهَا أُرّخَ التّارِيخُ . وَتُوُفّيَ فِيهَا مِنْ الْأَعْيَانِ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ . وَتُوُفّيَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ فِي صَفَرٍ قَبْلَ قُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَهُوَ أَوّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ النّقَبَاءِ . وَفِيهَا : تُوُفّيَ ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ . وَكَانَ قَدْ مَرِضَ بِمَكّةَ . فَقَالَ لَبَنِيهِ اُخْرُجُوا بِي مِنْهَا فَخَرَجُوا بِهِ يُرِيدُ الْهِجْرَةَ . فَلَمّا بَلَغَ أَضَاةَ بَنِي عَقَارٍ - أَوْ التّنْعِيمَ - مَاتَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 4 : 100 ) وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ - الْآيَةَ . وَكُلْثُومُ بْنُ الْهَدْمِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَفِيهَا : وَادَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ . وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا . إسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلّامٍ وَبَادَرَ عَالِمُ الْيَهُودِ وَحَبْرُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلّامٍ فَأَسْلَمَ ( ) . وَأَبَى عَامّتُهُمْ إلّا الْكُفْرَ وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ قَيْنُقَاعُ وَالنّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ . فَنَقَضَ الثّلَاثُ الْعَهْدَ . وَحَارَبَهُمْ . <94> فَمَنّ عَلَى بَنِي قَيْنُقَاعَ وَأَجْلَى بَنِي النّضِيرِ . وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ . وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْحَشْرِ فِي بَنِي النّضِيرِ وَسُورَةُ الْأَحْزَابِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ . حَوَادِثُ السّنَةِ الثّانِيَةِ وَفِي السّنَةِ الثّانِيَةِ رَأَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ الْأَذَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بِلَالٍ . وَفِيهَا : فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ . وَنُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ . وَبَقِيَ صَوْمُهُ مُسْتَحَبّا . وَفِيهَا : زَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا . وَفِيهَا : صَرَفَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الْقِبْلَةَ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ . تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، قَبْلَ الْيَهُودِ . وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَصْرِفَهُ اللّهُ إلَى الْكَعْبَةِ . وَقَالَ لِجِبْرِيلَ ذَلِكَ . فَقَالَ إنّمَا أَنَا عَبْدٌ . فَادْعُ رَبّك وَاسْأَلْهُ . فَجَعَلَ يُقَلّبُ وَجْهَهُ فِي السّمَاءِ يَرْجُو ذَلِكَ حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ ( 2 : 144 - 155 ) قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْآيَاتِ ( ) . وَكَانَ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِحْنَةٌ لِلنّاسِ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ . فَأَمّا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا ( 3 : 6 ) آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا وَهُمْ الّذِينَ هَدَى اللّهُ وَلَمْ تَكُنْ بِكَبِيرَةٍ عَلَيْهِمْ . وَأَمّا الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا ( 2 : 142 ) مَا وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا . وَأَمّا الْمُنَافِقُونَ فَقَالُوا إنْ كَانَتْ الْقِبْلَةُ الْأُولَى حَقّا : فَقَدْ تَرَكَهَا . وَإِنْ كَانَتْ الثّانِيَةُ هِيَ الْحَقّ فَقَدْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ . وَلَمّا كَانَ ذَلِكَ عَظِيمًا وَطّأَ اللّهُ سُبْحَانَهُ قَبْلَهُ أَمْرَ النّسْخِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ وَأَنّهُ سُبْحَانَهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلِهِ . ثُمّ عَقّبَ ذَلِكَ بِالْمُعَاتَبَةِ لِمَنْ تَعَنّتَ عَلَى رَسُولِهِ وَلَمْ يَنْقَدْ لَهُ . ثُمّ ذَكَرَ بَعْدَهُ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى ، وَشَهَادَةَ بَعْضِهِمْ <95> عَلَى بَعْضٍ بِأَنّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ . ثُمّ ذَكَرَ شِرْكَهُمْ بِقَوْلِهِمْ اتّخَذَ اللّهُ وَلَدًا . ثُمّ أَخْبَرَ أَنّ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ لِلّهِ . فَأَيْنَمَا وَلّى عِبَادَهُ وُجُوهَهُمْ فَثَمّ وَجْهُهُ . وَأَخْبَرَ رَسُولَهُ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَرْضَوْنَ عَنْهُ حَتّى يَتّبِعَ قِبْلَتَهُمْ . ثُمّ ذَكَرَ خَلِيلَهُ إبْرَاهِيمَ وَبِنَاءَهُ الْبَيْتَ بِمُعَاوَنَةِ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَأَنّهُ جَعَلَ إبْرَاهِيمَ إمَامًا لِلنّاسِ وَأَنّهُ لَا يَرْغَبُ عَنْ مِلّتِهِ إلّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ . ثُمّ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَأْتَمّوا بِهِ وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا أَنَزَلَ إلَى رَسُولِهِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَنَزَلَ إلَيْهِمْ وَإِلَى سَائِرِ النّبِيّينَ . وَأَخْبَرَ أَنّ اللّهَ - الّذِي يُهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - هُوَ الّذِي هَدَاهُمْ إلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ الّتِي هِيَ أَوْسَطُ الْقِبَلِ وَهُمْ أَوْسَطُ الْأُمَمِ كَمَا اخْتَارَ لَهُمْ أَفَضْلَ الرّسُلِ وَأَفْضَلَ الْكُتُبِ . وَأَخْبَرَ أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْهِمْ حُجّةٌ إلّا الظّالِمِينَ فَإِنّهُمْ يَحْتَجّونَ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الْحُجَجِ الْبَاطِلَةِ الْوَاهِنَةِ . الّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تَعَارَضَ الرّسُلُ بِأَمْثَالِهَا وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَيَهْدِيَهُمْ . ثُمّ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرّسُولِ الْخَاتَمِ وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ . وَأَمَرَهُمْ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَرَغّبَهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنّهُ يَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَهُ وَيَشْكُرُ مَنْ شَكَرَهُ . وَأَمَرَهُمْ بِمَا لَا يُتِمّ ذَلِكَ إلّا بِهِ وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ . وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مَعَ الصّابِرِينَ . فَصْلٌ [ الإِذْنُ بِالقِتالِ وَفَرْضُ الجِهادِ ] وَلَمّا اسْتَقَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَدِينَةِ ، وَأَيّدَهُ اللّهُ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ . وَمَنَعَتْهُ أَنْصَارُ اللّهِ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ رَمَتْهُمْ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدٍ وَشَمّرُوا عَنْ سَاقِ الْعَدَاوَةِ وَالْمُحَارَبَةِ . وَاَللّهُ يَأْمُرُ رَسُولَهُ <96> وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْكَفّ وَالْعَفْوِ وَالصّفْحِ حَتّى قَوِيَتْ الشّوْكَةُ . فَحِينَئِذٍ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَلَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ تَعَالَى ( 22 : 39 ) أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . وَهِيَ أَوّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ ( ) . ثُمّ فُرِضَ عَلَيْهِمْ قِتَالُ مَنْ قَاتَلَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى ( 2 : 190 ) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ - الْآيَةَ . ثُمّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ كَافّةً فَقَالَ ( 9 : 37 ) وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافّةً - الْآيَةَ . بَعْضُ خَصَائِصِ رَسُولِ اللّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَايِعُ أَصْحَابَهُ فِي الْحَرْبِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا وَرُبّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ . وَرُبّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ . وَرُبّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ . وَبَايَعَهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ . وَبَايَعَهُمْ عَلَى التّوْحِيدِ وَالْتِزَامِ طَاعَةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ . وَبَايَعَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلُوا النّاسَ شَيْئًا . فَكَانَ السّوْطُ يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِهِمْ . فَيَنْزِلُ فَيَأْخُذَهُ وَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إيّاهُ ( ) . وَكَانَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ يَأْتُونَهُ بِخَبَرِ عَدُوّهِ . وَيَطّلِعُ الطّلَائِعَ وَيَبُثّ الْحَرْثَ وَالْعُيُونَ ، حَتّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ عَدُوّهِ شَيْءٌ . وَكَانَ إذَا لَقَى عَدُوّهُ دَعَا اللّهَ وَاسْتَنْصَرَ بِهِ وَأَكْثَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ وَالتّضَرّعِ لَهُ . وَكَانَ كَثِيرُ الْمُشَاوَرَةِ لِأَصْحَابِهِ فِي الْجِهَادِ . وَكَانَ يَتَخَلّفُ فِي سَاقَتِهِمْ . فَيُزْجِي الضّعِيفَ وَيُرْدِفُ الْمُنْقَطِعَ . وَكَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا ( ) . وَكَانَ يُرَتّبُ الْجَيْشَ وَالْمُقَاتِلَةَ وَيَجْعَلُ فِي كُلّ جَنْبَةٍ كُفُؤًا لَهَا . وَكَانَ يُبَارِزُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرِهِ . وَكَانَ يَلْبَسُ لِلْحَرْبِ عُدّتَهُ . وَرُبّمَا ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ( ) . وَكَانَ لَهُ أَلْوِيَةٌ ، وَكَانَ إذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا ثُمّ قَفَلَ ( ) <97> وَكَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُغِيرَ يَنْتَظِرُ . فَإِذَا سَمِعَ مُؤَذّنًا لَمْ يُغِرْ وَإِلّا أَغَارَ ( ) . وَكَانَ يَجِبُ الْخُرُوجُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بُكْرَةً . وَكَانَ إذَا اشْتَدّ الْبَأْسُ اتّقَوْا بِهِ ( ) . وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ إلَى الْعَدُوّ . وَكَانَ يُحِبّ الْخُيَلَاءَ فِي الْحَرْبِ . وَيُنْهِي عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ( ) . وَيُنْهِي عَنْ السّفَرِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوّ ( ) . أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ وَأَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ - لِوَاءُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السّنَةِ الْأُولَى ، بَعَثَهُ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ خَاصّةً يَعْرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ حَتّى بَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ، فَالْتَقَوْا وَاصْطَفَوْا لِلْقِتَالِ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ . وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ . فَلَمْ يَقْتَتِلُوا . سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ ثُمّ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي شَوّالٍ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فِي سَرِيّةٍ إلَى بَطْنِ رَابِغَ فِي سِتّينَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ خَاصّةً . فَلَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ رَابِغَ . فَكَانَ بَيْنَهُمْ الرّمْيُ . وَلَمْ يَسُلّوا السّيُوفَ . وَإِنّمَا كَانَتْ مُنَاوَشَةٌ . وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَوّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِي | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:01 am | |
| بِأَيّامٍ . وَهِيَ الّتِي خَرَجُوا لَهَا يَوْمَ بَدْرٍ لَمّا جَاءَتْ عَائِدَةً مِنْ الشّامِ . وَفِيهَا : وَادَعَ بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ . بَعْثُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ثُمّ بَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ فِي رَجَبٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كُلّ اثْنَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ . فَوَصَلُوا إلَى نَخْلَةَ ، يَرْصُدُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا . وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ . فَلَمّا فَتَحَ الْكِتَابَ إذَا فِيهِ إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا ، فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ بِنَخْلَةَ بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ قُرَيْشًا ، وَتَعَلّمْ لَنَا أَخْبَارَهَا ( ). <99> فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ لَا يَسْتَكْرِهُهُمْ فَقَالُوا : سَمْعًا وَطَاعَةً . فَلَمّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطّرِيقِ أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرَهُمَا . فَتَخَلّفَا فِي طَلَبِهِ . وَمَضَوْا حَتّى نَزَلُوا نَخْلَةَ . قَتْلُ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ فَمَرّتْ بِهِمْ عِيرُ قُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَتِجَارَةً فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ ، فَقَتَلُوهُ وَأَسَرّوا عُثْمَانَ وَنَوْفَلًا ابْنَيْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ مَوْلَى بَنِي الْمُغِيرَةِ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ نَحْنُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ . فَإِنْ قَاتَلْنَاكُمْ انْتَهَكْنَا الشّهْرَ الْحَرَامَ وَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ اللّيْلَةَ دَخَلُوا الْحَرَمَ . ثُمّ أَجْمَعُوا عَلَى مُلَاقَاتِهِمْ . فَرَمَى أَحَدُهُمْ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ فَقَتَلَهُ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ وَالْحَكَمَ . وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ . ثُمّ قَدِمُوا بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتّى عَزَلُوا مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسَ . فَكَانَ أَوّلُ خُمُسٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوّلُ قَتْلٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوّلُ أَسْرٍ . فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا فَعَلُوهُ . وَاشْتَدّ إنْكَارُ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ . وَزَعَمُوا : أَنّهُمْ وَجَدُوا مَقَالًا . فَقَالُوا قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ . وَاشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ ( 2 : 217 ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ الْآيَةَ . يَقُولُ سُبْحَانَهُ هَذَا الّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ - وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا - فَمَا ارْتَكَبْتُمُونَهُ مِنْ الْكُفْرِ بِاَللّهِ وَالصّدّ عَنْ سَبِيلِهِ وَبَيْتِهِ وَإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مَعْنَى الْفِتْنَةِ و " الْفِتْنَةُ " هُنَا الشّرْكُ كَقَوْلِهِ ( 2 : 193 ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَقَوْلِهِ ( 6 : 23 ) ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا مُشْرِكِينَ أَيْ مَا تَكُنْ عَاقِبَةُ شِرْكِهِمْ وَآخِرَةُ أَمْرِهِمْ إلّا أَنْ أَنْكَرُوهُ وَتَبَرّءُوا مِنْهُ . وَحَقِيقَتُهَا : الشّرْكُ الّذِي يَدْعُو إلَيْهِ صَاحِبُهُ وَيُعَاقِبُ مَنْ لَمْ يَفْتَتِنْ بِهِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ( 85 : 10 ) إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُوا الْآيَةَ . فُسّرَتْ بِتَعْذِيبِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِحْرَاقِهِمْ بِالنّارِ لِيَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ . وَقَدْ تَأْتِي " الْفِتْنَةُ " وَيُرَادُ بِهَا : الْمَعْصِيَةُ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( 9 : 49 ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي - الْآيَةَ . <100> وَكَفِتْنَةِ الرّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ وَكَالْفِتَنِ الّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ . وَأَمّا الّتِي يُضِيفُهَا اللّهُ لِنَفْسِهِ فَهِيَ بِمَعْنَى الِامْتِحَانِ وَالِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ . وَقْعَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى يَوْمَ الْفُرْقَانِ فَلَمّا كَانَ فِي رَمَضَانَ بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَ الْعِيرِ الْمُقْبِلَةِ مِنْ الشّامِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ ُ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْخُرُوجِ إلَيْهَا ُ فَخَرَجَ مُسْرِعًا فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعَ عَشْرَةَ رَجُلًا . وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنْ الْخَيْلِ إلّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِلزّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ . وَكَانَ مَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا ُ يَعْتَقِبُ الرّجُلَانِ وَالثّلَاثَةَ عَلَى بَعِيرٍ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . فَلَمّا كَانَ بِالرّوْحَاءِ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ . وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ُ وَالرّايَةَ إلَى عَلِيّ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . وَلَمّا قَرُبَ مِنْ الصّفْرَاءِ : بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ يَتَحَسّسَانِ أَخْبَارَ الْعِيرِ . وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ . وَبَعَثَهُ حَثِيثًا إلَى مَكّةَ ُ مُسْتَصْرِخًا قُرَيْشًا بِالنّفِيرِ إلَى عِيرِهِمْ . فَنَهَضُوا مُسْرِعِينَ . وَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سِوَى أَبِي لَهَبٍ . فَإِنّهُ عَوّضَ عَنْهُ رَجُلًا بِجُعْلٍ . وَحَشَدُوا فِيمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . وَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُمْ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إلّا بَنِي عَدِيّ فَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ وَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 8 : 47 ) بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَجَمَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 8 : 43 ) وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ . وَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ خُرُوجُ قُرَيْشٍ : اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ . فَتَكَلّمَ الْمُهَاجِرُونَ ُ فَأَحْسَنُوا ثُمّ اسْتَشَارَهُمْ ثَانِيًا . فَتَكَلّمَ الْمُهَاجِرُونَ . ثُمّ ثَالِثًا . فَعَلِمَتْ الْأَنْصَارُ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ إنّمَا يَعْنِيهِمْ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : كَأَنّك تُعَرّضُ بِنَا يَا رَسُولَ اللّهِ - وَكَانَ إنّمَا يَعْنِيهِمْ لِأَنّهُمْ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ دِيَارِهِمْ - وَكَأَنّك تَخْشَى أَنْ <101> تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَنْصُرُوك إلّا فِي دِيَارِهِمْ . وَإِنّي أَقُولُ عَنْ الْأَنْصَارِ ُ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ . فَامْضِ بِنَا حَيْثُ شِئْت ُ وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْت ُ وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْت ُ وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْت . وَأَعْطِنَا مِنْهَا مَا شِئْت . وَمَا أَخَذْت مِنْهَا كَانَ أَحَبّ إلَيْنَا مِمّا تَرَكْت . فَوَاَللّهِ لَئِنْ سِرْت بِنَا حَتّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنّ مَعَك ُ وَوَاللّهِ لَئِنْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَك . وَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ : إذَنْ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى ( 5 : 24 ) فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ نُقَاتِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْك ُ وَمِنْ خَلْفِك ُ وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك . فَأَشْرَقَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا سَمِعَ مِنْهُمْ . وَقَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا . فَإِنّ اللّهَ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ . وَإِنّي قَدْ رَأَيْت مَصَارِعَ الْقَوْمِ ( ) . وَكَرِهَ بَعْضُ الصّحَابَةِ لِقَاءَ النّفِيرِ وَقَالُوا : لَمْ نَسْتَعِدّ لَهُمْ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 8 : 5 - 8 ) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ لِشُرَكَائِهِمْ - إلَى قَوْلِهِ - وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَدْرٍ . وَخَفَضَ أَبُو سُفْيَانَ . فَلَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ . وَكَتَبَ إلَى قُرَيْشٍ : أَنْ ارْجِعُوا فَإِنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا عِيرَكُمْ . فَأَتَاهُمْ الْخَبَرُ . فَهَمّوا بِالرّجُوعِ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَقْدَمَ بَدْرًا ُ فَنُقِيمَ بِهَا ُ نُطْعِمَ مَنْ حَضَرَنَا وَنَسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ . وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ . فَلَا تَزَالُ تَهَابُنَا أَبَدًا وَتَخَافُنَا . فَأَشَارَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ عَلَيْهِمْ بِالرّجُوعِ فَلَمْ يَفْعَلُوا . فَرَجَعَ هُوَ وَبَنُو زُهْرَةَ . فَلَمْ يَزَلْ الْأَخْنَسُ فِي بَنِي زُهْرَةَ مُطَاعًا بَعْدَهَا . وَأَرَادَ بَنُو هَاشِمٍ الرّجُوعَ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَا تُفَارِقُنَا هَذِهِ الْعِصَابَةُ حَتّى نَرْجِعَ فَسَارُوا ُ إلّا طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . فَرَجَعَ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ عَلَى مَاءِ أَدْنَى مِيَاهِ بَدْرٍ . فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : إنْ رَأَيْت أَنْ نَسِيرَ إلَى قُلُبٍ - قَدْ عَرَفْنَاهَا - كَثِيرَةَ الْمَاءِ عَذْبَةً فَتَنْزِلُ عَلَيْهَا . وَنَغُورُ مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ ؟ وَأَنْزَلَ اللّهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ مَطَرًا وَاجِدًا ُ صَلّبَ <102> الرّمَلَ . وَثَبّتَ الْأَقْدَامَ . وَرَبَطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ . وَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ . وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ . وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إنْ شَاءَ اللّه فَمَا تَعَدّى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْضِعَ إشَارَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا طَلَعَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ جَاءَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ُ جَاءَتْ تُحَادّك ُ وَتُكَذّبُ رَسُولَك . اللّهُمّ فَنَصْرُك الّذِي وَعَدْتنِي . اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاة وَقَامَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاسْتَنْصَرَ رَبّهُ وَبَالَغَ فِي التّضَرّعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ . وَقَالَ اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي ُ اللّهُمّ إنّي أَنْشُدُك عَهْدَك وَوَعْدَك . اللّهُمّ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ ( ) . فَالْتَزَمَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ حَسْبُك مُنَاشَدَتَك رَبّك ُ يَا رَسُولَ اللّهِ . أَبْشِرْ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُنْجِزَن اللّهُ لَك مَا وَعَدَك . وَاسْتَنْصَرَ الْمُسْلِمُونَ اللّهَ وَاسْتَغَاثُوهُ . فَأَوْحَى اللّهُ إلَى الْمَلَائِكَةِ ( 8 : 12 ) أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ وَأَوْحَى اللّهُ إلَى رَسُولِهِ ( 8 : 9 ) أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ بِكَسْرِ الدّالِ وَفَتْحِهَا . قِيلَ إرْدَافًا لَكُمْ . وَقِيلَ يُرْدِفُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا ُ لَمْ يَجِيئُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً . فَلَمّا أَصْبَحُوا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ فِي كَتَائِبِهَا . وَقَلّلَ اللّهُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ حَتّى قَالَ أَبُو جَهْلٍ - لَمّا أَشَارَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بِالرّجُوعِ خَوْفًا عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ التّفَرّقِ وَالْقَطِيعَةِ إذَا قَتَلُوا أَقَارِبَهُمْ - إنّ ذَلِكَ لَيْسَ بِهِ . وَلَكِنّهُ - يَعْنِي عُتْبَةَ - عَرَفَ أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ . وَقَلّلَ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ أَيْضًا فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا . وَأَمَرَ أَبُو جَهْلٍ عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ - أَخَا عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ - أَنْ يَطْلُبَ دَمَ أَخِيهِ . فَصَاحَ . وَكَشَفَ عَنْ اسْتِهِ يَصْرُخُ وَاعَمْرَاهُ وَاعَمْرَاهُ . فَحَمَى الْقَوْمُ . وَنَشِبَتْ الْحَرْبُ . وَعَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ . ثُمّ انْصَرَفَ وَغَفَا غَفْوَةً . وَأَخَذَ الْمُسْلِمِينَ النّعَاسُ ُ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْرُسُهُ . وَعِنْدَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ُ <103> وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَثِبُ فِي الدّرْعِ . وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ ( 54 : 45 ) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ وَمَنَحَ اللّهُ الْمُسْلِمِينَ أَكْتَافَ الْمُشْرِكِينَ . فَتَنَاوَلُوهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا . فَقَتَلُوا سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . وَخَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ : يَطْلُبُونَ الْمُبَارَزَةَ . فَخَرَجَ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ُ فَقَالُوا : أَكْفَاءٌ كِرَامٌ . مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ . إنّمَا نُرِيدُ مِنْ بَنِي عَمّنَا . فَبَرَزَ إلَيْهِمْ حَمْزَةُ ُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب ِ ُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . فَقَتَلَ عَلِيّ قِرْنَهُ الْوَلِيدَ . وَقَتَلَ حَمْزَةُ قِرْنَهُ شَيْبَةَ . وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ . فَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ عَلَى قِرْنِ عُبَيْدَةَ فَقَتَلَاهُ . وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ قَدْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ . فَقَالَ لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيّا لَعَلِمَ أَنَا أَوْلَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَنُسَلّمُهُ حَتّى نُصَرّعْ حَوْلَهُ وَنُذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ وَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ ( 22 : 19) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ الْآيَةَ . فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَنَا أَوّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( ) . وَلَمّا عَزَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْخُرُوجِ وَذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ . فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسٌ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ . فَقَالَ ( 8 : 48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ . فَلَمّا تَعَبّئُوا لِلْقِتَالِ وَرَأَى الْمَلَائِكَةَ فَرّ وَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَقَالُوا : إلَى أَيْنَ يَا سُرَاقَةُ ؟ فَقَالَ ( 8 : 48) إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ . وَظَنّ الْمُنَافِقُونَ وَمِنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَنّ الْغَلَبَةَ بِالْكَثْرَةِ فَقَالُوا ( 8 : 50 ) غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ فَأَخْبَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنّ النّصْرَ إنّمَا هُوَ بِالتّوَكّلِ عَلَى اللّهِ وَحْدَهُ . وَلَمّا دَنَا الْعَدُوّ : قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَعَظَ النّاسَ . وَذَكّرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِي الصّبْرِ وَالثّبَاتِ مِنْ النّصْرِ وَأَنّ اللّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنّةَ لِمَنْ يُسْتَشْهَدُ فِي سَبِيلِهِ . فَأَخْرَجَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ يَأْكُلُهُنّ . ثُمّ قَالَ لَئِنْ حَيِيت حَتّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إنّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ " فَرَمَى بِهِنّ وَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ . <104> وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِلْءَ كَفّهِ تُرَابًا ُ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ . فَلَمْ تَتْرُكْ رَجُلًا مِنْهُمْ إلّا مَلَأَتْ عَيْنَيْهِ . فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 8 : 17 ) وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى . وَاسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَأَتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ . وَلَمّا وَضَعَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعَدُوّ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ - وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَاقِفٌ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْعَرِيشِ - رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَجْهِ سَعْدٍ الْكَرَاهِيَةَ . فَقَالَ كَأَنّك تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ ؟ قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللّهُ فِي الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ وَلَمّا بَرَدَتْ الْحَرْبُ وَانْهَزَمَ الْعَدُوّ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ مُعَوّذٌ وَعَوْفٌ - ابْنَا عَفْرَاءَ - حَتّى بَرَدَ . فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَقَالَ لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ لِلّهِ وَرَسُولِهِ . ثُمّ قَالَ لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ؟ فَاحْتَزّ رَأْسَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ . ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ قَتَلْته ُ فَقَالَ " آللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ ؟ - ثَلَاثًا - ثُمّ قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ . وَنَصَرَ عَبْدَهُ . وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ . انْطَلِقْ فَأَرِنِيهِ . فَانْطَلَقْنَا ُ فَأَرَيْته إيّاهُ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ قَالَ هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمّةِ ( ) . وَأَسَرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيّا . فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ - وَكَانَ يُعَذّبُهُ بِمَكّةَ - فَقَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ ؟ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . ثُمّ اسْتَحْمَى جَمَاعَةً مِنْ الْأَنْصَارِ . وَاشْتَدّ عَبْدُ الرّحْمَنِ بِهِمَا ُ يَحْجِزُهُمَا مِنْهُمْ فَأَدْرَكُوهُمْ . فَشَغَلَهُمْ عَنْ أُمَيّةَ بِابْنِهِ عَلِيّ فَفَرَغُوا مِنْهُ ثُمّ لَحِقُوهُمَا . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ اُبْرُكْ . فَبَرَكَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ عَبْدُ الرّحْمَنِ بِنَفْسِهِ . فَضَرَبُوهُ بِالسّيُوفِ مِنْ تَحْتِهِ حَتّى قَتَلُوهُ . وَأَصَابَ بَعْضُ السّيُوفِ رِجْلَ عَبْدِ الرّحْمَنِ . وَكَانَ أُمَيّةُ قَدْ قَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ الْمُعَلّمُ فِي صَدْرِهِ بِرَيْشِ النّعَامِ ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ . <105> وَانْقَطَعَ يَوْمَئِذٍ سَيْفُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ . فَأَعْطَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَذْلًا مِنْ حَطَبٍ فَلَمّا أَخَذَهُ وَهَزّهُ عَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا طَوِيلًا ُ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ بِهِ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الرّدّةِ . وَلَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ أَقْبَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى وَقَفَ عَلَى الْقَتْلَى . فَقَالَ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ . كَذّبْتُمُونِي . وَصَدّقَنِي النّاسُ . وَخَذَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ . وَأَخْرَجْتُمُونِي . وَآوَانِي النّاسُ . ثُمّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا حَتّى أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ - قَلِيبِ بَدْرٍ - ثُمّ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ُ وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ُ وَيَا فُلَانُ وَيَا فُلَانُ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جَيّفُوا ؟ فَقَالَ مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ [ وَلَكِنَّهُم لا يَقْدِرونَ أَنْ يُجِيبُوا ] ( ) . ثُمّ ارْتَحَلَ مُؤَيّدًا مَنْصُورًا ُ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَعَهُ الْأَسْرَى وَالْمَغَانِمُ . فَلَمّا كَانَ بِالصّفْرَاءِ قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَضَرَبَ عُنُقَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ . ثُمّ لَمَا نَزَلَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ : ضَرَبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ . ثُمّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ مُؤَيّدًا مَنْصُورًا . قَدْ خَافَهُ كُلّ عَدُوّ لَهُ بِالْمَدِينَةِ . فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْإِسْلَامِ . وَجُمْلَةُ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا : ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَ عَشْرَةَ رَجُلًا . وَاسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَ أُنَاسٌ قَدْ أَسْلَمُوا . فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَبَسَهُمْ أَهْلُهُمْ بِمَكّةَ . وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا . ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ . فَأُصِيبُوا فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ ( 4 : 97 ) إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ . قَسْمُ غَنَائِمِ بَدْرٍ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِالْغَنَائِمِ فَجُمِعَتْ فَاخْتَلَفُوا . فَقَالَ مَنْ جَمَعَهَا : هِيَ لَنَا . وَقَالَ مَنْ هَزَمَ الْعَدُوّ لَوْلَانَا مَا أَصَبْتُمُوهَا ، وَقَالَ الّذِينَ يَحْرَسُونَ رَسُولَ اللّهِ <106> صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهَا مِنّا . قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ : فَنَزَعَهَا اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا . فَجَعَلَهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 8 : 1 ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ الْآيَاتِ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ نَبِيّهِ بْنِ وَهْبٍ . قَالَ " فَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَسْرَى عَلَى أَصْحَابِهِ . وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأَسْرَى خَيْرًا فَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مُصْعَبٌ شُدّ يَدَك بِهِ . فَإِنّ أُخْتَه ذَاتُ مَتَاعٍ . فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ يَا أَخِي ، هَذِهِ وَصِيّتُك بِي ؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي دُونَك . قَالَ عَزِيزٌ وَكُنْت مَعَ رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلُوا ، فَكَانُوا إذَا قَدِمُوا طَعَامًا خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ . لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ إلّا نَفَحَنِي بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحِي فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا . فَيَرُدّهَا عَلَيّ مَا يَمَسّهَا . أُسَارَى بَدْرٍ وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي الْأَسْرَى ، وَهُمْ سَبْعُونَ . وَكَذَلِكَ الْقَتْلَى سَبْعُونَ أَيْضًا . فَأَشَارَ الصّدّيقُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ فِدْيَةٌ تَكُونُ لَهُمْ قُوّةً . وَيُطْلِقَهُمْ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ عُمَرُ لَا وَاَللّهِ مَا أَرَى ذَلِكَ . وَلَكِنّي أَرَى أَنْ تُمَكّنَنَا ، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ . فَإِنّ هَؤُلَاءِ أَئِمّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُ الشّرْكِ فَهَوَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ . فَقَالَ " إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللّينِ وَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتّى تَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ . وَإِنّ مَثَلَك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ ( 14 : 36 ) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنّ مَثَلَك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى ، إذْ قَالَ ( 5 : 118 ) إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ الْآيَةَ . وَإِنّ مَثَلَك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى ، قَالَ ( 10 : 88 ) رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ الْآيَةَ . وَإِنّ مَثَلِك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ ( 71 : 67 ) رَبّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيّارًا ثُمّ قَالَ أَنْتُمْ الْيَوْمَ عَالَةٌ . فَلَا يَنْفَلِتَن مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِفِدَاءِ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 8 : 67 مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْآيَتَيْنِ ( ) قَالَ عُمَرُ فَلَمّا كَانَ مِنْ الْغَدِ غَدَوْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ - هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ - يَبْكِيَانِ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ <107> أَخْبِرْنِي مَا يُبْكِيك ؟ وَصَاحِبَك ؟ فَإِنْ وَجَدْت بُكَاءً بَكَيْت ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا . فَقَالَ أَبْكِي لِلّذِي عَرَضَ عَلَيّ أَصْحَابُك مِنْ الْغَدِ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ . فَقَدْ عَرَضَ عَلَيّ عَذَابَهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ - لِشَجَرَةِ قَرِيبَةٍ مِنْهُ - وَقَالَ لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مَا سَلِمَ مِنْهُ إلّا عُمَرُ ( ) . وَقَالَ الْأَنْصَارُ له صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُرِيدُ أَنْ نَتْرُكَ لِابْنِ أُخْتِنَا الْعَبّاسِ فِدَاءَهُ فَقَالَ لَا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا ( ) . ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّالِثَةُ مِنْ الْهِجْرَةِ . غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَكَانَتْ فِيهَا غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ . وَكَانُوا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ . فَنَقَضُوا الْعَهْدَ . فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً . فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَشَفَعَ فِيهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ . وَأَلَحّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ . فَأَطْلَقَهُمْ لَهُ وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ . وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ . غَزْوَةُ أُحُد وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُد ٍ فِي شَوّالٍ . وَذَلِك أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمّا أَوْقَعَ بِقُرَيْشِ يَوْم َ بَدْرٍ ، وَتَرَأّسَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ لِذَهَابِ أَكَابِرِهِمْ أَخَذَ يُؤَلّبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَيَجْمَعُ الْجُمُوعَ . فَجَمَعَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِ آلَافٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَالْحُلَفَاءِ وَالْأَحَابِيشِ . وَجَاءُوا بِنِسَائِهِمْ لِئَلّا يَفِرّوا . ثُمّ أَقْبَلَ بِهِمْ نَحْوَ الْمَدِينَةِ . فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ . فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِمْ . وَكَانَ رَأْيُهُ أَنْ لَا يَخْرُجُوا . فَإِنْ دَخَلُوهَا قَاتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السّكَكِ وَالنّسَاءُ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ وَوَافَقَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَي ّ - رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ - عَلَى هَذَا الرّأْيِ . فَبَادَرَ جَمَاعَةً مِنْ فُضَلَاءِ الصّحَابَةِ - مِمّنْ فَاتَهُ بَدْرٌ - وَأَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ بِالْخُرُوجِ . وَأَلَحّوا عَلَيْهِ . فَنَهَضَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا : اسْتَكْرَهَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْخُرُوجِ . ثُمّ قَالُوا : إنْ أَحْبَبْت أَنْ تَمْكُثَ بِالْمَدِينَةِ فَافْعَلْ فَقَالَ " مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوّهِ " . <108> فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى رُؤْيَا : رَأَى " أَنّ فِي سَيْفِهِ ثُلْمَةً وَأَنّ بَقَرًا تُذْبَحُ . وَأَنّهُ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ . فَتَأَوّلَ الثّلْمَةَ بِرَجُلِ يُصَابُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْبَقَرَ بِنَفَرِ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ وَالدّرْعُ بِالْمَدِينَةِ " فَخَرَجَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ " عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَالصّبْرِ عِنْدَ الْبَأْسِ إذَا لَقِيتُمْ الْعَدُوّ . وَانْظُرُوا مَاذَا أَمَرَكُمْ اللّهُ بِهِ فَافْعَلُوا " . فَلَمّا كَانَ بِالشّوْطِ - بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ - انْخَذَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بِنَحْوِ ثُلُثِ الْعَسْكَرِ وَقَالَ عَصَانِي . وَسَمِعَ مِنْ غَيْرِي مَا نَدْرِي : عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَهُنَا أَيّهَا النّاسُ ؟ فَرَجَعَ وَتَبِعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو - وَالِدُ جَابِرٍ - يُحَرّضُهُمْ عَلَى الرّجُوعِ . وَيَقُولُ " قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ ادْفَعُوا ، قَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمْ نَرْجِعْ " فَرَجَعَ عَنْهُمْ وَسَبّهُمْ . وَسَأَلَ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِحُلَفَائِهِمْ مِنْ يَهُودَ . فَأَبَى ، وَقَالَ " مَنْ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ ؟ " . فَخَرَجَ بِهِ بَعْضُ الْأَنْصَارِ ، حَتّى سَلَكَ فِي حَائِطٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ مِنْ الْمُنَافِقِينَ - وَكَانَ أَعْمَى - فَقَامَ يَحْثُو التّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ فِي حَائِطِي ، إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ . فَابْتَدَرُوهُ لِيَقْتُلُوهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ " . وَنَفَذَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي الدّنْيَا . وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى أُحُدٍ وَنَهَى النّاسَ عَنْ الْقِتَالِ حَتّى يَأْمُرَهُمْ . فَلَمّا أَصْبَحَ يَوْمُ السّبْتِ تَعَبّأَ لِلْقِتَالِ . وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَارِسًا . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الرّمَاةِ - وَكَانُوا خَمْسِينَ - عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُفَارِقُوا مَرْكَزَهُمْ وَلَوْ رَأَوْا الطّيْرَ تَخْتَطِفُ الْعَسْكَرَ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْضَحُوا الْمُشْرِكِينَ بِالنّبْلِ لِئَلّا يَأْتُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ . وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ . وَأَعْطَى اللّوَاءَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَجَعَلَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنّبَتَيْنِ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ <109> وَعَلَى الْأُخْرَى : الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو . وَاسْتَعْرَضَ الشّبَابَ يَوْمَئِذٍ . فَرَدّ مَنْ اسْتَصْغَرَ عَنْ الْقِتَالِ - كَابْنِ عُمَرَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعَرَابَةَ الْأَوْسِيّ - وَأَجَازَ مَنْ رَآهُ مُطِيقًا . وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ . وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ . فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ . وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ . وَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْفَهُ إلَى أَبِي دُجَانَةَ . