عقيدة السلف الصالح ليست من
ردود الأفعال وليس فيها إضافات
ومن أعظم الدواهي التي دَهَى بها القومُ السلف الصالح ، وبهتوهم
بها دعوى ردود الأفعال والإضافات على العقيدة .
ومن المعلوم أنه من منهج السلف الصالح في تقرير العقيدة والدفاع
عنها ، أنه كلما استحدث أهل الأهواء والبدع والافتراق بدعة اعتقادية أو قولية أو
عملية قرر السلف الحق فيها بما يجلي العقيدة الصحيحة ، وينفي ما يضادها بالدليل من
القرآن والسنة وآثار السلف ، وأدرجوها في كتب السنن والعقيدة ، لتأكيدها حيث جحدها
المخالفون للسنة ، ولحماية الأمة من البدعة ، وقد ضاق أهل الأهواء ذرعاً بهذا
الأمر ؛ لأنهم كلما أو قدوا ناراً وفتنة للبدعة قيض الله من أعلام الأمة من يقرر
الحق ويقيم الحجة بالدليل ، ويطفي نار الفتنة ويقمع البدعة ، وذلك من وعد الله
تعالى حين تكفل بحفظ الدين وبقاء طائفة
على الحق ظاهرين ينافحون عن الحق ، ويذودون عن حياض السنة وينفون البدعة ويحذرون
منها ومن دعاتها .
وقد أطلق بعض المفتونين من المعاصرين ( تبعاً لمنهج أسلافهم أهل
الأهواء ) على أعمال السلف هذه بأنها ردود أفعال ، وأنها إضافات على العقيدة ؛
وضربوا لذلك أمثلة تبرهن على جهلهم بالسنة وتحاملهم على أهلها ، ومن ذلك :
** زعمهم أن السلف زادوا في العقيدة ما ليس من أركان الإيمان ،
وهم بذلك يشيرون إلى أن العقيدة وأصول الدين ومسلماته مقصورة على أركان الإيمان
الستة المعدودة في حديث جبريل .
وما علموا – أو تجاهلوا أن العقيدة هي كل ثوابت الدين وأصوله
وفرائضه وقطعياته وأن كل ما ثبت في الدين فهو من العقيدة وأصول الدين ، بما في ذلك
الأحكام القطعية والثابتة وأن أركان الإيمان لا تتم إلا بمستلزماتها ومكملاتها
العلمية والعملية التي نص عليها الشرع ، فهي تدخل في هذه الأركان .
كأسماء الله وصفاته الثابتة بالكتاب والسنة وإخلاص العبادة لله
تعالى ، ونفي الشرك والبدع داخل في الإيمان بالله ، والإيمان بالملائكة بأسمائهم
الواردة وأوصافهم وأعمالهم الثابتة بالنصوص ، والإيمان بالكتب ، والرسل كذلك ..
إلخ .
والشفاعة والرؤية والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
ولزوم الجماعة والطاعة ، وحقوق الصحابة وأصول الأخلاق وقطعيات الأحكام وما ثبت
منها كتحريم عقوق الوالدين ، والربا
والميتة والخنزير والزنا والكذب والغيبة ، ونحو ذلك كله من العقيدة لأنه من
القطعيات والثوابت وداخل فيها .
زعموا أن مسائل ( أشراط الساعة ) ليست من العقيدة وأنها من
الإضافات ومنها : ( مسألة المهدي )
[1]وهذا كذلك جهل ( أو تجاهل )
[2]لهذه الحقيقة ، فإن أشراط الساعة الكبرى وكثير من الصغرى ، ومنها :
( المهدي ) قد ثبتت بها النصوص
، وكل ما ثبتت به النصوص القطعية وجب اعتقاده سواء سميناه : العقيدة أو
السنة ، أو أصول الدين ، أو القطعيات أو الأخبار القطعية فكل هذه اصطلاحات صحيحة ،
ولا مشاحة في الاصطلاح .
وكل ما ثبت في القرآن أو صحت به السنة فهو مما يجب الإيمان به ،
والتسليم بأنه حق ، وهذا هو معنى كونه ( عقيدة ) .
** وزعموا أن من أمثلة ما يسمون – الإضافات على العقيدة - : مسألة
( المسح على الخفين )
[3]وهي فقهية من مسائل الأحكام ، وكونها من مسائل الأحكام في الأصل صحيح ، لكنها على
القاعدة في الإيمان : أن كل ما ثبت به النص فهو مما يجب التسليم به واعتقاده
وقد صار الإنكار من سمات أهل البدع
الرافضة ، والمسح على الخفين تواترت به النصوص ، ومن السنن العملية المجمع عليها
عند سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
فلما أنكرها أهل الأهواء والبدع أنكروا ثابتاً من الدين فأدرجها
السلف في مسائل العقيدة ، لأن إنكارها يؤدي إلى الإخلال بالأصول والقطعيات (
العقيدة ) .
وليست هذه هي المسألة الوحيدة من قطعيات الأحكام وثوابتها التي
تندرج في كتب العقيدة ومسائلها ، بل ذكر السلف كثيراً من القطعيات والثوابت في
الأحكام والأخلاق ضمن مصنفات العقيدة ، مثل :
( الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، وحقوق الصحابة ، وحقوق الولاة ، والوالدين ، والجار ، وتحريم
الكذب ، والغيبة ) ونحو ذلك ، كله داخل في مسمى العقيدة ، لأن العقيدة معناها :
اعتقاد كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل به حسب الاستطاعة .
** وزعموا أن من أمثلة ( الإضافات على العقيدة ) الخلافة والحكم
وأنها من ردود الأفعال ، وأنه لما ظهر قول الفرق المفارقة فيها ، قام أهل السنة (
بصياغة نظرية خاصة تميزهم عن سائر الفرق في الإمامة ) سبحان الله !
وتأمل أخي القارئ هذا التعبير الاستشراقي الأدبي العجيب في وصف
عمل السلف الذين لا يصدرون في تقرير الدين إلا عن الكتاب والسنة .
فقد عبروا عن عمل السلف بأنه ( صياغة نظرية ) !! ومن المعلوم أن
السلف يقررون الحق بدليله وليس دينهم وعقيدتهم نظريات تصاغ .
