منهج الأنبياء في تحكيم شرع الله بين دعوة الاتجاهات الإسلامية
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه "النصر العزيز على الرد الوجيز" تحت عنوان: (الاهتمام بالدولة الإسلامية والحاكمية في كتاب منهج الأنبياء):
"هذا وليعلم القارئ أن كتابي منهج الأنبياء مع أن موضوعه دعوة الأنبياء فقد تعرضت فيه للدولة الإسلامية، والإمامة عند أمة الإسلام وعلمائها وتعرضت للحاكمية بأوسع نطاق ولم أحصرها في الجانب القانوني من الإسلام كما يفعل السياسيون، بل تحدثت عنها في شمولية تليق بمكانتها التي لا يتصورها السياسيون ولا تحتملها دعواتهم الضيقة.
فقلت: "إن الدعوة إلى الحاكمية وتطبيقها أمر مهم ويهم كل مسلم يفهم الإسلام (إذا روعيت شروطها) وكل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهم وعظيم.
لكننا نتساءل: هل الدعوة إلى الحاكمية تستلزم الإهمال أو التقصير في أصل أصول الإسلام؟!
الجواب: لا.
إن حاكمية الله يجب أن تبدأ من أعظم شيء في الإسلام ألا وهو الاعتقاد في الله وفي أسماء جلاله وصفات كماله كما تعرف الله إلينا بها في كتابه العظيم وكما علمنا نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لتمتلئ قلوبنا بها نوراً وإيماناً ويقيناً وإعظاماً وإجلالاً.
أيجوز في حاكمية الله ودينه أن تعطل أسماء جلاله وصفات كماله وهي أسمى وأجل وأعظم ما ضمه كتاب الله وسنة نبيه؟!
لماذا لا نطلب من علماء المسلمين بإلحاح أن يحكموا كتاب الله وسنة نبيه في هذا الأمر الخطير؟!
أيجوز في حاكمية الله وشرعه ونظامه أن يخالف كثير وكثير من المسلمين منهج الأنبياء في توحيد العبادة وإخلاصها لله وحده ويتخذوا مع الله أنداداً يدعونهم ويستغيثون بهم ويهتفون بهم في الشدائد ويمعنون في ذلك حتى يشركوهم في الربوبية فيعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون؟!
أليس هذا عدواناً على أعظم حقوق الله؟! أليس هذا هو أظلم الظلم؟ فأين الدعوة إلى الحاكمية إذن؟! وأين هي العدالة؟!
أيجوز في حكم الله وشرعه أن نغض الطرف عن الصوفية وهي تعبث بعقائد المسلمين وعقولهم فتفسدها وتدمرها بعقيدة الحلول ووحدة الوجود ووحدة الأديان وبغير ذلك من ضلالات التصوف؟!
أيجوز في حاكمية الله ودينه أن تشاد الألوف من القبور في معظم بلدان الإسلام ليطاف بها ويعتكف حولها وتشد إليها الرحال وينذر لها بالكثير الكثير من الأموال وتقام لها الاحتفالات ويفعل المسلمون حولها وبها ما يندى له جبين الإسلام. وما يضحك من المسلمين والإسلام أعداءه من الوثنيين واليهود والنصارى والشيوعيين؟
أيجوز في حاكمية الله أن تموت السنن وتقوم على أنقاضها البدع والخرافات والأساطير؟
إن هذه الضلالات والشركيات والبدع قد طمست معالم التوحيد ومعالم الإسلام عموماً.
إنني أرجو من عقلاء هذا الاتجاه أن يحاولوا بعد مراقبة الله في أنفسهم وفي الأمة أن يقدروا منهج الأنبياء حق قدره وأن يعطوا كل جانب من الإسلام ما يستحقه من الجهد وأن يضعوا نصب أعينهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
وقلت في قيام دولة لبعض الأنبياء: "وقد يهدي الله قوم نبياً من الأنبياء فيستجيبون له أو كثير منهم فتكون لهم دولة، ثمرة طيبة، لإيمانهم وتصديقهم وأعمالهم الصالحة، فيقومون بواجبهم من الجهاد لإعلاء كلمة الله وتطبيق التشريعات والحدود وغيرها من الأمور التي شرعها الله لهم كما حصل لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام توج الله إيمانهم وعملهم الصالح وصبرهم الجميل على بغي المشركين وتطاولهم بأن نصرهم، وأظهر دينهم، ومكن لهم في الأرض".
ثم ختمت هذا الكتاب بقولي:
"وفي الختام أقول إنني أؤمن بحاكمية الله وأن الحكم لله وحده وأؤمن بشمول هذه الحاكمية، وأنه يجب أن يخضع لها الأفراد والجماعات والحكام والدعاة.
وأن من لم يحكم بما أنزل الله في دعوته وفي عقيدته وفي دولته فأولئك هم الظالمون وهم الكافرون، وهم الفاسقون.
كما قال الله وكما فهمه السلف الصالح لا على ما فهمه المفرطون ولا المفرِّطون، وأنحى باللائمة على من يحصرها في ناحية من النواحي أو يخالف منهج الأنبياء الواضح الحكيم ويبدأ بالفروع قبل الأصول وبالوسائل وبجعلها غايات ويؤخر أو يقصر في شأن الغايات الحقيقية التي تتابع عليها جميع الأنبياء.
وأمد يد الضراعة إلى الله أن يوفق المسلمين جميعاً شعوباً وحكاماً ودعاة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله في جميع شؤونهم العقائدية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأن يوحد كلمتهم ويوحد صفوفهم على الحق وأن يعافيهم من كل الأهواء والأمراض النفسية التي مزقت صفوفهم وفرقت كلمتهم، إن ربي لسميع الدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"" انتهى كلام الشيخ..
فليتدبر أولى الألباب.
المصدر: الفصل الثاني من الباب الثاني من كتاب "النصر العزيز على الرد الوجيز"، للشيخ ربيع بن هادي المدخلي، تحت عنوان: (الاهتمام بالدولة الإسلامية والحاكمية في كتاب منهج الأنبياء).