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَدَرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَبُو عَامِرٍ - عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ - الْفَاسِقُ . وَكَانَ يُسَمّى الرّاهِبَ . وَهُوَ رَأْسُ الْأَوْسِ فِي الْجَاهِلِيّةِ . فَلَمّا جَاءَ الْإِسْلَامُ شَرَقَ بِهِ وَجَاهَرَ بِالْعَدَاوَةِ . فَذَهَبَ إلَى قُرَيْشٍ يُؤَلّبُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَعَدَهُمْ بِأَنّ قَوْمَهُ إذَا رَأَوْهُ أَطَاعُوهُ . فَلَمّا نَادَاهُمْ وَتَعَرّفَ إلَيْهِمْ قَالُوا : لَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ . فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ . ثُمّ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا شَدِيدًا . ثُمّ أَرْضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ . وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ أَبُو دُجَانَةَ وَطَلْحَةُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ ، وَالنّضْرُ بْنُ أَنَسٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بَلَاءً حَسَنًا . وَكَانَتْ الدّوْلَةُ أَوّلَ النّهَارِ لِلْمُسْلِمِينَ . فَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللّهِ وَوَلّوْا مُدْبِرِينَ . حَتّى انْتَهَوْا إلَى نِسَائِهِمْ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ الرّمَاةُ قَالُوا : الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ . فَذَكّرَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَهْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَسْمَعُوا . فَأَخْلَوْا الثّغْرَ وَكَرّ فُرْسَانُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ فَوَجَدُوهُ خَالِيًا . فَجَاءُوا مِنْهُ وَأَقْبَلَ آخِرُهُمْ حَتّى أَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ فَأَكْرَمَ اللّهُ مَنْ أَكْرَمَ مِنْهُمْ بِالشّهَادَةِ - وَهُمْ سَبْعُونَ - وَوَلّى الصّحَابَةُ . وَخَلَصَ الْمُشْرِكُونَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَرَحُوهُ جِرَاحَاتٍ وَكَسَرُوا رُبَاعِيّتَهُ . وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ . فَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ . فَحَالَ دُونَهُ نَحْوَ عَشَرَةٍ حَتّى قُتِلُوا . ثُمّ جَلَدَهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى أَجْهَضَهُمْ عَنْهُ . وَتَرّسَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَيْهِ بِظَهْرِهِ وَالنّبْلُ يَقَعُ فِيهِ وَهُوَ لَا يَتَحَرّكُ . وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ . فَأُتِيَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّهَا بِيَدِهِ . فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ . <110> وَصَرَخَ الشّيْطَانُ إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَرّ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بِقَوْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ . ثُمّ اسْتَقْبَلَ النّاسَ وَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، فَقَالَ يَا سَعْدُ إنّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنّةِ مِنْ دُونِ أُحُدٍ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ . وَوَجَدَ بِهِ سَبْعُونَ جِرَاحَةً . وَقَتَلَ وَحْشِيّ الْحَبَشِيّ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . رَمَاهُ بِحَرْبَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَبَشَةِ . وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوَ الْمُسْلِمِينَ . فَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَهُ تَحْتَ الْمِغْفَرِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ . فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . وَنَهَضُوا مَعَهُ إلَى الشّعْبِ الّذِي نَزَلَ فِيهِ . فَلَمّا أَسْنَدُوا إلَى الْجَبَلِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ كَانَ يَزْعُمُ بِمَكّةَ أَنّهُ يَقْتُلُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا اقْتَرَبَ مِنْهُ طَعَنَهُ رَسُولُ اللّهِ " صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فِي تَرْقُوَتِهِ فَكَرّ مُنْهَزِمًا . فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ مَا بِك مِنْ بَأْسٍ . فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَا بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَحَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعِينَ . فَمَاتَ بِسَرِفَ . وَحَانَتْ الصّلَاةُ فَصَلّى بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسًا . وَشَدّ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ . فَلَمّا تَمَكّنَ مِنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حَنْظَلَةُ جَنْبًا . فَإِنّهُ سَمِعَ الصّيْحَةَ وَهُوَ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ - قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إلَى الْجِهَادِ فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ وَكَانَ الْأُصَيْرِمُ - عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ - يَأْبَى الْإِسْلَامَ . وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ : قَذَفَ اللّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِهِ لِلْحُسْنَى الّتِي سَبَقَتْ لَهُ . فَأَسْلَمَ وَأَخَذَ سَيْفَهُ . فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ . فَلَمّا طَافَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ وَجَدُوا الْأُصَيْرِمَ - وَبَهْ رَمَقٌ يَسِيرُ - فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا الْأُصَيْرِمَ . ثُمّ سَأَلُوهُ مَا الّذِي جَاءَ بِك ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك ، أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ؟ فَقَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْت . <111> وَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ " هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ " وَلَمْ يُصَلّ لِلّهِ سَجْدَةً قَطّ ( ) وَلَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ أَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْجَبَلِ وَنَادَى : أَفِيكُمْ مُحَمّدٌ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ . فَقَالَ أَفِيكُمْ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ . فَقَالَ أَفِيكُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ . فَقَالَ أَمّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كَفَيْتُمُوهُمْ . فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ يَا عَدُوّ اللّهِ إنّ الّذِينَ ذَكَرْتهمْ أَحْيَاءٌ وَقَدْ أَبْقَى اللّهُ لَك مَعَهُمْ مَا يَسُوءُك . ثُمّ قَالَ اُعْلُ هُبَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَلَا تُجِيبُوهُ ؟ " قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ " قُولُوا : اللّهُ أَعْلَى وَأَجَلّ " ثُمّ قَالَ لَنَا الْعُزّى ، وَلَا عُزّى لَكُمْ قَالَ " أَلَا تُجِيبُوهُ ؟ " قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ " قُولُوا : اللّهُ مَوْلَانَا . وَلَا مَوْلَى لَكُمْ " ( ) ثُمّ قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ . وَالْحَرْبُ سِجَالٌ فَقَالَ عُمَرُ لَا سَوَاءٌ قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ . وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ النّعَاسَ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدٍ . وَالنّعَاسُ فِي الْحَرْبِ مِنْ اللّهِ . وَفِي الصّلَاةِ وَمَجَالِسِ الذّكْرِ مِنْ الشّيْطَانِ . وَقَاتَلَتْ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ . كَأَشَدّ الْقِتَالِ وَمَا رَأَيْتهمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ( ) وَمَرّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بِرَجُلِ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُوَ يَتَشَحّطُ فِي دَمِهِ - فَقَالَ يَا فُلَانُ أَشَعَرْت أَنّ مُحَمّدًا قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : إنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَغَ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَنَزَلَ ( 3 : 144 ) وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ الْآيَةَ . وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ . وَأَظْهَرَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ . وَأَكْرَمَ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ . فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ : إحْدَى وَسِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، أَوّلُهَا ( 3 : 121 - 180 ) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ الْآيَاتِ . وَلَمّا انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ تَلَاوَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ . وَقَالُوا : لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا ، أَصَبْتُمْ شَوْكَتَهُمْ ثُمّ تَرَكْتُمُوهُمْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُمْ رُءُوسٌ يَجْمَعُونَ لَكُمْ . فَارْجِعُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ . <112> فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَنَادَى فِي النّاسِ بِالْمَسِيرِ إلَيْهِمْ وَقَالَ " لَا يَخْرُجُ مَعَنَا إلّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ " فَقَالَ لَهُ ابْنُ أُبَيّ : أَرْكَبُ مَعَك ؟ قَالَ لَا . فَاسْتَجَابَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ - عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْقَرْحِ الشّدِيدِ - وَقَالُوا : سَمْعًا وَطَاعَةً . وَقَالَ جَابِرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُحِبّ أَنْ لَا تَشْهَدَ مَشْهَدًا إلّا كُنْت مَعَك . وَإِنّمَا خَلّفَنِي أَبِي عَلَى بَنَاتِهِ فَأْذَنْ لِي أَسِيرُ مَعَك . فَأَذِنَ لَهُ . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ حَتّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ فَرَجَعُوا إلَى مَكّةَ . وَشَرَطَ أَبُو سُفْيَانَ لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ شَرْطًا عَلَى أَنّهُ إذَا مَرّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يُخَوّفَهُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ أَنّ قُرَيْشًا أَجْمَعُوا لِلْكَرّةِ عَلَيْكُمْ لِيَسْتَأْصِلُوا بَقِيّتَكُمْ . فَلَمّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا ( 3 : 173 ) حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الرّابِعَةُ . فَكَانَتْ فِيهَا وَقْعَةُ خَبِيبٍ وَأَصْحَابِهِ فِي صَفَرٍ . وَقْعَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ وَفِي هَذَا الشّهْرِ بِعَيْنِهِ مِنْ السّنَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ . وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ . وَنَزَلَ فِيهَا سُورَةُ الْحَشْرِ . ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْخَامِسَةُ . غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ فَكَانَتْ فِيهَا غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ غَارّونَ . فَسَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ وَالنّعَمَ وَالشّاهَ . وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ السّبْيِ جُوَيْرِيّةُ | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:02 am | |
| صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ " فَقَالَ إذًا وَاَللّهِ لَا أُصَالِحُك عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَأَجِزْهُ لِي " قَالَ مَا أَنَا بِمُجْتَزّهِ لَك . قَالَ " بَلَى فَافْعَلْ " قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ أُرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْت مُسْلِمًا ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا لَقِيت ؟ وَكَانَ قَدْ عُذّبَ فِي اللّهِ عَذَابًا شَدِيدًا - قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : " وَاَللّهِ مَا شَكَكْت مُنْذُ أَسْلَمْت إلّا يَوْمَئِذٍ . فَأَتَيْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْت نَبِيّ اللّهِ ؟ فَالَ . بَلَى . قُلْت : أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَعَدُوّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ بَلَى . قُلْت عَلَامَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ وَنَرْجِعُ وَلَمّا يَحْكُمُ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَعْدَائِنَا ؟ فَقَالَ إنّي رَسُولُ اللّهِ وَهُوَ نَاصِرِي . وَلَسْت أَعْصِيهِ . قُلْت . أَوَ لَسْت تُحَدّثُنَا : أَنّا نَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ بَلَى ، أَفَأَخْبَرْتُك أَنّك تَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ قُلْت : لَا . قَالَ فَإِنّك آتِيهِ وَمُطّوّفٌ بِهِ . قَالَ فَأَتَيْت أَبَا بَكْرٍ . فَقُلْت لَهُ مِثْلَمَا قُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرَدّ عَلَيّ كَمَا رَدّ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوَاءً وَزَادَ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتّى نَمُوتَ . فَوَاَللّهِ إنّهُ لَعَلَى الْحَقّ . فَعَمِلْت لِذَلِكَ أَعْمَالًا " . <123> فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ " قُومُوا فَانْحَرُوا . ثُمّ احْلِقُوا " قَالَ فَوَاَللّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتّى قَالَهَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ . فَلَمّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، قَامَ وَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتّى نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ . فَلَمّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا . وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ، حَتّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمّا . ثُمّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 60 : 10 ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ - حَتّى بَلَغَ - بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ فَطَلّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرْكِ . وَفِي مَرْجِعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَزَلَ اللّهُ سُورَةَ الْفَتْحِ ( 48 : 1 إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ - الْآيَةَ . فَقَالَ عُمَرُ أَوَ فَتْحٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ الصّحَابَةُ هَذَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا لَنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 48 : 4 ، 5 ) هُوَ الّذِي أَنْزَلَ السّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ - الْآيَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ - فَوْزًا عَظِيمًا وَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ جَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - مُسْلِمًا ، فَأَرْسِلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ وَقَالُوا : الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَك . فَدَفَعَهُ إلَى الرّجُلَيْنِ . فَخَرَجَا بِهِ حَتّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ . فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ . فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِهِمَا : إنّي أَرَى سَيْفَك هَذَا جَيّدًا . فَقَالَ أَجَلْ . وَاَللّهِ إنّهُ لَجَيّدٌ لَقَدْ جَرّبْت بِهِ ثُمّ جَرّبْت فَقَالَ أَرِنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ . فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ . فَضَرَبَهُ حَتّى بَرَدَ . وَفَرّ الْآخَرُ . حَتّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ . فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا " فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِ قَالَ قُتِلَ وَاَللّهِ صَاحِبِي ، وَإِنّي لَمَقْتُولٌ . فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ ، فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ قَدْ أَوْفَى اللّهُ ذِمّتَك ، قَدْ رَدَدْتنِي إلَيْهِمْ فَأَنْجَانِي اللّهُ مِنْهُمْ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " وَيْلَ أُمّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ " . فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنّهُ سَيَرُدّهُ إلَيْهِمْ . فَخَرَجَ حَتّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ . وَتَفَلّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ . فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ . فَلَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ - قَدْ أَسْلَمَ - إلّا لَحِقَ بِهِ . حَتّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ . فَوَاَللّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرِ لِقُرَيْشِ خَرَجَتْ إلَى الشّامِ إلّا اعْتَرَضُوا لَهَا ، فَقَاتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ . فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تُنَاشِدُهُ اللّهَ وَالرّحِمَ لَمّا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ . غَزْوَةُ خَيْبَر وَلَمّا <124> قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا . ثُمّ خَرَجَ إلَى خَيْبَرَ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ وَقَدِمَ أَبُو هَرِيرَةَ حِينَئِذٍ الْمَدِينَةَ مُسْلِمًا . فَوَافَى سِبَاعًا فِي صَلَاةِ الصّبْحِ . فَسَمِعَهُ يَقْرَأُ وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ فَقَالَ - وَهُوَ فِي الصّلَاةِ - وَيْلُ أَبِي فُلَانٍ لَهُ مِكْيَالَانِ إذَا اكْتَالَ بِالْوَافِي ، وَإِذَا كَالَ كَالَ بِالنّاقِصِ . وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ : خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرٍ . فَقَالَ رَجُلٌ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيّاتِكَ ؟ فَنَزَلَ يَحْدُو وَيَقُولُ لَا هُمّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا فَأَنْزِلَن سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا إنّا إذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا وَبِالصّيَاحِ عَوّلُوا عَلَيْنَا
وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَنْ هَذَا السّائِقُ ؟ " قَالُوا : عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ . قَالَ " رَحِمَهُ اللّهُ " ( ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْلَا مَتّعْتنَا بِهِ ؟ . قَالَ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ . فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ . فَلَمّا تَصَافّوا خَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ - قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبٌ شَاكّي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ
إذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلْهَبُ فَنَزَلَ إلَيْهِ عَامِرٌ وَهُوَ يَقُولُ - قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي عَامِرٌ شَاكّي السّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ . فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ فَعَضّهُ . فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ - وَكَانَ سَيْفُهُ قَصْرًا - فَرَجَعَ إلَيْهِ سَيْفٌ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَمَاتَ . قَالَ سَلَمَةُ فَقُلْت لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَعَمُوا أَنّ عَامِرًا حَبَطَ عَمَلُهُ فَقَالَ " كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ إنّ لَهُ أَجْرَانِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ - إنّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ ، قَلّ عَرَبِيّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ " ( ) . <125> وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَالَ " قِفُوا " فَوَقَفَ الْجَيْشُ . فَقَالَ " اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ السّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ . فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا ، وَخَيْرَ مَا فِيهَا . وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرّ أَهْلِهَا ، وَشَرّ مَا فِيهَا . أَقْدِمُوا بِاسْمِ اللّهِ " . فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً . وَكَانَتْ أَرْضًا وَخْمَةً شَدِيدَةَ الْحَرّ . فَجَهَدَ الْمُسْلِمُونَ جَهْدًا شَدِيدًا . فَقَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ . فَوَعَظَهُمْ وَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ . وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَسْوَدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللّوْنِ قَبِيحُ الْوَجْهِ مُنْتِنُ الرّيحِ لَا مَالَ لِي . فَإِنْ قَاتَلْت هَؤُلَاءِ حَتّى أُقْتَلَ أَدْخُلْ الْجَنّةَ ؟ قَالَ " نَعَمْ " فَتَقَدّمَ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا رَآهُ " لَقَدْ حَسّنَ اللّهَ وَجْهَك ، وَطَيّبَ رِيحَك . وَكَثّرَ مَالَك " وَقَالَ " لَقَدْ رَأَيْت زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ تَتَنَازَعَانِ جُبّةً عَلَيْهِ . وَتَدْخُلَانِ فِيمَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَجُبّتِهِ " . فَافْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمَ بَعْضَهَا ، ثُمّ تَحَوّلَ إلَى الْكَعْبَةِ ، وَالْوَطِيحِ ، وَالسّلَالِمِ . فَإِنّ خَيْبَرَ كَانَتْ جَانِبَيْنِ الْأَوّلُ الشّقّ وَالنّطَاةُ ، الّذِي اُفْتُتِحَ أَوّلًا . وَالثّانِي : مَا ذَكَرْنَا . فَحَاصَرَهُمْ حَتّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ الصّلْحَ . وَنَزَلَ إلَيْهِ سَلّامُ ابْنُ أَبِي الْحَقِيقِ فَصَالَحَهُمْ عَلَى حَقْنِ الدّمَاءِ وَعَلَى الذّرّيّةِ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ ، وَيُخَلّونَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ . وَعَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ إلّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ . فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ قَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ مِنْكُمْ . فَدَعْنَا نَكُونُ فِيهَا . فَأَعْطَاهُمْ إيّاهَا ، عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهَا وَزَرْعِهَا . ثُمّ قَسَمَهَا عَلَى سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا ، كُلّ سَهْمٍ مِائَةُ سَهْمٍ . فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتّمِائَةِ سَهْمٍ . نِصْفُهَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ . وَالنّصْفُ الْآخَرُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قُدُومُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَصَحْبِهِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَفِي <126> هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمّهِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ . وَمَعَهُمْ الْأَشْعَرِيّونَ : أَبُو مُوسَى ، وَأَصْحَابُهُ . قَالَ أَبُو مُوسَى بَلَغْنَا مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ . فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ - أَنَا وَأَخَوَانِ لِي - فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي . فَرَكِبْنَا سَفِينَةً . فَأَلْقَتْنَا إلَى النّجَاشِيّ ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا . فَأَقَمْنَا حَتّى قَدِمْنَا فَتْحَ خَيْبَرَ . وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ لَنَا : سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ . فَدَخَلَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَى حَفْصَةَ . فَدَخَلَ عَلَيْهَا عُمَرُ وَعِنْدَهَا أَسْمَاءُ . فَقَالَ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ . قَالَ الْحَبَشِيّةُ هَذِهِ ؟ الْبَحْرِيّةُ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ . نَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ اللّهِ مِنْكُمْ . فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلّا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ . وَكُنّا فِي أَرْضِ الْبَعْدَاءِ الْبَغْضَاءِ . وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَاَيْمُ اللّهِ لَا أُطْعِمُ طَعَامًا ، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتّى أَذْكُرَ مَا قُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ . فَقَالَ مَا قُلْت لَهُ ؟ قَالَتْ قُلْت لَهُ كَذَا وَكَذَا . قَالَ لَيْسَ بِأَحَقّ بِي مِنْكُمْ . لَهُ لِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ - يَا أَهْلَ السّفِينَةِ - هِجْرَتَانِ ( ) فَكَانَ أَبُو مُوسَى وَأَصْحَابُ السّفِينَةِ يَأْتُونَهَا أَرْسَالًا ، يَسْأَلُونَهَا عَنْ الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . مُحَاصَرَةُ رَسُولِ اللّهِ بَعْضَ الْيَهُودِ بِوَادِي الْقُرَى ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى وَكَانَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَانْضَافَ إلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ . فَلَمّا نَزَلُوا اسْتَقْبَلَتْهُمْ يَهُودُ بِالرّمْيِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ تَعْبِئَةٍ . فَقُتِلَ مُدَعّمٌ - عَبْدٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ وَهَبَهُ لِرَسُولِ اللّهِ فَقَالَ النّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ . فَقَالَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " كَلّا ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . إنّ الشّمْلَةَ الّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْقِسْمَةُ لِتَشْتَعِلَ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ <127> النّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكِ أَوْ شِرَاكَيْنِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ( ) . فَعَبّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ وَصَفّهُمْ ثُمّ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا . وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ . فَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ فَقَتَلَهُ . ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ . حَتّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا . فَقَاتَلَهُمْ حَتّى أَمْسَوْا . ثُمّ غَدَا عَلَيْهِمْ . فَلَمْ تَرْتَفِعْ الشّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ حَتّى افْتَتَحَهَا عَنْوَةً . وَأَصَابُوا أَثَاثًا وَمَتَاعًا كَثِيرًا . فَقَسَمَهُ فِي أَصْحَابِهِ .وَتَرَكَ الْأَرْضَ وَالنّخْلَ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا . وَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ رَدّ الْمُهَاجِرُونَ إلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ مِنْ النّخِيلِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا : الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التّمْرِ بَعْثُ سَرِيّةٍ إلَى الْحُرُقَاتِ ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً إلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ . فَلَمّا دَنَوْا مِنْهُمْ بَعَثَ الْأَمِيرُ الطّلَائِعَ . فَلَمّا رَجَعُوا بِخَبَرِهِمْ أَقْبَلَ حَتّى دَنَا مِنْهُمْ لَيْلًا ، وَقَدْ هَدَءُوا ، ثُمّ قَامَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ . ثُمّ قَالَ " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِي وَلَا تَعْصُونِي ، وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي . فَإِنّهُ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ . ثُمّ رَتّبَهُمْ . فَقَالَ يَا فُلَانُ أَنْتَ فُلَانٌ وَيَا فُلَانُ أَنْتَ وَفُلَانٌ لَا يُفَارِقُ كُلّ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ وَزَمِيلَهُ وَإِيّاكُمْ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَقُولُ . أَيْنَ صَاحِبُك ؟ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي . فَإِذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا . وَجَرّدُوا السّيُوفَ . ثُمّ كَبّرُوا وَحَمَلُوا حَمْلَةً وَاحِدَةً . وَأَحَاطُوا بِالْقَوْمِ وَأَخَذَتْهُمْ سُيُوفُ اللّهِ عُمْرَةُ الْقَضِيّة ِ فَلَمّا كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ السّنَةِ السّابِعَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ . حَتّى إذَا بَلَغَ يَأْجَجَ وَضَعَ الْأَدَاةَ كُلّهَا ، إلّا الْجُحَفَ وَالْمِجَانّ وَالنّبْلَ وَالرّمَاحَ . وَدَخَلُوا بِسِلَاحِ الرّاكِبِ - السّيُوفِ - وَبَعَثَ <128> جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَخْطُبُهَا . فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ . فَزَوّجَهُ إيّاهَا . فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَكْشِفُوا عَنْ الْمَنَاكِبِ وَيَسْعَوْا فِي الطّوَافِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوّتَهُمْ - وَكَانَ يُكَايِدُهُمْ بِكُلّ مَا اسْتَطَاعَ - فَوَقَفَ أَهْلُ مَكّةَ - الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالصّبْيَانَ - يَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْتَجِزُ يَقُولُ خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ قَدْ أَنَزَلَ الرّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ فِي صُحُفٍ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ بِأَنّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ إنّي رَأَيْت الْحَقّ فِي قَبُولِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ فَأَقَامَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا . ثُمّ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى . فَصَاحَ حُوَيْطِبٌ نُنَاشِدُك اللّهَ وَالْعَقْدَ لَمّا خَرَجْت مِنْ أَرْضِنَا . فَقَدْ مَضَتْ الثّلَاثُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا رَافِعٍ فَأَذِنَ بِالرّحِيلِ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّامِنَةُ . فَكَانَتْ فِيهَا غَزْوَةُ مُؤْتَةَ وَسَبَبُهَا : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ بِكِتَابِ إلَى مَلِكِ الرّومِ - أَوْ بُصْرَى - فَعَرَضَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسّانِيّ . فَقَتَلَهُ - وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولٌ غَيْرُهُ - فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَبَعَثَ الْبُعُوثَ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَقَالَ " إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " ( ) فَتَجَهّزُوا . وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ . فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ . وَدَعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ . فَبَكَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . فَقَالُوا مَا يُبْكِيك ؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صُبَابَةٌ بِكُمْ . وَلَكِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ ( 16 : 71 ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا وَلَسْت <129> أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدُورِ بَعْدَ الْوُرُودِ ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَحِبَكُمْ اللّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ . وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ . فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً وَضَرْبَةَ ذَاتِ فُرْعٍ تَقْذِفُ الزّبَدَا أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجَهّزَةً بِحَرْبَةِ تَنْفُذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدّتِي : يَا أَرْشَدَ اللّهُ مِنْ غَازٍ . وَقَدْ رَشَدَا ثُمّ مَضَوْا حَتّى نَزَلُوا مَعَانَ . فَبَلَغَهُمْ أَنّ هِرَقْلَ بِالْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ وَانْضَمّ إلَيْهِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبَلِيّ وَغَيْرِهِمْ مِائَةُ أَلْفٍ . فَأَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ . وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَنُخْبِرُهُ . فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا ، وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَشَجّعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الّذِي تَكْرَهُونَ لِلّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةَ . وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِقُوّةِ وَلَا كَثْرَةٍ وَمَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ فَانْطَلَقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظَفَرٌ . وَإِمّا شَهَادَةٌ . فَمَضَى النّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ الْجُمُوعُ . فَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُؤْتَةَ . ثُمّ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا وَالرّايَةُ فِي يَدِ زَيْدٍ . فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلْ بِهَا حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ . فَأَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا . حَتّى إذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهَا . ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ . فَأَخَذَ الرّايَةَ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ . فَاحْتَضَنَ الرّايَةَ حَتّى قُتِلَ . وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً . رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . فَتَقَدّمَ بِهَا ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ أُقْسِمُ بِاَللّهِ لَتُنْزِلُنّهُ لَتَنْزِلَن أَوْ لَتُكْرِهَنهُ يَا ظَالِمًا قَدْ كُنْت مُطْمَئِنّهْ إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّةَ مَالِي أَرَاك تَكْرَهِينَ الْجَنّةَ ؟ وَيَقُولُ أَيْضًا يَا نَفْسُ إنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلّيْت وَمَا تَمَنّيْت فَقَدْ أُعْطِيت إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيت <130> ثُمّ نَزَلَ فَأَتَاهُ فَنَادَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعِرْقِ مِنْ لَحْمٍ . فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك ، فَإِنّك لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت . فَأَخَذَهَا فَانْتَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْخَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ . فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ؟ فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَتَقَدّمَ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ . ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ . فَدَافَعَ الْقَوْمُ وَخَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازُوا ، وَانْصَرَفَ النّاسُ . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَدْنَا مَا بَيْنَ صَدْرِ جَعْفَرٍ وَمَنْكِبِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْهُ تِسْعِينَ جِرَاحَةً . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كُنْت يَتِيمًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ . فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ . فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَسِيرُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ سَمِعْته وَهُوَ يَنْشُدُ شِعْرًا : إذَا أَدّيْتنِي وَحَمَلْت رَحْلِي مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحُسَامِ فَشَأْنُك فَانْعُمِي ، وَخَلَاك ذَمّ وَلَا أَرْجِعُ إلَى أَهْلِي وَرَائِي وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي بِأَرْضِ الشّامِ مُسْتَنْهِي الثّوَاءِ وَرَدّك كُلّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ إلَى الرّحْمَنِ مُنْقَطِعِ الْإِخَاءِ هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا وَرَائِي قَالَ فَبَكَيْت . فَخَفَقَنِي بِالسّوْطِ وَقَالَ مَا عَلَيْك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ الشّهَادَةَ وَتَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ . غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ وَكَانَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ . وَسَبَبُهَا : أَنّ بَكْرًا عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ فِي مَائِهِمْ " الْوَتِيرِ " فَبَيّتُوهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ . وَكَانَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ " أَنّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَلَ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ فَعَلَ " فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ إنّ بَنِي بَكْرٍ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ لَيْلًا بِمَاءِ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ ، قَرِيبًا مِنْ مَكّةَ . وَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ <131> بِالسّلَاحِ . وَقَاتَلَ مَعَهُمْ بَعْضُهُمْ مُسْتَخْفِيًا لَيْلًا ، حَتّى لَجَأَتْ خُزَاعَةُ إلَى الْحَرَمِ . فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ لِنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ - وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَائِدَهُمْ - يَا نَوْفَلُ إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ إلَهَك إلَهَك . فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ . يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ . فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ . أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ ؟ فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا قَدْ كُنْتُمُوا وُلْدًا وَكُنّا وَالِدًا ثُمّتْ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَيّدًا وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا أَبْيَضُ مِثْلُ الْبَدْرِ يَسْمُو صَعِدَا إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبَدَا إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكّدَا وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رَصَدًا وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُو أَحَدًا وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدًا هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا
وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نُصِرْت يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ " . ثُمّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَبِمُظَاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ " كَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ . بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ . وَقَدْ رَهّبُوا لِلّذِي صَنَعُوا " . ثُمّ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ . فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ . فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ . فَقَالَ يَا بُنَيّةُ مَا أَدْرِي : أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ ، أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي ؟ قَالَتْ بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجِسٌ . فَقَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك بَعْدِي شَرّ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَكَلّمَهُ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا . ثُمّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلّمَهُ فِي أَنْ يُكَلّمَ النّبِيّ <132> صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . ثُمّ أَتَى عُمَرُ فَقَالَ أَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ ؟ وَاَللّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ . ثُمّ دَخَلَ عَلَى عَلِيّ وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ - وَالْحَسَنُ غُلَامٌ يَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهَا - فَقَالَ يَا عَلِيّ ، إنّك أَمَسّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا وَإِنّي جِئْت فِي حَاجَةٍ فَلَا أَرْجِعَن خَائِبًا . اشْفَعْ لِي إلَى مُحَمّدٍ . فَقَالَ قَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلّمَهُ فِيهِ - فَقَالَ لِفَاطِمَةَ هَلْ لَك أَنْ تَأْمُرِي ابْنَك هَذَا ، فَيُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ . فَيَكُونُ سَيّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ فَقَالَتْ مَا يَبْلُغُ ابْنِي ذَلِكَ . وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إنّي رَأَيْت الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدّتْ عَلَيّ فَانْصَحْنِي . قَالَ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْك . وَلَكِنّك سَيّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ وَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ ثُمّ الْحَقْ بِأَرْضِك . فَقَالَ أَوَتَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا ؟ قَالَ لَا ، وَاَللّهِ مَا أَظُنّهُ وَلَكِنْ مَا أَجِدُ لَك غَيْرَ ذَلِكَ . فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ . ثُمّ رَكِبَ بَعِيرُهُ . وَانْصَرَفَ عَائِدًا إلَى مَكّةَ . فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ جِئْت مُحَمّدًا فَكَلّمْته ، فَوَاَللّهِ مَا رَدّ عَلَيّ شَيْئًا ، ثُمّ جِئْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ . فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا . ثُمّ جِئْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، فَوَجَدْته أَدْنَى الْعَدُوّ - يَعْنِي : أَعْدَى الْعَدُوّ ثُمّ جِئْت عَلِيّا فَوَجَدْته أَلْيَنَ الْقَوْمِ وَقَدْ أَشَارَ عَلَيّ بِكَذَا وَكَذَا . فَفَعَلْت . قَالُوا : فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدًا ؟ قَالَ لَا . قَالُوا : وَيْلَك ، وَاَللّهِ إنّ زَادَ الرّجُلِ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِك . وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ بِالْجَهَازِ وَقَالَ اللّهُمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ ، حَتّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا فَكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى قُرَيْشٍ كِتَابًا ، يُخْبِرُهُمْ فِيهِ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَدَفَعَهُ إلَى سَارَةَ - مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَجَعَلْته فِي رَأْسِهَا . ثُمّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا . وَأَتَى الْخَبَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ السّمَاءِ . فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا وَالزّبَيْرَ إلَى الْمَرْأَةِ فَأَدْرَكَاهَا بِرَوْضَةِ خَاخٍ . فَأَنْكَرَتْ . فَفَتّشَا رَحْلَهَا . فَلَمْ يَجِدَا فِيهِ شَيْئًا فَهَدّدَاهَا . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا . فَأَتَيَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدَعَا <133> حَاطِبًا . فَقَالَ " مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ؟ " فَقَالَ لَا تَعْجَلْ عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ . وَاَللّهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا ارْتَدَدْت وَلَا بَدّلْت ، وَلَكِنّي كُنْت امْرِئِ مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ، لَسْت مِنْ أَنْفُسِهِمْ . وَلِي فِيهِمْ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَوَلَدٌ . وَلَيْسَ لِي فِيهِمْ قَرَابَةٌ يَحْمُونَهُمْ . وَكَانَ مَنْ مَعَك لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَهُمْ . فَأَحْبَبْت أَنْ أَتّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا . قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمّ لَهُ أَمْرَهُ . فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَإِنّهُ قَدْ خَانَ اللّهَ وَرَسُولَهُ . وَقَدْ نَافَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ ؟ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ . فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ( ) . فَذَرَفَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمَى اللّهُ الْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ ، لَكِنّهُمْ عَلَى وَجَلٍ . فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسّسُ هُوَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ . وَكَانَ الْعَبّاسُ قَدْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا . فَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجُحْفَةِ . فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ الظّهْرَانِ نَزَلَ عِشَاءً فَأَمَرَ الْجَيْشَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ . فَأَوْقَدَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ نَارٍ . فَرَكِبَ الْعَبّاسُ بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَخَرَجَ يَلْتَمِسُ لَعَلّهُ يَجِدُ بَعْضَ الْحَطّابَةِ أَوْ أَحَدًا يُخْبِرُ قُرَيْشًا . لِيَخْرُجُوا يَسْتَأْمِنُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَنْوَةً . قَالَ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا ، إذْ سَمِعْت كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلٍ يَتَرَاجَعَانِ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ نِيرَانًا قَطّ وَلَا عَسْكَرًا . قَالَ يَقُولُ بُدَيْلٌ هَذِهِ وَاَللّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ . قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ خُزَاعَةُ أَقَلّ وَأَذَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهَا . فَقُلْت : أَبَا حَنْظَلَةَ ؟ فَعَرَفَ صَوْتِي ، فَقَالَ أَبَا الْفَضْلِ ؟ قُلْت : نَعَمْ قَالَ مَا لَك ، فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؟ قَالَ قُلْت : هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ قَالَ فَمَا الْحِيلَةُ ؟ قُلْت : وَاَللّهِ لَئِنْ ظَفَرَ بِك لَيَضْرِبَن عُنُقَك . فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتّى آتِيهِ بِك ، فَأَسْتَأْمِنُهُ لَك . فَرَكِبَ خَلْفِي . وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ فَجِئْت بِهِ . فَكُلّمَا مَرَرْت <134> بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَإِذَا رَأَوْنَا قَالُوا : عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ . حَتّى مَرَرْت بِنَارِ عُمَرَ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ وَقَامَ إلَيّ . فَلَمّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ قَالَ عَدُوّ اللّهِ ؟ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَمْكَنَ اللّهُ مِنْك بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ . ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرَكَضَتْ الْبَغْلَةُ فَسَبَقَتْهُ وَاقْتَحَمَتْ عَنْهَا . فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ . قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ فَدَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَجَرْته . فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ قُلْت : مَهْلًا يَا عُمَرُ . فَوَاَللّهِ لَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْت هَذَا . قَالَ مَهْلًا يَا عَبّاسُ . فَوَاَللّهِ لَإِسْلَامُك كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ . وَمَا بِي إلّا أَنّي عَرَفْت أَنّ إسْلَامَك كَانَ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اذْهَبْ بِهِ يَا عَبّاسُ إلَى رَحْلِك . فَإِذَا أَصْبَحْت فَأْتِنِي بِهِ . فَفَعَلْت . ثُمّ غَدَوْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ أَنْ تَعْلَمَ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك وَاَللّهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنّي شَيْئًا بَعْدُ . قَالَ وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك ، أَمّا هَذِهِ فَفِي النّفْسِ حَتّى الْآنَ مِنْهَا شَيْءٌ . فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ وَيْحَك . وَأَسْلِمْ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَك . قَالَ فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ فَأَسْلَمَ . فَقَالَ الْعَبّاسُ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبّ الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا ، قَالَ نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ . فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَبّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللّهِ فَيَرَاهَا فَخَرَجْت حَتّى حَبَسْته . وَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا . حَتّى مَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ - لِكَثْرَةِ <135> الْحَدِيدِ وَظُهُورِهِ فِيهَا - فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلّا الْحَدَقُ . فَقَالَ سُبْحَانَ اللّهِ يَا عَبّاسُ . مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قُلْت : هَذَا رَسُولٌ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - قَالَ مَا لِأَحَدِ بِهَؤُلَاءِ طَاقَةٌ . وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ . فَلَمّا مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ . الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ . الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا فَذَكَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ كَذَبَ سَعْدٌ . وَلَكِنّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ تُعَظّمُ فِيهِ الْكَعْبَةُ الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ قُرَيْشًا ثُمّ نَزَعَ اللّوَاءَ مِنْ سَعْدٍ . وَدَفَعَهُ إلَى قَيْسٍ ابْنِهِ . وَمَضَى أَبُو سُفْيَانَ . فَلَمّا جَاءَ قُرَيْشًا صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ . هَذَا مُحَمّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ . قَالُوا : قَاتَلَك اللّهُ وَمَا تُغْنِي عَنّا دَارُك " ؟ قَالَ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ . وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَتَفَرّقَ النّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَعْلَاهَا ، وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَدَخَلَهَا مِنْ أَسْفَلِهَا ، وَقَالَ إنْ عَرَضَ لَكُمْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا ، حَتّى تُوَافُونِي عَلَى الصّفَا . فَمَا عَرَضَ لَهُمْ أَحَدٌ إلّا أَنَامُوهُ . وَتَجَمّعَ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَسَهْلُ بْنُ عَمْرٍو ، بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا . وَكَانَ حَمَاسُ بْنُ قَيْسٍ يُعِدّ سِلَاحًا قَبْلَ مَجِيءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَاَللّهِ مَا يَقُومُ لِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ . فَقَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَخْدُمَك بَعْضَهُمْ ثُمّ قَالَ إنْ يَقْبَلُوا الْيَوْمَ فَمَالِي عِلّةٌ هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَإِلّهْ
وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ الْقِتْلَة ثُمّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ . فَلَمّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ فَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمّ انْهَزَمُوا فَدَخَلَ حَمَاسٌ عَلَى امْرَأَتِهِ . فَقَالَ ؟ أَغْلِقِي عَلَيّ بَابِي . فَقَالَتْ أَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ ؟ فَقَالَ <136> إنّك لَوْ شَهِدْت يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرِمَهْ وَأَبُو يَزِيدُ قَائِمٌ كَالْمُؤْتِمَهْ وَاسْتَقْبَلْنَا بِالسّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ يَقْطُنُ كُلّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إلّا غَمْغَمَهْ لَهُمْ نَهِيت خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ لَمْ تَنْطِقِي بِاللّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدَخَلَ مَكّةَ . فَبَعَثَ الزّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنّبَتَيْنِ . وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنّبَةِ الْأُخْرَى . وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ عَلَى الْحُسّرِ . فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ وَقَدْ وَبِشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا ، وَقَالُوا : نُقَدّمُ هَؤُلَاءِ . فَإِذَا كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَاهُ الّذِي سَأَلْنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " فَقُلْت : لَبّيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ . وَلَا يَأْتِينِي إلّا أَنْصَارِيّ فَهَتَفْت بِهِمْ فَجَاءُوا ، فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ أَتَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ؟ - ثُمّ قَالَ بِيَدَيْهِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى - اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا ، حَتّى تُوَافُونِي عَلَى الصّفَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَانْطَلَقْنَا . فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إلّا قُتِلَ ( ) . وَرَكَزَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجُونِ عِنْدَ مَسْجِدِ الْفَتْحِ . ثُمّ نَهَضَ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ وَحَوْلَهُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدُ فَأَقْبَلَ إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ . ثُمّ طَافَ بِالْبَيْتِ . وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ وَحَوْلَ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتّونَ صَنَمًا . فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِالْقَوْسِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا جَاءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ وَالْأَصْنَامُ تَتَسَاقَطُ عَلَى وُجُوهِهَا . وَكَانَ طَوَافُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا يَوْمَئِذٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى الطّوَافِ . فَلَمّا أَكْمَلَهُ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ . فَأَمَرَ بِهَا فَفُتِحَتْ فَدَخَلَهَا . فَرَأَى فِيهَا الصّوَرَ وَرَأَى صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ فَقَالَ قَاتَلَهُمْ اللّهُ وَاَللّهِ إنْ اسْتَقْسَمَا بِهَا قَط ( ) وَأَمَرَ بِالصّوَرِ فَمُحِيَتْ . ثُمّ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَال | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:04 am | |
| فِيمَنْ لَزِمَهُ حَتّى تَرَاجَعَ النّاسُ وَكَرّوا كَرّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ . وَقُرّبَتْ بَغْلَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَاسْتَوَى عَلَيْهَا . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَثَرِهِمْ حَتّى تَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ . وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مُعَسْكَرِهِ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ . فَدَخَلْت عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرِي ، حُبّا لِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ وَسُرُورًا بِهِ فَقَالَ يَا شَيْبُ ، الّذِي أَرَادَ اللّهُ لَك ، مِنْ الّذِي أَرَدْت لِنَفْسِك " . قَالَ الْعَبّاسُ إنّي لَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت امْرِئِ جَسِيمًا شَدِيدَ الصّوْتِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى مِنْ النّاسِ إلَيّ أَيّهَا النّاسُ أَنَا النّبِيّ لَا كَذِبْ ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ فَلَمْ أَرَ النّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ . فَقَالَ " أَيْ عَبّاسٌ اهْتِفْ بِأَصْحَابِ السّمُرَةِ " فَنَادَيْت : يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ . فَكَانَ الرّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَرُدّ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ . فَيَأْخُذُ سِلَاحَهُ وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ وَيُخَلّي سَبِيلَهُ وَيَؤُمّ الصّوْتَ فَأَتَوْا مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ لَبّيْكَ لَبّيْكَ . حَتّى إذَا اجْتَمَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ اسْتَقْبَلُوا النّاسَ فَاقْتَتَلُوا . فَكَانَتْ الدّعْوَةُ أَوّلًا " يَا لَلْأَنْصَارِ يَا لَلْأَنْصَارِ " ثُمّ خَلَصَتْ الدّعْوَةُ " يَا لَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج ِ " وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثُمّ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَصَيَاتٍ . فَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْقَوْمِ ثُمّ قَالَ انْهَزِمُوا ، وَرَبّ مُحَمّدٍ . فَمَا هُوَ إلّا أَنْ رَمَاهُمْ فَمَا زِلْت أَرَى حَدّهُمْ كَلِيلًا ، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا <143> وَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوْا الطّائِفَ ، وَمِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ . وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسَ . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَثَرِ مَنْ تَوَجّهَ نَحْوَ أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ فَهَزَمَهُمْ اللّهُ تَعَالَى . وَقُتِلَ أَبُو عَامِرٍ . فَأَخَذَ الرّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ . فَلَمّا بَلَغَ الْخَبَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ا للّهُمّ اغْفِرْ لِأَبِي عَامِرٍ . وَاجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِك وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّبْيِ وَالْغَنَائِمِ أَنْ يُجْمَعَ . وَكَانَ السّبْيُ سِتّةَ آلَافِ رَأْسٍ وَالْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا ، وَالْغَنَمُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ وَأَرْبَعَةُ آلَافِ أُوقِيّةٍ فِضّةً . فَاسْتَأْنَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَقْدَمُوا مُوَالِينَ مُسْلِمِينَ بِضْعَةَ عَشَرَ لَيْلَةً . ثُمّ بَدَأَ بِالْأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا : وَأَعْطَى الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوّلَ النّاسِ . فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . وَأَرْبَعِينَ أُوقِيّةً . وَأَعْطَى ابْنَهُ يَزِيدَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَأَعْطَى ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَأَعْطَى حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . ثُمّ سَأَلَهُ مِائَةً أُخْرَى فَأَعْطَاهُ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَصْحَابَ الْمِائَةِ وَأَصْحَابَ الْخَمْسِينَ . ثُمّ أَمَرَ يَزِيدَ ثَابِتٌ بِإِحْصَاءِ الْغَنَائِمِ وَالنّاسِ ثُمّ فَضّهَا عَلَى النّاسِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودٍ لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ <144> لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِل الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ . وَجَدَتْ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهِمْ . حَتّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ وَاَللّهِ رَسُولُ اللّهِ قَوْمَهُ . فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ . فَقَالَ " فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَا إلّا مِنْ قَوْمِي ، قَالَ " فَاجْمَعْ لِي قَوْمَك فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ " فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا . وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ . فَلَمّا اجْتَمَعُوا ، أَتَاهُ سَعْدٌ . فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ . ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ : مَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ ؟ وَجَدّةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا . فَهَدَاكُمْ اللّهُ بِي ؟ وَعَالّةٌ فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ بِي ؟ وَأَعْدَاءٌ . فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بِي ؟ " . قَالُوا : اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ . ثُمّ قَالَ أَلَا تُجِيبُونِي ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ . قَالُوا : بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ وَلِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ . قَالَ " أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ أَتَيْتنَا مُكَذّبًا فَصَدّقْنَاك وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاك ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك . أَوَجَدْتُمْ عَلَيّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ لُعَاعَةً مِنْ الدّنْيَا ، تَأَلّفْت بِهَا قَوْمًا لِيُسَلّمُوا ، وَوَكّلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ ؟ أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ أَنْتُمْ بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ ؟ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرِئِ مِنْ الْأَنْصَارِ . وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَوَادِيًا ، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا وَوَادِيًا ، لَسَلَكَتْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ وَوَادِيَهَا ، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنّاسُ دِثَارٌ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ " . قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا : رَضِينَا بِرَسُولِ اللّهِ قَسْمًا وَحَظّا . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَفَرّقُوا وَقَدِمَتْ الشّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ - أُخْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ . أَنَا أُخْتُك ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ . وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَقَالَ " إنْ أَحْبَبْت فَعِنْدِي مَكْرُمَةٌ وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ أُمَتّعَك وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِك " فَقَالَتْ بَلْ تُمَتّعُنِي ، وَتَرُدّنِي إلَى قَوْمِي . فَفَعَلَ وَأَسْلَمَتْ . فَأَعْطَاهَا ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ وَجَارِيَةً وَنَعْمَاءَ وَشَاءً الْمَنّ عَلَى سَبْيِ هَوَازِنَ وَقَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَسَأَلُوهُ أَنْ يُمَنّ عَلَيْهِمْ السّبْيَ وَالْأَمْوَالَ فَقَالَ إنّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ ، وَإِنّ أَحَبّ الْحَدِيثِ إلَيّ أَصْدَقُهُ . فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ ؟ فَقَالُوا : مَا كُنّا نَعْدِلُ بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا . فَقَالَ " إذَا صَلّيْت الْغَدَاةَ فَقُومُوا ، فَقُولُوا إنّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ أَنْ يَرُدّ إلَيْنَا سَبْيَنَا " . فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَدَاةَ قَامُوا ، فَقَالُوا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِب ِ : فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَسْأَلُ لَكُمْ النّاسَ . فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ : مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا . وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا . وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا . فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ الْعَبّاسُ وَهَنْتُمُونِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ جَاءُوا مُسْلِمِينَ . وَقَدْ اسْتَأْنَيْت بِسَبَبِهِمْ وَقَدْ خَيّرْتهمْ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ شَيْئًا : فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَطَابَتْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَرُدّهُ فَسَبِيلُ ذَلِكَ . وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِحَقّهِ فَلْيَرُدّهُ عَلَيْهِمْ . وَلَهُ بِكُلّ فَرِيضَةٍ سِتّ فَرَائِضَ مِنْ أَوّلِ مَا يَفِيءُ اللّهُ عَلَيْنَا " فَقَالَ النّاسُ قَدْ طَيّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ " إنّا لَا نَعْرِفُ مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ مِمّنْ لَمْ يَرْضَ فَارْجِعُوا حَتّى يَرْفَعُ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ . فَرُدّوا عَلَيْهِمْ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَكَسَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّبْيَ قِبْطِيّةً قِبْطِيّةً <145> فَصْلٌ [ الحكم المستفاد من غزوة حنين ] لَمّا تَمّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَتْحُ مَكّةَ : اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللّهِ أَنْ أُمْسِكَ قُلُوبَ هَوَازِنَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِتَكُونَ غَنَائِمُهُمْ شُكْرَانًا لِأَهْلِ الْفَتْحِ وَلِيُظْهِرَ حِزْبَهُ عَلَى الشّوْكَةِ الّتِي لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا . فَلَا يُقَاوِمُهُمْ أَحَدٌ بَعْدُ مِنْ الْعَرَبِ . وَأَذَاقَ الْمُسْلِمِينَ أَوّلًا مَرَارَةَ الْكِسْرَةِ مَعَ قُوّةِ شَوْكَتِهِمْ لِيُطَمْئِنَ رُءُوسًا رُفِعَتْ بِالْفَتْحِ وَلَمْ تَدْخُلْ حَرَمَهُ كَمَا دَخَلَهُ رَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاضِعًا رَأْسَهُ مُنْحَنِيًا عَلَى فَرَسِهِ حَتّى إنّ ذَقْنَهُ لَيَكَادُ يَمَسّ قُرْبُوسَ سُرُجِهِ تَوَاضُعًا لِرَبّهِ . وَلِيُبَيّنَ سُبْحَانَهُ - لِمَنْ قَالَ " لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلّةٍ " - إنّ النّصْرَ إنّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ وَأَنّ مَنْ يُخَذّلْهُ فَلَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُهُ . وَأَنّهُ سُبْحَانَهُ الّذِي تَوَلّى نَصْرَ دِينِهِ لَا كَثْرَتُكُمْ . فَلَمّا انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ أَرْسَلَ إلَيْهَا خَلْعَ الْجَبْرِ مَعَ بَرِيدِ النّصْرِ ( 9 : 26 ) ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا <146> وَقَدْ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ خِلَعَ النّصْرِ إنّمَا تُفِيضُ عَلَى أَهْلِ الِانْكِسَارِ ( 28 : 6 ) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ غَزْوَةُ الطّائِفِ وَلَمّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إلَى الطّائِفِ - وَكَانَتْ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ - بَعَثَ الطّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو إلَى ذِي الْكَفّيْنِ - صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوْسِيّ - يَهْدِمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمِدّ قَوْمَهُ يُوَافِيهِ بِالطّائِفِ . فَخَرَجَ سَرِيعًا . فَهَدَمَهُ وَجَعَلَ يَحْثُو النّارَ فِي وَجْهِهِ وَيَقُولُ يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْت مِنْ عُبّادِكَا مِيلَادُنَا أَكْبَرُ مِنْ مِيلَادِكَا
إنّي حَشَوْت النّارَ فِي فُؤَادِكَا وَانْحَدَرَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ سِرَاعًا . فَوَافَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالطّائِفِ بَعْدَ مَقْدِمِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ - وَقَدِمَ بِدَبّابَةِ وَمَنْجَنِيقٍ . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : لَمّا انْهَزَمُوا مِنْ أَوْطَاسٍ دَخَلُوا حِصْنَهُمْ وَتَهَيّئُوا لِلْقِتَالِ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ حِصْنِ الطّائِفِ . وَعَسْكَرَ هُنَاكَ . فَرَمَوْا الْمُسْلِمِينَ بِالنّبْلِ رَمْيًا شَدِيدًا ، كَأَنّهُ رَجُلٌ جَرَادٌ حَتّى أُصِيبَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِجِرَاحَةِ . وَقُتِلَ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا . فَارْتَفَعَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِ الطّائِفِ الْيَوْمَ . فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا . وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ - وَهُوَ أَوّلُ مَنْ رَمَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ - وَأَمَرَ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ . فَوَقَعَ النّاسُ فِيهَا يَقْطَعُونَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَهَا لِلّهِ وَلِلرّحِمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّي أَدَعُهَا لِلّهِ وَلِلرّحِمِ وَنَادَى مُنَادِيهِ " أَيّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنْ الْحِصْنِ وَخَرَجَ إلَيْنَا : فَهُوَ حُرّ " فَخَرَجَ مِنْهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ بْنُ مَسْرُوحٍ ، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمُونُهُ . وَلَمْ يَأْذَنْ فِي فَتْحِ الطّائِفِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَذِنَ بِالرّحِيلِ فَضَجّ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا : نَرْحَلُ وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاغْدُوَا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوَا ، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحَاتٌ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللّهُ " فَسُرّوا بِذَلِكَ وَجَعَلُوا يَرْحَلُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْحَكُ <147> فَلَمّا ارْتَحَلُوا وَاسْتَقَلّوا قَالَ قُولُوا : آيِبُونَ تَائِبُونَ ، عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ وَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ عَلَى ثَقِيفٍ ، فَقَالَ اللّهُمّ اهْدِ ثَقِيفًا وَأْتِ بِهِمْ ثُمّ خَرَجَ إلَى الْجِعِرّانَةِ . فَدَخَلَ مِنْهَا إلَى مَكّةَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةِ فَقَضَاهَا . ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَصْلٌ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوك َ فِي رَمَضَانَ . وَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشّهْرِ وَفْدُ ثَقِيفٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ " أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ اتّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ . فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاع فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ . وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبّبًا مُطَاعًا . فَخَرَجَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ . فَلَمّا أَشْرَفَ لَهُمْ عَلَى عَلِيّةٍ - وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ - رَمَوْهُ بِالنّبْلِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ . فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا تَرَى فِي دَمِك ؟ فَقَالَ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللّهُ بِهَا ، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللّهُ إلَيّ . فَلَيْسَ فِيّ إلّا مَا فِي الشّهَدَاءِ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ . فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ . فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ مَثَلَهُ فِي قَوْمِهِ كَمَثَلِ صَاحِبِ يس فِي قَوْمِهِ ثُمّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ مَقْتَلِ عُرْوَةَ شَهْرًا . ثُمّ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ . وَرَأَوْا أَنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، وَقَدْ أَسْلَمُوا وَبَايَعُوا . فَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ، كَمَا أَرْسَلُوا عُرْوَةَ . فَكَلّمُوا عَبْدَ يَالَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ . فَأَبَى ، وَخَشِيَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ كَمَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ فَقَالَ لَسْت فَاعِلًا حَتّى تُرْسِلُوا مَعِي رِجَالًا . فَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَحْلَافِ وَثَلَاثَةً مِنْ بَنِي مَالِكٍ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ . فَلَمّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا قَنَاةً ، أَلْفَوْا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، فَاشْتَدّ لِيُبَشّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقُدُومِهِمْ . فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللّهِ لَا تَسْبِقْنِي <148> إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَكُونَ أَنَا أُحَدّثُهُ فَفَعَلَ . ثُمّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إلَى أَصْحَابِهِ . فَرَوّحَ الظّهْرَ مَعَهُمْ . وَعَلّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيّونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمْ يَفْعَلُوا إلّا بِتَحِيّةِ الْجَاهِلِيّةِ . فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبّةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ . وَكَانَ فِيمَا سَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ اللّاتِ لَا يَهْدِمَهَا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ فَأَبَى . فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً فَيَأْبَى حَتّى سَأَلُوهُ شَهْرًا وَاحِدًا . فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمّى . وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ - فِيمَا يَظْهَرُونَ - أَنْ يَسْلَمُوا بِتَرْكِهَا مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُرَوّعُوهُمْ بِهَدْمِهَا ، حَتّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ . فَأَبَى إلّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَهْدِمَانِهَا . فَلَمّا أَسْلَمُوا أَمّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ - وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا - وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ مِنْ أَحْرِصْهُمْ عَلَى التّفَقّهِ فِي الدّينِ وَتَعَلّمِ الْقُرْآنِ . فَلَمّا تَوَجّهُوا رَاجِعِينَ بَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، حَتّى إذَا قَدِمُوا الطّائِفَ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَقْدَمَ أَبَا سُفْيَانَ فَأَبَى ، وَقَالَ اُدْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِك . وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ بِذِي الْهَدْمِ . فَلَمّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَاهَا يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ . وَقَامَ دُونَهُ بَنُو مُغِيثٍ خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى ، كَمَا فَعَلَ بِعُرْوَةِ وَخَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَيْهَا . فَلَمّا هَدَمَهَا أَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيّهَا وَأَرْسَلَ بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ . مَافِي غَزْوَةِ الطّائِفِ مِنْ الْفِقْهِ فِيهَا مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . وَنَسْخُ تَحْرِيمِ ذَلِكَ . وَفِيهَا : أَنّهُ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ مَوَاضِعِ الطّوَاغِيتِ وَالشّرْكِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا يَوْمًا وَاحِدًا . فَإِنّهَا شَعَائِرُ الْكُفْرِ . وَهِيَ أَعْظَمُ الْمُنْكَرَاتِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ الّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْقُبُورِ الّتِي اُتّخِذَتْ أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَكَذَلِكَ الْأَحْجَارُ وَالْأَشْجَارُ الّتِي تُقْصَدُ لِلتّعْظِيمِ وَالتّبَرّكِ وَالنّذْرِ لَهَا . وَكَثِيرٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ اللّاتِ وَالْعُزّى ، أَوْ أَعْظَمَ شِرْكًا عِنْدَهَا ، وَبِهَا . وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ هَذِهِ الطّوَاغِيتِ يَعْتَقِدُ أَنّهَا تُخْلِفُ وَتَرْزُقُ وَتُمِيتُ وَتُحْيِي . وَإِنّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَهَا مَا يَفْعَلُهُ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْيَوْمَ عِنْدَ طَوَاغِيتِهِمْ فَاتّبَعَ هَؤُلَاءِ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ . وَغَلَبَ الشّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النّفُوسِ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَخَفَاءِ الْعِلْمِ وَغَلَبَةُ التّقَالِيدِ . وَصَارَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا ، وَالْمُنْكَرُ <149> مَعْرُوفًا ، وَالسّنّةُ بِدْعَةٌ وَالْبِدْعَةُ سُنّةٌ وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصّغِيرِ وَهَرِمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ . وَطُمِسَتْ الْأَعْلَامُ . وَاشْتَدّتْ غُرْبَةُ الْإِسْلَامِ . وَلَكِنْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعِصَابَةِ الْمُحَمّدِيّةِ بِالْحَقّ قَائِمِينَ وَلِأَهْلِ الشّرْكِ وَالْبِدَعِ مُجَاهَدِينَ إلَى أَنْ يَرِثَ اللّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . وَفِيهَا : صَرَفَ الْإِمَامُ الْأَمْوَالَ الّتِي تَصِيرُ إلَى هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مِنْ عَابِدِيهَا . فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي الْجِهَادِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ أَوْقَافُهَا تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ . فَصْلٌ حَوَادِثُ سَنَةِ تِسْعٍ وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَة ، وَدَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ بَعَثَ الْمُصَدّقِينَ يَأْخُذُونَ الصّدَقَاتِ مِنْ الْأَعْرَابِ . وَفِيهَا : بَعَثَ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى صَنَمِ طَيّئّ لِيَهْدِمَهُ . فَشَنّوا الْغَارّةَ عَلَى مَحَلّةِ آلِ حَاتِمٍ مَعَ الْفَجْرِ . فَهَدَمُوهُ وَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْ السّبْيِ وَالنّعَمِ وَالشّاءِ . وَفِي السّبْيِ سُفَانَةُ أُخْتُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ ، وَهَرَبَ عَدِيّ إلَى الشّامِ . وَوَجَدَ فِي خِزَانَتِهِ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ وَثَلَاثَةَ أَدْرُعٍ . وَقَسَمَ عَلَيّ الْغَنَائِمَ فِي الطّرِيقِ وَلَمْ يُقْسِمْ السّبْيَ مِنْ آلِ حَاتِمٍ حَتّى قَدِمَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ . قَالَ عَدِيّ : مَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ أَشَدّ كَرَاهَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّي ، حِينَ سَمِعْت بِهِ . وَكُنْت رَجُلًا شَرِيفًا نَصْرَانِيّا . وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ . وَكُنْت فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ . فَقُلْت لِغُلَامِ لِي رَاعٍ لِإِبِلِي : اُعْدُدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا . فَإِذَا سَمِعْت بِجَيْشِ مُحَمّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي . فَأَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ مَا كُنْت صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ فَاصْنَعْ الْآنَ . فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ فَسَأَلْت عَنْهَا ؟ فَقَالُوا : هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ . قُلْت : قَرّبْ لِي أَجْمَالِي . فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي ، ثُمّ قُلْت : أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنْ النّصَارَى بِالشّامِ وَخَلّفْت بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرَةِ . فَلَمّا قَدِمْت الشّامَ أَقَمْت بِهَا ، وَتُخَالِفُنِي خَيْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيّئّ . <150> وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ . فَمَرّ بِهَا . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ غَابَ الْوَافِدُ . وَانْقَطَعَ الْوَالِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ . مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ فَمُنّ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك . فَقَالَ مَنْ وَافِدُك ؟ قَالَتْ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ ، قَالَ الّذِي فَرّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ ؟ - وَكَرّرْت عَلَيْهِ الْقَوْلَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ - قَالَتْ فَمَنّ عَلَيّ وَسَأَلْته الْحُمْلَانَ فَأَمَرَ لَهَا بِهِ وَكَسَاهَا وَحَمَلَهَا وَأَعْطَاهَا نَفَقَةً . فَأَتَتْنِي . فَقَالَتْ لَقَدْ فَعَلَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوك يَفْعَلُهَا . ائْتِهِ رَاكِبًا أَوْ رَاهِبًا ، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ . قَالَ فَأَتَيْته ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ . فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ - وَجِئْت بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كِتَابٍ - فَأَخَذَ بِيَدَيّ - وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللّهُ يَدَهُ فِي يَدَيّ - فَقَامَ إلَيّ فَلَقِيت امْرَأَةً وَمَعَهَا صَبِيّ . فَقَالَا : إنّ لَنَا إلَيْك حَاجَةً . فَقَامَ مَعَهُمَا حَتّى قَضَى حَاجَتَهُمَا . ثُمّ أَخَذَ بِيَدَيّ حَتّى أَتَى دَارَهُ . فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةَ وِسَادَةً . فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، وَجَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ مَا يُفِرّك ؟ أَيُفِرّك أَنْ يُقَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إلَهٍ سِوَى اللّهِ ؟ فَقُلْت : لَا . فَتَكَلّمَ سَاعَةً . ثُمّ قَالَ أَيُفِرّك أَنْ يُقَالَ اللّهُ أَكْبَرُ ؟ وَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ اللّهِ ؟ قُلْت : لَا ، قَالَ فَإِنّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ . وَالنّصَارَى ضَالّونَ فَقُلْت : فَإِنّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ . فَرَأَيْت وَجْهَهُ يَنْبَسِطُ فَرَحًا . ثُمّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ . وَجَعَلْت آتِيهِ طَرَفَيْ النّهَارِ . فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنْ صُوفٍ مِنْ هَذِهِ الثّمَارِ فَصَلّى ثُمّ قَامَ . فَحَثّ بِالصّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَيّهَا النّاسُ ارْضَخُوا مِنْ الْفَضْلِ وَلَوْ بِصَاعِ وَلَوْ بِنِصْفِ صَاعٍ وَلَوْ بِقَبْضَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ - أَوْ النّارَ - وَلَوْ بِتَمْرَةِ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةِ طَيّبَةٍ . فَإِنّ أَحَدَكُمْ لَاقٍ اللّهَ فَقَائِلٌ لَهُ أَقُولُ لَكُمْ أَلَمْ أَجْعَلْ لَك مَالًا وَوَلَدًا ؟ فَيَقُولُ بَلَى ، فَيَقُولُ أَيْنَ مَا قَدّمْت لِنَفْسِك ؟ فَيَنْظُرُ قُدّامَهُ وَخَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ . فَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَكَلِمَةٌ طَيّبَةٌ . فَإِنّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْفَاقَةَ . فَإِنّ اللّهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتّى تَسِيرَ الظّعِينَةُ مَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ ، مَا تَخَافُ عَلَى مَطِيّتِهَا السّرّقُ . <151> فَجَعَلَتْ أَقُولُ فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيّئّ ؟ . قِصّةُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الطّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكّةَ مِمّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ - ابْنُ الزّبَعْرَى ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ - قَدْ هَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ . فَإِنْ كَانَ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَإِنّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إلَى نَجَائِبِك . وَكَانَ قَدْ قَالَ - أَلَا بَلّغَا عَنّي بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَك فِيمَا قُلْت ؟ وَيْحَك . هَلْ لَكَا ؟ فَبَيّنْ لَنَا ، إنْ كُنْت لَسْت بِفَاعِلِ عَلَى أَيّ شَيْءٍ غَيْرَ ذَلِكَ دَلّكَا ؟ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ . وَلَمْ تَلْقَ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ . فَلَسْت بِآسِفِ وَلَا قَائِلٍ إمّا عَثَرْت : لَعَالَكَا سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيّةً وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلّكَا فَلَمّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ ، صَدَقَ وَاَللّهِ . وَإِنّهُ لَكَذُوبٌ أَنَا الْمَأْمُونُ وَلَمّا سَمِعَ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ قَالَ أَجَلْ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمّهُ . ثُمّ قَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ : - مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا ، فَهَلْ لَك فِي الّتِي تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا ، وَهِيَ أَحْزَمُ ؟ إلَى اللّهِ - لَا الْعُزّى وَلَا اللّاتِ - وَحْدَهُ فَتَنْجُو إذَا كَانَ النّجَاءُ وَتَسْلَمُ لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو ، وَلَيْسَ بِمُفْلَتِ مِنْ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ فَدِينُ زُهَيْرٍ - وَهُوَ لَا شَيْءَ - دِينُهُ وَدِينٌ أَبِي سُلْمَى عَلَيّ مُحَرّمُ فَلَمّا بَلَغَ كَعْبًا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ . وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بَدَا ، قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي مَدَحَ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ . فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعْرِفَةٌ . فَغَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لِي أَنّهُ قَامَ فَجَلَسَ إلَيْهِ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَعْرِفُهُ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَك تَائِبًا مُسْلِمًا ، فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو : أَنّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي وَعَدُوّ اللّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَقَالَ دَعْهُ عَنْك ، فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا عَمّا كَانَ عَلَيْهِ فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا بُجَيْرٌ . فَقَالَ قَصِيدَتُهُ الّتِي أَوّلُهَا : - بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُول وَمِنْهَا : - أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضِ لَا يُبَلّغُهَا إلّا الْعِتَاقُ النّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ إلَى أَنْ قَالَ تَسْعَى الْغُوَاةُ جَنَابَيْهَا ، وَقَوْلُهُمُو : إنّك يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ وَقَالَ كُلّ صَدِيقٍ كُنْت آمُلُهُ لَا أُلْهِيَنك . إنّي عَنْك مَشْغُولُ فَقُلْت : خَلّوا سَبِيلِي . لَا أَبَا لَكُمُو فَكُلّ مَا قَدّرَ الرّحْمَنُ مَفْعُولُ نُبّئْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ مَأْمُولُ مَهْلًا ، هَدَاك الّذِي أَعْطَاك نَافِلَةَ الْ قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظُ وَتَفْصِيلُ لَا تَأْخُذْنِي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ . وَلَمْ أُذْنِبْ وَإِنْ كَثُرَتْ فِيّ الْأَقَاوِيلُ إلَى أَنْ قَالَ إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ مَسْلُولُ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكّةَ - لَمّا أَسْلَمُوا - زُولُوا زَالُوا . فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالَ الزّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ شَمّ الْعَرَانِينُ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُو مِنْ نَسْجِ دَاوُد فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُو قَوْمًا ، وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إذَا نِيلُوا لَا يَقَعُ الطّعْنُ إلّا فِي نُحُورِهُمُو وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ <153> قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو : فَلَمّا قَالَ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلَ وَإِنّمَا عَنَانَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارَ ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ : - مَنْ سَرّهُ كَرْمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِ الْأَنْصَارِ وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ إنّ الْخِيَارَ هُمُو بَنِي الْأَخْيَارِ الذّائِذِينَ النّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ بِالْمَشْرَفِيّ وَبِالْقَنَا الْخِطَارِ وَالْبَائِعِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ يَوْمَ الْهِيَاجِ وَفِتْنَةِ الْكُفّارِ وَالنّاظِرِينَ بِأَعْيُنِ مُحْمَرّةٍ كَالْجَمْرِ غَيْرُ كَلَيْلَةِ الْإِبْصَارِ وَالْبَاذِلِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وكِرَارِ يَتَطَهّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ بِدِمَاءِ مَنْ عَلَقُوا مِنْ الْكُفّارِ قِصّةُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الطّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكّةَ مِمّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ - ابْنُ الزّبَعْرَى ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ - قَدْ هَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ . فَإِنْ كَانَ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَإِنّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إلَى نَجَائِبِك . وَكَانَ قَدْ قَالَ - أَلَا بَلّغَا عَنّي بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَك فِيمَا قُلْت ؟ وَيْحَك . هَلْ لَكَا ؟ فَبَيّنْ لَنَا ، إنْ كُنْت لَسْت بِفَاعِلِ عَلَى أَيّ شَيْءٍ غَيْرَ ذَلِكَ دَلّكَا ؟ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ . وَلَمْ تَلْقَ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ . فَلَسْت بِآسِفِ وَلَا قَائِلٍ إمّا عَثَرْت : لَعَالَكَا سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيّةً وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلّكَا فَلَمّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ ، صَدَقَ وَاَللّهِ . وَإِنّهُ لَكَذُوبٌ أَنَا الْمَأْمُونُ وَلَمّا سَمِعَ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ قَالَ أَجَلْ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمّهُ . ثُمّ قَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ : - مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا ، فَهَلْ لَك فِي الّتِي تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا ، وَهِيَ أَحْزَمُ ؟ إلَى اللّهِ - لَا الْعُزّى وَلَا اللّاتِ - وَحْدَهُ فَتَنْجُو إذَا كَانَ النّجَاءُ وَتَسْلَمُ لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو ، وَلَيْسَ بِمُفْلَتِ مِنْ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ فَدِينُ زُهَيْرٍ - وَهُوَ لَا شَيْءَ - دِينُهُ وَدِينٌ أَبِي سُلْمَى عَلَيّ مُحَرّمُ فَلَمّا بَلَغَ كَعْبًا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ . وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بَدَا ، قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي مَدَحَ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ . فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعْرِفَةٌ . فَغَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لِي أَنّهُ قَامَ فَجَلَسَ إلَيْهِ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَعْرِفُهُ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَك تَائِبًا مُسْلِمًا ، فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو : أَنّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي وَعَدُوّ اللّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَقَالَ دَعْهُ عَنْك ، فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا عَمّا كَانَ عَلَيْهِ فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا بُجَيْرٌ . فَقَالَ قَصِيدَتُهُ الّتِي أَوّلُهَا : - بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُول وَمِنْهَا : - أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضِ لَا يُبَلّغُهَا إلّا الْعِتَاقُ النّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ إلَى أَنْ قَالَ تَسْعَى الْغُوَاةُ جَنَابَيْهَا ، وَقَوْلُهُمُو : إنّك يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ وَقَالَ كُلّ صَدِيقٍ كُنْت آمُلُهُ لَا أُلْهِيَنك . إنّي عَنْك مَشْغُولُ فَقُلْت : خَلّوا سَبِيلِي . لَا أَبَا لَكُمُو فَكُلّ مَا قَدّرَ الرّحْمَنُ مَفْعُولُ نُبّئْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ مَأْمُولُ مَهْلًا ، هَدَاك الّذِي أَعْطَاك نَافِلَةَ الْ قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظُ وَتَفْصِيلُ لَا تَأْخُذْنِي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ . وَلَمْ أُذْنِبْ وَإِنْ كَثُرَتْ فِيّ الْأَقَاوِيلُ إلَى أَنْ قَالَ إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ مَسْلُولُ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكّةَ - لَمّا أَسْلَمُوا - زُولُوا زَالُوا . فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالَ الزّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ شَمّ الْعَرَانِينُ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُو مِنْ نَسْجِ دَاوُد فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُو قَوْمًا ، وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إذَا نِيلُوا لَا يَقَعُ الطّعْنُ إلّا فِي نُحُورِهُمُو وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ <153> قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو : فَلَمّا قَالَ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلَ وَإِنّمَا عَنَانَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارَ ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ : - مَنْ سَرّهُ كَرْمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِ الْأَنْصَارِ وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ إنّ الْخِيَارَ هُمُو بَنِي الْأَخْيَارِ الذّائِذِينَ النّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ بِالْمَشْرَفِيّ وَبِالْقَنَا الْخِطَارِ وَالْبَائِعِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ يَوْمَ الْهِيَاجِ وَفِتْنَةِ الْكُفّارِ وَالنّاظِرِينَ بِأَعْيُنِ مُحْمَرّةٍ كَالْجَمْرِ غَيْرُ كَلَيْلَةِ الْإِبْصَارِ وَالْبَاذِلِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وكِرَارِ يَتَطَهّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ بِدِمَاءِ مَنْ عَلَقُوا مِنْ الْكُفّارِ قَوْمٌ إذَا خَوَتْ النّجُومُ فَإِنّهُمْ لِلطّارِقِينَ النّازِلِينَ مَقَارِي فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَتْ فِي زَمَانِ عُسْرَةٍ مِنْ النّاسِ وَجَدْبٍ مِنْ الْبِلَادِ حِينَ طَابَتْ الثّمَارُ - فَالنّاسُ يُحِبّونَ الْمَقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَلّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إلّا وَرّى بِغَيْرِهَا ، إلّا مَا كَانَ مِنْهَا ، فَإِنّهُ جَلّاهَا لِلنّاسِ لِبُعْدِ الشّقّةِ وَشِدّةِ الزّمَانِ . فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ - وَهُوَ فِي جَهَازِهِ - لِلْجَدّ بْنِ قَيْسٍ هَلْ لَك فِي جَلّادِ بَنِي الْأَصْفَرِ ؟ " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوَتَأْذَنُ لِي وَلَا تَفْتِنّي ؟ فَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ أَشَدّ عَجَبًا بِالنّسَاءِ مِنّي ، وَإِنّي أَخْشَى إنْ رَأَيْت نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ فَقَالَ " قَدْ أَذِنْت لَك فَفِيهِ نَزَلَتْ ( 9 : 49 ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي - الْآيَةَ . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ لَا تَنْفِرُوا فِي الْحُرّ فَنَزَلَ ( 9 : 81 ) وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّا - الْآيَةَ . ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَضّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النّفَقَةِ . فَحَمَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ <154> الْغِنَى وَاحْتَسَبُوا . وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ ثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا ، وَأَقْتَابِهَا وَعُدّتِهَا ، وَأَلْفِ دِينَارٍ عَيْنًا وَجَاءَ الْبَكّاءُونَ - وَهُمْ سَبْعَةٌ - يَسْتَحْمِلُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ وَقَامَ عُلْبَةُ بْنُ يَزِيدَ فَصَلّى مِنْ اللّيْلِ وَبَكَى . ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّك أَمَرْت بِالْجِهَادِ وَرَغّبَتْ فِيهِ ثُمّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوّى بِهِ مَعَ رَسُولِك ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِك مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ وَإِنّي أَتَصَدّقُ عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ بِكُلّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي فِيهَا : مِنْ مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ عِرْضٍ ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ النّاسِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ الْمُتَصَدّقُ فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ قَالَ أَيْنَ الْمُتَصَدّقُ ؟ فَلَمْ يَقُمْ . فَقَامَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَبَشَرٌ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزّكَاةِ الْمُتَقَبّلَةِ وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذِنَ لَهُمْ فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ . فَلَمّا سَارَ | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:05 am | |
| فَلَمّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ ، جَاءَهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ مِنْ السّمَاءِ . فَدَعَا مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ . فَقَالَ انْطَلِقَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَحَرّقَاهُ " فَخَرَجَا مُسْرِعِينَ حَتّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ - وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ - فَقَالَ لِمَعْنِ أَنْظِرْنِي حَتّى أَخْرُجَ إلَيْك بِنَارِ مِنْ أَهْلِي . فَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ سَعَفًا مِنْ النّخْلِ . فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا . ثُمّ خَرَجَا يَشْتَدّانِ حَتّى دَخَلَاهُ وَفِيهِ أَهْلُهُ فَحَرّقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَأَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ ( 9 : 107 - 110 ) وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ - إلَى قَوْلِهِ - وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ فِي الْآيَةِ هُمْ أَنَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو <158> عَامِرٍ الْفَاسِقُ ابْنُوا مَسْجِدَكُمْ وَاسْتَعِدّوا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ . فَإِنّي ذَاهِبٌ إلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ ، فَآتِ بِجُنْدِ مِنْ الرّومِ ، فَأَخْرَجَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ . فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهِ أَتَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالُوا : إنّا قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِنَا . وَنُحِبّ أَنْ تُصَلّيَ فِيهِ وَتَدْعُو بِالْبَرَكَةِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ( 9 : 108 ) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا - إلَى قَوْلِهِ - لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ يَعْنِي الشّكّ إِلّا أَنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ يَعْنِي بِالْمَوْتِ . وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، خَرَجَ النّاسُ لَتَلَقّيه ، وَالنّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْوَلَائِدُ يَقُلْنَ طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيّاتِ الْوَدَاعِ وَجَبَ الشّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لِلّهِ دَاعٍ وَكَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ . وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهَا سُورَةَ بَرَاءَةٌ . وَكَانَتْ تُسَمّى فِي زَمَانِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ " الْمُبَعْثَرَةَ " لِمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَخَبَايَا قُلُوبِهِمْ . وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ : كَانَتْ قِصّةُ تَخَلّفِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُرَارَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ الْوَاقِفِيّ . مِمّنْ شَهِدُوا بَدْرًا . وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ فِي التّخَلّفِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا عَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، جَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ أَنّهُمْ كَانُوا مَعْذُورِينَ . فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرْجَأَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ فِي شَأْنِهِمْ وَفِي تَوْبَتِهِمْ - وَكَانُوا مِنْ خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ - ( 9 : 117 - 119 ) لَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا الْآيَتَيْنِ خَلّفَهُمْ اللّهُ وَأَخّرَ تَوْبَتَهُمْ لِيُمَحّصَهُمْ وَيُطَهّرَهُمْ مِنْ ذَنْبِ تَأَخّرِهِمْ . لِأَنّهُمْ كَانُوا مِنْ الصّادِقِينَ . وُفُودُ الْعَرَبِ إلَى رَسُولِ اللّهِ وَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَبُوكَ ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ ضَرَبَتْ إلَيْهِ أَكْبَادَ <159> الْإِبِلَ تَحْمِلُ وُفُودَ الْعَرَبِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ . وَكَانَتْ تُسَمّى : سَنَةَ الْوُفُودِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصُ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهُدَاتَهُمْ وَأَهْلَ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَقَادَةُ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشُ عَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَلَا عَدَاوَتِهِ فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا . كَمَا قَالَ تَعَالَى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابًا وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ التّمِيمِيّ ، فِي أَشْرَافِ مِنْ بَنِي تَمِيم ٍ جَاءُوا فِي أَسْرَى بَنِي تَمِيمٍ الّذِينَ أَخَذَتْهُمْ سَرِيّةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ فِي الْمُحَرّمِ مِنْ هَذِهِ السّنَةِ . وَكَانَ عُيَيْنَةُ قَدْ أَخَذَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ امْرَأَةً وَثَلَاثِينَ صَبِيّا . وَسَاقَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ . فَقَدِمَ رُؤَسَاءُ بَنِي تَمِيمٍ فِيهِمْ . فَلَمّا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ - أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا . فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ ( 49 : 3 ، 4 ) إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَلَمّا خَرَجَ إلَيْهِمْ قَالُوا : جِئْنَا لِنُفَاخِرَك ، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا . قَالَ " أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ " فَقَامَ عُطَارِدٌ . فَخَطَبَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ " قُمْ فَأَجِبْ الرّجُلَ " فَقَامَ ثَابِتٌ فَخَطَبَ وَأَجَابَهُ وَقَامَ الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ فَقَالَ نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيّ يُعَادِلُنَا مِنّا الْمُلُوكُ . وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَجْيَادِ كُلّهُمُو عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزّ يُتّبَعُ وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا مِنْ الشّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ <160> إلَى أَنْ قَالَ - إنّا أَبَيْنَا ، وَلَمْ يَأْبَ لَنَا أَحَدٌ إنّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نَرْتَفِعُ فِي أَبْيَاتٍ ذَكَرَهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَسّانَ " قُمْ فَأَجِبْ الرّجُلَ " فَقَامَ فَقَالَ إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ قَدْ بَيّنُوا سُنَنًا لِلنّاسِ تُتّبَعُ يَرْضَى بِهَا كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الْإِلَهَ وَكُلّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمُو أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا سَجِيّةً تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ إنّ الْخَلَائِقَ - فَاعْلَمْ - شَرّهَا الْبِدَعُ إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمُو فَكُلّ سِبْقٍ لِأَدْنَى سِبْقِهِمْ تَبَعُ إلَى أَنْ قَالَ - لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهُمُو وَلَا يَمَسّهُمُو مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلَعُ نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا إذَا الزّعَانِفُ مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُوا إلَى أَنْ قَالَ - أَكْرِمْ بِقَوْمِ رَسُولِ اللّهِ شِيعَتُهُمْ إذَا تَفَرّقَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ أُهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ وَوَازَرَهُ فِيمَا أَحَبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صُنِعَ وَقَالَ الزّبْرِقَانُ أَيْضًا : - أَتَيْنَاك كَيْمَا يَعْلَمُ النّاسُ فَضْلَنَا إذَا احْتَفَلُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ فَإِنّا مُلُوكُ النّاسِ فِي كُلّ مَوْطِنٍ وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ وَإِنّا نَذُودُ الْمُعْلَمِينَ إذَا انْتَخَوْا وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَغْيَدِ الْمُتَفَاخِمِ وَأَنْ لَنَا الْمِرْبَاعُ فِي كُلّ غَارَةٍ تُغِيرُ بِنَجْدِ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ <161> هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّؤْدُدُ الْعُودُ وَالنّدَى وِجَاهَ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ ؟ نُصِرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ إلَى أَنْ قَالَ - وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النّاسَ حَتّى تَتَابَعُوا عَلَى دِينِهِ بِالْمُرْهِفَاتِ الصّوَارِمِ وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا وَلَدْنَا نَبِيّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ بَنِي دَارِمِ لَا تَفْخَرُوا . إنّ فَخْرَكُمْ يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ هُبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ ؟ وَأَنْتُمْ لَنَا خَوَلٌ . مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمٍ فَإِنْ كُنْتُمُو جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تَقْسِمُوا فِي الْمَقَاسِمِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا . وَأَسْلَمُوا وَلَا تَلَبّسُوا زِيّا كَزِيّ الْأَعَاجِمِ فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ إنّ هَذَا الرّجُلَ لَمُؤْتًى . لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا ، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا ، وَلَأَصْوَاتُهُمْ أَحْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا . فَلَمّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا ، وَجَوّزَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ . وَفْدُ طَيّئّ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ طَيّئّ فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ - وَهُوَ سَيّدُهُمْ - فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ رِجَالِ طَيّئّ - مَا ذَكَرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلِ ثُمّ جَاءَنِي ، إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إلّا زَيْدُ الْخَيْلِ . فَإِنّهُ لَمْ يُبَلّغْ كُلّ مَا فِيهِ ثُمّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " زَيْدَ الْخَيْرِ " وَأَقْطَعَهُ " فَيْدًا " وَأَرَضِينَ مَعَهُ وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا . فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ فَلَمّا انْتَهَى إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ - يُقَالُ لَهُ " فَرْدَةُ " - أَصَابَتْهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ . فَعَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْكُتُبِ الّتِي أَقَطَعَ لَهُ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَرَقَتْهَا بِالنّارِ . وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجَارُودُ الْعَبْدِيّ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ نَصْرَانِيّا . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي عَلَى دِينِي ، وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك . فَتَضْمَنُ <162> لِي بِمَا فِيهِ ؟ قَالَ نَعَمْ . أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ إنّ الّذِي أَدْعُوك إلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ الّذِي كُنْت عَلَيْهِ " فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ . فَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ صُلْبًا فِي دِينِهِ حَتّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرّدّةَ . وَكَانَ فِي الْوَفْدِ " الْأَشَجّ " الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فِيك لِخَصْلَتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللّهُ الْحُلْمَ وَالْأَنَاة وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ - قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ - إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ . ثُمّ هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ . وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ . وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَة َ فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ . فَأَتَوْهُ وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا . فَأَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا يَعْنِي لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ . ثُمّ انْصَرَفُوا فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ، ارْتَدّ عَدُوّ اللّهِ وَتَنَبّأَ وَقَالَ إنّي أَشْرَكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ . وَقَالَ لِلْوَفْدِ أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ " أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا ؟ " مَا ذَاكَ إلّا لَمّا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي أَشْرَكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ . ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ السّجَعَاتِ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّبُوّةِ . وَكَتَبَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ ، أَمّا بَعْدُ . فَإِنّي أَشْرَكْت فِي الْأَمْرِ مَعَك . وَإِنّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشِ نِصْفَهَا ، وَلَكِنْ قُرَيْشًا قَوْمٌ لَا يَعْدِلُونَ . فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ ، إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ ، السّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ " . وَقَالَ لِلرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ أَتَيَا بِكِتَابِهِ مَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَا : نَقُولُ كَمَا قَالَ . فَقَالَ " أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ ، لَضَرَبْت رِقَابَكُمَا وَذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ . حَجّةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ <163> ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ تَبُوكَ - بَقِيّةَ رَمَضَانَ وَشَوّالٍ وَذَا الْقَعْدَةِ - ثُمّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ لِيُقِيمَ النّاسُ حَجّهُمْ وَأَهْلُ الشّرْكِ عَلَى دِينِهِمْ وَمَنَازِلُهُمْ مِنْ حَجّهِمْ . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ . وَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعِشْرِينَ بَدَنَةً . قَلّدَهَا وَأَشْعَرَهَا بِيَدِهِ . ثُمّ نَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ الّذِي كَانُوا عَلَيْهِ . فَأَرْسَلَ بِهَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ لِيَقْرَأَ بَرَاءَةٌ عَلَى النّاسِ . وَيَنْبِذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ . فَلَمّا لَقِيَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ ؟ فَقَالَ عَلِيّ : بَلْ مَأْمُورٌ " فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ قَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . فَقَالَ " يَا أَيّهَا النّاسُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ إلَى مُدّتِهِ حَجّةُ الْوَدَاعِ فَلَمّا دَخَلَ ذُو الْقَعْدَةِ تَجَهّزَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْحَجّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالْجَهَازِ لَهُ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْقَوْهُ . فَخَرَجَ مَعَهُ مَنْ كَانَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَقَرِيبًا مِنْهَا . وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْقَبَائِلِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ حَتّى لَقَوْهُ فِي الطّرِيقِ وَفِي مَكّةَ ، وَفِي مِنًى وَعَرَفَاتٍ . وَجَاءَ عَلِيّ مِنْ الْيَمَنِ مَعَ أَهْلِ الْيَمَنِ . وَهِيَ حَجّةُ الْوَدَاعِ . فَخَرَجَ لَهَا لِخَمْسِ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ . فَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ . فَأَرَى النّاسَ مَنَاسِكَهُمْ وَعَلّمَهُمْ سُنَنَ حَجّهِمْ . وَهُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهُمْ وَيُكَرّرُ عَلَيْهِمْ أَيّهَا النّاسُ خُذُوا عَنّي مَنَاسِكَكُمْ . فَلَعَلّكُمْ لَا تَلْقَوْنِي بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا . <164> وَلَمّا كَانَ بِمِنَى خَطَبَ النّاسَ خُطْبَتَهُ الّتِي بَيّنَ فِيهَا مَا بَيّنَ " فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي . فَإِنّي لَا أَدْرِي ، لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا . أَيّهَا النّاسُ إنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ . وَكُلّ رِبًا مَوْضُوعٌ . وَأَوّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَإِنّهُ مَوْضُوعٌ كُلّهُ . وَإِنّ كُلّ دَمٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . وَإِنّي تَرَكْت فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلّوا - كِتَابَ اللّهِ - وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنّي . فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنّك قَدْ بَلّغْت ، وَأَدّيْت ، وَنَصَحْت . فَجَعَلَ يَرْفَعُ أُصْبُعَهُ إلَى السّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا إلَيْهِمْ وَيَقُولُ اللّهُمّ اشْهَدْ - ثَلَاثَ مَرّاتٍ وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَجّةُ تُسَمّى " حَجّةَ الْوَدَاعِ " لِأَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحُجّ بَعْدَهَا . فَلَمّا انْقَضَى حَجّهُ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَأَقَامَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَصَفَرٍ . ثُمّ ابْتَدَأَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي مَاتَ فِيهِ فِي آخِرِ صَفَرٍ . بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى الْبَلْقَاءِ وَلَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ . <165> أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ بِالتّهَيّؤِ لِغَزْوِ الرّومِ . فَلَمّا كَانَ مِنْ الْغَدِ دَعَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إلَى مَوْضِعِ مَقْتَلِ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَأَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدّوَارِمِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ . فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ . ثُمّ اسْتَبْطَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ - وَهُوَ فِي وَجَعِهِ - فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ - وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ قَدْ قَالُوا فِي إمَارَةِ أُسَامَةَ أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جُلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَضَبًا شَدِيدًا . وَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ - وَكَانَ قَدْ بَدَأَ بِهِ الْوَجَعُ - فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ " فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ اُنْفُذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ فَلَئِنْ طَعَنْتُمْ فِي إمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ . وَاَيْمُ اللّهِ إنْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ . وَإِنّ ابْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَمِنْ أَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَإِنّ هَذَا . لَمِنْ أَحَبّ النّاسِ إلَيّ مِنْ بَعْدِهِ ثُمّ نَزَلَ . وَانْكَمَشَ النّاسُ فِي جَهَازِهِمْ . فَاشْتَدّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعه . وَخَرَجَ أُسَامَةُ بِجَيْشِهِ فَعَسْكَرَ بِالْجَرْفِ وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ . فَأَقَامُوا لِيَنْظُرُوا مَا اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَاضٍ فِي رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . مَرَضُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حُدّثْت عَنْ أُسَامَةَ قَالَ لَمّا ثَقُلَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبَطْت وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ . فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلّمُ . وَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ . أَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حُدّثْت عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ . فَقَالَ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ قَدْ أُمِرْت أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ . فَانْطَلِقْ مَعِي . فَانْطَلَقْت مَعَهُ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فَمَا أَصْبَحَ النّاسُ فِيهِ . أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ مِثْلَ قِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أُخْرَاهَا أُولَاهَا ، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ الْأُولَى . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيّ فَقَالَ إنّي قَدْ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا . فَخُيّرْت فِيهَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاء رَبّي وَالْجَنّةِ . فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَتَخَلّدْ فِيهَا ، ثُمّ الْجَنّةَ . قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ . قَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي وَالْجَنّةَ . ثُمّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ، ثُمّ انْصَرَفَ .
فَبَدَأَ بِهِ وَجَعُهُ . فَلَمّا اسْتَعَزّ بِهِ دَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، فَأَذِنّ لَهُ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ <166> خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ اللّهَ خَيّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللّهِ . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَتَعَجّبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيّرَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الْمُخَيّرَ . وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِنْ أَمَنّ النّاسِ عَلَيّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ . وَلَوْ كُنْت مُتّخِذًا خَلِيلًا - غَيْرَ رَبّي - لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا . وَلَكِنْ أُخُوّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدّتُهُ . لَا يَبْقَيَن فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إلّا سُدّ إلّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ .
وَفِي الصّحِيحِ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ وَأَبَا بَكْرٍ مَرّا بِمَجْلِسِ لِلْأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَا : مَا يُبْكِيكُمْ ؟ قَالُوا : ذَكَرْنَا مَجْلِسَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّا فَدَخَلَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ . فَخَرَجَ وَقَدْ عَصّبَ عَلَى رَأْسِهِ بِحَاشِيَةِ بُرْدٍ . فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ - وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ - فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا . فَإِنّهُمْ كِرْشِي وَعَيْبَتِي . وَقَدْ قَضَوْا الّذِي عَلَيْهِمْ . وَبَقِيَ الّذِي لَهُمْ . فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ . وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ .
وَفِي الصّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ اشْتَدّ مَرَضُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ . قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إذَا قَامَ مَقَامَك لَا يُسْمِعُ النّاسَ فَلَوْ أَمَرْت عُمَرَ ؟ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلِيُصَلّ بِالنّاسِ ، فَعَادَتْ . فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلِيُصَلّ بِالنّاسِ ، فَإِنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ . فَأَتَاهُ الرّسُولُ . فَصَلّى بِالنّاسِ فِي حَيَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ وَوَاللّهِ مَا أَقُولُ إلّا أَنّي أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا ، وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ . فَكُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ . مَوْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي أَنَسٌ قَالَ كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ خَرَجَ إلَى النّاسِ وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ فَرَفَعَ السّتْرَ وَفَتَحَ الْبَابَ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ . فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ - فَرَحًا بِهِ حِينَ رَأَوْهُ وَتَفَرّجُوا عَنْهُ - فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ قَالَ وَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُرُورًا ، وَلَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ . وَمَا رُئِيَ أَحْسَنَ مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ . قَالَ ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّهُ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ . وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ . فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ اشْتَدّ الضّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ <167> أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمَرُ . فَقَالَ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ قَدْ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ . فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ مَاتَ . وَوَاللّهِ لَيَرْجِعَن رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ حِينٍ كَمَا رَجَعَ مُوسَى ، فَلَيُقَطّعَن أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلِهِمْ زَعَمُوا أَنّهُ قَدْ مَاتَ . قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ . حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ - وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ - فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدِ حِبَرَةٍ . فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ . ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَمَا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَهَا اللّهُ عَلَيْك : فَقَدْ ذُقْتهَا ، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا . ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِهِ . وَخَرَجَ - وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ - فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ . فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ . فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ . فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاس ، إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا . فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ . وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ تَعَالَى ، فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ( 3 : 144 ) وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ
قَالَ فَوَاَللّهِ لِكَأَنّ النّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ قَالَ وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ عُمَرُ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا . فَعَثَرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ . مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ فَاحْتَمَلَنِي رَجُلَانِ وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ مَاتَ حَدِيثُ السّقِيفَةِ فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْحَازَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ . وَاعْتَزَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ . وَانْحَازَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ . فَأَتَى آتٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ قَدْ انْحَازُوا إلَيْهِ . فَإِنْ كَانَ <168> لَكُمْ بِأَمْرِ النّاسِ مِنْ حَاجَةٍ فَأَدْرَكُوا النّاسَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ قَدْ أَغْلَقَ دُونَهُ الْبَابَ أَهْلُهُ . فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ . انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، حَتّى نَنْظُرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ السّقِيفَةِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ حَدّثَنِي عَنْ مُحَمّدِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكُنْت فِي مَنْزِلِهِ بِمِنَى أَنْتَظِرُهُ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حَجّةٍ حَجّهَا عُمَرُ - قَالَ فَرَجَعَ عَبْدُ الرّحْمَنِ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَوَجَدَنِي فِي مَنْزِلِهِ بِمِنَى أَنْتَظِرُهُ وَكُنْت أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ . فَقَالَ لِي : لَوْ رَأَيْت رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ هَلْ لَك فِي فُلَانٍ ؟ يَقُولُ وَاَللّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا وَاَللّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إلّا فَلْتَةٌ فَتَمّتْ . فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ إنّي - إنْ شَاءَ اللّهُ - لَقَائِمٌ الْعَشِيّةَ فِي النّاسِ فَمُحَذّرُهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ . قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَقُلْت لَا تَفْعَلْ فَإِنّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ وَإِنّهُمْ الّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِك حِينَ تَقُومُ فِي النّاسِ . وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيّرُهَا أُولَئِكَ عَنْك كُلّ مُطِيرٍ وَلَا يَعُوهَا وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا ، فَأَمْهِلْ حَتّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ . فَإِنّهَا دَارُ السّنّةِ وَتَخَلّصْ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْت بِالْمَدِينَةِ مُتَمَكّنًا ، فَيَعِي أَهْلُ الْفِقْهِ مَقَالَتَك ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا . فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاَللّهِ - إنْ شَاءَ اللّهُ - لَأَقُومَن بِذَلِكَ أَوّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ . قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجّةِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجّلْت الرّوَاحَ حِينَ زَالَتْ الشّمْسُ فَأَجِدُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْت حَذْوَهُ تَمَسّ رُكْبَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ . فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ .
فَقُلْت لِسَعِيدِ لَيَقُولَن السّاعَةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اُسْتُخْلِفَ . فَأَنْكَرَ عَلَيّ ذَلِكَ . وَقَالَ مَا عَسَى أَنْ يَقُولَ مِمّا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ ؟ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ .
فَلَمّا سَكَتَ الْمُؤَذّنُ قَامَ . فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمَا بَعْدُ فَإِنّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا . وَلَا أَدْرِي : لَعَلّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي ؟ فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ . وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا ، فَلَا <169> أُحِلّ لِأَحَدِ أَنْ يَكْذِبَ عَلِيّ . إنّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَقّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ . فَكَانَ مِمّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا . وَعَقَلْنَاهَا . وَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ . فَأَخْشَى - إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ - أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاَللّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرّجْمِ فِي كِتَابِ اللّهِ فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللّهُ . وَإِنّ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى ، إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ إذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبْلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ . ثُمّ إنّا قَدْ كُنّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ الْكِتَابِ " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنّهُ كُفْرٌ بِكُمْ - أَوْ كُفْرٌ لَكُمْ - أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ . فَإِنّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا : عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ ثُمّ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ فُلَانًا قَالَ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا . فَلَا يَغْتَرّن امْرِئِ يَقُولُ إنّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمّتْ . أَلَا وَإِنّهَا وَاَللّهِ قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إلّا أَنّ اللّهَ وَقَى شَرّهَا . وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تَنْقَطِعُ الْأَعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ . فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنّهُ لَا بَيْعَةَ لَهُ هُوَ وَلَا الّذِي بَايَعَهُ تَغِرّةَ أَنْ يُقْتَلَا . إنّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفّى اللّهُ نَبِيّهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا ، فَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ . وَتَخَلّفَ عَنّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَمَنْ مَعَهُمَا . وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى أَبِي بَكْرٍ . فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَانْطَلَقْنَا نَؤُمّهُمْ حَتّى لَقِينَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ . فَذَكَرَا لَنَا مَا تَمَلّأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ . وَقَالَا لَنَا : أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ ؟ قُلْنَا : نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَا : لَا عَلَيْكُمْ أَلَا تَقْرَبُوهُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اقْضُوا أَمْرَكُمْ . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ لَنَأْتِيَنّهُمْ .
فَانْطَلَقْنَا ، حَتّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ . فَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَمّلٌ فَقُلْت : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ . قُلْت : مَا لَهُ ؟ قَالُوا : وَجَعٌ . فَلَمّا جَلَسْنَا نَشْهَدُ خَطِيبَهُمْ . فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ فَنَحْنُ <170> أَنْصَارُ اللّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ . وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنّا . وَقَدْ دَفَتْ دَافّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ . قَالَ وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْتَازّونَا مِنْ أَصْلِنَا ، وَيَغْتَصِبُونَا الْأَمْرَ .
فَلَمّا سَكَتَ أَرَدْت أَنْ أَتَكَلّمَ - وَقَدْ زَوّرْت فِي نَفْسِي مَقَالَةً قَدْ أَعْجَبَتْنِي ، أُرِيدُ أَنْ أُقَدّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ . وَكُنْت أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدّ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ فَكَرِهْت أَنْ أَعْصِيَهُ . فَتَكَلّمَ - وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنّي وَأَحْكَمَ وَأَحْلَمَ وَأَوْقَرَ - فَوَاَللّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي مِنْ تَزْوِيرِي إلّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ أَوْ أَفْضَلَ . حَتّى سَكَتَ .
فَقَالَ أَمّا بَعْدُ فَمَاذَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ . وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إلّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ . هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا . وَقَدْ رَضِيت لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ . فَبَايِعُوا الْآنَ أَيّهمَا شِئْتُمْ . فَأَخَذَ بِيَدِي ، وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَامِرِ بْنِ الْجَرّاحِ - وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا - فَلَمْ أَكْرَهْ شَيْئًا مِمّا قَالَ غَيْرَهَا ، كَانَ وَاَللّهِ أَنْ أَقْدَمَ فَتَضْرِبَ عُنُقِي لَا يَقْرَبَنِي ذَلِكَ إلَى إثْمٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ .
قَالَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : جُذَيْلُهَا الْمُحَكّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجّبُ مِنّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ .
قَالَ فَكَثُرَ اللّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتّى خَشِينَا الِاخْتِلَافُ .
فَقُلْت : اُبْسُطْ يَدَك يَا أَبَا بَكْرٍ . فَبَسَطَهَا ، فَبَايَعْته . ثُمّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ . ثُمّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ . وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ .
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ . قَالَ فَقُلْت : قَتَلَ اللّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَيْعَةُ الْعَامّةِ لِأَبِي بَكْرٍ <171> وَلَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ . فَقَامَ عُمَرُ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَتَكَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ . ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ .
إنّي قَدْ قُلْت لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ وَمَا وَجَدْتهَا فِي كِتَابِ اللّهِ . وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَهُ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيُدَبّرُ أَمْرَنَا - يَقُولُ يَكُونُ آخِرَنَا - وَإِنّ اللّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الّذِي بِهِ هَدَى رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمْ اللّهُ لَمّا كَانَ هَدَى لَهُ رَسُولَهُ . إنّ اللّهَ قَدْ جَمَعَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ - صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ - فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ . فَبَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكْرٍ الْبَيْعَةَ الْعَامّةَ بَعْدَ بَيْعَةِ السّقِيفَةِ .
ثُمّ تَكَلّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ . ثُمّ قَالَ أَمَا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ . وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي . وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي . الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ . وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي ، حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ . وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ . لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللّهُ بِالذّلّ . وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللّهُ بِالْبَلَاءِ . أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللّهَ وَرَسُولَهُ . فَإِذَا عَصَيْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَخِلَافَتُهُ الرّاشِدَةُ وَعَنْ رَبِيعَةَ - أَحَدِ الصّحَابَةِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَ قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تَلِيَ أَمْرَ النّاسِ وَقَدْ نَهَيْتنِي أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى اثْنَيْنِ ؟ قَالَ لَمْ أَجِدْ مِنْ ذَلِكَ بُدّا ، خَشِيت عَلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ الْفُرْقَةَ وَفِي رِوَايَةٍ تَخَوّفْت أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ تَكُونُ بَعْدَهَا رِدّةٌ .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْرَأَبّ النّفَاقُ وَارْتَدّتْ الْعَرَبُ ، وَانْحَازَتْ الْأَنْصَارُ . فَلَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرّاسِيَاتِ مَا نَزَلَ بِأَبِي لِهَاضُهَا . فَمَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إلّا طَارَ أَبِي بِفَضْلِهَا .
وَعَنْ <172> أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ وَاَلّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ لَوْلَا أَنّ أَبَا بَكْرٍ اُسْتُخْلِفَ مَا عُبِدَ اللّهُ - ثُمّ قَالَ الثّانِيَةَ ثُمّ قَالَ الثّالِثَ | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:05 am | |
| فَقُلْت : دَعُونِي لَا أَبَا لِأَبِيكُمُو فَلَمْ أَخُطّ رَأْيًا فِي الْمُعَادِ وَلَا الْبُدّ فُدُونُكُمُوهَا . إنّهَا صَدَقَاتُكُمْ مُصَرّرَةٌ أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرّدْ سَأَجْعَلُ نَفْسِي دُونَ مَا تَحْذَرُونَهُ فَأَرْهَنُكُمْ يَوْمًا بِمَا قَلّتْ يَدَيّ فَإِنْ قَامَ بِالْأَمْرِ الْمُجَرّدِ قَائِمٌ أَطَعْنَا ، وَقُلْنَا : الدّينُ دِينُ مُحَمّدٍ
وَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ وَالْمُسْلِمِينَ حَنِقُوا عَلَيْهِ . وَعَاهَدَ اللّهَ خَالِدٌ لَئِنْ أَخَذَهُ لَيَجْعَلَن هَامّتَهُ أُثْفِيّةً لِلْقِدْرِ .
فَلَمّا وَصَلَتْهُمْ السّرِيّةُ - مَعَ طُلُوعِ الشّمْسِ - فَزِعُوا إلَى السّلَاحِ . وَقَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ عِبَادُ اللّهِ الْمُسْلِمُونَ قَالُوا : وَنَحْنُ عِبَادُ اللّهِ الْمُسْلِمُونَ . قَالُوا : فَضَعُوا السّلَاحَ . فَفَعَلُوا . فَأَخَذُوهُمْ . وَجَاءُوا بِهِمْ إلَى خَالِدٍ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو قَتَادَةَ : - وَهُوَ مَعَ السّرِيّةِ - أَقَاتِلٌ أَنْتَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ إنّهُمْ اتّقُونَا بِالْإِسْلَامِ أُذُنًا فَأَذِنُوا ، وَصَلّيْنَا فَصَلّوْا . وَكَانَ مِنْ عَهْدِ أَبِي بَكْر ٍ أَيّمَا دَارٌ غَشِيتُمُوهَا ، فَسَمِعْتُمْ الْأَذَانَ فِيهَا بِالصّلَاةِ فَأَمْسِكُوا عَنْ أَهْلِهَا حَتّى <184> تَسْأَلُوهُمْ مَاذَا نَقَمُوا ؟ وَمَاذَا يَبْغُونَ ؟ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا الْأَذَانَ فَشُنّوا عَلَيْهَا الْغَارَةَ فَاقْتُلُوا وَحَرّقُوا فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَقُتِلُوا ، وَأَمَرَ بِرَأْسِ مَالِكٍ فَجُعِلَ أُثْفِيّةً لِلْقِدْرِ وَرَثَاهُ أَخُوهُ مُتَمّمٌ بِقَصَائِدَ كَثِيرَةٍ .
وَرُوِيَ أَنّ عُمَرَ قَالَ لَهُ لَوَدِدْت أَنْ رَثَيْت أَخِي زَيْدًا بِمِثْلِ مَا رَثَيْت بِهِ أَخَاك مَالِكًا " فَقَالَ مُتَمّمٌ لَوْ عَلِمْت أَنّ أَخِي صَارَ حَيْثُ صَارَ أَخُوك مَا رَثَيْته . فَقَالَ عُمَرُ " مَا عَزّانِي أَحَدٌ عَنْ أَخِي بِمِثْلِ تَعْزِيَتِه ذِكْرُ رِدّةِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مَفْتُونِينَ بِمُسَيْلِمَةِ الْكَذّابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَدِمَتْ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُفُودُ الْعَرَبِ . فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا وَفْدٌ أَقْسَى قُلُوبًا ، وَلَا أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ الْإِسْلَامُ يُقِرّ فِي قُلُوبِهِمْ - مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ مَعَ الْوَفْدِ
فَلَمّا انْصَرَفُوا إلَى الْيَمَامَةِ ادّعَى أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشْرَكَهُ فِي النّبُوّةِ وَكَتَبَ إلَيْهِ مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ . أَمّا بَعْدُ فَإِنّي أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَك ، وَإِنّا لَنَا نِصْفُ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشِ نِصْفُهَا ، وَلَكِنْ قُرَيْشٌ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ . فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ . إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ . أَمَا بَعْدُ فَإِنّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ . وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِين
وَجَدّ بِعَدُوّ اللّهِ ضَلَالُهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَصْفَقَتْ مَعَهُ بَنُو حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ إلّا أَفْذَاذًا مِنْ ذَوِي عُقُولِهِمْ . وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا فُتِنَ بِهِ قَوْمُهُ شَهَادَةُ الرّجّالِ بْنِ عُنْفُوَةَ لَهُ بِإِشْرَاكِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُ فِي الْأَمْرِ . وَكَانَ الرّجّالُ مِنْ الْوَفْدِ الّذِينَ قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلّمَ السّنَنَ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْوَفْدِ عِنْدَنَا ، فَكَانَ أَعْظَمَ فِتْنَةً عَلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا كَانَ يُعْرَفُ بِه
قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ : كَانَ بِالرّجّالِ مِنْ الْخُشُوعِ وَلُزُومِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْخَيْرِ - فِيمَا يُرَى - شَيْءٌ عَجِيبٌ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيّ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ صَدِيقًا <185> لِلرّجّالِ . وَكَانَ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إسْلَامَهُ . فَقَالَ شِعْرًا . فَشَا فِي الْيَمَامَةِ حَتّى كَانَتْ الْوَلِيدَةُ وَالصّبِيّ يَنْشُدُونَهُ
يَا سُعَادَ الْفُؤَادِ بِنْتَ أَثَالٍ طَالَ لَيْلِي بِفِتْنَةِ الرّجّالِ إنّهَا يَا سُعَادُ مَنْ حَدَثِ الدّهْ رِ عَلَيْكُمْ كَفِتْنَةِ الدّجّالِ فَتَنَ الْقَوْمَ بِالشّهَادَةِ وَاللّ هُ عَزِيزٌ ذُو قُوّةٍ وَمِحَالِ لَا يُسَاوِي الّذِي يَقُولُ مِنْ الْأَ مْرِ قُبَالًا وَمَا احْتَذَى مِنْ قُبَالِ إنّ دِينِي دِينُ النّبِيّ وَفِي الْقَ وْمِ رِجَالٌ عَلَى الْهُدَى أَمْثَالِي أَهْلَكَ الْقَوْمَ مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ وَرِجَالٌ لَيْسُوا لَنَا بِرِجَالِ بَزّ أَمْرَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْيَوْمَ فَلَنْ يَرْجِعُوهُ أُخْرَى اللّيَالِي قُلْت لِلنّفْسِ إذْ تَعَاضَمَهَا الصّ بْرُ وَسَاءَتْ مَقَالَةُ الْأَنْذَالِ رُبّمَا تَجْزَعُ النّفُوسُ مِنْ الْأَمْرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحُلّ الْعِقَالِ إنْ تَكُنْ مُنْيَتِي عَلَى فِطْرَةِ اللّ هِ حَنِيفًا فَإِنّنِي لَا أُبَالِي
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُسَيْلِمَةَ وَمُحَكّمَ وَأَشْرَافَهُمْ فَطَلَبُوهُ فَقَاتَلَهُمْ . وَلَحِقَ بِخَالِدِ . فَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِمْ . وَدَلّهُ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ .
وَعَظُمَتْ فِتْنَةُ بَنِي حَنِيفَةَ بِكَذّابِهِمْ . إذْ كَانُوا يَدْعُو لِمَرِيضِهِمْ وَيَبْرُكُ عَلَى مَوْلُودِهِمْ . وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ مَا يُرِيهِمْ اللّهُ مَا يَحُلّ بِهِ مِنْ الْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ .
جَاءَهُ رَجُلٌ بِمَوْلُودِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ . فَقَرَعَ . وَقَرَعَ كُلّ مَوْلُودٍ لَهُ .
وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ إنّي ذُو مَالٍ . وَلَيْسَ لِي مَوْلُودٌ يَبْلُغُ سَنَتَيْنِ حَتّى يَمُوتَ إلّا هَذَا الْمَوْلُودُ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ . وَلِي مَوْلُودٌ وُلِدَ أَمْسِ . فَأُحِبّ أَنْ تُبَارِكَ فِيهِ وَتَدْعُو أَنْ يُطِيلَ اللّهُ عُمْرَهُ . قَالَ سَأَطْلُبُ لَك . فَرَجَعَ الرّجُلُ إلَى مَنْزِلِهِ مَسْرُورًا . فَوَجَدَ الْأَكْبَرَ قَدْ تَرَدّى فِي بِئْرٍ وَوَجَدَ الْأَصْغَرَ فِي نَزْعِ الْمَوْتِ . فَلَمْ يُمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتّى مَاتَا جَمِيعًا . وَتَقُولُ أُمّهُمَا : لَا وَاَللّهِ مَا لِأَبِي ثُمَامَةَ عِنْدَ إلَهِهِ مَنْزِلَةُ مُحَمّدٍ .
وَحَفَرَتْ بَنُو حَنِيفَةَ بِئْرًا فَاسْتَعْذَبُوهَا ، فَأَتَوْا مُسَيْلِمَةَ . وَطَلَبُوا أَنْ يُبَارِكَ فِيهَا ، فَبَصَقَ فِيهَا فَعَادَتْ مِلْحًا أُجَاجًا .
<186> وَكَانَ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ عَهِدَ إلَى خَالِدٍ - إذَا فَرَغَ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَالضّاحِيَةَ - أَنْ يَقْصِدَ الْيَمَامَةَ ، وَأَكّدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ . فَلَمّا أَظْفَرَ اللّهُ خَالِدًا بِهِمْ تَسَلّلَ بَعْضُهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، يَسْأَلُونَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ . فَقَالَ بَيْعَتِي لَكُمْ وَأَمَانِي لَكُمْ أَنْ تَلْحَقُوا بِخَالِدِ . فَمَنْ كَتَبَ إلَى خَالِدٍ أَنّهُ حَضَرَ مَعَهُ الْيَمَامَةَ فَهُوَ آمِنٌ . وَلِيُبَلّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ . وَلَا تَقْدَمُوا عَلَيّ .
قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ أُولَئِكَ الّذِينَ لَحِقُوا بِهِ هُمْ الّذِينَ انْكَسَرُوا بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ وَكَانُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلَاءً .
قَالَ شَرِيكٌ الْفَزَارِيّ : كُنْت مِمّنْ شَهِدَ بُزَاخَةَ مَعَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ . ثُمّ رَزَقَنِي اللّهُ الْإِنَابَةَ فَجِئْت أَبَا بَكْرٍ . فَأَمَرَنِي بِالْمَسِيرِ إلَى خَالِدٍ . وَكَتَبَ مَعِي إلَيْهِ .
أَمّا بَعْدُ " فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُك ، تَذْكُرُ مَا أَظْفَرَك اللّهُ بِأَسَدِ وَغَطَفَانَ . وَأَنّك سَائِرٌ إلَى الْيَمَامَةِ . فَاتّقِ اللّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَعَلَيْك بِالرّفْقِ بِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ كُنْ لَهُمْ كَالْوَالِدِ . وَإِيّاكَ يَا ابْنَ الْوَلِيدِ وَنَخْوَةَ بَنِي الْمُغِيرَةِ . فَإِنّي عَصَيْت فِيك مَنْ لَمْ أَعْصِهِ فِي شَيْءٍ قَطّ ، فَانْظُرْ بَنِي حَنِيفَةَ . فَإِنّك لَمْ تَلْقَ قَوْمًا يُشْبِهُونَهُمْ . كُلّهُمْ عَلَيْك . وَلَهُمْ بِلَادٌ وَاسِعَةٌ . فَإِذَا قَدِمَتْ فَبَاشِرْ الْأَمْرَ بِنَفْسِك . وَاسْتَشِرْ مَنْ مَعَك مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَاعْرِفْ لَهُمْ فَضْلَهُمْ . فَإِذَا لَقِيَتْ الْقَوْمَ . فَأَعِدْ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا . فَإِنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَإِيّاكَ وَالْإِبْقَاءَ عَلَيْهِمْ . أَجْهِزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاطْلُبْ مُدْبِرَهُمْ وَاحْمِلْ أَسِيرَهُمْ عَلَى السّيْفِ . وَهَوّلْ فِيهِمْ الْقَتْلَ . وَخَوّفْهُمْ بِالنّارِ . وَإِيّاكَ أَنْ تُخَالِفَ أَمْرِي . وَالسّلَامُ . وَلَمّا اتّصَلَ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ مَسِير خَالِدٍ إلَيْهِمْ بَعْدَ الّذِي صَنَعَ بِأَمْثَالِهِمْ حَيّرَهُمْ ذَلِكَ . وَجَزَعَ لَهُ مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ سَيّدَهُمْ . وَهَمّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ . ثُمّ اسْتَمَرّ عَلَى ضَلَالَتِهِ . وَكَانَ صَدِيقًا لِزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيّ .
فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : لَوْ أَلْقَيْت إلَيْهِ شَيْئًا تَكْسِرُهُ بِهِ فَإِنّهُ سَيّدُهُمْ وَطَاعَتُهُمْ بِيَدِهِ . فَبَعَثَ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ <187>
يَا مُحَكّمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ لِلّهِ دَرّ أَبِيكُمْ حَيّةُ الْوَادِي يَا مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ إنّكُمْ نَفَرٌ كَالشّاءِ أَسْلَمَهَا الرّاعِي لِآسَادِ مَا فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ مِنْ عِوَضٍ مِنْ دَارِ قَوْمٍ وَإِخْوَانٍ وَأَوْلَادِ فَاكْفُفْ حَنِيفَةَ عَنْهُ قَبْلَ نَائِحَةٍ تَعْفِي فَوَارِسَ قَوْمٍ شَجْوُهَا بَادِي لَا تَأْمَنُوا خَالِدًا بِالْبُرْدِ مُعْتَجِرًا تَحْتَ الْعَجَاجَةِ مِثْلُ الْأَغْطَفِ الْعَادِي وَيْلُ الْيَمَامَةِ وَيْلٌ لَا فِرَاقَ لَهُ إنْ جَالَتْ الْخَيْلُ فِيهَا بِالْقَنَا الصّادِي وَاَللّهِ لَا تَنْثَنِي عَنْكُمْ أَعِنّتُهَا حَتّى تَكُونُوا كَأَهْلِ الْحِجْرِ أَوْ عَادِ
وَوَرَدَتْ عَلَى مُحَكّمٍ وَقِيلَ لَهُ هَذَا خَالِدٌ فِي الْمُسْلِمِينَ .
فَقَالَ رَضِيَ خَالِدٌ أَمْرًا ، وَرَضِينَا غَيْرَهُ . وَمَا يُنْكِرُ خَالِدٌ أَنْ يَكُونَ فِي بَنِي حَنِيفَةَ مَنْ أُشْرِكَ فِي الْأَمْرِ ؟ فَسَيَرَى - إنْ قَدِمَ عَلَيْنَا - يَلْقَ قَوْمًا لَيْسُوا كَمَنْ لَقِيَ .
ثُمّ خَطَبَهُمْ فَقَالَ إنّكُمْ تَلْقَوْنَ قَوْمًا يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ صَاحِبِهِمْ فَابْذُلُوا نُفُوسَكُمْ دُونَ صَاحِبِكُمْ . وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ فِي أَصْحَابِ خَالِدٍ . وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ حِجْرٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَلْهَمَ . فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : تَقَدّمْ إلَى قَوْمِك فَاكْسِرْهُمْ . فَأَتَاهُمْ فَقَالَ " يَا أَهْلَ الْيَمَامَةِ ، أَظَلّكُمْ خَالِدٌ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . قَدْ تَرَكْت الْقَوْمَ وَاَللّهِ يَتَبَايَعُونَ عَلَى فَتْحِ الْيَمَامَةِ . قَدْ قَضَوْا وَطَرًا مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ ، وَأَنْتُمْ فِي أَكُفّهِمْ . وَقَوْلُهُمْ " لَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ " إنّي رَأَيْت أَقْوَامًا إنْ غَلَبْتُمُوهُمْ بِالصّبْرِ غَلَبُوكُمْ بِالنّصْرِ . وَإِنْ غَلَبْتُمُوهُمْ عَلَى الْحَيَاةِ غَلَبُوكُمْ عَلَى الْمَوْتِ . وَإِنْ غَلَبْتُمُوهُمْ بِالْعَدَدِ غَلَبُوكُمْ بِالْمَدَدِ . لَسْتُمْ وَالْقَوْمُ سَوَاءً . الْإِسْلَامُ مُقْبِلٌ وَالشّرْكُ مُدْبِرٌ . وَصَاحِبُهُمْ نَبِيّ ، وَصَاحِبُكُمْ كَذّابٌ . وَمَعَهُمْ السّرُورُ وَمَعَكُمْ الْغَرُورُ . فَالْآنَ - وَالسّيْفُ فِي غِمْدِهِ وَالنّبْلُ فِي جَفِيرِهِ - قَبْلَ أَنْ يُسَلّ السّيْفُ وَيُرْمَى بِالسّهْمِ " فَكَذّبُوهُ وَاتّهَمُوهُ .
وَقَامَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فِيهِمْ . فَقَالَ اسْمَعُوا مِنّي . وَأَطِيعُوا أَمْرِي ، تَرْشُدُوا . إنّهُ لَا يَجْتَمِعُ نَبِيّانِ بِأَمْرِ وَاحِدٍ . إنّ مُحَمّدًا لَا نَبِيّ بَعْدَهُ وَلَا نَبِيّ يُرْسَلُ مَعَهُ . ثُمّ قَرَأَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذّنْبِ وَقَابِلِ التّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطّوْلِ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ هَذَا كَلَامُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ . أَيْنَ هَذَا مِنْ يَا ضُفْدُعُ يَا ضُفْدُعِينَ . نِقّي كَمْ تَنِقّينَ ؟ <188> نِصْفُك فِي الْمَاءِ وَنِصْفُك فِي الطّينِ . لَا الشّرَابُ تَمْنَعِينَ وَلَا الْمَاءُ تُكَدّرِينَ وَلَا الطّينُ تُفَارِقِينَ . لَنَا نِصْفُ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشِ نِصْفُهَا . وَلَكِنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ . وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَرَوْنَ هَذَا مَا يَخْرُجُ مِنْ إلٍ . وَقَدْ اسْتَحَقّ مُحَمّدٌ أَمْرًا أَذْكُرُهُ بِهِ خَرَجْت مُعَتّرًا ، فَأَخَذَتْنِي رِسْلُهُ فِي غَيْرِ عَهْدٍ وَلَا ذِمّةٍ . فَعَفَا عَنْ دَمِي . فَأَسْلَمْت وَأَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ إلَى بَيْتِ اللّهِ . فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَامَ بِهَذَا الْأَمْرِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِهِ هُوَ أَفْقَهُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ . لَا تَأْخُذُهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ . ثُمّ بَعَثَ إلَيْكُمْ رَجُلًا ، لَا يُسَمّى بِاسْمِهِ . وَلَا بِاسْمِ أَبِيهِ يُقَالُ لَهُ " سَيْفُ اللّهِ " مَعَهُ سُيُوفُ اللّهِ كَثِيرَةٌ فَانْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ " . فَآذَاهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا ، أَوْ مَنْ آذَاهُ مِنْهُمْ . وَقَالَ ثُمَامَةُ فِي ذَلِكَ
مُسَيْلِمَةُ ارْجِعْ . وَلَا تَمْحِك فَإِنّك فِي الْأَمْرِ لَمْ تُشْرَكْ كَذَبَتْ عَلَى اللّهِ فِي وَحْيِهِ وَكَانَ هَوَاك هَوَى الْأَنْوَكِ وَمَنّاك قَوْمُك أَنْ يَمْنَعُوك وَإِنْ يَأْتِهِمْ خَالِدٌ تُتْرَكْ فَمَا لَك مِنْ مُصْعَدٍ فِي السّمَاءِ وَمَا لَك فِي الْأَرْضِ مِنْ مَسْلَكِ ذِكْرُ تَقْدِيمِ خَالِدٍ الطّلَائِعَ مِنْ الْبِطَاحِ لَمّا سَارَ خَالِدٌ مِنْ الْبِطَاحِ ، وَجَاءَ أَرْضَ بَنِي تَمِيمٍ : قَدِمَ مِائَتَيْ فَارِسٍ ، عَلَيْهِمْ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ . وَقَدّمَ عَيْنَيْنِ لَهُ أَمَامَهُ .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ : أَنّ خَالِدًا لَمّا قَدِمَ الْعَرْضَ قَدّمَ مِائَتَيْ فَارِسٍ ، وَقَالَ مَنْ أَصَبْتُمْ مِنْ النّاسِ فَخُذُوهُ .
فَانْطَلَقُوا . فَأَخَذُوا مَجَاعَةَ بْنَ مُرَارَةَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ خَرَجُوا فِي طَلَبِ رَجُلٍ أَصَابَ فِيهِمْ دَمًا ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِقْبَالِ خَالِدٍ . فَسَأَلُوهُمْ مِمّنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ . فَقَالُوا : مَا تَقُولُونَ فِي صَاحِبِكُمْ ؟ فَشَهِدُوا أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ . فَقَالُوا لِمَجَاعَةَ مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ فَقَالَ مَا كُنْت أَقْرَبَ مُسَيْلِمَةَ . وَقَدْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمْت . وَمَا غَيّرْت وَلَا بَدّلْت . فَضَرَبَ خَالِدٌ أَعْنَاقَهُمْ . حَتّى إذَا بَقِيَ سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ يَا خَالِدُ إنْ كُنْت <189> تُرِيدُ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ خَيْرًا أَوْ شَرّا ، فَاسْتَبْقِ مَجَاعَةَ . وَكَانَ مَجَاعَةُ شَرِيفًا ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ . وَتَرَكَ أَيْضًا سَارِيَةَ . وَأَمَرَ بِهِمَا فَأُوثِقَا فِي جَوَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ .
وَكَانَ يَدْعُو مَجَاعَةَ - وَهُوَ كَذَلِكَ - فَيَتَحَدّثُ مَعَهُ وَهُوَ يَظُنّ أَنّ خَالِدًا يَقْتُلُهُ . فَقَالَ يَا ابْنَ الْمُغِيرَةِ إنّ لِي إسْلَامًا ، وَاَللّهِ مَا كَفَرْت . وَأَعَادَ كَلَامَهُ الْأَوّلَ . فَقَالَ خَالِدٌ إنّ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالشّرْكِ مَنْزِلَةً وَهِيَ الْحَبْسُ حَتّى يَقْضِيَ اللّهُ فِي حَرْبِنَا مَا هُوَ قَاضٍ . وَدَفَعَهُ إلَى أُمّ مُتَمّمٍ زَوْجَتَهُ . وَأَمَرَهَا أَنْ تُحْسِنَ إسَارَهُ . فَظَنّ مَجَاعَةُ أَنّ خَالِدًا يُرِيدُ حَبْسَهُ لِأَجْلِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَنْ عَدُوّهِ وَيُشِيرَ عَلَيْهِ .
فَقَالَ يَا خَالِدُ . لَقَدْ عَلِمْت أَنّي قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَايَعْته عَلَى الْإِسْلَامِ . وَأَنَا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ أَمْسِ . فَإِنْ يَكُنْ كَذّابٌ خَرَجَ فِينَا ، فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
فَقَالَ يَا مَجَاعَةُ تَرَكَتْ الْيَوْمَ مَا كُنْت عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ . وَكَانَ رِضَاك بِأَمْرِ هَذَا الْكَذّابِ وَسُكُوتُك عَنْهُ - وَأَنْتَ أَعَزّ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، وَقَدْ بَلَغَك مَسِيرِي - إقْرَارًا لَهُ وَرِضًا بِمَا جَاءَ بِهِ فَهَلّا أَبْدَيْت عُذْرًا ، فَتَكَلّمْت فِيمَنْ تَكَلّمَ ؟ فَقَدْ تَكَلّمَ ثُمَامَةُ . فَرَدّ وَأَنْكَرَ وَتَكَلّمَ الْيَشْكُرِيّ . فَإِنْ قُلْت : أَخَافُ قَوْمِي ، فَهَلّا عَمَدْت إلَيّ أَوْ بَعَثْت إلَيّ رَسُولًا ؟ .
فَقَالَ إنّ رَأَيْت يَا ابْنَ الْمُغِيرَةِ أَنْ تَعْفُوَ عَنْ هَذَا كُلّهِ ؟ .
فَقَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْ دَمِك ، وَلَكِنْ فِي نَفْسِي مِنْ تَرْكِك حَرْجٌ . فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِك ، مَا الّذِي يُقْرِئُكُمْ ؟ هَلْ تَحْفَظُ مِنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَ نَعَمْ فَذَكَرَ لَهُ شَيْئًا مِنْ رَجَزِهِ فَضَرَبَ خَالِدٌ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اسْمَعُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَيْفَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ ؟ .
فَقَالَ وَيْحَك ، يَا مَجَاعَةُ أَرَاك سَيّدًا عَاقِلًا ، تَسْمَعُ إلَى كِتَابِ اللّهِ . ثُمّ اُنْظُرْ كَيْفَ عَارَضَهُ عَدُوّ اللّهِ ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ خَالِدٌ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الْأَعْلَى الّذِي خَلَقَ فَسَوّى
<190> ثُمّ قَالَ خَالِدٌ أَفَمَا كَانَ فِي هَذَا لَكُمْ نَاهٍ وَلَا زَاجِرٌ ؟ ثُمّ قَالَ هَاتِ مِنْ كَذِبِ الْخَبِيثِ . فَذَكَرَ لَهُ بَعْضَ رَجَزِهِ .
فَقَالَ خَالِدٌ وَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ حَقّا ، وَكُنْتُمْ تُصَدّقُونَهُ ؟ .
فَقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا حَقّا ، لَمّا لَقِيَك غَدًا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ سَيْفٍ يُضَارِبُونَك حَتّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ .
فَقَالَ خَالِدٌ إذًا يَكْفِينَاهُمْ اللّهُ وَيُقِرّ دِينَهُ فَإِيّاهُ يَعْبُدُونَ . وَدِينُهُ يُؤَيّدُونَ .
قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ لَمّا انْصَرَفَ خَالِدٌ وَأَجْمَعَ أَنْ يَنْزِلَ عَقْرَبَاءَ وَدَفَعَ الطّلَائِعَ أَمَامَهُ . فَرَجَعُوا إلَيْهِ . فَأَخْبَرُوهُ أَنّ مُسَيْلِمَةَ وَمَنْ مَعَهُ قَدْ نَزَلُوا عَقْرَبَاءَ فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْيَمَامَةِ ، أَوْ يَنْتَهِيَ إلَى عَقْرَبَاءَ . فَأَجْمَعُوا أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى عَقْرَبَاءَ . فَزَحَفَ خَالِدٌ بِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ عَنْ الرّجّالِ بْنِ عُنْفُوَةَ فَإِذَا الرّجّالُ عَلَى مُقَدّمَةِ مُسَيْلِمَةَ فَلَعَنُوهُ وَشَتَمُوهُ . فَلَمّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ ضَرْبِ عَسْكَرِهِ - وَبَنُو حَنِيفَةَ تُسَوّي صُفُوفَهَا - نَهَضَ خَالِدٌ إلَى صُفُوفِهِ فَصَفّهَا . وَقَدّمَ رَايَتَهُ مَعَ زَيْدِ بْنِ الْخَطّابِ ، وَدَفَعَ رَايَةَ الْأَنْصَارِ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ . فَتَقَدّمَ بِهَا .
وَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْخَيْلِ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ ، ثُمّ عَزَلَهُ . وَاسْتَعْمَلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ .
فَأَقْبَلَ بَنُو حَنِيفَةَ ، وَقَدْ سَلّوا السّيُوفَ . فَقَالَ خَالِدٌ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا فَقَدْ كَفَاكُمْ اللّهُ أَمْرَ عَدُوّكُمْ مَا سُلُوّ السّيُوفِ مِنْ بَعْدُ إلّا لِيَرْهَبُوا .
فَقَالَ مَجَاعَةُ كَلّا يَا أَبَا سُلَيْمَانَ وَلَكِنّهَا الْهُنْدُوَانِيّة ، خَشَوْا تَحَطّمَهَا ، وَهِيَ غَدَاةٌ بَارِدَةٌ فَأَبْرَزُوهَا لِلشّمْسِ لِتُسَخّنَ مُتُونَهَا . فَلَمّا دَنَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَادَوْا : إنّا نَعْتَذِرُ إلَيْكُمْ مِنْ سَلّنَا سُيُوفَنَا . وَاَللّهِ مَا سَلَلْنَاهَا تَرْهِيبًا ، وَلَكِنْ غَدَاةَ بَارِدَةٍ فَخَشِينَا تَحَطّمَهَا ، فَأَرَدْنَا أَنْ تُسَخّنَ مُتُونَهَا إلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ فَسَتَرَوْنَ .
فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا . وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ صَبْرًا طَوِيلًا . حَتّى كَثُرَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ فِي الْفَرِيقَيْنِ . وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ حَتّى فَنَوْا إلّا قَلِيلًا . وَهُزِمَ كُلّ مِنْ <191> الْفَرِيقَيْنِ حَتّى دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُونَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ مِرَارًا . وَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ - وَمَعَهُ الرّايَةَ - يَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ . وَأَعْتَذِرُ إلَيْك مِنْ فِرَارِ أَصْحَابِي . وَجَعَلَ يَشْتَدّ بِالرّايَةِ فِي نُحُورِ الْعَدُوّ . ثُمّ ضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَثَى قُتِلَ . رَحِمَهُ اللّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ .
فَأَخَذَ الرّايَةَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إنّا نَخَافُ أَنْ نُؤْتَى مِنْ قَبْلِك . فَقَالَ بِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا ، إذَا أَتَيْتُمْ مِنْ قَبْلِي .
وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ - وَمَعَهُ رَايَتُهُمْ - الْزَمْهَا . فَإِنّهَا مَلَاك الْقَوْمِ فَتَقَدّمَ سَالِمٌ فَحَفَرَ لِرِجْلَيْهِ حَتّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ وَحَفَرَ ثَابِتٌ لِرِجْلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ لَزَمَا رَايَتَهُمَا .
وَلَقَدْ كَانَ النّاسُ يَتَفَرّقُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَإِنّ سَالِمًا وَثَابِتًا لَقَائِمَانِ حَتّى قُتِلَ سَالِمٌ وَقُتِلَ أَبُو حُذَيْفَةَ مَوْلَاهُ . قَالَ وَحْشِيّ بْنُ حَرْبٍ اقْتَتَلْنَا قِتَالًا شَدِيدًا ، حَتّى رَأَيْت شُهُبَ النّارِ تَخْرَجُ مِنْ خِلَالِ السّيُوفِ حَتّى سَمِعْت لَهَا صَوْتًا كَالْأَجْرَاسِ .
وَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَازِنِيّ - وَذَكَرَ رِدّةَ بَنِي حَنِيفَةَ - لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوّا أَشَدّ نِكَايَةً مِنْهُمْ لَقُوهُمْ بِالْمَوْتِ النّاقِعِ وَالسّيُوفِ قَدْ أَصْلَتُوهَا قَبْلَ النّبْلِ وَقَبْلَ الرّمَاحِ . فَكَانَ الْمِعْوَلُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِ السّوَابِقِ .
وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْس ٍ يَوْمَئِذٍ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، اللّهَ اللّهَ فِي دِينِكُمْ عَلّمْنَا هَؤُلَاءِ أَمْرًا مَا كُنّا نَحْسِبُهُ . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقُلْ أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَصْنَعُونَ .
ثُمّ قَالَ خَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَخْلِصُونَا . فَأَخْلَصَتْ الْأَنْصَارُ . فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ نَاهِيَةٌ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مُحَكّمِ بْنِ طُفَيْلٍ فَقَتَلُوهُ . ثُمّ انْتَهَوْا إلَى الْحَدِيقَةِ فَدَخَلُوهَا ، فَقَاتَلُوا أَشَدّ الْقِتَالِ حَتّى اخْتَلَطُوا فِيهَا ، ثُمّ صَاحَ ثَابِتٌ صَيْحَةً يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَأَوْفَى عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ عَلَى نَشَزٍ . فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَنَا عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ يَا لَلْأَنْصَارِ . أَنَا عَبّادٌ إلَيّ إلَيّ . فَأَجَابُوا لَبّيْكَ لَبّيْكَ حَتّى تَوَافَوْا عِنْدَهُ . فَقَالَ فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمّي ، حَطّمُوا جُفُونَ السّيُوفِ . ثُمّ حَطّمَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ . وَحَطّمَتْ <192> الْأَنْصَارُ جُفُونَ سُيُوفِهَا . ثُمّ قَالَ حَمْلَةٌ صَادِقَةٌ اتّبَعُونِي . فَخَرَجَ أَمَامَهُمْ حَتّى سَاقُوا بَنِي حَنِيفَةَ مُنْهَزِمِينَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى الْحَدِيقَةِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِمْ . ثُمّ إنّ اللّهَ فَتَحَ الْحَدِيقَةَ فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي ّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا الْحَدِيقَةَ حِينَ جَاءَ وَقْتُ الظّهْرِ وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ فَأَمَرَ خَالِدٌ الْمُؤَذّنَ فَأَذّنَ عَلَى جِدَارِ الْحَدِيقَةِ بِالظّهْرِ . وَالْقَوْمُ مُقْبِلُونَ عَلَى الْقَتْلِ حَتّى انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ بَعْدَ الْعَصْرِ . فَصَلّى بِنَا خَالِدٌ الظّهْرَ وَالْعَصْرَ
ثُمّ بَعَثَ السّقَاةَ يَطُوفُونَ عَلَى الْقَتْلَى . فَطُفْت مَعَهُمْ . فَمَرَرْت بِعَامِرِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ بِهِ جَرّاحٍ فَسَقَيْت عَامِرًا . فَقَالَ الْحَنَفِيّ : اسْقِنِي فَدَى لَك أَبِي وَأُمّي . فَقُلْت : لَا ، وَلَا كَرَامَةَ وَلَكِنْ أُجْهِزُ عَلَيْك . قَالَ أَحْسَنْت ، أَسْأَلُك مَسْأَلَةً لَا شَيْءَ عَلَيْك فِيهَا . قُلْت : مَا هِيَ ؟ قَالَ أَبُو ثُمَامَةَ مَا فَعَلَ ؟ قُلْت ، وَاَللّهِ قُتِلَ قَالَ نَبِيّ ضَيّعَهُ قَوْمُهُ
وَلَمّا قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَكَانَتْ لَهُمْ أَيْضًا فِي الْمُسْلِمِينَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً قَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقِيلَ لَا تُغْمِدُوا السّيُوفَ وَفِينَا وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ . وَكَانَ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ .
فَلَمّا أَمْسَى مَجَاعَةُ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ لَيْلًا : أَنْ الْبَسُوا السّلَاحَ وَالذّرّيّةَ ثُمّ إذَا أَصْبَحْتُمْ فَقُومُوا مُسْتَقْبِلِي الشّمْسِ عَلَى حُصُونِكُمْ حَتّى يَأْتِيَكُمْ أَمْرِي . وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يَدْفِنُونَ قَتْلَاهُمْ . فَلَمّا فَرَغُوا ، جَعَلُوا يَتَكَمّدُونَ بِالنّارِ مِنْ الْجِرَاحِ .
فَلَمّا أَصْبَحُوا مَرّ خَالِدٌ فَسِيقَ مَجَاعَةُ فِي الْحَدِيدِ يَعْرِفُهُمْ الْقَتْلَى فَمَرّ بِرَجُلِ وَسِيمٍ فَقَالَ يَا مَجَاعَةُ أَهُوَ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا أَكْرَمُ مِنْهُ هَذَا مُحَكّمُ بْنُ الطّفَيْلِ . إنّ الّذِي تَبْتَغُونَ لَرَجُلٌ أُصَيْفِرٌ أُخَيْنِسٌ . فَوَجَدُوهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ خَالِدٌ . فَحَمِدَ اللّهُ كَثِيرًا ، وَأُمِرَ بِهِ فَأُلْقِيَ فِي الْبِئْرِ الّتِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا .
وَكَانَ خَالِدٌ يَرَى أَنّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا مَنْ لَا عَتَادَ عِنْدَهُ . فَقَالَ يَا مَجَاعَةُ هَذَا صَاحِبُكُمْ الّذِي فَعَلَ بِكُمْ الْأَفَاعِيلَ . مَا رَأَيْت عُقُولًا أَضْعَفَ مِنْ عُقُولِ أَصْحَابِك ، مِثْلُ هَذَا فَعَلَ بِكُمْ مَا فَعَلَ ؟ .
فَقَالَ مَجَاعَةُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَلَا تَظُنّ أَنّ الْحَرْبَ انْقَطَعَتْ وَإِنْ قَتَلْته . إنّ <193> جَمَاعَةً مِنْ النّاسِ وَأَهْلَ الْبُيُوتَاتِ لَفِي الْحُصُونِ فَانْظُرْ . فَرَفَعَ خَالِدٌ رَأْسَهُ . فَإِذَا السّلَاحُ وَالْخَلْقُ الْكَثِيرُ عَلَى الْحُصُونِ فَرَأَى أَمْرًا غَمّهُ ثُمّ اسْتَنَدَ سَاعَةً . ثُمّ أَدْرَكَتْهُ الرّجُولَةُ . فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ يَا خَيْلَ اللّهِ ارْكَبِي . يَا صَاحِبَ الرّايَةِ قَدّمْهَا .
فَقَالَ مَجَاعَةُ إنّي لَك نَاصِحٌ . وَإِنّ السّيْفَ قَدْ أَفْنَاك . فَتَعَالَ أُصَالِحُك عَنْ قَوْمِي . وَقَدْ أَحَلّ بِخَالِدِ مُصَابُ أَهْلِ السّابِقَةِ وَمَنْ كَانَ يُعْرَفُ عِنْدَهُ الْغِنَاءُ . فَقَدْ رَقّ وَأَحَبّ الْمُوَادَعَةَ مَعَ عَجَفِ الْكُرَاعِ .
فَاصْطَلَحُوا عَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ وَنِصْفِ السّبْيِ .
ثُمّ قَالَ مَجَاعَةُ إنّي آتِ الْقَوْمَ فَعَارِضٌ عَلَيْهِمْ مَا صَنَعْت . قَالَ فَانْطَلَقَ . فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ . فَأَخْبَرَهُ أَنّهُمْ أَجَازُوهُ .
فَلَمّا بَانَ لِخَالِدِ أَنّمَا هُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ قَالَ وَيْلَك يَا مَجَاعَةُ خَدَعْتنِي . قَالَ قَوْمِي ، فَمَا أَصْنَعُ ؟ وَمَا وَجَدْت مِنْ ذَلِكَ بُدّا .
وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَغَيْرُهُ لِخَالِدِ اتّقِ اللّهَ وَلَا تَقْبَلْ الصّلْحَ . فَقَالَ إنّهُ قَدْ أَفْنَاكُمْ السّيْفُ . قَالُوا : وَأَفْنَى غَيْرَنَا أَيْضًا . قَالَ وَمَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ جَرِيحٌ . قَالُوا : وَمَنْ بَقِيَ مِنْ الْقَوْمِ جَرْحَى ، لَا نَدْخُلُ فِي الصّلْحِ أَبَدًا . اُغْدُ بِنَا عَلَيْهِمْ حَتّى يُظْفِرَنَا اللّهُ بِهِمْ أَوْ نَبِيدَ عَنْ آخِرِنَا . احْمِلْنَا عَلَى كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ إنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَقْطُرُ الدّمَ وَفِيهِ إنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَلَا تَسْتَبِقْ رَجُلًا مَرّتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى
فَتَكَلّمَتْ الْأَنْصَارُ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا : أَمْرُ أَبِي بَكْرٍ فَوْقَ أَمْرِك .
فَقَالَ إنّي وَاَللّهِ مَا ابْتَغَيْت فِي ذَلِكَ إلّا الّذِي هُوَ خَيْرٌ . رَأَيْت أَهْلَ السّابِقَةِ وَأَهْلَ الْقُرْآنِ قَدْ قُتِلُوا . وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إلّا مَنْ لَا بَقَاءَ لَهُ عَلَى السّيْفِ لَوْ لَجّ عَلَيْهِمْ فَقَبِلْت الصّلْحَ مَعَ أَنّهُمْ قَدْ أَظَهَرُوا الْإِسْلَامَ وَاتّقُوا بِالرّاحِ .
وَتَمّ الصّلْحُ . وَكَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ يَعْتَذِرُ إلَيْهِ .
فَتَكَلّمَ عُمَرُ فِي شَأْنِ خَالِدٍ بِكَلَامِ غَلِيظٍ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ دَعْ عَنْك هَذَا . فَقَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَيْتَهُ حَمَلَهُمْ عَلَى السّيْفِ . فَلَنْ يَزَالُوا مِنْ كُذّابِهِمْ فِي <194> بِلَيّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا أَنْ يَعْصِمَهُمْ اللّهُ .
وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ .
وَذَكَرَ عُمَرُ يَوْمًا وَقْعَةَ الْيَمَامَةِ ، وَمَنْ قُتِلَ فِيهَا مِنْ أَهْلِ السّابِقَةِ . فَقَالَ أَلَحّتْ السّيُوفُ عَلَى أَهْلِ السّوَابِقِ وَلَمْ يَكُنْ الْمِعْوَلُ يَوْمَئِذٍ إلّا عَلَيْهِمْ . خَافُوا عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ يُكْسَرَ بَابُهُ فَيَدْخُلُ مِنْهُ إنْ ظَهَرَ مُسَيْلِمَةُ . فَمَنَعَ اللّهُ الْإِسْلَامَ بِهِمْ حَتّى قَتَلَ عَدُوّهُ . وَأَظْهَرَ كَلِمَتَهُ وَقَدِمُوا - رَحِمَهُمْ اللّهُ - عَلَى مَا يُسَرّونَ بِهِ مِنْ ثَوَابِ جِهَادِهِمْ مِنْ كَذِبٍ عَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ . فَاسْتَحَرّ بِهِمْ الْقَتْلَ . فَرَحِمَ اللّهُ تِلْكَ الْوُجُوهَ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَالزّهْرِيّ : قُتِلَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ آلَافٍ وَكَانَ دَاؤُهُمْ خَبِيثًا ، وَالطّارِي مِنْهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ عَظِيمًا . فَاسْتَأْصَلَ اللّهُ شَأْفَتَهُمْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . ذِكْرُ رِدّةِ بَنِي سُلَيْمٍ ذِكْرُ الْوَاقِدِيّ - مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَرْجَاءِ السّلَيْمِيّ . وَكَانَ عَالِمًا بِرَدّةِ قَوْمِهِ - قَالَ أَهْدَى مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ غَسّانَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَطِيمَةً فِيهَا مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَخَيْلٌ . فَخَرَجَتْ بِهَا الرّسُلُ حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ بَلَغَتْهُمْ وَفَاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَتَشَجّعَ بَعْضُ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى أَخْذِهَا وَالرّدّةِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ إنْ كَانَ مُحَمّدٌ قَدْ مَاتَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . فَانْتَهَبَ الّذِينَ ارْتَدّوا مِنْهُمْ اللّطِيمَةَ .
فَلَمّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى مَعْنِ بْنِ حَاجِرٍ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . وَكَانَ قَدْ قَامَ فِي ذَلِكَ قِيَامًا حَسَنًا ، ذِكْرُ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَكّرَ النّاسَ مَا قَالَ اللّهُ لِنَبِيّهِ ( 39 : 30 ) إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مَيّتُونَ وَقَالَ ( 3 : 144 ) وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ مَعَ آيٍ مِنْ كِتَابِ اللّهِ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ بِشْرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . وَانْحَازَ أَهْلُ الرّدّةِ مِنْهُمْ فَجَعَلُوا يُغِيرُونَ عَلَى النّاسِ . قَتْلُ الْفُجَاءَةِ وَتَحْرِيفُهُ <195> فَلَمّا بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يُوَجّهَ خَالِدًا ، كَتَبَ إلَى مَعْنٍ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ ، وَيَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِهِ أَخَاهُ طُرَيْفَةَ بْنَ حَاجِرٍ فَفَعَلَ . وَأَقَامَ طُرَيْفَةُ يُكَالِبُ مَنْ ارْتَدّ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ قَدِمَ الْفُجَاءَةَ - وَاسْمُهُ إيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ يَالَيْلَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ . فَقَالَ إنّي مُسْلِمٌ وَقَدْ أَرَدْت جِهَادَ مَنْ ارْتَدّ فَاحْمِلْنِي ، فَلَوْ كَانَ عِنْدِي قُوّةٌ لَمْ أَقْدَمْ عَلَيْك .
فَسُرّ أَبُو بَكْرٍ بِمَقْدِمِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى ثَلَاثِينَ بَعِيرًا . وَأَعْطَاهُ سِلَاحًا . فَخَرَجَ يَسْتَعْرِضُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ يَقْتُلُهُمْ وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ . وَيُصِيبُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمْ . وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الشّرِيدِ . يُقَالُ لَهُ نُجْبَةُ بْنُ أَبِي الْمَيْثَاءِ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الرّدّةِ . فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْر ٍ خَبَرُهُ كَتَبَ إلَى طُرَيْفَةَ بْنِ حَاجِرٍ .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . مِنْ أَبِي بَكْر ٍ إلَى طُرَيْفَةَ سَلَامٌ عَلَيْك . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ عَدُوّ اللّهِ الْفُجَاءَةَ أَتَانِي . فَزَعَمَ أَنّهُ مُسْلِمٌ وَسَأَلَنِي : أَنْ أُقَوّيَهُ عَلَى قِتَالِ مَنْ ارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ . فَحَمَلَتْهُ وَسَلّحَتْهُ وَقَدْ انْتَهَى إلَيّ مِنْ يَقِينِ الْخَبَرِ أَنّ عَدُوّ اللّهِ قَدْ اسْتَعْرَضَ النّاسَ الْمُسْلِمُ وَالْمُرْتَدّ ، يَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ وَيَقْتُل مَنْ خَالَفَهُ مِنْهُمْ . فَسِرْ إلَيْهِ بِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى تَقْتُلَهُ أَوْ تَأْخُذَهُ . فَتَأْتِيَنِي بِهِ
فَقَرَأَ طُرَيْفَةُ الْكِتَابَ عَلَى قَوْمِهِ . فَحَشَدُوا إلَى الْفُجَاءَةِ . فَقَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُثَنّى ، فَقُتِلَ نُجْبَةُ وَهَرَبَ مِنْهُ إلَى الْفُجَاءَةِ . ثُمّ زَحَفَ طُرَيْفَةُ إلَى الْفُجَاءَةِ فَتَصَادَمَا . فَلَمّا رَأَى الْفُجَاءَةُ الْخَلَلَ فِي أَصْحَابِهِ قَالَ يَا طُرَيْفَةُ وَاَللّهِ مَا كَفَرْت . وَإِنّي لَمُسْلِمٌ . وَمَا أَنْتَ بِأَوْلَى بِأَبِي بَكْرٍ مِنّي ، أَنْتَ أَمِيرُهُ وَأَنَا أَمِيرُهُ . قَالَ طُرَيْفَةُ هَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إلَيّ . فَقَالَ الْفُجَاءَةُ سَمْعًا وَطَاعَةً . فَبَعَثَ بِهِ فِي جَامِعَتِهِ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . فَأَرْسَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ إلَى بَنِي جُشَمٍ فَحَرَقَتْهُ بِالنّارِ .
وَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْر ٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قَبِيصَةُ - أَحَدُ بَنِي الظّرْبَانِ - فَذَكَرَ أَنّهُ مُسْلِمٌ . وَلَمْ يَرْتَدّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِمَنْ مَعَهُ مَنْ ارْتَدّ فَرَجَعَ قَبِيصَةُ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ . فَخَرَجَ يَتّبِعُ بِهِمْ أَهْلَ الرّدّةِ ، يَقْتُلُهُمْ حَيْثُ وَجَدَهُمْ حَتّى مَرّ بِبَيْتِ حَمِيضَةَ بْنِ الْحَكَمِ الشّرِيدِيّ . فَوَجَدَهُ غَائِبًا يَجْمَعُ أَهْلَ الرّدّةِ . وَوَجَدَ جَارًا لَهُ مُرْتَدّا . فَقَتَلَهُ وَاسْتَاقَ مَالَهُ .
<196> فَلَمّا أَتَى حَمِيضَةَ أَخْبَرَهُ أَهْلُهُ بِخَبَرِ جَارِهِ . فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ . فَأَدْرَكَهُمْ . فَقَالَ قَبِيصَةُ : قَتَلْت جَارِي ؟ فَقَالَ إنّ جَارَك ارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ .
فَقَالَ أَمِنْ بَيْنِ مَنْ كَفَرَ تَعْدُو عَلَى جَارٍ لَجَأَ إلَيّ لِأَمْنَعَهُ ؟ .
فَقَالَ قَبِيصَةُ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ . فَطَعَنَهُ حَمِيضَةُ بِالرّمْحِ . فَوَقَعَ عَنْ بَعِيرِهِ ثُمّ قَتَلَهُ . وَكَانَ قَبِيصَةُ قَدْ فَرّقَ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ حَمِيضَةُ . وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى خَالِدٍ إنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِبَنِي حَنِيفَةَ فَأَقِلّ اللّبْثَ فِيهِمْ حَتّى تَنْحَدِرَ إلَى بَنِي سُلَيْمٍ ، فَتَطَأَهُمْ وَطْأَةً يَعْرِفُونَ بِهَا مَا مَنَعُوا . فَإِنّهُ لَيْسَ بَطْنٌ مِنْ الْعَرَبِ أَنَا أَغْيَظُ عَلَيْهِ مِنّي عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَلَا آلُوك فِيهِمْ أَنْ تُحَرّقَهُمْ بِالنّارِ وَهَوّلْ فِيهِمْ الْقَتْلَ حَتّى يَكُونَ نَكَالًا لَهُمْ
وَسَمِعْت بَنُو سُلَيْمٍ بِإِقْبَالِ خَالِدٍ . فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ . وَاسْتَجْلَبُوا مَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَرَبِ ، مُرْتَدّا وَكَانَ الّذِي جَمَعَهُمْ أَبُو شَجَرَةَ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى . فَانْتَهَى خَالِدٌ إلَى جَمْعِهِمْ مَعَ الصّبْحِ . فَصَاحَ خَالِدٌ فِي أَصْحَابِهِ وَأَمَرَهُمْ بِلُبْسِ السّلَاحِ . ثُمّ صَفّهُمْ . وَصَفّتْ بَنُو سُلَيْمٍ . وَقَدْ كَلّ الْمُسْلِمُونَ وَعَجَفَ كُرَاعُهُمْ وَخُفّهُمْ . وَجَعَلَ خَالِدٌ يَلِي الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ حَتّى أَثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلَ . ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَمَلَةً وَاحِدَةً فَانْهَزَمُوا . وَأُسِرَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ . ثُمّ حَظّرَ لَهُمْ الْحَظَائِرَ وَحَرّقَهُمْ فِيهَا .
وَجُرِحَ أَبُو شَجَرَةَ يَوْمَئِذٍ فِي الْمُسْلِمِينَ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةً . وَقَالَ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا ، مِنْهَا .
فَرَوَيْت رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ وَإِنّي لَأَرْجُو بَعْدَهَا أَنّ أَعْمَرَا
ثُمّ أَسْلَمَ . وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ . وَيَجْحَدُ أَنْ يَكُونَ قَالَ الْبَيْتَ الْمُتَقَدّمَ . فَلَمّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِصَعِيدِ بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمّ أَتَى عُمَرَ - وَهُوَ يُقَسّمُ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ - فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِنِي . فَإِنّي ذُو حَاجَةٍ . فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا أَبُو شَجَرَةَ . قَالَ يَا عَدُوّ اللّهِ أَلَسْت الّذِي تَقُولُ فَرَوَيْت رُمْحِي - الْبَيْتَ ؟ عُمْرُ سُوءٍ . وَاَللّهِ مَا عِشْت لَك يَا خَبِيثُ . ثُمّ جَعَلَ يَعْلُوهُ بِالدّرّةِ عَلَى رَأْسِهِ حَتّى سَبَقَهُ عَدْوًا ، وَعُمَرُ فِي طَلَبِهِ حَتّى أَتَى رَاحِلَتَهُ فَارْتَحَلَهَا . ثُمّ اشْتَدّ بِهَا فِي حَرّةِ شُوزَانَ فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْرَبَ عُمَرَ حَتّى تُوُفّيَ <197> وَكَانَ إسْلَامُهُ لَا بَأْسَ بِهِ . وَكَانَ إذَا ذَكَرَ عُمَرَ تَرَحّمَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَهْيَبَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . ذِكْرُ رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ : لَمّا ارْتَدّتْ الْعَرَبُ - بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ كِسْرَى : مَنْ يَكْفِينِي أَمْرَ الْعَرَبِ ؟ فَقَدْ مَاتَ صَاحِبُهُمْ وَهُمْ الْآنَ يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ إلّا أَنْ يُرِيدَ اللّهُ بَقَاءَ مُلْكِهِمْ فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى أَفْضَلِهِمْ .
قَالُوا : نَدُلّك عَلَى أَكْمَلِ الرّجَالِ مُخَارِقِ بْنِ النّعْمَانِ لَيْسَ فِي النّاسِ مِثْلَهُ . وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ دَانَتْ لَهُمْ الْعَرَبُ ، وَهَؤُلَاءِ جِيرَانُك ، بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ .
فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ . وَأَخَذَ مِنْهُمْ سِتّمِائَةٍ الْأَشْرَفَ فَالْأَشْرَفَ .
وَارْتَدّ أَهْلُ هَجْرٍ عَنْ الْإِسْلَامِ . فَقَامَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلّى فِي قَوْمِهِ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ ؟ وَإِنّي لَمْ آتِكُمْ قَطّ إلّا بِخَيْرِ وَإِنّ اللّهَ تَعَالَى بَعَثَ نَبِيّهُ وَنَعَى لَهُ نَفْسَهُ فَقَالَ إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مَيّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ - الْآيَةَ .
وَفِي لَفْظٍ أَنّهُ قَالَ مَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى مُوسَى ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ . قَالَ فَمَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى عِيسَى ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . عَاشَ كَمَا عَاشُوا ، وَمَاتَ كَمَا مَاتُوا . وَأَتَحَمّلُ شَهَادَةَ مَنْ أَبَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ . فَلَمْ يَرْتَدّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ أَحَدٌ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ . وَعَزَلَ الْعَلَاءَ ابْنَ الْحَضْرَمِيّ . فَقَالَ أَبْلِغُونِي مَأْمَنِي فَأَشْهَدُ أَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْيَا بِحَيَاتِهِمْ وَأَمُوتُ بِمَوْتِهِمْ .
فَقَالُوا : لَا تَفْعَلْ فَأَنْتَ أَعَزّ النّاسِ عَلَيْنَا ، وَهَذَا عَلَيْنَا وَعَلَيْك فِيهِ مَقَالَةٌ يُقَالُ فَرّ مِنْ الْقِتَالِ . فَأَبَى . وَانْطَلَقَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ يُبَلّغُونَهُ الْمَدِينَةَ . فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَلَا ثَبَتّ مَعَ قَوْمٍ لَمْ يُبَدّلُوا وَلَمْ يَرْتَدّوا ؟ .
فَقَالَ مَا كُنْت لِأَعْمَلَ لِأَحَدِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
<198> فَدَعَا أَبُو بَكْرٍ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ . فَبَعَثَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ فِي سِتّةَ عَشَرَ رَاكِبًا ، وَقَالَ امْضِ فَإِنّ أَمَامَك عَبْدُ الْقَيْسِ فَسَارَ . وَمَرّ بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ فَأَمَدّهُ بِرِجَالِ مِنْ قَوْمِهِ بَنِي سُحَيْمٍ ثُمّ لَحِقَ بِهِ .
فَنَزَلَ الْعَلَاءُ بِحِصْنِ يُقَالُ لَهُ جُوَاثَى ، وَكَانَ مُخَارِقٌ قَدْ نَزَلَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ بَكْرِ ابْنِ وَائِلٍ حِصْنُ الْمُشَقّرِ - حِصْنٌ عَظِيمٌ لِعَبْدِ الْقَيْسِ - فَسَارَ إلَيْهِمْ الْعَلَاءُ فِيمَنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ . فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، حَتّى كَثُرَ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ وَالْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلّى بِالْخَطّ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى الْعَلَاءِ .
وَبَعَثَ مُخَارِقٌ الْحَطَمَ بْنَ شُرَيْحٍ - أَحَدَ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ - مَرْزُبَانُ الْخَطّ يَسْتَمِدّهُ فَأَمَدّهُ بِالْأَسَاوِرَةِ . فَنَزَلَ الْح | |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:07 am | |
| فَقَالَ لَهُ أَبُو قَتَادَةَ : - وَهُوَ مَعَ السّرِيّةِ - أَقَاتِلٌ أَنْتَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ إنّهُمْ اتّقُونَا بِالْإِسْلَامِ أُذُنًا فَأَذِنُوا ، وَصَلّيْنَا فَصَلّوْا . وَكَانَ مِنْ عَهْدِ أَبِي بَكْر ٍ أَيّمَا دَارٌ غَشِيتُمُوهَا ، فَسَمِعْتُمْ الْأَذَانَ فِيهَا بِالصّلَاةِ فَأَمْسِكُوا عَنْ أَهْلِهَا حَتّى <184> تَسْأَلُوهُمْ مَاذَا نَقَمُوا ؟ وَمَاذَا يَبْغُونَ ؟ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا الْأَذَانَ فَشُنّوا عَلَيْهَا الْغَارَةَ فَاقْتُلُوا وَحَرّقُوا فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَقُتِلُوا ، وَأَمَرَ بِرَأْسِ مَالِكٍ فَجُعِلَ أُثْفِيّةً لِلْقِدْرِ وَرَثَاهُ أَخُوهُ مُتَمّمٌ بِقَصَائِدَ كَثِيرَةٍ .
وَرُوِيَ أَنّ عُمَرَ قَالَ لَهُ لَوَدِدْت أَنْ رَثَيْت أَخِي زَيْدًا بِمِثْلِ مَا رَثَيْت بِهِ أَخَاك مَالِكًا " فَقَالَ مُتَمّمٌ لَوْ عَلِمْت أَنّ أَخِي صَارَ حَيْثُ صَارَ أَخُوك مَا رَثَيْته . فَقَالَ عُمَرُ " مَا عَزّانِي أَحَدٌ عَنْ أَخِي بِمِثْلِ تَعْزِيَتِه ذِكْرُ رِدّةِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مَفْتُونِينَ بِمُسَيْلِمَةِ الْكَذّابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَدِمَتْ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُفُودُ الْعَرَبِ . فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا وَفْدٌ أَقْسَى قُلُوبًا ، وَلَا أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ الْإِسْلَامُ يُقِرّ فِي قُلُوبِهِمْ - مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ مَعَ الْوَفْدِ
فَلَمّا انْصَرَفُوا إلَى الْيَمَامَةِ ادّعَى أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشْرَكَهُ فِي النّبُوّةِ وَكَتَبَ إلَيْهِ مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ . أَمّا بَعْدُ فَإِنّي أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَك ، وَإِنّا لَنَا نِصْفُ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشِ نِصْفُهَا ، وَلَكِنْ قُرَيْشٌ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ . فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ . إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ . أَمَا بَعْدُ فَإِنّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ . وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِين
وَجَدّ بِعَدُوّ اللّهِ ضَلَالُهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَصْفَقَتْ مَعَهُ بَنُو حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ إلّا أَفْذَاذًا مِنْ ذَوِي عُقُولِهِمْ . وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا فُتِنَ بِهِ قَوْمُهُ شَهَادَةُ الرّجّالِ بْنِ عُنْفُوَةَ لَهُ بِإِشْرَاكِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُ فِي الْأَمْرِ . وَكَانَ الرّجّالُ مِنْ الْوَفْدِ الّذِينَ قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلّمَ السّنَنَ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْوَفْدِ عِنْدَنَا ، فَكَانَ أَعْظَمَ فِتْنَةً عَلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا كَانَ يُعْرَفُ بِه
قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ : كَانَ بِالرّجّالِ مِنْ الْخُشُوعِ وَلُزُومِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْخَيْرِ - فِيمَا يُرَى - شَيْءٌ عَجِيبٌ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيّ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ صَدِيقًا <185> لِلرّجّالِ . وَكَانَ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إسْلَامَهُ . فَقَالَ شِعْرًا . فَشَا فِي الْيَمَامَةِ حَتّى كَانَتْ الْوَلِيدَةُ وَالصّبِيّ يَنْشُدُونَهُ
يَا سُعَادَ الْفُؤَادِ بِنْتَ أَثَالٍ طَالَ لَيْلِي بِفِتْنَةِ الرّجّالِ إنّهَا يَا سُعَادُ مَنْ حَدَثِ الدّهْ رِ عَلَيْكُمْ كَفِتْنَةِ الدّجّالِ فَتَنَ الْقَوْمَ بِالشّهَادَةِ وَاللّ هُ عَزِيزٌ ذُو قُوّةٍ وَمِحَالِ لَا يُسَاوِي الّذِي يَقُولُ مِنْ الْأَ مْرِ قُبَالًا وَمَا احْتَذَى مِنْ قُبَالِ إنّ دِينِي دِينُ النّبِيّ وَفِي الْقَ وْمِ رِجَالٌ عَلَى الْهُدَى أَمْثَالِي أَهْلَكَ الْقَوْمَ مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ وَرِجَالٌ لَيْسُوا لَنَا بِرِجَالِ بَزّ أَمْرَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْيَوْمَ فَلَنْ يَرْجِعُوهُ أُخْرَى اللّيَالِي قُلْت لِلنّفْسِ إذْ تَعَاضَمَهَا الصّ بْرُ وَسَاءَتْ مَقَالَةُ الْأَنْذَالِ رُبّمَا تَجْزَعُ النّفُوسُ مِنْ الْأَمْرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحُلّ الْعِقَالِ إنْ تَكُنْ مُنْيَتِي عَلَى فِطْرَةِ اللّ هِ حَنِيفًا فَإِنّنِي لَا أُبَالِي
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُسَيْلِمَةَ وَمُحَكّمَ وَأَشْرَافَهُمْ فَطَلَبُوهُ فَقَاتَلَهُمْ . وَلَحِقَ بِخَالِدِ . فَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِمْ . وَدَلّهُ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ .
وَعَظُمَتْ فِتْنَةُ بَنِي حَنِيفَةَ بِكَذّابِهِمْ . إذْ كَانُوا يَدْعُو لِمَرِيضِهِمْ وَيَبْرُكُ عَلَى مَوْلُودِهِمْ . وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ مَا يُرِيهِمْ اللّهُ مَا يَحُلّ بِهِ مِنْ الْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ .
جَاءَهُ رَجُلٌ بِمَوْلُودِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ . فَقَرَعَ . وَقَرَعَ كُلّ مَوْلُودٍ لَهُ .
وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ إنّي ذُو مَالٍ . وَلَيْسَ لِي مَوْلُودٌ يَبْلُغُ سَنَتَيْنِ حَتّى يَمُوتَ إلّا هَذَا الْمَوْلُودُ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ . وَلِي مَوْلُودٌ وُلِدَ أَمْسِ . فَأُحِبّ أَنْ تُبَارِكَ فِيهِ وَتَدْعُو أَنْ يُطِيلَ اللّهُ عُمْرَهُ . قَالَ سَأَطْلُبُ لَك . فَرَجَعَ الرّجُلُ إلَى مَنْزِلِهِ مَسْرُورًا . فَوَجَدَ الْأَكْبَرَ قَدْ تَرَدّى فِي بِئْرٍ وَوَجَدَ الْأَصْغَرَ فِي نَزْعِ الْمَوْتِ . فَلَمْ يُمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتّى مَاتَا جَمِيعًا . وَتَقُولُ أُمّهُمَا : لَا وَاَللّهِ مَا لِأَبِي ثُمَامَةَ عِنْدَ إلَهِهِ مَنْزِلَةُ مُحَمّدٍ .
وَحَفَرَتْ بَنُو حَنِيفَةَ بِئْرًا فَاسْتَعْذَبُوهَا ، فَأَتَوْا مُسَيْلِمَةَ . وَطَلَبُوا أَنْ يُبَارِكَ فِيهَا ، فَبَصَقَ فِيهَا فَعَادَتْ مِلْحًا أُجَاجًا .
<186> وَكَانَ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ عَهِدَ إلَى خَالِدٍ - إذَا فَرَغَ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَالضّاحِيَةَ - أَنْ يَقْصِدَ الْيَمَامَةَ ، وَأَكّدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ . فَلَمّا أَظْفَرَ اللّهُ خَالِدًا بِهِمْ تَسَلّلَ بَعْضُهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، يَسْأَلُونَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ . فَقَالَ بَيْعَتِي لَكُمْ وَأَمَانِي لَكُمْ أَنْ تَلْحَقُوا بِخَالِدِ . فَمَنْ كَتَبَ إلَى خَالِدٍ أَنّهُ حَضَرَ مَعَهُ الْيَمَامَةَ فَهُوَ آمِنٌ . وَلِيُبَلّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ . وَلَا تَقْدَمُوا عَلَيّ .
قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ أُولَئِكَ الّذِينَ لَحِقُوا بِهِ هُمْ الّذِينَ انْكَسَرُوا بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ وَكَانُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلَاءً .
قَالَ شَرِيكٌ الْفَزَارِيّ : كُنْت مِمّنْ شَهِدَ بُزَاخَةَ مَعَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ . ثُمّ رَزَقَنِي اللّهُ الْإِنَابَةَ فَجِئْت أَبَا بَكْرٍ . فَأَمَرَنِي بِالْمَسِيرِ إلَى خَالِدٍ . وَكَتَبَ مَعِي إلَيْهِ .
أَمّا بَعْدُ " فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُك ، تَذْكُرُ مَا أَظْفَرَك اللّهُ بِأَسَدِ وَغَطَفَانَ . وَأَنّك سَائِرٌ إلَى الْيَمَامَةِ . فَاتّقِ اللّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَعَلَيْك بِالرّفْقِ بِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ كُنْ لَهُمْ كَالْوَالِدِ . وَإِيّاكَ يَا ابْنَ الْوَلِيدِ وَنَخْوَةَ بَنِي الْمُغِيرَةِ . فَإِنّي عَصَيْت فِيك مَنْ لَمْ أَعْصِهِ فِي شَيْءٍ قَطّ ، فَانْظُرْ بَنِي حَنِيفَةَ . فَإِنّك لَمْ تَلْقَ قَوْمًا يُشْبِهُونَهُمْ . كُلّهُمْ عَلَيْك . وَلَهُمْ بِلَادٌ وَاسِعَةٌ . فَإِذَا قَدِمَتْ فَبَاشِرْ الْأَمْرَ بِنَفْسِك . وَاسْتَشِرْ مَنْ مَعَك مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَاعْرِفْ لَهُمْ فَضْلَهُمْ . فَإِذَا لَقِيَتْ الْقَوْمَ . فَأَعِدْ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا . فَإِنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَإِيّاكَ وَالْإِبْقَاءَ عَلَيْهِمْ . أَجْهِزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاطْلُبْ مُدْبِرَهُمْ وَاحْمِلْ أَسِيرَهُمْ عَلَى السّيْفِ . وَهَوّلْ فِيهِمْ الْقَتْلَ . وَخَوّفْهُمْ بِالنّارِ . وَإِيّاكَ أَنْ تُخَالِفَ أَمْرِي . وَالسّلَامُ . وَلَمّا اتّصَلَ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ مَسِير خَالِدٍ إلَيْهِمْ بَعْدَ الّذِي صَنَعَ بِأَمْثَالِهِمْ حَيّرَهُمْ ذَلِكَ . وَجَزَعَ لَهُ مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ سَيّدَهُمْ . وَهَمّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ . ثُمّ اسْتَمَرّ عَلَى ضَلَالَتِهِ . وَكَانَ صَدِيقًا لِزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيّ .
فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : لَوْ أَلْقَيْت إلَيْهِ شَيْئًا تَكْسِرُهُ بِهِ فَإِنّهُ سَيّدُهُمْ وَطَاعَتُهُمْ بِيَدِهِ . فَبَعَثَ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ <187>
يَا مُحَكّمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ لِلّهِ دَرّ أَبِيكُمْ حَيّةُ الْوَادِي يَا مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ إنّكُمْ نَفَرٌ كَالشّاءِ أَسْلَمَهَا الرّاعِي لِآسَادِ مَا فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ مِنْ عِوَضٍ مِنْ دَارِ قَوْمٍ وَإِخْوَانٍ وَأَوْلَادِ فَاكْفُفْ حَنِيفَةَ عَنْهُ قَبْلَ نَائِحَةٍ تَعْفِي فَوَارِسَ قَوْمٍ شَجْوُهَا بَادِي لَا تَأْمَنُوا خَالِدًا بِالْبُرْدِ مُعْتَجِرًا تَحْتَ الْعَجَاجَةِ مِثْلُ الْأَغْطَفِ الْعَادِي وَيْلُ الْيَمَامَةِ وَيْلٌ لَا فِرَاقَ لَهُ إنْ جَالَتْ الْخَيْلُ فِيهَا بِالْقَنَا الصّادِي وَاَللّهِ لَا تَنْثَنِي عَنْكُمْ أَعِنّتُهَا حَتّى تَكُونُوا كَأَهْلِ الْحِجْرِ أَوْ عَادِ
وَوَرَدَتْ عَلَى مُحَكّمٍ وَقِيلَ لَهُ هَذَا خَالِدٌ فِي الْمُسْلِمِينَ .
فَقَالَ رَضِيَ خَالِدٌ أَمْرًا ، وَرَضِينَا غَيْرَهُ . وَمَا يُنْكِرُ خَالِدٌ أَنْ يَكُونَ فِي بَنِي حَنِيفَةَ مَنْ أُشْرِكَ فِي الْأَمْرِ ؟ فَسَيَرَى - إنْ قَدِمَ عَلَيْنَا - يَلْقَ قَوْمًا لَيْسُوا كَمَنْ لَقِيَ .
ثُمّ خَطَبَهُمْ فَقَالَ إنّكُمْ تَلْقَوْنَ قَوْمًا يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ صَاحِبِهِمْ فَابْذُلُوا نُفُوسَكُمْ دُونَ صَاحِبِكُمْ . وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ فِي أَصْحَابِ خَالِدٍ . وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ حِجْرٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَلْهَمَ . فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : تَقَدّمْ إلَى قَوْمِك فَاكْسِرْهُمْ . فَأَتَاهُمْ فَقَالَ " يَا أَهْلَ الْيَمَامَةِ ، أَظَلّكُمْ خَالِدٌ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . قَدْ تَرَكْت الْقَوْمَ وَاَللّهِ يَتَبَايَعُونَ عَلَى فَتْحِ الْيَمَامَةِ . قَدْ قَضَوْا وَطَرًا مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ ، وَأَنْتُمْ فِي أَكُفّهِمْ . وَقَوْلُهُمْ " لَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ " إنّي رَأَيْت أَقْوَامًا إنْ غَلَبْتُمُوهُمْ بِالصّبْرِ غَلَبُوكُمْ بِالنّصْرِ . وَإِنْ غَلَبْتُمُوهُمْ عَلَى الْحَيَاةِ غَلَبُوكُمْ عَلَى الْمَوْتِ . وَإِنْ غَلَبْتُمُوهُمْ بِالْعَدَدِ غَلَبُوكُمْ بِالْمَدَدِ . لَسْتُمْ وَالْقَوْمُ سَوَاءً . الْإِسْلَامُ مُقْبِلٌ وَالشّرْكُ مُدْبِرٌ . وَصَاحِبُهُمْ نَبِيّ ، وَصَاحِبُكُمْ كَذّابٌ . وَمَعَهُمْ السّرُورُ وَمَعَكُمْ الْغَرُورُ . فَالْآنَ - وَالسّيْفُ فِي غِمْدِهِ وَالنّبْلُ فِي جَفِيرِهِ - قَبْلَ أَنْ يُسَلّ السّيْفُ وَيُرْمَى بِالسّهْمِ " فَكَذّبُوهُ وَاتّهَمُوهُ .
وَقَامَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فِيهِمْ . فَقَالَ اسْمَعُوا مِنّي . وَأَطِيعُوا أَمْرِي ، تَرْشُدُوا . إنّهُ لَا يَجْتَمِعُ نَبِيّانِ بِأَمْرِ وَاحِدٍ . إنّ مُحَمّدًا لَا نَبِيّ بَعْدَهُ وَلَا نَبِيّ يُرْسَلُ مَعَهُ . ثُمّ قَرَأَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذّنْبِ وَقَابِلِ التّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطّوْلِ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ هَذَا كَلَامُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ . أَيْنَ هَذَا مِنْ يَا ضُفْدُعُ يَا ضُفْدُعِينَ . نِقّي كَمْ تَنِقّينَ ؟ <188> نِصْفُك فِي الْمَاءِ وَنِصْفُك فِي الطّينِ . لَا الشّرَابُ تَمْنَعِينَ وَلَا الْمَاءُ تُكَدّرِينَ وَلَا الطّينُ تُفَارِقِينَ . لَنَا نِصْفُ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشِ نِصْفُهَا . وَلَكِنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ . وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَرَوْنَ هَذَا مَا يَخْرُجُ مِنْ إلٍ . وَقَدْ اسْتَحَقّ مُحَمّدٌ أَمْرًا أَذْكُرُهُ بِهِ خَرَجْت مُعَتّرًا ، فَأَخَذَتْنِي رِسْلُهُ فِي غَيْرِ عَهْدٍ وَلَا ذِمّةٍ . فَعَفَا عَنْ دَمِي . فَأَسْلَمْت وَأَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ إلَى بَيْتِ اللّهِ . فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَامَ بِهَذَا الْأَمْرِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِهِ هُوَ أَفْقَهُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ . لَا تَأْخُذُهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ . ثُمّ بَعَثَ إلَيْكُمْ رَجُلًا ، لَا يُسَمّى بِاسْمِهِ . وَلَا بِاسْمِ أَبِيهِ يُقَالُ لَهُ " سَيْفُ اللّهِ " مَعَهُ سُيُوفُ اللّهِ كَثِيرَةٌ فَانْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ " . فَآذَاهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا ، أَوْ مَنْ آذَاهُ مِنْهُمْ . وَقَالَ ثُمَامَةُ فِي ذَلِكَ
مُسَيْلِمَةُ ارْجِعْ . وَلَا تَمْحِك فَإِنّك فِي الْأَمْرِ لَمْ تُشْرَكْ كَذَبَتْ عَلَى اللّهِ فِي وَحْيِهِ وَكَانَ هَوَاك هَوَى الْأَنْوَكِ وَمَنّاك قَوْمُك أَنْ يَمْنَعُوك وَإِنْ يَأْتِهِمْ خَالِدٌ تُتْرَكْ فَمَا لَك مِنْ مُصْعَدٍ فِي السّمَاءِ وَمَا لَك فِي الْأَرْضِ مِنْ مَسْلَكِ ذِكْرُ تَقْدِيمِ خَالِدٍ الطّلَائِعَ مِنْ الْبِطَاحِ لَمّا سَارَ خَالِدٌ مِنْ الْبِطَاحِ ، وَجَاءَ أَرْضَ بَنِي تَمِيمٍ : قَدِمَ مِائَتَيْ فَارِسٍ ، عَلَيْهِمْ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ . وَقَدّمَ عَيْنَيْنِ لَهُ أَمَامَهُ .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ : أَنّ خَالِدًا لَمّا قَدِمَ الْعَرْضَ قَدّمَ مِائَتَيْ فَارِسٍ ، وَقَالَ مَنْ أَصَبْتُمْ مِنْ النّاسِ فَخُذُوهُ .
فَانْطَلَقُوا . فَأَخَذُوا مَجَاعَةَ بْنَ مُرَارَةَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ خَرَجُوا فِي طَلَبِ رَجُلٍ أَصَابَ فِيهِمْ دَمًا ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِقْبَالِ خَالِدٍ . فَسَأَلُوهُمْ مِمّنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ . فَقَالُوا : مَا تَقُولُونَ فِي صَاحِبِكُمْ ؟ فَشَهِدُوا أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ . فَقَالُوا لِمَجَاعَةَ مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ فَقَالَ مَا كُنْت أَقْرَبَ مُسَيْلِمَةَ . وَقَدْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمْت . وَمَا غَيّرْت وَلَا بَدّلْت . فَضَرَبَ خَالِدٌ أَعْنَاقَهُمْ . حَتّى إذَا بَقِيَ سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ يَا خَالِدُ إنْ كُنْت <189> تُرِيدُ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ خَيْرًا أَوْ شَرّا ، فَاسْتَبْقِ مَجَاعَةَ . وَكَانَ مَجَاعَةُ شَرِيفًا ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ . وَتَرَكَ أَيْضًا سَارِيَةَ . وَأَمَرَ بِهِمَا فَأُوثِقَا فِي جَوَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ .
وَكَانَ يَدْعُو مَجَاعَةَ - وَهُوَ كَذَلِكَ - فَيَتَحَدّثُ مَعَهُ وَهُوَ يَظُنّ أَنّ خَالِدًا يَقْتُلُهُ . فَقَالَ يَا ابْنَ الْمُغِيرَةِ إنّ لِي إسْلَامًا ، وَاَللّهِ مَا كَفَرْت . وَأَعَادَ كَلَامَهُ الْأَوّلَ . فَقَالَ خَالِدٌ إنّ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالشّرْكِ مَنْزِلَةً وَهِيَ الْحَبْسُ حَتّى يَقْضِيَ اللّهُ فِي حَرْبِنَا مَا هُوَ قَاضٍ . وَدَفَعَهُ إلَى أُمّ مُتَمّمٍ زَوْجَتَهُ . وَأَمَرَهَا أَنْ تُحْسِنَ إسَارَهُ . فَظَنّ مَجَاعَةُ أَنّ خَالِدًا يُرِيدُ حَبْسَهُ لِأَجْلِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَنْ عَدُوّهِ وَيُشِيرَ عَلَيْهِ .
فَقَالَ يَا خَالِدُ . لَقَدْ عَلِمْت أَنّي قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَايَعْته عَلَى الْإِسْلَامِ . وَأَنَا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ أَمْسِ . فَإِنْ يَكُنْ كَذّابٌ خَرَجَ فِينَا ، فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
فَقَالَ يَا مَجَاعَةُ تَرَكَتْ الْيَوْمَ مَا كُنْت عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ . وَكَانَ رِضَاك بِأَمْرِ هَذَا الْكَذّابِ وَسُكُوتُك عَنْهُ - وَأَنْتَ أَعَزّ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، وَقَدْ بَلَغَك مَسِيرِي - إقْرَارًا لَهُ وَرِضًا بِمَا جَاءَ بِهِ فَهَلّا أَبْدَيْت عُذْرًا ، فَتَكَلّمْت فِيمَنْ تَكَلّمَ ؟ فَقَدْ تَكَلّمَ ثُمَامَةُ . فَرَدّ وَأَنْكَرَ وَتَكَلّمَ الْيَشْكُرِيّ . فَإِنْ قُلْت : أَخَافُ قَوْمِي ، فَهَلّا عَمَدْت إلَيّ أَوْ بَعَثْت إلَيّ رَسُولًا ؟ .
فَقَالَ إنّ رَأَيْت يَا ابْنَ الْمُغِيرَةِ أَنْ تَعْفُوَ عَنْ هَذَا كُلّهِ ؟ .
فَقَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْ دَمِك ، وَلَكِنْ فِي نَفْسِي مِنْ تَرْكِك حَرْجٌ . فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِك ، مَا الّذِي يُقْرِئُكُمْ ؟ هَلْ تَحْفَظُ مِنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَ نَعَمْ فَذَكَرَ لَهُ شَيْئًا مِنْ رَجَزِهِ فَضَرَبَ خَالِدٌ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اسْمَعُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَيْفَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ ؟ .