ثم قالوا : ( تميزهم )
وكأنهم من عشاق التميُّز ،لكنهم من عشاق الحق ، ويريدون تمييز الحق من الباطل
والسنة من البدعة .
** ثم زعموا أن مسألة طاعة ولاة الأمر وعدم جواز الخوارج عليهم
( من الإضافات ) وكذلك الصبر على ظلم الولاة وجورهم ، والصبر على الأثرة منهم ،
ونحو ذلك زعموا أنه من إضافات السلف على العقيدة .
وقد جهلوا – أو تجاهلوا – أن ذلك من الدين والسنة ومن وصايا
النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة بالنصوص الشرعية في القرآن وصحيح السنة ، في
الصحيحين وغيرهما .
** وزعموا أن مسألة ( القرآن وكلام الله تعالى ) وتقرير الحق في أن
القرآن كلام الله منزل – غير مخلوق – من ردود الأفعال والإضافات على العقيدة .
وهذا كما أسلفت يندرج تحت قاعدة السلف : أن كل أصل من قطعيات
الدين وما ثبت بنص شرعي يرد فيه من قبل أهل الأهواء نقض أو شك أو خروج عن مقتضى
الحق فلا بد من تأصيله ورد الباطل عنه ، والتنويه عن ذلك في المصنفات التي تُقرر
فيها الأصول وثوابت الدين ومسلماته وهي كتب السنة ( العقيدة ) وهذا منهج شرعي علمي
اصطلح عليه العلماء العدول الثقات ، وله ما يبرره شرعاً وعقلاً ومنهجاً وإن ضاق به
أهل الأهواء ذرعاً .
وهكذا .. لما ظهرت المذاهب المعاصرة الهدمة كالعلمانية ،
والحداثة أو القومية والوجودية والعقلانية والعصرانية ونحوها ، أدرجها العلماء
والباحثون والمختصون ضمن بحوث العقائد والمبادئ الضالة ؛ وصارت تدرس في أقسام
العقيدة في الجامعات والمؤسسات العلمية ، وكليات أصول الدين والشريعة وأقسامها
ونحوها .
وهذا اصطلاح له مبرراته وأصوله وإن اختلف عليه الناس .
ثم يحسن أن نُوجه لهؤلاء الذين يريدون الهدم ولا يجيدون البناء
سؤالاً فنقول لهم : إذا كان لا يعجبكم إدخال ما تُسمونه الإضافات على العقيدة التي
اتفق على جملته سلف الأمة وعلماؤها وخيارها . فما الضابط عندكم فيما يكون من
العقيدة وما لا يكون ؟ ثم هل أنتم متفقون على قاعدة في ذلك ، ومن مِنْ شيوخكم
والفرق التي تمجدونها يؤخذ بقاعدته ومنهجه .. ونحو ذلك من الأسئلة التي لا يتفقون
على جوابها .
إنما يسلكون في ذلك مسلك الحداثيين الذين يسعون إلى هدم الثوابت
والخروج عن الأصول والمسلمات إلى التيه والضياع والفوضى نسأل الله السلامة .
منهج السلف الصالح
لم يكن نتيجة الصراعات والأحداث
** زعموا أن عقيدة
السلف( أهل السنة) ومخالفيهم تكونت نتيجة للصراعات السياسية والمذهبية والأحداث
التاريخية.
وهذا الكلام فيه حق وباطل ، أما وجه الحق فيه فهو أن عقائد
مخالفي السلف وهم أهل الأهواء والافتراق والبدع كان من أسبابها توجهاتهم وصراعاتهم
السياسية والمذهبية والأحداث التاريخية ، وردود الأفعال ، لأنهم يحكِّمون أهواءهم
وآراءهم في مواقفهم تجاه السنة وأهلها وتجاه الولاة ولا يلتزمون تعاليم الشرع في
ذلك .
أما الباطل فزعمهم أن مذهب السلف كان كما ذكروا أو أنه ردود
أفعال ، فإن مذهب السلف ( أهل السنة والجماعة ) هو الحق والسنة والصراط المستقيم ،
المستمد من القرآن والسنة ، وكل أصل عند السلف ( من أصول العقيدة ) إنما يقوم على
الدليل ، وما قد يندرج في بعض مصنفات العقيدة من مسائل فرعية فليس من الأصول ،
والسلف يتعاملون مع الصراعات السياسية ( إن صح التعبير ) حسب النصوص والأصول
والقواعد الشرعية ، التي تقوم على السمع والطاعة بالمعروف ، والنصح لمن ولاه الله
أمر المسلمين وعدم الخروج على الوالي المسلم ما لم يروا كفرا ًبواحاً عندهم فيه من
الله برهان ،وهذا كله مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أمر
بالاجتماع على الحق ، ولا اجتماع لا بإمامة وسلطان ، ولا إمامة وسلطان إلا بسمع
وطاعة بالمعروف ، كما أثر عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : (( إنه لا إسلام
إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة ))
[4] أهل السنة ليسوا نواصب
ولا جبرية
النواصب : هم الذين يناصبون علياً – رضي الله عنه – وآل البيت
العداء ، وهم في ذلك أهل بدعة على غير الحق ، وعلى غير الهدى ، ويقابلهم أولئك
الذين غلوا في عليّ – رضي الله عنه – وآل البت . بل هؤلاء أسبق إلى البدعة من ألئك
.
والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة السلف الصالح حبُّ علي –
رضي الله عنه – وموالاته فهو من السابقين للإسلام ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ،
وصهر رسول صلى الله عليه وسلم ورابع الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين .
وكذلك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرية علي – رضي
الله عنه – وغيرهم ممن يشمله هذا الوصف ، نعرف لهم حقهم وقدرهم ، وهذا من عقيدة
أهل السنة والجماعة ويجمعون عليه بحمد الله .
ومن لم يكن على ذلك فهو مبتدع أو جاهل ، أو مخطئ أو صاحب هوى .
فالنواصب ليسوا على نهج السنة والجماعة .