فَقَالَ وَيْحَك ، يَا مَجَاعَةُ أَرَاك سَيّدًا عَاقِلًا ، تَسْمَعُ إلَى كِتَابِ اللّهِ . ثُمّ اُنْظُرْ كَيْفَ عَارَضَهُ عَدُوّ اللّهِ ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ خَالِدٌ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الْأَعْلَى الّذِي خَلَقَ فَسَوّى
<190> ثُمّ قَالَ خَالِدٌ أَفَمَا كَانَ فِي هَذَا لَكُمْ نَاهٍ وَلَا زَاجِرٌ ؟ ثُمّ قَالَ هَاتِ مِنْ كَذِبِ الْخَبِيثِ . فَذَكَرَ لَهُ بَعْضَ رَجَزِهِ .
فَقَالَ خَالِدٌ وَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ حَقّا ، وَكُنْتُمْ تُصَدّقُونَهُ ؟ .
فَقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا حَقّا ، لَمّا لَقِيَك غَدًا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ سَيْفٍ يُضَارِبُونَك حَتّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ .
فَقَالَ خَالِدٌ إذًا يَكْفِينَاهُمْ اللّهُ وَيُقِرّ دِينَهُ فَإِيّاهُ يَعْبُدُونَ . وَدِينُهُ يُؤَيّدُونَ .
قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ لَمّا انْصَرَفَ خَالِدٌ وَأَجْمَعَ أَنْ يَنْزِلَ عَقْرَبَاءَ وَدَفَعَ الطّلَائِعَ أَمَامَهُ . فَرَجَعُوا إلَيْهِ . فَأَخْبَرُوهُ أَنّ مُسَيْلِمَةَ وَمَنْ مَعَهُ قَدْ نَزَلُوا عَقْرَبَاءَ فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْيَمَامَةِ ، أَوْ يَنْتَهِيَ إلَى عَقْرَبَاءَ . فَأَجْمَعُوا أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى عَقْرَبَاءَ . فَزَحَفَ خَالِدٌ بِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ عَنْ الرّجّالِ بْنِ عُنْفُوَةَ فَإِذَا الرّجّالُ عَلَى مُقَدّمَةِ مُسَيْلِمَةَ فَلَعَنُوهُ وَشَتَمُوهُ . فَلَمّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ ضَرْبِ عَسْكَرِهِ - وَبَنُو حَنِيفَةَ تُسَوّي صُفُوفَهَا - نَهَضَ خَالِدٌ إلَى صُفُوفِهِ فَصَفّهَا . وَقَدّمَ رَايَتَهُ مَعَ زَيْدِ بْنِ الْخَطّابِ ، وَدَفَعَ رَايَةَ الْأَنْصَارِ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ . فَتَقَدّمَ بِهَا .
وَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْخَيْلِ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ ، ثُمّ عَزَلَهُ . وَاسْتَعْمَلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ .
فَأَقْبَلَ بَنُو حَنِيفَةَ ، وَقَدْ سَلّوا السّيُوفَ . فَقَالَ خَالِدٌ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا فَقَدْ كَفَاكُمْ اللّهُ أَمْرَ عَدُوّكُمْ مَا سُلُوّ السّيُوفِ مِنْ بَعْدُ إلّا لِيَرْهَبُوا .
فَقَالَ مَجَاعَةُ كَلّا يَا أَبَا سُلَيْمَانَ وَلَكِنّهَا الْهُنْدُوَانِيّة ، خَشَوْا تَحَطّمَهَا ، وَهِيَ غَدَاةٌ بَارِدَةٌ فَأَبْرَزُوهَا لِلشّمْسِ لِتُسَخّنَ مُتُونَهَا . فَلَمّا دَنَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَادَوْا : إنّا نَعْتَذِرُ إلَيْكُمْ مِنْ سَلّنَا سُيُوفَنَا . وَاَللّهِ مَا سَلَلْنَاهَا تَرْهِيبًا ، وَلَكِنْ غَدَاةَ بَارِدَةٍ فَخَشِينَا تَحَطّمَهَا ، فَأَرَدْنَا أَنْ تُسَخّنَ مُتُونَهَا إلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ فَسَتَرَوْنَ .
فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا . وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ صَبْرًا طَوِيلًا . حَتّى كَثُرَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ فِي الْفَرِيقَيْنِ . وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ حَتّى فَنَوْا إلّا قَلِيلًا . وَهُزِمَ كُلّ مِنْ <191> الْفَرِيقَيْنِ حَتّى دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُونَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ مِرَارًا . وَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ - وَمَعَهُ الرّايَةَ - يَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ . وَأَعْتَذِرُ إلَيْك مِنْ فِرَارِ أَصْحَابِي . وَجَعَلَ يَشْتَدّ بِالرّايَةِ فِي نُحُورِ الْعَدُوّ . ثُمّ ضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَثَى قُتِلَ . رَحِمَهُ اللّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ .
فَأَخَذَ الرّايَةَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إنّا نَخَافُ أَنْ نُؤْتَى مِنْ قَبْلِك . فَقَالَ بِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا ، إذَا أَتَيْتُمْ مِنْ قَبْلِي .
وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ - وَمَعَهُ رَايَتُهُمْ - الْزَمْهَا . فَإِنّهَا مَلَاك الْقَوْمِ فَتَقَدّمَ سَالِمٌ فَحَفَرَ لِرِجْلَيْهِ حَتّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ وَحَفَرَ ثَابِتٌ لِرِجْلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ لَزَمَا رَايَتَهُمَا .
وَلَقَدْ كَانَ النّاسُ يَتَفَرّقُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَإِنّ سَالِمًا وَثَابِتًا لَقَائِمَانِ حَتّى قُتِلَ سَالِمٌ وَقُتِلَ أَبُو حُذَيْفَةَ مَوْلَاهُ . قَالَ وَحْشِيّ بْنُ حَرْبٍ اقْتَتَلْنَا قِتَالًا شَدِيدًا ، حَتّى رَأَيْت شُهُبَ النّارِ تَخْرَجُ مِنْ خِلَالِ السّيُوفِ حَتّى سَمِعْت لَهَا صَوْتًا كَالْأَجْرَاسِ .
وَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَازِنِيّ - وَذَكَرَ رِدّةَ بَنِي حَنِيفَةَ - لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوّا أَشَدّ نِكَايَةً مِنْهُمْ لَقُوهُمْ بِالْمَوْتِ النّاقِعِ وَالسّيُوفِ قَدْ أَصْلَتُوهَا قَبْلَ النّبْلِ وَقَبْلَ الرّمَاحِ . فَكَانَ الْمِعْوَلُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِ السّوَابِقِ .
وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْس ٍ يَوْمَئِذٍ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، اللّهَ اللّهَ فِي دِينِكُمْ عَلّمْنَا هَؤُلَاءِ أَمْرًا مَا كُنّا نَحْسِبُهُ . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقُلْ أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَصْنَعُونَ .
ثُمّ قَالَ خَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَخْلِصُونَا . فَأَخْلَصَتْ الْأَنْصَارُ . فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ نَاهِيَةٌ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مُحَكّمِ بْنِ طُفَيْلٍ فَقَتَلُوهُ . ثُمّ انْتَهَوْا إلَى الْحَدِيقَةِ فَدَخَلُوهَا ، فَقَاتَلُوا أَشَدّ الْقِتَالِ حَتّى اخْتَلَطُوا فِيهَا ، ثُمّ صَاحَ ثَابِتٌ صَيْحَةً يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَأَوْفَى عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ عَلَى نَشَزٍ . فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَنَا عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ يَا لَلْأَنْصَارِ . أَنَا عَبّادٌ إلَيّ إلَيّ . فَأَجَابُوا لَبّيْكَ لَبّيْكَ حَتّى تَوَافَوْا عِنْدَهُ . فَقَالَ فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمّي ، حَطّمُوا جُفُونَ السّيُوفِ . ثُمّ حَطّمَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ . وَحَطّمَتْ <192> الْأَنْصَارُ جُفُونَ سُيُوفِهَا . ثُمّ قَالَ حَمْلَةٌ صَادِقَةٌ اتّبَعُونِي . فَخَرَجَ أَمَامَهُمْ حَتّى سَاقُوا بَنِي حَنِيفَةَ مُنْهَزِمِينَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى الْحَدِيقَةِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِمْ . ثُمّ إنّ اللّهَ فَتَحَ الْحَدِيقَةَ فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي ّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا الْحَدِيقَةَ حِينَ جَاءَ وَقْتُ الظّهْرِ وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ فَأَمَرَ خَالِدٌ الْمُؤَذّنَ فَأَذّنَ عَلَى جِدَارِ الْحَدِيقَةِ بِالظّهْرِ . وَالْقَوْمُ مُقْبِلُونَ عَلَى الْقَتْلِ حَتّى انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ بَعْدَ الْعَصْرِ . فَصَلّى بِنَا خَالِدٌ الظّهْرَ وَالْعَصْرَ
ثُمّ بَعَثَ السّقَاةَ يَطُوفُونَ عَلَى الْقَتْلَى . فَطُفْت مَعَهُمْ . فَمَرَرْت بِعَامِرِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ بِهِ جَرّاحٍ فَسَقَيْت عَامِرًا . فَقَالَ الْحَنَفِيّ : اسْقِنِي فَدَى لَك أَبِي وَأُمّي . فَقُلْت : لَا ، وَلَا كَرَامَةَ وَلَكِنْ أُجْهِزُ عَلَيْك . قَالَ أَحْسَنْت ، أَسْأَلُك مَسْأَلَةً لَا شَيْءَ عَلَيْك فِيهَا . قُلْت : مَا هِيَ ؟ قَالَ أَبُو ثُمَامَةَ مَا فَعَلَ ؟ قُلْت ، وَاَللّهِ قُتِلَ قَالَ نَبِيّ ضَيّعَهُ قَوْمُهُ
وَلَمّا قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَكَانَتْ لَهُمْ أَيْضًا فِي الْمُسْلِمِينَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً قَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقِيلَ لَا تُغْمِدُوا السّيُوفَ وَفِينَا وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ . وَكَانَ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ .
فَلَمّا أَمْسَى مَجَاعَةُ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ لَيْلًا : أَنْ الْبَسُوا السّلَاحَ وَالذّرّيّةَ ثُمّ إذَا أَصْبَحْتُمْ فَقُومُوا مُسْتَقْبِلِي الشّمْسِ عَلَى حُصُونِكُمْ حَتّى يَأْتِيَكُمْ أَمْرِي . وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يَدْفِنُونَ قَتْلَاهُمْ . فَلَمّا فَرَغُوا ، جَعَلُوا يَتَكَمّدُونَ بِالنّارِ مِنْ الْجِرَاحِ .
فَلَمّا أَصْبَحُوا مَرّ خَالِدٌ فَسِيقَ مَجَاعَةُ فِي الْحَدِيدِ يَعْرِفُهُمْ الْقَتْلَى فَمَرّ بِرَجُلِ وَسِيمٍ فَقَالَ يَا مَجَاعَةُ أَهُوَ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا أَكْرَمُ مِنْهُ هَذَا مُحَكّمُ بْنُ الطّفَيْلِ . إنّ الّذِي تَبْتَغُونَ لَرَجُلٌ أُصَيْفِرٌ أُخَيْنِسٌ . فَوَجَدُوهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ خَالِدٌ . فَحَمِدَ اللّهُ كَثِيرًا ، وَأُمِرَ بِهِ فَأُلْقِيَ فِي الْبِئْرِ الّتِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا .
وَكَانَ خَالِدٌ يَرَى أَنّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا مَنْ لَا عَتَادَ عِنْدَهُ . فَقَالَ يَا مَجَاعَةُ هَذَا صَاحِبُكُمْ الّذِي فَعَلَ بِكُمْ الْأَفَاعِيلَ . مَا رَأَيْت عُقُولًا أَضْعَفَ مِنْ عُقُولِ أَصْحَابِك ، مِثْلُ هَذَا فَعَلَ بِكُمْ مَا فَعَلَ ؟ .
فَقَالَ مَجَاعَةُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَلَا تَظُنّ أَنّ الْحَرْبَ انْقَطَعَتْ وَإِنْ قَتَلْته . إنّ <193> جَمَاعَةً مِنْ النّاسِ وَأَهْلَ الْبُيُوتَاتِ لَفِي الْحُصُونِ فَانْظُرْ . فَرَفَعَ خَالِدٌ رَأْسَهُ . فَإِذَا السّلَاحُ وَالْخَلْقُ الْكَثِيرُ عَلَى الْحُصُونِ فَرَأَى أَمْرًا غَمّهُ ثُمّ اسْتَنَدَ سَاعَةً . ثُمّ أَدْرَكَتْهُ الرّجُولَةُ . فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ يَا خَيْلَ اللّهِ ارْكَبِي . يَا صَاحِبَ الرّايَةِ قَدّمْهَا .
فَقَالَ مَجَاعَةُ إنّي لَك نَاصِحٌ . وَإِنّ السّيْفَ قَدْ أَفْنَاك . فَتَعَالَ أُصَالِحُك عَنْ قَوْمِي . وَقَدْ أَحَلّ بِخَالِدِ مُصَابُ أَهْلِ السّابِقَةِ وَمَنْ كَانَ يُعْرَفُ عِنْدَهُ الْغِنَاءُ . فَقَدْ رَقّ وَأَحَبّ الْمُوَادَعَةَ مَعَ عَجَفِ الْكُرَاعِ .
فَاصْطَلَحُوا عَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ وَنِصْفِ السّبْيِ .
ثُمّ قَالَ مَجَاعَةُ إنّي آتِ الْقَوْمَ فَعَارِضٌ عَلَيْهِمْ مَا صَنَعْت . قَالَ فَانْطَلَقَ . فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ . فَأَخْبَرَهُ أَنّهُمْ أَجَازُوهُ .
فَلَمّا بَانَ لِخَالِدِ أَنّمَا هُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ قَالَ وَيْلَك يَا مَجَاعَةُ خَدَعْتنِي . قَالَ قَوْمِي ، فَمَا أَصْنَعُ ؟ وَمَا وَجَدْت مِنْ ذَلِكَ بُدّا .
وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَغَيْرُهُ لِخَالِدِ اتّقِ اللّهَ وَلَا تَقْبَلْ الصّلْحَ . فَقَالَ إنّهُ قَدْ أَفْنَاكُمْ السّيْفُ . قَالُوا : وَأَفْنَى غَيْرَنَا أَيْضًا . قَالَ وَمَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ جَرِيحٌ . قَالُوا : وَمَنْ بَقِيَ مِنْ الْقَوْمِ جَرْحَى ، لَا نَدْخُلُ فِي الصّلْحِ أَبَدًا . اُغْدُ بِنَا عَلَيْهِمْ حَتّى يُظْفِرَنَا اللّهُ بِهِمْ أَوْ نَبِيدَ عَنْ آخِرِنَا . احْمِلْنَا عَلَى كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ إنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَقْطُرُ الدّمَ وَفِيهِ إنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَلَا تَسْتَبِقْ رَجُلًا مَرّتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى
فَتَكَلّمَتْ الْأَنْصَارُ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا : أَمْرُ أَبِي بَكْرٍ فَوْقَ أَمْرِك .
فَقَالَ إنّي وَاَللّهِ مَا ابْتَغَيْت فِي ذَلِكَ إلّا الّذِي هُوَ خَيْرٌ . رَأَيْت أَهْلَ السّابِقَةِ وَأَهْلَ الْقُرْآنِ قَدْ قُتِلُوا . وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إلّا مَنْ لَا بَقَاءَ لَهُ عَلَى السّيْفِ لَوْ لَجّ عَلَيْهِمْ فَقَبِلْت الصّلْحَ مَعَ أَنّهُمْ قَدْ أَظَهَرُوا الْإِسْلَامَ وَاتّقُوا بِالرّاحِ .
وَتَمّ الصّلْحُ . وَكَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ يَعْتَذِرُ إلَيْهِ .
فَتَكَلّمَ عُمَرُ فِي شَأْنِ خَالِدٍ بِكَلَامِ غَلِيظٍ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ دَعْ عَنْك هَذَا . فَقَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَيْتَهُ حَمَلَهُمْ عَلَى السّيْفِ . فَلَنْ يَزَالُوا مِنْ كُذّابِهِمْ فِي <194> بِلَيّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا أَنْ يَعْصِمَهُمْ اللّهُ .
وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ .
وَذَكَرَ عُمَرُ يَوْمًا وَقْعَةَ الْيَمَامَةِ ، وَمَنْ قُتِلَ فِيهَا مِنْ أَهْلِ السّابِقَةِ . فَقَالَ أَلَحّتْ السّيُوفُ عَلَى أَهْلِ السّوَابِقِ وَلَمْ يَكُنْ الْمِعْوَلُ يَوْمَئِذٍ إلّا عَلَيْهِمْ . خَافُوا عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ يُكْسَرَ بَابُهُ فَيَدْخُلُ مِنْهُ إنْ ظَهَرَ مُسَيْلِمَةُ . فَمَنَعَ اللّهُ الْإِسْلَامَ بِهِمْ حَتّى قَتَلَ عَدُوّهُ . وَأَظْهَرَ كَلِمَتَهُ وَقَدِمُوا - رَحِمَهُمْ اللّهُ - عَلَى مَا يُسَرّونَ بِهِ مِنْ ثَوَابِ جِهَادِهِمْ مِنْ كَذِبٍ عَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ . فَاسْتَحَرّ بِهِمْ الْقَتْلَ . فَرَحِمَ اللّهُ تِلْكَ الْوُجُوهَ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَالزّهْرِيّ : قُتِلَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ آلَافٍ وَكَانَ دَاؤُهُمْ خَبِيثًا ، وَالطّارِي مِنْهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ عَظِيمًا . فَاسْتَأْصَلَ اللّهُ شَأْفَتَهُمْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . ذِكْرُ رِدّةِ بَنِي سُلَيْمٍ ذِكْرُ الْوَاقِدِيّ - مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَرْجَاءِ السّلَيْمِيّ . وَكَانَ عَالِمًا بِرَدّةِ قَوْمِهِ - قَالَ أَهْدَى مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ غَسّانَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَطِيمَةً فِيهَا مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَخَيْلٌ . فَخَرَجَتْ بِهَا الرّسُلُ حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ بَلَغَتْهُمْ وَفَاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَتَشَجّعَ بَعْضُ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى أَخْذِهَا وَالرّدّةِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ إنْ كَانَ مُحَمّدٌ قَدْ مَاتَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . فَانْتَهَبَ الّذِينَ ارْتَدّوا مِنْهُمْ اللّطِيمَةَ .
فَلَمّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى مَعْنِ بْنِ حَاجِرٍ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . وَكَانَ قَدْ قَامَ فِي ذَلِكَ قِيَامًا حَسَنًا ، ذِكْرُ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَكّرَ النّاسَ مَا قَالَ اللّهُ لِنَبِيّهِ ( 39 : 30 ) إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مَيّتُونَ وَقَالَ ( 3 : 144 ) وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ مَعَ آيٍ مِنْ كِتَابِ اللّهِ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ بِشْرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . وَانْحَازَ أَهْلُ الرّدّةِ مِنْهُمْ فَجَعَلُوا يُغِيرُونَ عَلَى النّاسِ . قَتْلُ الْفُجَاءَةِ وَتَحْرِيفُهُ <195> فَلَمّا بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يُوَجّهَ خَالِدًا ، كَتَبَ إلَى مَعْنٍ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ ، وَيَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِهِ أَخَاهُ طُرَيْفَةَ بْنَ حَاجِرٍ فَفَعَلَ . وَأَقَامَ طُرَيْفَةُ يُكَالِبُ مَنْ ارْتَدّ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ قَدِمَ الْفُجَاءَةَ - وَاسْمُهُ إيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ يَالَيْلَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ . فَقَالَ إنّي مُسْلِمٌ وَقَدْ أَرَدْت جِهَادَ مَنْ ارْتَدّ فَاحْمِلْنِي ، فَلَوْ كَانَ عِنْدِي قُوّةٌ لَمْ أَقْدَمْ عَلَيْك .
فَسُرّ أَبُو بَكْرٍ بِمَقْدِمِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى ثَلَاثِينَ بَعِيرًا . وَأَعْطَاهُ سِلَاحًا . فَخَرَجَ يَسْتَعْرِضُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ يَقْتُلُهُمْ وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ . وَيُصِيبُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمْ . وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الشّرِيدِ . يُقَالُ لَهُ نُجْبَةُ بْنُ أَبِي الْمَيْثَاءِ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الرّدّةِ . فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْر ٍ خَبَرُهُ كَتَبَ إلَى طُرَيْفَةَ بْنِ حَاجِرٍ .
| |
|
| |
طالبة الفردوس عضو جديد
تاريخ التسجيل : 24/05/2012 تاريخ الميلاد : 17/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 0 نقاط : 0 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة مايو 25, 2012 4:09 am | |
| بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . مِنْ أَبِي بَكْر ٍ إلَى طُرَيْفَةَ سَلَامٌ عَلَيْك . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ عَدُوّ اللّهِ الْفُجَاءَةَ أَتَانِي . فَزَعَمَ أَنّهُ مُسْلِمٌ وَسَأَلَنِي : أَنْ أُقَوّيَهُ عَلَى قِتَالِ مَنْ ارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ . فَحَمَلَتْهُ وَسَلّحَتْهُ وَقَدْ انْتَهَى إلَيّ مِنْ يَقِينِ الْخَبَرِ أَنّ عَدُوّ اللّهِ قَدْ اسْتَعْرَضَ النّاسَ الْمُسْلِمُ وَالْمُرْتَدّ ، يَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ وَيَقْتُل مَنْ خَالَفَهُ مِنْهُمْ . فَسِرْ إلَيْهِ بِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى تَقْتُلَهُ أَوْ تَأْخُذَهُ . فَتَأْتِيَنِي بِهِ
فَقَرَأَ طُرَيْفَةُ الْكِتَابَ عَلَى قَوْمِهِ . فَحَشَدُوا إلَى الْفُجَاءَةِ . فَقَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُثَنّى ، فَقُتِلَ نُجْبَةُ وَهَرَبَ مِنْهُ إلَى الْفُجَاءَةِ . ثُمّ زَحَفَ طُرَيْفَةُ إلَى الْفُجَاءَةِ فَتَصَادَمَا . فَلَمّا رَأَى الْفُجَاءَةُ الْخَلَلَ فِي أَصْحَابِهِ قَالَ يَا طُرَيْفَةُ وَاَللّهِ مَا كَفَرْت . وَإِنّي لَمُسْلِمٌ . وَمَا أَنْتَ بِأَوْلَى بِأَبِي بَكْرٍ مِنّي ، أَنْتَ أَمِيرُهُ وَأَنَا أَمِيرُهُ . قَالَ طُرَيْفَةُ هَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ إلَيّ . فَقَالَ الْفُجَاءَةُ سَمْعًا وَطَاعَةً . فَبَعَثَ بِهِ فِي جَامِعَتِهِ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . فَأَرْسَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ إلَى بَنِي جُشَمٍ فَحَرَقَتْهُ بِالنّارِ .
وَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْر ٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قَبِيصَةُ - أَحَدُ بَنِي الظّرْبَانِ - فَذَكَرَ أَنّهُ مُسْلِمٌ . وَلَمْ يَرْتَدّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِمَنْ مَعَهُ مَنْ ارْتَدّ فَرَجَعَ قَبِيصَةُ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ . فَخَرَجَ يَتّبِعُ بِهِمْ أَهْلَ الرّدّةِ ، يَقْتُلُهُمْ حَيْثُ وَجَدَهُمْ حَتّى مَرّ بِبَيْتِ حَمِيضَةَ بْنِ الْحَكَمِ الشّرِيدِيّ . فَوَجَدَهُ غَائِبًا يَجْمَعُ أَهْلَ الرّدّةِ . وَوَجَدَ جَارًا لَهُ مُرْتَدّا . فَقَتَلَهُ وَاسْتَاقَ مَالَهُ .
<196> فَلَمّا أَتَى حَمِيضَةَ أَخْبَرَهُ أَهْلُهُ بِخَبَرِ جَارِهِ . فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ . فَأَدْرَكَهُمْ . فَقَالَ قَبِيصَةُ : قَتَلْت جَارِي ؟ فَقَالَ إنّ جَارَك ارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ .
فَقَالَ أَمِنْ بَيْنِ مَنْ كَفَرَ تَعْدُو عَلَى جَارٍ لَجَأَ إلَيّ لِأَمْنَعَهُ ؟ .
فَقَالَ قَبِيصَةُ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ . فَطَعَنَهُ حَمِيضَةُ بِالرّمْحِ . فَوَقَعَ عَنْ بَعِيرِهِ ثُمّ قَتَلَهُ . وَكَانَ قَبِيصَةُ قَدْ فَرّقَ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ حَمِيضَةُ . وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى خَالِدٍ إنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِبَنِي حَنِيفَةَ فَأَقِلّ اللّبْثَ فِيهِمْ حَتّى تَنْحَدِرَ إلَى بَنِي سُلَيْمٍ ، فَتَطَأَهُمْ وَطْأَةً يَعْرِفُونَ بِهَا مَا مَنَعُوا . فَإِنّهُ لَيْسَ بَطْنٌ مِنْ الْعَرَبِ أَنَا أَغْيَظُ عَلَيْهِ مِنّي عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَظْفَرَك اللّهُ بِهِمْ فَلَا آلُوك فِيهِمْ أَنْ تُحَرّقَهُمْ بِالنّارِ وَهَوّلْ فِيهِمْ الْقَتْلَ حَتّى يَكُونَ نَكَالًا لَهُمْ
وَسَمِعْت بَنُو سُلَيْمٍ بِإِقْبَالِ خَالِدٍ . فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ . وَاسْتَجْلَبُوا مَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَرَبِ ، مُرْتَدّا وَكَانَ الّذِي جَمَعَهُمْ أَبُو شَجَرَةَ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى . فَانْتَهَى خَالِدٌ إلَى جَمْعِهِمْ مَعَ الصّبْحِ . فَصَاحَ خَالِدٌ فِي أَصْحَابِهِ وَأَمَرَهُمْ بِلُبْسِ السّلَاحِ . ثُمّ صَفّهُمْ . وَصَفّتْ بَنُو سُلَيْمٍ . وَقَدْ كَلّ الْمُسْلِمُونَ وَعَجَفَ كُرَاعُهُمْ وَخُفّهُمْ . وَجَعَلَ خَالِدٌ يَلِي الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ حَتّى أَثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلَ . ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَمَلَةً وَاحِدَةً فَانْهَزَمُوا . وَأُسِرَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ . ثُمّ حَظّرَ لَهُمْ الْحَظَائِرَ وَحَرّقَهُمْ فِيهَا .
وَجُرِحَ أَبُو شَجَرَةَ يَوْمَئِذٍ فِي الْمُسْلِمِينَ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةً . وَقَالَ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا ، مِنْهَا .
فَرَوَيْت رُمْحِي مِنْ كَتِيبَةِ خَالِدٍ وَإِنّي لَأَرْجُو بَعْدَهَا أَنّ أَعْمَرَا
ثُمّ أَسْلَمَ . وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ . وَيَجْحَدُ أَنْ يَكُونَ قَالَ الْبَيْتَ الْمُتَقَدّمَ . فَلَمّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِصَعِيدِ بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمّ أَتَى عُمَرَ - وَهُوَ يُقَسّمُ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ - فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِنِي . فَإِنّي ذُو حَاجَةٍ . فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا أَبُو شَجَرَةَ . قَالَ يَا عَدُوّ اللّهِ أَلَسْت الّذِي تَقُولُ فَرَوَيْت رُمْحِي - الْبَيْتَ ؟ عُمْرُ سُوءٍ . وَاَللّهِ مَا عِشْت لَك يَا خَبِيثُ . ثُمّ جَعَلَ يَعْلُوهُ بِالدّرّةِ عَلَى رَأْسِهِ حَتّى سَبَقَهُ عَدْوًا ، وَعُمَرُ فِي طَلَبِهِ حَتّى أَتَى رَاحِلَتَهُ فَارْتَحَلَهَا . ثُمّ اشْتَدّ بِهَا فِي حَرّةِ شُوزَانَ فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْرَبَ عُمَرَ حَتّى تُوُفّيَ <197> وَكَانَ إسْلَامُهُ لَا بَأْسَ بِهِ . وَكَانَ إذَا ذَكَرَ عُمَرَ تَرَحّمَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَهْيَبَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . ذِكْرُ رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ : لَمّا ارْتَدّتْ الْعَرَبُ - بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ كِسْرَى : مَنْ يَكْفِينِي أَمْرَ الْعَرَبِ ؟ فَقَدْ مَاتَ صَاحِبُهُمْ وَهُمْ الْآنَ يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ إلّا أَنْ يُرِيدَ اللّهُ بَقَاءَ مُلْكِهِمْ فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى أَفْضَلِهِمْ .
قَالُوا : نَدُلّك عَلَى أَكْمَلِ الرّجَالِ مُخَارِقِ بْنِ النّعْمَانِ لَيْسَ فِي النّاسِ مِثْلَهُ . وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ دَانَتْ لَهُمْ الْعَرَبُ ، وَهَؤُلَاءِ جِيرَانُك ، بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ .
فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ . وَأَخَذَ مِنْهُمْ سِتّمِائَةٍ الْأَشْرَفَ فَالْأَشْرَفَ .
وَارْتَدّ أَهْلُ هَجْرٍ عَنْ الْإِسْلَامِ . فَقَامَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلّى فِي قَوْمِهِ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ ؟ وَإِنّي لَمْ آتِكُمْ قَطّ إلّا بِخَيْرِ وَإِنّ اللّهَ تَعَالَى بَعَثَ نَبِيّهُ وَنَعَى لَهُ نَفْسَهُ فَقَالَ إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مَيّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ - الْآيَةَ .
وَفِي لَفْظٍ أَنّهُ قَالَ مَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى مُوسَى ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ . قَالَ فَمَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى عِيسَى ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . عَاشَ كَمَا عَاشُوا ، وَمَاتَ كَمَا مَاتُوا . وَأَتَحَمّلُ شَهَادَةَ مَنْ أَبَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ . فَلَمْ يَرْتَدّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ أَحَدٌ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ . وَعَزَلَ الْعَلَاءَ ابْنَ الْحَضْرَمِيّ . فَقَالَ أَبْلِغُونِي مَأْمَنِي فَأَشْهَدُ أَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْيَا بِحَيَاتِهِمْ وَأَمُوتُ بِمَوْتِهِمْ .
فَقَالُوا : لَا تَفْعَلْ فَأَنْتَ أَعَزّ النّاسِ عَلَيْنَا ، وَهَذَا عَلَيْنَا وَعَلَيْك فِيهِ مَقَالَةٌ يُقَالُ فَرّ مِنْ الْقِتَالِ . فَأَبَى . وَانْطَلَقَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ يُبَلّغُونَهُ الْمَدِينَةَ . فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَلَا ثَبَتّ مَعَ قَوْمٍ لَمْ يُبَدّلُوا وَلَمْ يَرْتَدّوا ؟ .
فَقَالَ مَا كُنْت لِأَعْمَلَ لِأَحَدِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
<198> فَدَعَا أَبُو بَكْرٍ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ . فَبَعَثَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ فِي سِتّةَ عَشَرَ رَاكِبًا ، وَقَالَ امْضِ فَإِنّ أَمَامَك عَبْدُ الْقَيْسِ فَسَارَ . وَمَرّ بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ فَأَمَدّهُ بِرِجَالِ مِنْ قَوْمِهِ بَنِي سُحَيْمٍ ثُمّ لَحِقَ بِهِ .
فَنَزَلَ الْعَلَاءُ بِحِصْنِ يُقَالُ لَهُ جُوَاثَى ، وَكَانَ مُخَارِقٌ قَدْ نَزَلَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ بَكْرِ ابْنِ وَائِلٍ حِصْنُ الْمُشَقّرِ - حِصْنٌ عَظِيمٌ لِعَبْدِ الْقَيْسِ - فَسَارَ إلَيْهِمْ الْعَلَاءُ فِيمَنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ . فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، حَتّى كَثُرَ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ وَالْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلّى بِالْخَطّ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى الْعَلَاءِ .
وَبَعَثَ مُخَارِقٌ الْحَطَمَ بْنَ شُرَيْحٍ - أَحَدَ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ - مَرْزُبَانُ الْخَطّ يَسْتَمِدّهُ فَأَمَدّهُ بِالْأَسَاوِرَةِ . فَنَزَلَ الْحَطَمُ رَدْمَ الْقِدَاحِ - وَكَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ حَتّى يَرَى هَجْرًا - وَأَخَذَ الْمَرْزُبَانُ الْجَارُودَ رَهِينَةً عِنْدَهُ .
وَسَارَ الْحَطَمُ وَأَبْجَرُ الْعِجْلِيّ حَتّى حَصَرُوا الْعَلَاءَ بِجُوَاثَى . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حذف ، وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ رَسُولًا وَسُكّانُ الْمَدِينَةِ أَجْمَعِينَا فَهَلْ لَكُمُو إلَى نَفَرٍ يَسِيرٍ قُعُودٍ فِي جُوَاثَى مُحْصَرِينَا كَأَنّ دِمَاءَهُمْ فِي كُلّ فَجّ شُعَاعَ الشّمْسِ يَغْشَى النّاظِرِينَا تَوَكّلْنَا عَلَى الرّحْمَنِ إنّا وَجَدْنَا النّصْرَ للمتوكلينا
فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ مَحْصُورِينَ .
فَسَمِعَ الْعَلَاءُ وَأَصْحَابُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ لَغَطًا فِي الْعَسْكَرِ فَقَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَمْرَهُمْ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حذف : أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ عِلْمَهُمْ فَدَلّوهُ بِحَبْلِ . فَأَقْبَلَ حَتّى يَدْخُلَ عَلَى أَبْجَرَ الْعِجْلِيّ - وَأُمّهُ مِنْهُمْ - قَالَ مَا جَاءَ بِك ؟ لَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا .
قَالَ جَاءَ بِي الضّرّ وَالْجُوعُ وَأَرَدْت اللّحَاقَ بِأَهْلِي ، فَزَوّدَنِي . فَقَالَ أَفْعَلُ عَلَى أَنّي أَظُنّك وَاَللّهِ غَيْرَ ذَلِكَ . بِئْسَ ابْنُ الْأُخْتِ أَنْتَ سَائِرٌ اللّيْلَةَ . فَزَوّدَهُ وَأَعْطَاهُ نَعْلَيْنِ . وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ وَخَرَجَ حَتّى بَرَزَ . فَمَضَى كَأَنّهُ لَا يُرِيدُ الْحِصْنَ حَتّى أَبْعَدَ . ثُمّ عَطَفَ . فَأَخَذَ بِالْحَبْلِ فَصَعِدَ .
<199> فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ تَرَكْتهمْ سُكَارَى ، وَقَدْ نَزَلَ بِهِمْ تُجّارٌ مَعَهُمْ خَمْرٌ فَاشْتَرَوْا مِنْهُمْ . فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِهِمْ حَاجَةٌ فَاللّيْلَةَ .
فَنَزَلُوا إلَيْهِمْ . فَبَيّتُوهُمْ فَقَتَلُوهُمْ . فَلَمْ يَفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ .
وَوَثَبَ الْحَطَمُ فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرّكَابَاتِ وَجَعَلَ يَقُولُ مَنْ يَحْمِلُنِي ؟ فَسَمِعَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حذف . فَأَقْبَلَ يَقُولُ أَبَا ضُبَيْعَةَ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ أَنَا أَحْمِلُك ، فَلَمّا دَنَا مِنْهُ قَتَلَهُ . وَقُطِعَتْ رِجْلُ أَبْجَرَ الْعِجْلِيّ . فَمَاتَ مِنْهَا .
وَانْهَزَمَ فَلّهُمْ فَاعْتَصَمُوا بِمَفْرُوقِ الشّيْبَانِيّ .
ثُمّ سَارَ الْعَلَاءُ إلَى مَدِينَةِ دَارِينَ فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، وَضَيّقَ عَلَيْهِمْ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ مُخَارِقٌ وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا : إنْ خَلَوْا عَنّا رَجَعْنَا مِنْ حَيْثُ جِئْنَا .
فَشَاوَرَ الْعَلَاءُ أَصْحَابَهُ فَأَشَارُوا بِتَخْلِيَتِهِمْ . فَخَرَجُوا فَلَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ . وَطَلَبَ أَهْلُ دَارِينَ الصّلْحَ . فَصَالَحَهُمْ الْعَلَاءُ عَلَى ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَا كَانَ خَارِجًا مِنْهَا فَهُوَ لَهُ .