لكن مما يجدر التنبيه إليه أن الشيعة بفرقهم ، ومن يميل إليهم (
وهم يغلون في علي – رضي الله عنه – وآل البيت ) يسمون من لم يجاريهم في الغلو :
ناصبياً وهذا من البهتان والظلم والعدوان .
وكما أشرت ما حدث وما يذكر عن بعض أمراء بني أمية ، أنهم كانوا
يسبّون علياً – رضي الله عنه – أو يؤذون بعض ذريته ، بغير حق ، فهذا خطأ وظلم
وعدوان ، وهو على خلاف منهج أهل السنة، ولا يقرونه ، بل كان أئمة السلف يعدون ذلك
من الخطأ ، وكانوا ينكرونه ، ويعدون النواصب من أهل الأهواء والبدع ، وهذا مسطور
في كتبهم وآثارهم بحمد الله .
وكذلك لم يكن السلف جبرية ، لأن الجبر يقوم على مقولة بدعية ،
وهي : أن الإنسان مجبور على أفعاله مسلوب الاختيار .
وهو قول الجهمية ويميل إليه القائلون بالكسب والسلف ينكرون هذه
المقالات ويبدّعون من قال بها .
وقد يقصد بعض أهل الأهواء بالجبر ما جاءت به السنة عن النبي صلى
الله عليه وسلم من وجوب السمع والطاعة بالمعروف للسلطان والصبر على جور الولاة
والكف عن منازعتهم وترك الخروج عليهم والسلف يذهبون إلى ذلك استجابة لأمر الله ، و
أخذاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتسمية ذلك جبراً من قبل أهل الأهواء
إنما هو من التلبيس والبهتان وقلب الحقائق .
اتهام السلف بالتجسيم والتشبيه
من دواهي خصوم السلف ، وبعض الجهلة الذين لم يعرفوا قدر السلف ، اتهامهم بالتجسيم والتشبيه في صفات
الله تعالى ( دعوى التجسيم والتشبيه ) ، فأهل الكلام والأهواء يسمون كل من أثبت ما
ينفونه من أسماء الله وصفاته وأفعاله مشبهاً ومجسماً ، وإن كان ما يثبته هو قول
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فالجهمية الخالصة يسمون من أثبت أسماء الله وصفاته وأفعاله أو
شيئاً منها : مشبهاً ومجسماً ، وعلى هذا فالمعتزلة والأشاعرة والماتريدية وأهل
السنة الذين يثبتون نحو قوله تعالى :{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } كلهم مجسمة
عند هؤلاء الجهمية .
والمعتزلة يسمون من أثبت الصفات لله تعالى أو شيئاً منها مجسماً
ومشبهاً ، وعلى هذا فإن الأشاعرة والماتريدية وأهل السنة ، الذين يثبتون صفات
السمع والبصر ، هم عند المعتزلة مشبهة ومجسمه .
والأشاعرة والماتريدية يسمون من وصف الله تعالى بالصفات الذاتية
والفعلية دون تأويل وتحريف مثل قوله تعالى : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي }(صّ: من
الآية75) وقوله تعالى : {وجاء ربك }وقوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى } (طـه:5) مشبهاً ومجسماً . وما يوجد في بعض كتب
السنة و الآثار أحياناً من أحاديث تشكل على بعض مرضى القلوب ، وأهل الزيغ والأهواء
والفتن ، يزعمون أنها توهم التشبيه فهي :
1- إما
من الأحاديث الضعيفة والموضوعة فلا يعول عليها ، وليس مجرد إيرادها من عالم أو راو
يدل على صحتها والتزامها ، إنما هو عند اجتهاد أو زلة وخطأ لا يحسب على أصول السنة
وعقيدة السلف .
2- وإما
من الأحاديث الصحيحة فيجب إثبات ما ورد منها مع نفي المماثلة ، وما يتوهم فيها من
التشبيه مدفوع قطعاً ، وعليه فإن مذهب السلف يقوم على ثبات أسماء الله وصفاته كما
جاءت في النصوص الثابتة :
فالقاعدة عند السلف الصالح ، أهل السنة والجماعة في أسماء الله
وصفاته وأفعاله ، ثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله صلى الله
عليه وسلم مما صحت به الأحاديث .
والإثبات عندهم مقيد ، بنفي مماثلة الله لشيء من خلقه لأنه كما
قال تعالى عن نفسه : : { لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(الشورى: من الآية11) .
وأن ما ظاهره التشبيه إنما يثبت على ما يليق بالله تعالى مع نفي
المماثلة جزماً ، ولا يصح نفيه لكونه يوهم التشبيه لأن هذا الفهم ( توهم التشبه )
أوهام وخيالات فاسدة يجب نفيها ، لا نفي حقيقة كلام الله رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا نفي حقيقة الصفة الثابتة اللائقة بالله تعالى ، فالنفي كذلك مقيد بعدم
التعطيل ( وهو إنكار الأسماء والصفات أو بعضها ) وبعدم التأويل أيضاً ؛ لأنه قول
على الله بغير علم ، وتحكُّم بالغيب ، ولأن الإثبات مقيَّد بعدم المماثلة ، والزعم
بأن شيئاً من أسماء الله وصفاته الثابتة بالنصوص : يُفهم التشبيه أو يوهمه هو ضرب
من الزيغ ، وعبث الشيطان بالناس وخيالات وأوهام فاسدة ، ووساوس عارضة ، يجب على
المسلم حين يشعر بها أن يستعيذ بالله من نزغات الشيطان وتوهيماته ، ولا يعوِّل على
تلك الوساوس .
كما أن كلمة ( التشبيه ) من الألفاظ المجملة ، المحتملة للحق
والباطل فإن قُصد بالتشبيه : التشابه اللفظي بين صفة الخالق وصفة المخلوق فهذا
حاصل ولا حرج فيه ( كالسمع والبصر ) مثلاً فهي للخالق سبحانه على الكمال وللمخلوق
على النقص فهذا التشابه اللفظي هو الذي جاءت به النصوص القطعية .
وإن قصد بالتشبيه المماثلة بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق في
الكيفية والخصائص فهذا هو المنفي بقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
}(الشورى: من الآية11) ومن الأول قوله تعالى{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
}(الشورى: من الآية11) فهو سمع وبصر ليس كسمع المخلوق وبصره .
وهذا مما أجمع عليه السلف بحمد الله
السلف
الصالح أهل السنة لا يحصرهم مذهب زعموا أن مذهب أهل السنة والجماعة ، يحصر أتباعه في الحنابلة (
أو الوهابية ) كما يعيرونهم ، وهذا الكلام باطل لا أصل له ، ويكذبه الواقع ، فأهل
السنة والجماعة والسلف الصالح هم خيار الأمة ، والطائفة المنصورة والفرقة الناجية
في كل زمان ، قبل ظهور الحنابلة وبعده ، وفي كل مكان وفيهم حنابلة وأحناف وشافعية
ومالكية ، وهذه مذاهب فقهية كل أئمتها الأربعة من أئمة السنة ، وأتباعها منهم من
سار على نهج السنة والسلف ، ومنهم من حاد عن ذلك .
وليس للحنابلة اختصاص
في ذلك ، وإن كان التفاوت حاصل في تبعية أتباع المذاهب الأربعة للسنة والسلف
وموازين الشرع هي المحتكم في ذلك .
والسلف الصالح على منهج واحد في العقيدة في كل زمان ومكان ،
فأهل السنة منهم المالكية والشافعية والأحناف كما أسلفت ، وهم بحمد الله بين هؤلاء
كثير وإن كانوا في الحنابلة أكثر ؛ لأن الإمام أحمد كان آخر الأئمة الأربعة وقد
تميز بمواقفه المشهورة في نصر السنة وأهلها ، والوقوف بحزم وقوة ضد البدع وأهلها .
ومن أئمة أهل السنة المنتسبين للمذهب المالكي : الإمام مالك وتلاميذه : ( كابن القاسم وسحنون وشهب القيسي ) .
وعلماء المالكية الآخرون مثل : ( أسد بن الفرات ، وعبد الملك بن
الماجشون ، ويحيى بن يحيى الليثي ، وإسحاق بن الفرات وأصبغ بن الفرج ، وابن وهب ،
وابن أبي زيد القيرواني ، وابن أبي زمنين ، وأبي القاسم خلف بن عبد الله المقري
الأندلسي والقاضي عبد الوهاب بن نصر ، وابن عبد البر ، وأبي عمرو الطلمنكي ، وأبي
بكر محمد بن موهب – شارح رسالة ابن أبي زيد – وأبي عمرو الداني ، والقاضي إسماعيل
بن إسحاق ، والقاضي أبي بكر الأبهري ، وعبد الله بن محمد القحطاني الأندلسي – صاحب
النونية - ، ومحمد الأمين الشنقيطي،وابن غنام الأحسائي :- من المعاصرين للشيخ محمد
بن عبد الوهاب ) .
ومن أئمة السنة المنتسبين للمذهب الشافعي : الإمام الشافعي وهو من كبار أئمة السنة والبويطي والمزني ، وابن
حبان ، وابن خزيمة، وابن خفيف والحاكم ، وابن سريح وابن الصلاح وابن النحاس حرملة
بن يحيى والأزهري – اللغوي – والصابوني ، وابن أبي حاتم ، وابن ثمامة والبغوي وابن
كثير والحافظ السلفي والدار قطنى والحميري وابن السني وأبو الحسن الأشعري ، وأبو
العباس الأصم ، والمزي والساجي والذهبي والدارمي – عثمان بن سعيد – واللالكائي ،
ومحمد بن نصر المروزي ،والمقريزي ، والمنذري وأبو محمد الجويني ) .
وكبار أئمة الشافعية ينصرون مذاهب السلف الصالح ويوصون بلزوم
السنة ، ويذمون البدع والأهواء وأهلها ( وإن كان عند بعضهم شيء من الزلات أو
موافقة أهل البدع في أمور ) كالبيهقي والخطابي والجنيد ، وأبي نعيم الأصبهاني
والعز بن عبد السلام ، والنووي والسيوطي والمناوي ، لكن مناهجهم في الجملة أقرب
إلى السنة ، على تفاوت بينهم .
وكذلك الأحناف : أبو حنيفة – رحمة الله – كان على السنة في الجملة ، وما خالف
فيه أهل السنة في مسألة الإيمان وميله للإرجاء زلة معروفة ومردودة ، عند السلف ،
لكنه لما اشتهر عنه الإمامة في الدين عرف له قدره ... وكذلك أصحاب أبي حنيفة –
الأوائل منهم – كانوا على السنة ، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وزفر وإبراهيم بن
طهمان وحفصُ بن غياث القاضي .
ومن الحنفية الذين على مذهب أهل السنة والجماعة في الجملة :
أبو سليمان ، موسى بن
سليمان الجوزجاني ت
200 هـ .
معلى بن منصور الرازي ت
211 هـ
شداد بن حكيم القاضي البلخي
ت 212 هـ
عبد الله بن داود ت 213 هـ
هشام بن عبيد الله الرازي ت
221 هـ
الليث بن مساور البلخي ت 226 هـ
يحيى بن أكثم التميمي القاضي ت 243
هـ
محمد بن أحمد بن حفص الزرقان ت 264 هـ
الحكم بن معبد الخزاعي ت
295 هـ
أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ت 321 هـ
ابن أبي العز الدمشقي الحنفي ت 712
هـ
أحمد بن عبد الأحد الفاروقي السهر ندي ت 1034 هـ
أبو البركات خير الدين نعمان الألوسي ت 1252 هـ
محمود شكري بن عبد الله الألوسي
محمد صديق خان بن حسن البخاري القنوجي ت 1307 هـ
محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني الهندي ت 1326 هـ
محمد إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي ت 1381 هـ
المعصومي الحنفي
البركوي الحنفي
أبو الوفاء درويش
وبعض هؤلاء الأحناف قد يميلون إلى مذهب المرجئة في الإيمان ،
وعند بعضهم شيء من الزلات ، ولكنهم على نهج السنة في سائر الأصول في الجملة على
تفاوت بينهم .