وَطَفِقَتْ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ تُنَادِي : يَا عَبْدَ الْقَيْسِ أَتَاكُمْ مَفْرُوقٌ فِي جَمَاعَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حذف :
لَا تُوعِدُونَا بِمَفْرُوقِ وَأُسْرَتِهِ إنْ يَأْتِنَا يَلْقَ مِنّا الْحَطَمَ فَالنّخْلُ ظَاهِرُهَا خَيْلٌ . وَبَاطِنُهَا خَيْلٌ تَكَدّسَ بِالْفُرْسَانِ فِي النّعَمِ وَإِنّ ذَا الْحَيّ مِنْ بَكْرٍ وَإِنْ كَثُرُوا لَأُمّةٌ دَاخِلُونَ النّارَ فِي أُمَمِ
ثُمّ سَارَ الْعَلَاءُ إلَى الْخَطّ ، حَتّى نَزَلَ إلَى السّاحِلِ فَجَاءَهُ نَصْرَانِيّ ، فَقَالَ مَا لِي إنْ دَلَلْتُك عَلَى مَخَاضَةٍ تَخُوضُ مِنْهَا الْخَيْلُ إلَى دَارِينَ ؟ قَالَ وَمَا تَسْأَلُنِي ؟ قَالَ أَهْلَ بَيْتٍ بِدَارِينَ قَالَ . هُمْ لَك . فَخَاضَ بِهِ . فَظَفَرَ بِهِمْ عَنْوَةً وَسَبَى أَهْلَهَا .
وَقِيلَ حَبَسَ لَهُمْ الْبَحْرَ خَاضُوهُ وَكَانَتْ تَجْرِي فِيهِ السّفُنُ قَبْلُ . ثُمّ جَرَتْ بَعْدُ . <200> وَيُرْوَى : أَنّ الْعَلَاءَ وَأَصْحَابَهُ جَأَرُوا إلَى اللّهِ وَتَضَرّعُوا إلَيْهِ فِي حَبْسِ الْبَحْرِ فَأَجَابَ اللّهُ دُعَاءَهُمْ . وَكَانَ دُعَاؤُهُمْ " يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ . يَا كَرِيمُ يَا حَلِيمُ يَا أَحَدُ ، يَا صَمَدُ يَا حَيّ ، يَا مُحْيِي الْمَوْتَى ، يَا حَيّ يَا قَيّومُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ يَا رَبّنَا " فَأَجَازُوا ذَلِكَ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللّهِ جَمِيعًا يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ . فَقَالَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي ذَلِكَ
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ ذَلّلَ بَحْرَهُ وَأَنْزَلَ بِالْكُفّارِ إحْدَى الْجَلَائِلِ ؟ دَعُونَا الّذِي شَقّ الْبِحَارَ . فَجَاءَنَا بِأَعْظَمَ مِنْ فَلَقِ الْبِحَارِ الْأَوَائِلِ
وَلَمّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الرّدّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ ، صَالَحُوا عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ هَجْرٍ .
وَلَمّا ظَهَرَ الْعَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الرّدّةِ وَالْمَجُوسِ : بَعَثَ رِجَالًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَنَزَلُوا عَلَى طَلْحَةَ وَالزّبَيْرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا . وَأَخْبَرُوهُمَا بِقِيَامِهِمْ فِي أَهْلِ الرّدّةِ . ثُمّ دَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَحَضَرَ طَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ . فَقَالُوا : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ إنّا قَوْمٌ أَهْلُ إسْلَامٍ . وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ رِضَاك وَنَحْنُ نُحِبّ أَنْ تُعْطِيَنَا أَرْضًا مِنْ الْبَحْرِ وَطَوَاحِينَ . وَكَلّمَهُ فِي ذَلِكَ طَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ فَأَجَابَ .
وَقَالُوا : اُكْتُبْ لَنَا كِتَابًا ، فَكَتَبَ . فَانْطَلَقُوا بِالْكِتَابِ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَلَمّا قَرَأَهُ تَفَلَ فِي الْكِتَابِ وَمَحَاهُ . وَدَخَلَ طَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا نَدْرِي ، أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ عُمَرُ ؟ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا ذَاكَ ؟ فَأَخْبَرُوهُ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَئِنْ كَانَ عُمَرُ كَرِهَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنّي لَا أَفْعَلُهُ .
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَ عُمَرُ . فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ مَا كَرِهْت مِنْ هَذَا ؟ قَالَ كَرِهْت أَنْ تُعْطِيَ الْخَاصّةَ دُونَ الْعَامّةِ . وَأَنْتَ تُقْسِمُ عَلَى النّاسِ فَتَأْبَى أَنْ تَفْضُلَ أَهْلَ السّابِقَةِ وَتُعْطِي هَؤُلَاءِ قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفًا دُونَ النّاسِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَفّقَك اللّهُ وَجَزَاك خَيْرًا . هَذَا هُوَ الْحَقّ . ذِكْرُ رِدّةِ أَهْلِ دَبَا وَأَزْدِ عُمَانَ <201> وَذَلِك : أَنّهُمْ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْلِمِينَ . فَبَعَثَ إلَيْهِمْ مُصْدِقًا يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْبَارِقِيّ ، ثُمّ الْأَزْدِيّ . مِنْ أَهْلِ دَبَا . وَأَمَرَهُ " أَنْ يَأْخُذَ الصّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ . وَيَرُدّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ " فَفَعَلَ ذَلِك حُذَيْفَةُ .
فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنَعُوا الصّدَقَةَ وَارْتَدّوا . فَدَعَاهُمْ حُذَيْفَةُ إلَى التّوْبَةِ . فَأَبَوْا . وَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ
لَقَدْ أَتَانَا خَبَرٌ رَدِيّ أَمْسَتْ قُرَيْشٌ كُلّهَا نَبِيّ
ظُلْمٌ لَعَمْرِ اللّهِ عَبْقَرِيّ
فَكَتَبَ حُذَيْفَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَمْرِهِمْ . فَاغْتَاظَ غَيْظًا شَدِيدًا ، وَقَالَ " مَنْ لِهَؤُلَاءِ ؟ وَيْلٌ لَهُمْ " .
ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ - وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى سُفْلِي بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ مُصْدِقًا - فَلَمّا بَلَغَتْهُ وَفَاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْحَازَ إلَى تُبَالَةَ فِي أُنَاسٍ مِنْ الْعَرَبِ ، ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ . وَكَانَ مُقِيمًا بِتُبَالَةَ فِي أَرْضِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ .
فَجَاءَهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ " سِرْ فِيمَنْ قِبَلَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَهْلِ دَبَا " .
فَسَارَ عِكْرِمَةُ فِي نَحْوِ أَلْفَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَكَانَ رَأْسُ أَهْلِ الرّدّةِ : لَقِيطَ بْنَ مَالِكٍ الْأَزْدِيّ فَلَمّا بَلَغَهُ مَسِيرُ عِكْرِمَةَ ، بَعَثَ أَلْفَ رَجُلٍ مِنْ الْأَزْدِ يَلْقَوْنَهُ . وَبَلَغَ عِكْرِمَةُ : أَنّهُمْ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ . فَبَعَثَ طَلِيعَةً . وَكَانَ لِلْعَدُوّ أَيْضًا طَلِيعَةٌ . فَالْتَقَتْ الطّلِيعَتَانِ . فَتَنَاوَشُوا سَاعَةً ثُمّ انْكَشَفَ أَصْحَابُ لَقِيطٍ . وَقُتِلَ مِنْهُمْ نَحْوُ مِائَةُ رَجُلٍ . وَبَعَثَ أَصْحَابُ عِكْرِمَةَ فَارِسًا يُخْبِرُهُ . فَأَسْرَعَ عِكْرِمَةُ حَتّى لَحِقَ طَلِيعَتَهُ . ثُمّ زَحَفُوا جَمِيعًا . وَسَارَ عَلَى تَعْبِئَةٍ حَتّى أَدْرَكَ الْقَوْمَ . فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً . ثُمّ هَزَمَهُمْ عِكْرِمَةُ ، وَأَكْثَرَ فِيهِمْ الْقَتْلَ . وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى لَقِيطِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْبَرُوهُ أَنّ عِكْرِمَةَ مُقْبِلٌ .
<202> فَقَوِيَ جَانِبُ حُذَيْفَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَنَاهَضَهُمْ . وَجَاءَ عِكْرِمَةُ . فَقَاتَلَ مَعَهُمْ . فَانْهَزَمَ الْعَدُوّ حَتّى دَخَلُوا مَدِينَةَ دَبَا . فَحَصَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شَهْرًا . وَشَقّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ إذْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ أَخَذُوا لَهُ أُهْبَةً .
فَأَرْسَلُوا إلَى حُذَيْفَةَ . يَسْأَلُونَهُ الصّلْحَ . فَقَالَ لَا ، إلّا بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ . قَالُوا : أَمّا الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا ، فَمَا السّلْمُ الْمُخْزِيَةُ ؟ قَالَ تَشْهَدُونَ أَنّ قَتَلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتَلَاكُمْ فِي النّارِ وَأَنّ كُلّ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْكُمْ فَهُوَ لَنَا ، وَمَا أَخَذْتُمُوهُ فَهُوَ رَدّ لَنَا . وَأَنّا عَلَى حَقّ وَأَنْتُمْ عَلَى بَاطِلٍ وَكُفْرٍ وَنَحْكُمُ فِيكُمْ بِمَا رَأَيْنَا . فَأَقَرّوا بِذَلِكَ .
فَقَالَ اُخْرُجُوا عُزْلًا ، لَا سِلَاحَ مَعَكُمْ فَفَعَلُوا . فَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنَهُمْ . فَقَالَ حُذَيْفَةُ إنّي قَدْ حَكَمْت فِيكُمْ أَنْ أَقْتُلَ أَشْرَافَكُمْ وَأَسْبِيَ ذَرَارِيّكُمْ . فَقَتَلَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ مِائَةَ رَجُلٍ وَسَبَى ذَرَارِيّهُمْ .
وَقَدِمَ حُذَيْفَةُ بِسَبْيِهِمْ الْمَدِينَةَ . وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الذّرّيّةِ وَالنّسَاءِ .
وَأَقَامَ عِكْرِمَةُ بِدَبَا عَامِلًا عَلَيْهَا لِأَبِي بَكْرٍ .
فَلَمّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ بِسَبْيِهِمْ أَنْزَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ دَارَ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ . وَالْقَوْمُ يَقُولُونَ وَاَللّهِ مَا رَجَعْنَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ شَحَحْنَا عَلَى أَمْوَالِنَا ، فَيَأْبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدَعَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ . وَكَلّمَهُ فِيهِمْ عُمَرُ . وَكَانَ الرّأْيُ أَنْ لَا يُسْبَوْا .
فَلَمْ يَزَالُوا مَوْقُوفِينَ فِي دَارِ رَمْلَةَ حَتّى مَاتَ أَبُو بَكْرٍ . فَدَعَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ انْطَلِقُوا إلَى أَيّ بِلَادٍ شِئْتُمْ . فَأَنْتُمْ قَوْمٌ أَحْرَارٌ .
فَخَرَجُوا حَتّى نَزَلُوا الْبَصْرَةَ . وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو صُفْرَةَ - وَالِدُ الْمُلَهّبِ - وَهُوَ غُلَامٌ يَوْمَئِذٍ .
وَلَمّا قَدِمَ غَزْوُ أَهْلِ دَبَا أَعْطَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ . ننن السّنَةُ الثّانِيَةُ عَشْرَةَ مَسِيرُ خَالِدٍ إلَى الْعِرَاقِ <203> وَلَمّا دَخَلَتْ السّنَةُ الثّانِيَةُ مِنْ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهِيَ سَنَةُ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الْهِجْرَةِ كَتَبَ إلَى خَالِدٍ إذَا فَرَغْت مِنْ الْيَمَامَةِ ، فَسِرْ إلَى الْعِرَاقِ ، فَقَدْ وَلّيْتُك حَرْبَ فَارِسَ فَسَارَ إلَيْهِ فِي بِضْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا . فَصَالَحَ أَهْلَ السّوَادِ . ثُمّ سَارَ إلَى الْأُبُلّةِ . وَخَرَجَ كِسْرَى فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا . فَالْتَقَى مَعَ خَالِدٍ فَهَزَمَ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْفُرْسِ . وَكَتَبَ خَالِدٌ إلَى كِسْرَى " أَمّا بَعْدُ فَأَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ، وَإِلّا فَأَدّوا الْجِزْيَةَ وَإِلّا فَقَدْ جِئْتُكُمْ بِقَوْمِ يُحِبّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبّونَ الْحَيَاةَ " فَصَالَحُوهُ . وَفِيهَا حَجّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِالنّاسِ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ
حَوَادِثُ السّنَةِ الثّالِثَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ . فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الْجُنُودَ إلَى الشّامِ . وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَامِرَ بْنَ الْجَرّاحِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسِنَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ . وَنَزَلَتْ الرّومُ بِأَعْلَى فِلَسْطِينَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا . فَكَتَبُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ يُخْبِرُونَهُ وَيَسْتَعْدُونَهُ . فَأَمَرَ خَالِدًا - وَهُوَ بِالْحِيرَةِ - أَنْ يَمُدّ أَهْلَ الشّامِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْقُوّةِ وَيَسْتَخْلِفَ عَلَى ضَعَفَةِ النّاسِ رَجُلًا مِنْهُمْ . فَسَارَ خَالِدٌ بِأَهْلِ الْقُوّةِ وَرَدّ الضّعَفَةَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِالْعِرَاقِ الْمُثَنّى بْنَ حَارِثَةَ . وَسَارَ حَتّى وَصَلَ إلَى الشّامِ ، فَفَتَحُوا بُصْرَى . وَهِيَ أَوّلُ مَدِينَةٍ فُتِحَتْ . ثُمّ اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الرّومِ ، فَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى أَجْنَادِينَ ، فَكَانَتْ الْوَقْعَةَ الْمَشْهُورَةَ وَكَانَ النّصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ .
مَوْتُ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ السّنَةِ مَاتَ الصّدّيقُ ، لَيْلَةَ الثّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ . وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى النّاسِ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ . وَقَالَ اللّهُمّ إنّي وَلّيْتهمْ خَيْرَهُمْ وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إلّا إصْلَاحَهُمْ وَلَمْ أُرِدْ مُحَابَاةَ عُمَرَ . فَاخْلُفْنِي فِيهِمْ . فَهُمْ عِبَادُك ، وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِك ، أَصْلِحْ لَهُمْ وَالِيَهُمْ وَاجْعَلْهُ مِنْ خُلَفَائِك الرّاشِدِينَ يَتْبَعُ هُدَى نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَصْلِحْ لَهُ رَعِيّتَهُ ثُمّ دَعَاهُ . فَقَالَ يَا عُمَرُ إنّ لِلّهِ حَقّا فِي اللّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ فِي النّهَارِ وَحَقّا فِي النّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ فِي اللّيْلِ . وَإِنّهَا لَا تُقْبَلُ نَافِلَةٌ حَتّى تُؤَدّى فَرِيضَةٌ . وَإِنّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ بِاتّبَاعِهِمْ الْحَقّ وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ . وَحُقّ لِمِيزَانِ لَا يُوضَعُ فِيهِ غَيْرُ الْحَقّ غَدًا أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا . فَإِذَا حَفِظْت وَصِيّتِي ، لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبّ إلَيْك مِنْ الْمَوْتِ . وَهُوَ نَازِلٌ بِك . وَإِنْ ضَيّعْتهَا ، فَلَا غَائِبَ أَكْرَهَ إلَيْك مِنْهُ وَلَسْت تَعْجِزُهُ وَوَرِثَ مِنْهُ أَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ السّدُسَ . وَلَمّا وَرَدَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ بِاسْتِخْلَافِ عُمَرَ بَايَعُوهُ . ثُمّ سَارُوا إلَى " فَحْلٍ " بِنَاحِيَةِ الْأُرْدُنّ . وَقَدْ اجْتَمَعَ بِهَا الرّومُ . فَكَانَتْ وَقْعَةَ " فَحْلٍ " الْمَشْهُورَةَ وَنَصَرَ اللّهُ الْمُسْلِمِينَ . وَانْحَازَ الْمُشْرِكُونَ إلَى دِمَشْقَ . حَوَادِثُ السّنَةِ الرّابِعَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الرّابِعَةَ عَشْرَةَ وَفِيهَا : سَارُوا إلَى دِمَشْقَ وَعَلَيْهِمْ خَالِدٌ . فَأَتَى كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِعَزْلِ خَالِدٍ وَتَأْمِيرِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ . وَفِيهَا : أَمَرَ عُمَرُ بِصَلَاةِ التّرَاوِيحِ جَمَاعَةً وَقَدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فِي رَكْبٍ <205> مِنْ بَجِيلَةَ ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْعِرَاقِ ، فَسَارَ بِهِمْ جَرِيرٌ إلَى الْعِرَاقِ . فَلَمّا قَرُبَ مِنْ الْمُثَنّى بْنِ حَارِثَةَ كَتَبَ إلَيْهِ " أَقْبِلْ فَإِنّمَا أَنْتَ مَدَدٌ لِي " . فَقَالَ جَرِيرٌ أَنْتَ أَمِيرٌ وَأَنَا أَمِيرٌ . ثُمّ اجْتَمَعَا . فَكَانَتْ وَقْعَةَ الْبُوَيْبِ الْمَشْهُورَةَ . ثُمّ إنّ عُمَرَ أَمّرَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى الْعِرَاقِ ، وَكَتَبَ لَهُ وَأَوْصَاهُ فَقَالَ " يَا سَعْدَ بْنَ وُهَيْبٍ لَا يَغُرّنك مِنْ اللّهِ أَنْ قِيلَ خَالُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَاحِبُهُ . فَإِنّ اللّهَ لَا يَمْحُو السّيّئَ بِالسّيّئِ . وَلَكِنْ يَمْحُو السّيّئَ بِالْحَسَنِ . وَإِنّ اللّهَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ نَسَبٌ إلّا بِطَاعَتِهِ . فَالنّاسُ شَرِيفُهُمْ وَوَضِيعُهُمْ فِي ذَاتِ اللّهِ سَوَاءٌ . اللّهُ رَبّهُمْ وَهُمْ عِبَادُهُ . يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ . وَيُدْرِكُونَ مَا عِنْدَ اللّهِ بِالطّاعَةِ . فَانْظُرْ الْأَمْرَ الّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنْذُ بُعِثَ إلَى أَنْ فَارَقَنَا عَلَيْهِ . فَالْزَمْهُ . فَإِنّهُ الْأَمْرُ " وَكَتَبَ إلَى الْمُثَنّى وَجَرِيرٍ أَنْ يَجْتَمِعَا إلَيْهِ فَسَارَ سَعْدٌ بِمَنْ مَعَهُ . فَنَزَلَ بِشَرَافٍ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ النّاسُ . حَوَادِثُ السّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ . فَتْحُ الْقَادِسِيّةِ فَلَمّا انْحَسَرَ الشّتَاءُ سَارَ سَعْدٌ إلَى الْقَادِسِيّةِ ، وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ يَسْتَمِدّهُ . فَبَعَثَ إلَيْهِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، فِي جَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ . وَكَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يَمُدّهُ بِأَلْفِ . وَسَمِعَ بِذَلِكَ رُسْتُمُ بْنُ الفرخذان . فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا ، سِوَى التّبَعِ وَالرّقِيقِ حَتّى نَزَلَ الْقَادِسِيّةَ . وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جِسْرُ الْقَادِسِيّةِ ، وَقِيلَ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ وَمَعَهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ فِيلًا . وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ حَتّى صَارُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا . فَكَانَتْ وَقْعَةَ الْقَادِسِيّةِ الْمَشْهُورَةَ الّتِي نَصَرَ اللّهُ فِيهَا الْمُسْلِمِينَ . وَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ . فَلَمّا هَزَمَ اللّهُ الْفُرْسَ ، كَتَبَ عُمَرُ إلَى سَعْدٍ " أَنْ أَعِدّ لِلْمُسْلِمِينَ دَارَ هِجْرَةٍ . <206> وَإِنّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْعَرَبِ إلّا حَيْثُ يَصْلُحُ لِلْبَعِيرِ وَالشّاءِ وَفِي مَنَابِتِ الْعُشْبِ . فَانْظُرْ فَلَاةً إلَى جَانِبِ بَحْرٍ " . فَبَعَثَ سَعْدٌ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَارْتَادَ لَهُمْ مَوْضِعَ الْكُوفَةِ الْيَوْمَ فَنَزَلَهَا سَعْدٌ بِالنّاسِ . ثُمّ كَتَبَ عُمَرُ إلَى سَعْدٍ " أَنْ ابْعَثْ إلَى أَرْضِ الْهِنْدِ - يُرِيدُ الْبَصْرَةَ - جُنْدًا فَلْيَنْزِلُوهَا " . فَبَعَثَ إلَيْهَا عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ حَتّى نَزَلُوهَا . وَهُوَ الّذِي بَصّرَ الْبَصْرَةَ . وَفِي هَذِهِ السّنَةِ كَانَتْ وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ الْمَشْهُورَةُ بِالشّامِ . وَخَرَجَ عُمَرُ إلَى الشّامِ ، وَنَزَلَ الْجَابِيَةَ . فَصَالَحَ نَصَارَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ - وَكَانُوا قَدْ أَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إلَى الصّلْحِ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ حَتّى يَكُونَ عُمَرُ يَعْقِدُونَ الصّلْحَ مَعَهُ - فَصَالَحَهُمْ . وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ إجْلَاءَ الرّومِ إلَى ثَلَاثٍ . وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ . فَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَضَعَ الدّيوَانَ . فَأَعْطَى الْعَطَايَا عَلَى مِقْدَارِ السّابِقَةِ . فَبَدَأَ بِالْعَبّاسِ حُرْمَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ . حَوَادِثُ السّنَةِ السّادِسَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ السّادِسَةَ عَشْرَةَ . فِيهَا : كَتَبَ عُمَرُ التّارِيخَ . وَاسْتَشَارَ الصّحَابَةَ فِي مَبْدَئِهِ . فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ نَبْدَأُ مِنْ بَدْءِ النّبُوّةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مِنْ الْوَفَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مِنْ الْهِجْرَةِ . فَجَعَلَهُ مِنْ الْهِجْرَةِ . حَوَادِثُ السّنَةِ السّابِعَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ السّابِعَةَ عَشْرَةَ فَكَانَ فِيهَا فُتُوحٌ كَثِيرَةٌ شَرْقًا وَغَرْبًا . وَفِيهَا فُتِحَتْ تُسْتَرُ الّتِي وُجِدَ فِيهَا جَسَدُ دَانْيَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَسْقُونَ بِهِ . <207> وَفِيهَا : تَزَوّجَ عُمَرُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ طَلَبًا لِصِهْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . حَوَادِثُ السّنَةَ الثّامِنَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّامِنَةَ عَشْرَةَ فِيهَا : أَصَابَ النّاسَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ . وَتَسَمّى عَامُ الرّمَادَةِ لِكَثْرَةِ مَا هَلَكَ فِيهَا مِنْ النّاسِ وَالْبَهَائِمِ جَوْعًا . فَاسْتَسْقَى عُمَرُ بِالنّاسِ . وَسَأَلَ الْعَبّاسَ أَنْ يَدْعُوَ اللّهَ وَيُؤَمّنَ عُمَرُ وَالنّاسُ عَلَى دُعَائِهِ . فَأَزَال اللّهُ الْقَحْطَ . وَفِيهَا وَقَعَ طَاعُونُ عِمَوَاسٍ بِالشّامِ وَقَدْ هَلَكَ فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا . وَمَاتَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَامِرٍ الْجَرّاحُ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . فَلَمّا بَلَغَ عُمَرَ مَوْتُهُمْ أَمّرَ عَلَى الشّامِ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ . حَوَادِثُ السّنَةِ التّاسِعَةَ عَشْرَةَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ التّاسِعَةَ عَشْرَةَ فُتِحَ فِيهَا فُتُوحٌ كَثِيرَةٌ شَرْقًا وَغَرْبًا . حَوَادِثُ السّنَةِ الْعِشْرُونَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْعِشْرُونَ وَفِيهَا فُتِحَتْ مِصْرُ والإسكندرية . وَفِيهَا : أَجْلَى عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ إلَى أَذْرِعَاتٍ وَغَيْرِهَا . حَوَادِثُ السّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ وَفِيهَا كَانَ فَتْحُ نَهَاوَنْدَ وَأَمِيرُهَا النّعْمَانُ بْنُ مُقَرّنٍ ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ . وَفِيهَا : مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِحِمْصِ . <208> وَفِيهَا : مَاتَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ ، وَطُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ - الّذِي كَانَ تَنَبّأَ . ثُمّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَأَبْلَى فِي قِتَالِ الْفُرْسِ بَلَاءً حَسَنًا - قُتِلَا مَعَ النّعْمَانِ بْنِ مُقَرّنٍ بِنَهَاوَنْدَ . حَوَادِثُ السّنَةِ الثّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ وَفِيهَا ، دَخَلَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ خُرَاسَانَ ، وَحَارَبَ يَزْدَجْرِدْ آخِرَ مُلُوكِ الْفُرْسِ . فَهَزَمَهُ اللّهُ فِيهَا . وَفِيهَا : اعْتَمَرَ عُمَرُ . فَتَلَقّاهُ نَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ - وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى مَكّةَ - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ خَلَفْت ؟ قَالَ ابْنَ أَبْزَى ، قَالَ عُمَرُ وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى ؟ قَالَ مَوْلًى لَنَا . قَالَ وَمَوْلًى أَيْضًا ؟ قَالَ إنّهُ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ . فَقَالَ عُمَرُ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إنّ اللّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا ، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ حَوَادِثُ السّنَةِ الثّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ وَفِيهَا : قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فِي صَلَاةِ الصّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحَجّةِ . وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَحَدِ هِلَالَ الْمُحَرّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ . وَلَمّا رَجَعَ مِنْ الْحَجّ فِي آخِرِهَا قَامَ خَطِيبًا . فَقَالَ إنّي رَأَيْت كَأَنّ دِيكًا أَحْمَرَ نَقَرَنِي نَقْرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، وَلَا أَرَى ذَلِك إلّا حُضُورُ أَجَلِي . ثُمّ خَرَجَ إلَى السّوقِ فَلَقِيَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيّ ، غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ . وَكَانَ صَانِعًا يَعْمَلُ الْأَرْحَاءَ . فَقَالَ لَهُ أَلَا تُكَلّمُ مَوْلَايَ يَضَعُ عَنّي مِنْ خَرَاجِي ؟ قَالَ وَكَمْ خَرَاجُك ؟ قَالَ دِينَارٌ . قَالَ إنّك لَعَامِلٌ مُحْسِنٌ فَقَالَ وَسِعَ النّاسَ عَدْلُك وَضَاقَ بِي ، وَأَضْمَرَ قَتْلَ عُمَرَ فَاصْطَنَعَ لَهُ خَنْجَرًا ذَا حَدّيْنِ وَشَحَذَهُ وَسَمّهُ . ثُمّ أَتَى بِهِ الْهُرْمُزَانَ . فَقَالَ كَيْفَ تَرَى هَذَا ؟ قَالَ أَرَى أَنّك لَا تَضْرِبُ بِهِ أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ . <209> فَلَمّا كَبّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي صَلَاةِ الصّبْحِ طَعَنَهُ ثَلَاثَ طَعَنَاتٍ . وَقِصّةُ مَقْتَلِهِ فِي الصّحِيحَيْنِ . وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَسِتّةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسٍ . وَبِمَوْتِهِ انْفَتَحَ بَابُ الْفِتْنَةِ إلَى الْيَوْمِ . وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلّامٍ لِعُمَرِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : إنّي أَرَى فِي التّوْرَاةِ : أَنّك بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنّمَ قَالَ فَسّرْ لِي قَالَ أَنْتَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِهَا مُغْلَقًا ، لِئَلّا يَقْتَحِمَهَا النّاسُ ؟ فَإِذَا مُتّ انْفَتَحَ وَفَتَحَ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ كُلّ بِلَادِ الْكُفّارِ أَلْفًا وَسِتّةً وَثَلَاثِينَ مَدِينَةً . وَخَرّبَ أَرْبَعَةَ آلَافِ بِيعَةً وَكَنِيسَةٍ . وَبَنَى أَرْبَعَةَ آلَافِ مَسْجِدٍ . وَدَوّنَ الدّوَاوِينَ وَمَصّرَ الْأَمْصَارَ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ وَأَرّخَ التّارِيخَ . وَلَهُ الْفَضَائِلُ الْمَشْهُورَةُ وَالسّوَابِقُ الْمَأْثُورَةُ . رَحِمَهُ اللّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ . حَوَادِثُ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِين ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الرّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ فَاسْتَخْلَفَ فِيهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . لِغُرّةِ هِلَالِ الْمُحَرّمِ - أَوْ لِثَلَاثِ الْمُحَرّمِ - بَعْدَ دَفْنِ عُمَرَ بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ . أَسْلَمَ قَدِيمًا . وَكَانَ مِنْ ذَوِي السّابِقَةِ وَمِنْ ذَوِي الشّرَفِ وَالْعِلْمِ . هَاجَرَ <210> الْهِجْرَتَيْنِ . وَصَلّى الْقِبْلَتَيْنِ . وَزَوّجَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الِابْنَتَيْنِ . وَلَمْ يَنْكِحْ ابْنَتَيْ نَبِيّ مِنْ آدَمَ إلَى قِيَامِ السّاعَةِ غَيْرُهُ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَدّمُهُ وَيَسْتَحْيِ مِنْهُ وَيَقُولُ مَا لِي لَا أَسْتَحِي مِمّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ مَلَائِكَةُ السّمَاءِ ؟ وَفِي هَذِهِ السّنَةِ تُوُفّيَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأُمّ الْفَضْلِ زَوْجَةُ الْعَبّاسِ وَأُمّ أَيْمَنَ بَرَكَةُ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . حَوَادِثُ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ . فَتُوُفّيَ فِيهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ الْمُؤَذّنُ وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيّ ، الّذِي حَزَرَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ . ثُمّ تَعَاهَدَ هُوَ وَصَفْوَانُ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيّ عَلَى اغْتِيَالِ رَسُولِ اللّهِ . فَذَهَبَ إلَى الْمَدِينَةِ بِدَعْوَى افْتِدَاءِ ابْنِهِ وَهْبٍ الّذِي كَانَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ . فَلَمّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَصّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ مَا تَعَاهَدَ هُوَ وَصَفْوَانُ عَلَيْهِ . فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ وَأَسْلَمَ . وَفِيهَا تُوُفّيَ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ الْعَاشِقُ . حَوَادِثُ سَنَةِ سِتّ وَعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ السّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ . وَفِيهَا غَزَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إفْرِيقِيّةَ وَمَعَهُ الْعَبَادِلَةُ - عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعِ بْنِ قَيْسٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعِ بْنِ الْحُصَيْنِ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ - فَلَقِيَ جِرْجِسَ مَلِكَ الْبَرْبَرِ فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ . فَقُتِلَ جِرْجِسُ قَتَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ . وَفَتَحَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَفِيهَا : مَاتَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ الّذِي تَكَلّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَكَانَ مِنْ كَلَامِهِ خَلَتْ لَيْلَتَانِ . وَبَقِيَتْ أَرْبَعٌ بِئْرُ أَرِيسٍ وَمَا بِئْرُ أَرِيسٍ ؟ . وَفِيهَا اعْتَمَرَ عُثْمَانُ فَكَلّمَهُ أَهْلُ مَكّةَ أَنْ يُحَوّلَ السّاحِلَ إلَى جُدّةَ . وَقَالُوا : هِيَ أَقْرَبُ إلَى مَكّةَ وَأَوْسَعُ . وَكَانُوا يُرْسِلُونَ قَبْلَ ذَلِك فِي الشّعَيْبَةِ . فَخَرَجَ عُثْمَانُ <211> إلَى جُدّةَ فَرَآهَا ، وَحَوّلَ السّاحِلَ إلَيْهَا . حَوَادِثُ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ السّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ . وَفِيهَا - عَلَى قَوْلِ ابْنِ جَرِيرٍ - كَانَ فَتْحُ إفْرِيقِيّةَ وَالْأَنْدَلُسِ عَلَى يَدِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ . وَفِيهَا : عَزَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَنْ مِصْرَ ، وَوَلّى عَلَيْهَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ . وَفِيهَا : مَاتَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ . حَوَادِثُ سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ . فِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْبَحْرَ وَمَعَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ ، وَامْرَأَتُهُ أُمّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ - أُخْتُ أُمّ سُلَيْمٍ - فَسَقَطَتْ عَنْ دَابّةٍ لَهَا فَهَلَكَتْ . وَهِيَ الّتِي نَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِهَا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ . فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَسَأَلَتْهُ ؟ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أُمّتِي عُرِضُوا عَلَيّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرّةِ - أَوْ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرّةِ - فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ . فَقَالَ أَنْتِ مِنْهُمْ . ثُمّ نَامَ . ثُمّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَسَأَلَتْهُ ؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ . فَقَالَتْ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ . فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوّلِينَ . وَفِيهَا : غَزَا مُعَاوِيَةُ قُبْرُصَ . فَصَالَحَهُ أَهْلُهَا . حَوَادِثُ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ التّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ . فِيهَا : شَكَا النّاسُ إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ضِيقَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَأَمَرَ بِتَوْسِعَتِهِ وَبَنَاهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقُصّةِ - وَهِيَ الْجِصّ - وَفِيهَا وُسّعَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ كَذَلِكَ . <212> وَفِيهَا : مَاتَ سُلَيْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلّاهُ قَضَاءَ الْمَدَائِنِ ، فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ يَخْتَصِمْ إلَيْهِ اثْنَانِ . حَوَادِثُ سَنَةِ ثَلَاثِينَ ثُمّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثِينَ . وَفِيهَا وَقَعَ خَاتَمُ رَسُولِ اللّهِ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ فَنُزِحَتْ وَلَمْ يُوجَدْ . فَحَزِنَ لِذَلِكَ أَشَدّ الْحُزْنِ . فَوَقَعَ مِنْ الرّعِيّةِ الْخَلَلُ عَلَى عُثْمَانَ بَعْدَهَا . وَفِيهَا : غَزَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مِنْ الْكُوفَةِ خُرَاسَانَ ؟ وَمَعَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَالْحَسَنُ ، وَالْحُسَيْنُ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . وَفِيهَا : كَانَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَشِدّةِ إنْكَارِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشّامِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَالتّوَسّعِ فِيمَا أَبَاحَ لَهُمْ وَأَفَاءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ . وَأَنّهُ يَرَى : أَنْ لَا يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَهُ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ وَإِلّا كَانَ مِنْ الّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ . فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ فِي شَأْنِهِ إلَى عُثْمَانَ . فَكَتَبَ عُثْمَانُ بِإِشْخَاصِ أَبِي ذَرّ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَمُحَاوَلَةِ بَعْضِ دُعَاةِ الْفِتْنَةِ الِالْتِفَافَ حَوْلَ أَبِي ذَرّ . فَهَرَبَ مِنْهُمْ إلَى الرّبَذَةِ عُثْمَانُ وَفِيّ طَاعَتِهِ . وَأَقَامَ بِهَا حَتّى مَاتَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَفِيهَا : زَادَ عُثْمَانُ النّدَاءَ الثّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الزّوْرَاءِ حِينَ كَثُرَ النّاسُ . فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ . وَالزّوْرَاءُ دَارٌ كَانَتْ لَهُ بِالْمَدِينَةِ . وَفِيهَا : مَاتَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ : سَيّدُ الْقُرّاءِ وَأَحَدُ الْقُرّاءِ الْأَرْبَعَةِ . حَوَادِثُ سَنَةِ إحْدَى وَثَلَاثِينَ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْحَادِيَةُ وَالثّلَاثُونَ . وَفِيهَا : قُتِلَ يَزْدَجْرِدْ آخِرُ مُلُوكِ الْفُرْسِ ، وَهُوَ الّذِي مَزّقَ كِتَ | |
|
| |
شيرين عضو نشيط
تاريخ التسجيل : 29/05/2012 تاريخ الميلاد : 07/05/1976 عدد || مسآهمآتي: : 251 نقاط : 251 التقيم : 10 العمر : 48 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم السبت يونيو 02, 2012 2:42 am | |
| جوزيت من الخير اكثرة ومن العطاء منبعة لا إحرمنا البارئ وإياك أوسع جناتة
| |
|
| |
أميرة شاوية عضو نشيط
تاريخ التسجيل : 11/06/2012 تاريخ الميلاد : 09/08/1990 عدد || مسآهمآتي: : 250 نقاط : 250 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الخميس يونيو 21, 2012 7:36 am | |
| بارك الله بك واسعدك بالدنيا والاخرة وجزاك الله كل خير تقديري | |
|
| |
أميرة العكيدات عضو نشيط
تاريخ التسجيل : 11/06/2012 تاريخ الميلاد : 15/07/1990 عدد || مسآهمآتي: : 252 نقاط : 252 التقيم : 10 العمر : 34 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم السبت يونيو 23, 2012 4:18 am | |
| بارك الله لك علي هذا الطرح الطيب وجزاك الخير كلة 00 اثابك ورفع من قدرك ووفقك الله لما يحبة ويرضاة
| |
|
| |
سفيرة فلسطين عضو نشيط
تاريخ التسجيل : 22/06/2012 عدد || مسآهمآتي: : 250 نقاط : 250 التقيم : 10 الساعة الان :
| موضوع: رد: كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الخميس يوليو 05, 2012 12:19 am | |
| شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر | |
|
| |
| كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم | |
|