السلف ليسوا عملاء للسلاطين
زعموا أن السلف عملاء للسلاطين ، وهذا بهتان عظيم ، فأهل السنة
نصحة ، يقومون بما أوجبه الله ورسوله من السمع والطاعة بالمعروف ، النصيحة لمن
ولاه الله أمر المسلمين ، براً كان أو فاجراً .
فالسلف الصالح يسيرون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويأخذون بهديه وأمره ، ووصيته في كل أمر ، ومن ذلك وصيته صلى الله عليه وسلم وأمره بالسمع والطاعة بالمعروف والنصيحة لمن
ولاه الله أمر المسلمين وإن كان فاسقاً أو ظالماً ، وأمره بالصبر على ما يحدث من
الولاة المسلمين من الجور والظلم والأثرة مع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر
بالحكمة ، وكراهيته ما يصدر عن بعضهم من المظالم والمنكرات ، ومناصحة ولاة أمور
المسلمين عند السلف لا تعني مداهنتهم ولا الرضى بتجاوزاتهم كما يظن أهل الأهواء .
وهذا أمر مستفيض ثابت بأحاديث صحيحة ، في الصحيحين وغيرهما ،
وهو منهج السلف الصالح .
وقد ضاق أهل الأهواء والبدع والافتراق – بهذا الأصل الشرعي –
ذرعاً ، ولذلك كانوا ولا يزالون يتهمون السلف بالعمالة للسلاطين والمداهنة وتبرير
أخطاء الحكام ، أو الجبن والقعود ، وهذا من البهتان والجهل ، واستحكام الهوى ،
وتحكيم العواطف والأمزجة في دين الله وذلك أن :
من أصول أهل الأهواء الخروج واستحلال السيف ، أي الخروج على
الجماعة ، وعلى الولاة المسلمين بالسيف واستحلال ذلك إما أن يكون بالفعل والاعتقاد
كما عند الخوارج ومن سلك سبيلهم ، أو بالاعتقاد كما عند الجهمية والمعتزلة
والرافضة وغيرهم .
حيث يعتقدون استباحة الخروج ، لكنهم قد لا يتمكنون منه ؛ إما
بسبب الخوف أو لعدم القدرة على الخروج أو لانتظار رجل موهوم كما يعتقد الرافضة
فهؤلاء وأمثالهم لما استحلوا البدعة ، تنكروا للسنة .
قال أبو قلابة : ( ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف )
[5] ،
وذلك لأنهم رأوا وزعموا أن التزام السنة من المنكر الذي يجب عليهم الخروج عليه .
لذلك كان بعض السلف يسمي كل أصحاب الأهواء : خوارج ، أي أن
سمتهم الخروج فكان ( أيوب السختياني ) يسمي أصحاب الأهواء خوارج ، ويقول : ( إن
الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف )
[6].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ولهذا كان من أصول أهل السنة
والجماعة لزوم الجماعة ، وترك قتال الأئمة وترك القتال في الفتنة ، وأما أهل
الأهواء ، كالمعتزلة فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم ، ويجعل المعتزلة أصول
دينهم خمسة : التوحيد ... ) إلى قوله : ( والأمر بالمعروف والني عن المنكر ، الذي
منه قتال الأئمة )
[7].
منهج السلف : أن الخروج على الأئمة فتنة ، لذلك كرهوا القتال في
الفتنة مطلقاً ونهوا عنهأشد النهي ، أما أهل الأهواء فإنهم يسمون الخروج
والقتال في الفتنة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا من التلبيس والجهل .
قال شيخ الإسلام : ( فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مستلزماً من الفساد أكثر مما فيه من الصلاح لم يكن مشروعاً ، وقد كره أئمة السنة
القتال في الفتنة التي يسميها كثير من أهل الأهواء الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، فإن ذلك إذا كان يوجب فتنة هي أعظم فساداً مما ترك في الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، لم يُدفع أدنى الفسادين بأعلاهما ، بل يدفع أعلاهما باحتمال
أدناهما ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصيام
والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال
إصلاح ذات البين ،فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق
الدين )) )
[8].
وبعض أهل الأهواء : كالخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم يكفرون
الولاة بالمعصية ، ويستحلون قتالهم ، قال شيخ الإسلام : وقال تعالى : {فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }
(النساء:65)، فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه
أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً لكن عصى واتبع
هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة ، وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير
ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله ،
وقد حكم الله ، وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا
[9].
حتى صار من أبرز سمات أهل الأهواء ترك الصلاة خلف الفاسق
والمفضول ، فإن غالب أهل الأهواء لا يجيزون الصلاة خلف الفاسق ، وهو مذهب الخوارج
والزيدية والرافضة وجمهور المعتزلة .
[10] دعوى أن السلف يضعّفون الثقات من مخالفيهم
زعموا أن الحنابلة ويقصدون بهم أهل السنة ( السلف الصالح أهل الحديث
) : يضعفون ثقات المخالفين لهم ويوثقون ضعفاء الموافقين لهم .
وهذه فرية كبرى وجهل فاضح ، فإن موازين الجرح والتعديل عند أئمة
الحديث ، تقوم على موازين وضوابط ومقاييس علمية وشرعية وعقلية ، تقوم على العدل
والتثبت والعلم ، وكانوا يعّدون الإسناد من الدين .
ومن موازين الجرح والتعديل التي ضاق بها أهل الأهواء – قديماً
وحديثاً – رد رواية المبتدع الداعي إلى بدعته عند أكثر أهل العلم ، وذلك أمر
تقتضيه قواعد الشرع وموازين العلم .
فالبدعة ضلالة ، والمبتدع متهم في الدين من هذا الوجه وإذا دعا
إلى بدعته فهو قد أصر على الضلالة ، فكيف تقبل روايته إذا كان كذلك .
كما أن أهل الحديث والسلف الصالح يردون رواية كل من لم تتوافر
فيه شروط الرواية وإن انتسب للسنة وأهلها وإن كان من الصالحين والعُبَّاد .
وقد رد أهل الحديث
رواية كثيرين من أهل السنة كما هو معلوم مستفيض ، ويقبلون رواية الثقة ؛ وإن كان
ممن لهم زلات لا تطعن في ذمته ودينه ؛ولذلك كان بعض أهل الحديث يقبلون رواية
المبتدعة غير الداعي إلى بدعته إذا كان ثقة عندهم .
وآخرون يرون البدعة بحد
ذاتها جارحة ومؤثرة في العدالة .
وقد شهد عقلاء العالم – قديماً وحديثاً – أن موازين الجرح والتعديل
والقواعد التي وضعها السلف أهل الحديث لضبط الأسانيد والمتون وأحوال الرجال ، هي
أدق موازين ومقاييس في تقويم الرواية والدراية عرفتها البشرية إلى اليوم .
وذلك تحقيق لوعد الله تعالى بحفظ هذا الدين ، ومن مقتضيات
انقطاع الوحي وختم الرسالة .
دعوى تعصب أهل السنة لمذهبهم ولعلمائهم
وغلوهم فيهم
المستفيض عن أهل السنة ، أئمتهم وأتباعهم ، مقت التعصب والغلو
أياً كان ، ولذلك قد يصفعهم أهل الأهواء الذين يغلون في الرجال بأنهم ( جفاة ) .
كما أن أهل السنة يثنون على علمائهم ويقتدون بهم بحق ، كما أمر
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس هذا غلواً .
أمَّا ما يحدث من بعض علماء السنة وبعض طلاب العلم فيهم أو
عوامهم من غلو أو عصبية قد تخرج عن الحد الشرعي ، فهو من الأخطاء الفردية ، فيجب
أن لا تحسب هذه الأخطاء على المنهج نفسه ، أو على أهله بجملتهم ، إنما تقاس الأمور
بالمناهج والقواعد والأصول ، وما عليه أهل العلم والاستقامة والقدوة في الجملة ،
وترد إلى أدلة الكتاب والسنة .
كما أن غلو بعض المنتسبين للسنة في علمائهم جهلاً أو إفراطاً ،
فإنه إن حصل فهو لا يصل إلى العبادة و التقديس واعتقاد العصمة ، كما عند غيرهم ،
فهو – أعني الغلو والتقديس – عند غيرهم هو الأصل .
كما أن هذا – أعني الغلو والتقديس – نادرٌ جداً ليس عليه إلا
الشاذ ، وهو مردود أيضاً لا يقر عند جمهور أهل السنة فلا يحسب على النهج والعموم .
كما أن هذا لم يحدث من العلماء القدوة والأئمة الكبار – بحمد
الله – إلا في زلات نادرة ، أو تعبيرات شاذة – ومع ذلك – فإن أهل السنة إذا حدث
هذا ممن ينتسبون إلى السنة أو غيرهم ، أنكروه ولم يقروه ، كما فعل الشيخ بكر أبو
زيد في المناهي اللفظية ص( 488 ،489 ) حيث أنكر بعض العبارات التي أطلقها البعض في
حق بعض أئمة السلف .
أما أهل الأهواء– نظراً لأنهم مفرَّطون في اتباع السنة– فمن
الطبعي أن يصفوا التمسك بالسنة غلوّاً وتعصباً وتحجراً ونحوه ذلك
** وزعموا أن أهل السنة يشهدون لمن يوافقهم بالعدالة ويجرحون من
يخالفهم .
وهذه فرية وجهل كبير ، فإن أهل السنة اعتمدوا للجرح والتعديل
قواعد شرعية دقيقة ، ومقاييس علمية منضبطة حفظ الله بها السنة إلى قيام الساعة .
وميزان الجرح والتعديل لدى أهل الحديث ، أهل السنة يقوم على
العدل وعلى الموازين الشرعية .
ورد رجال الحديث للرواة الذين ينتسبون لأهل البدع والأهواء إنما
كان لحماية السنة من الأهواء ، لا لمجرد كونهم من المخالفين ، ولا لمجرد الانتماء
، مع العلم أن الانتماء لغير السنة أمر قادح ، ومع ذلك لا يردون رواية المبتدعة
مطلقاً ؛ إنما يردون رواية المبتدع الداعي إلى بدعته ، أو إذا كانت الرواية تنصر
بدعته وتوافق ما يذهب إليه .
وقالوا عن السلف بأنهم : ( عثمانية ) لأن أهل الأهواء يقدحون في
عثمان – رضي الله عنه – ويرون من لم يقدح فيه فهو ( عثماني ) وهذا حق أريد به باطل
.
وقالوا عن السلف بأنهم : ( حنابلة) و( بربهارية ) و (وهابية )
لأن كلاً من الإمام أحمد بن حنبل ، والإمام البربهاوي والإمام محمد بن عبد الوهاب
من أئمة السنة وعلماء السلف الصالح الذين نصروا السنة وأنكروا البدع وحذروا الأمة
منها ومن أهلها .
وهذه – بحمد الله – تزكية حيث نسبوا السلف إلى هؤلاء الأئمة
العدول الثقات الصالحين
. أهل السنة لا يكفرون المسلم إلا بدليل
أهل السنة والجماعة لا يكفرون المسلم , ولا يخرجونه من الملة
إلا بدليل , وتتخلص قواعد التكفير عندهم فيما يلي :
1- من
حكم الله بكفره (وهو الكافر الأصلي) فإن تكفيره من المعلوم من الدين بالضرورة ,
كأهل الكتاب (اليهود والنصارى) والمجوس والصائبة والمشركين والملاحدة , وكل من لم
يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهؤلاء كلهم ومن في حكمهم كفار
قطعاً .
2- من
حكم بإسلامه , هو المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، لا
يخرج من الإسلام ، إلا بموجب يقوم عليه الدليل ، ويحكم به أهل الاجتهاد من العلماء
الذين يفقهون شروط وموانعه الشرعية .
3- ليس
كل من قال كفراً أو فَعَلهُ كفر إذا كان مثله يجهل ولم يكن ذلك من الأمور المعلومه
.. من الدين بالضرورة ؛ حتى تتوافر الشروط وتنتفي الموانع في حق المعين من الأشخاص
أو غير المعين من الفرق والجماعات ونحوها .
4- أن
الكفر أنواع وشعب ، كما أن الإيمان شعب وأنواع ، فليس كل كفر يوجب الخروج من الملة
.
فالسلف الصالح أهل السنة والجماعة ، لا يكفرون إلا بأدلة وبينات
، وما زعمه بعض المفتونين ، وأهل الأهواء – قديماً وحديثاً – من أن أهل السنة
والجماعة – وقد يسمونهم ( الحنابلة ) – من أخطائهم ... وفي كتبهم : ( التكفير
والتبديع وتوابعها من التضليل والتفسيق والشتم واللعن والبذاءة )
[11].
فهو من الجهل والتحامل إذ أن ما اشتملت عليه كتب السلف من ذلك
إنما هو تقرير للحق ، فإن هذه الأوصاف جاء بها الشرع ، ويستحقها من فعل موجبها ،
أو قاله بالشروط والضوابط الشرعية التي يعرفها أهل العلم ، أما ما ادعاه هؤلاء
المفتونون من كتب السلف اشتملت على هذه الأحكام بغير حق ، أو أن ذلك عدوان وظلم
للآخرين .
فإن هذا محض افتراء ، ليس له من المستمسك إلا اتباع المتشابه من
الأقوال والمواقف ، وقد لبَّس بعض أهل الأهواء على الناس وافترى على أهل السنة ، فزعم أنهم يكفِّرون
خصومهم ، من الجهمية والشيعة والمعتزلة والقدرية والمرجئة ونحوهم .
وهذا كذب وافتراء فإن أهل السنة لم يكفروا هذه الفرق بإطلاق ،
لكنهم كفروا من قام الدليل على كفرهم من غلاة هذه الفرق ، كالجهمية ، والإمامية
وهم من غلاة الشيعة وغلاة القدرية ، وغلاة المرجئة .
وكذلك التبديع والتضليل والتفسيق إنما يطلقه علماء السلف على من
يستحقه شرعاً ، وهذا عمل بشرع الله وقيام بما أوجبه الله قال سبحانه : { أَ
فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }
(القلم:35-36) وقال سبحانه:{ أ َفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ }
(السجدة:18) .
كما زعموا : أن أئمة السنة مثل : البربهاري وابن تيمية وابن
القيم وهم من أئمة السنة وأعلامها يكفرون المخالفين لهم ويكفرون بعض المسلمين ،
هذا تحامل ظاهر ، فإن هؤلاء العلماء إنما حكموا بما قام به الدليل على أنه كفر من
المقالات والاعتقادات والأقوال والأعمال ، ولم يتعرضوا لتكفير المعيَّن إلا نادراً
، وباجتهاد سائغ شرعاً على مقتضى الدليل ، وهذا هو المنهج الحق .
وقد يحدث من بعض المنتسبين للسنة والجماعة ، من العامة أو طلاب
العلم أو العلماء تكفير أو تفسيق أو سب على غير الوجه الشرعي ، وقد يكون من بعض
أفرادهم ظلم أو عدوان ، أو هوى هو فيه مخطئ ، أو يكون ذلك من أحدهم عن اجتهاد خاطئ
، وزلة غير مقصودة . ونحو ذلك مما يعتري سائر البشر ، نعم قد يحدث مثل هذه الزلات
من بعض أفراد السلف أهل السنة والجماعة – وهو نادر جداً بحمد الله – وليس هو
المنهج الذي يدينون به ويعتقدونه وليس ذلك من هديهم ولا خلقهم ، ولا يقرونه ، كما
هو مستفيض في كتبهم وسيرهم ، فهم خيار الناس وعدولهم لكن ليس لأفرادهم عصمة ،
والميزان فيما يصدر عن أفرادهم الكتاب والسنة ، فهذا مشربهم ، فما وافق الدليل
أقروه وإن كان صادراً عن غيرهم ، وما خالف الكتاب والسنة ضربوا به عرض الحائط وإن
قال به أو فعله أحدهم ، كما صرح بذلك كبار أئمة السلف ، وعليه العمل – بحمد الله –
ومن تجاوز الحق فقد أخطأ كائناً من كان .
وقد يطلق بعض السلف على بعض المقالات أنها كفرٌ أو الفرق أنها
كفرت ، أو أكفر من اليهود والنصارى والمشركين ونحو ذلك ، وهذا إما يقصد به الحكم
من بعض الوجوه ، كأن يقال فيمن سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم – من
الإمامية ونحوهم – هذا أشد أو أكفر من اليهود ، ويقصد من هذا الوجه ، لأن اليهود
لم يسبوا أصحاب موسى ، وهؤلاء الإمامية سبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو
يقصد بذلك الوعيد والتنفير من المقالات الفاسدة ، وقد يكون ذلك من الخطأ والزلة
التي لا يُقر قائلها ، لكنها لا تحسب على السلف ولا على منهجهم فهو الأسلم والأعلم
والأحكم.
وزعموا أن من أخطاء السلف الاستعداء على الخصوم وإرهاب
المخالفين والانتقام ونحو ذلك ، وهذا من تلبيس أهل الأهواء ، فإن السلف كانوا –
ولا يزالون بحمد الله – قائمين بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة
لله تعالى ، ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم بالتحذير ، من البدع
والأهواء وأهلها ، والاحتساب على أهل البدع ، ويدخل في ذلك تحذير شباب الأمة
وعامتهم وولاتهم من البدع وأهلها .
بل ويدخل في أداء هذا الواجب السعي إلى تعزير دعاة البدع
والأهواء والفساد ومروجيها ،والطاعنين في السنة وأهلها : لأنهم خراب السفينة .
وقيام السلف بهذا الواجب يسميه أهل الأهواء : ( استعداء )
وتضييقاً وحجراً ، وإرهاباً للمخالف .
وهو حق وبحق ؛ حيث كان فعل السلف هذا تجاه أهل الأهواء استعداء
مشروعاً ضد الباطل ، وتضييقاً وحجراً للباطل وأهله ، وجهاداً مشروعاً لا إرهاباً ،
وما يحدث في نفوس أهل الأهواء من الذل والخوف والرعب من السنة وأهلها ، ليس من صنع
السلف ، لكنه بما وعد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين من النصر
بالرعب ، وتخويف أعداء الله ورسوله ، ويدخل في ذلك زعم أهل الأهواء بأن السلف
يفتون بقتل المخالف ، وهذا فيه حق وباطل .
وجه الحق فيه أن السلف يجتهدون ويحتسبون علي المخالفين للحق
والسنة على حسب أدلة الشرع وقواعد الدين ، فإذارأوا صاحب بدعة مكفرة
داعياً إلى بدعته يحارب السنة ويفرق الأمة بذلك ، أقاموا عليه الحجة وبينوا له وجه
الحق بالدليل ، واستتابوه فإن انصاع للحق وكفّ عن الدعوة إلى ضلالته ، وتوقف عن
نشر الفساد ، فهذا ما يسعون إليه ، وإن لم يفعل حكموا شرعاً بكف شره عن المسلمين
بأدنى ما يندفع به شره من الجلد أو الحبس أو النفي ونحو ذلك ، فإن لم ينكف شره
وفساده إلا بالقتل فهذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فيه .
كما فعل الصحابة مع الخوارج حين قاتلوهم ، ومع غلاة الشيعة
الزنادقة ( حين حرّقهم علي – رضي الله عنه - ) .
وكما فعل الصحابة قبل ذلك مع مانعي الزكاة ، وكما فعل أئمة
الإسلام من التابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم ، مع الجعد بن درهم ، وغيلان
الدمشقي ، والجهم بن صفوان ، وبيان بن سمعان وأبي منصور العجلي والمغيرة بن سعيد ،
والحلاج ، وبشار بن برد ، والشلمغاني ، وصالح بن عبد القدوس والسهروردي المقتول .
وأضرابهم من رؤوس
الضلالة ورموز البدع والأهواء الذين يتباكى عليهم أخلافهم اليوم ، ويزعمون أن
إعلان حكم الشرع فيه ظلمٌ وحجرٌ واستعداءٌ ونحو ذلك .
تقديم
...............................................................................................2
تمهيد
................................................................................................4
الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
والسلف الصالح هم القدوة في الدين .........18
مصادر الدين هي : الكتاب والسنة ( الوحي فحسب ) ....................................19
مصادر التلقي عند أهل
الأهواء .............................................................21سلامة منهج الاستدلال عند السلف أهل
السنة وفساد مناهج المخالفين في ذلك .......22
عبارة : ( أهل السنة والجماعة ) وصف شرعي .........................................25
مفهوم
أهل السنة والجماعة الشرعي والاصطلاحي .....................................27أصول الدين ( العقيدة ) هي أركان الدين
وقطعياته .......................................32
السلف ( أهل السنة والجماعة ) لا
يختلفون في أصل من الأصول .....................35
اختلاف الصحابة والسلف الصالح لم يصل
إلى التنازع والافتراق .....................38
مزاعم الفرق بأن بعض الصحابة على مذاهبها
............................................42
منهج السلف يقوم على السنة والاتباع
ومنهج مخالفيهم يقوم على الابتداع ............44
السنة تجمع المسلمين ، والبدع والأهواء
تفرقهم ...........................................55
الأهواء والبدع ومصنفاتها هي سبب تفرق
المسلمين .....................................61
مصطلح العقيدة ليس بدعياً ....................................................................62
الفرق الضالة امتداد للأمم الهالكة
............................................................63
أخطاء وزلات بعض المنتسبين إلى أهل
السنة والجماعة ليست من منهجهم ..........66
الاحتساب على البدع وأهلها واجب شرعي
وليس ظلماً ..................................67
دولة
بني أمية كانت على السنة في الجملة ...............................................73التحامل على السلف وكبتهم ومنهجهم
.......................................................75
دعوى
وجود الاستطرادات في كتب السلف ................................................76من مفتريات أهل البدع والأهواء
والافتراق على السلف وكشف مصطلحاتهم في ذلك .........77
الوقيعة في السلف من أصول أهل الأهواء
وسماتهم ......................................79
عقيدة السلف الصالح ليست من ردود
الأفعال وليس فيها إضافات ......................87
منهج السلف الصالح لم يكن نتيجة
الصراعات والأحداث ................................91
أهل السنة ليسوا نواصب ولا جبرية
.........................................................92
اتهام السلف بالتجسيم والتشبيه
................................................................94
السلف الصالح أهل السنة لا يحصرهم مذهب
..............................................96
السلف ليسوا عملاء للسلاطين
................................................................99
دعوى أن السلف يضعّفون الثقات من
مخالفيهم ..........................................102
دعوى تعصب أهل السنة لمذهبهم ولعلمائهم
وغلوهم فيهم .............................103
تعيير السلف بما يمدحون به
................................................................105
أهل السنة لا يكفرون
المسلم إلا بدليل ...................................................106
المحتويات ..................................................................................
[1] - انظر مقالة ما يسمى ( سعود الصالح ) ! ضمن
مذكرة : في كتب العقائد ، ص ( 219 – 226 ) .
[2] - أقول ذلك لأن مدعي هذه المزاعم من الدارسين في
الدراسات العليا ، وقد درسته في السنة المنهحبة من مرحلة الماجستير .
[3] - انظر مقالة ما يسمى ( سعود الصالح ) ضمن مذكرة : قراءة في كتب العقائد ـ ص ( 219 – 226 )
[4] - رواه الدارمي في سننه ( 1 / 991 ) .
[5] - اللالكائي ( 1 /134 ) ، والدارمي ( 1 / 44 –
45 ) ، والآجري ( 1 / 64 ) ، والشرح والإبانة ( 138 ) وقال المحقق : وأخرجه
الدارمي بإسناد صحيح .
[6] - اللاكائي ( 1 / 143 ) ، وسير أعلام النبلاء (
6 / 21 ) .
[7] - الفتاوى 28 / 128 ، 129 .
[8] - الاستقامة ( 1 / 330 ) .
[9] - منهاج السنة ( 5 / 131 ) .
[10] - انظر الفصل ( 5 / 29 ) .
[11] - انظر : قراءة كتب العقائد ص
105 .