كشف شبهات
حسن المالكي
كتبه
ناصر بن حمد الفهد
1422
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته أجمعين ، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد ظهر مبتدع زيدي اسمه (حسن بن فرحان المالكي) أخذ ينفث سمومه بين أهل السنة ، وأعانه على ذلك بعض من أضله الله ، فقام بجمع ما تفرق من أقوال أهل البدع في كل باب ، وضم بعضها إلى بعض ، وطرحها بين الناس ثم صاح : هذا هو العلم ، وما درى أنه ينادي بنداء الجاهلين ، وأن فعله هذا رأس مال المفلسين !.
فكل أحد يستطيع الهدم وإثارة الشبه في كل باب! وإذا كان المالكي ـ بفعله هذا ـ يظن أنه يهدم مذهب أهل السنة (الذين يتستر
بتسميتهم حنابلة) ، فإن كل مبطلٍ يستطيع فعل ما فعله على أصل دين الإسلام !. فيأخذ بعض المتشابه من الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة والأئمة ويضرب بعضها ببعض ، ويرجف بالعبارات ، ويحرف ألفاظاً ونصوصاً ، ويقول هذا دينكم.!!
ولا يعد هذا الباب من العلم في شيء ، بل هو من أبواب الجهل والضلالة والهوى والزيغ .
واعلم أن المالكي لم يأت بجديد ، وكل ما عمله هو السطو على بدعٍ قيلت قبله ، ثم ساقها مساقاً واحداً على أنها من بنات أفكار (المحقق المدقق!!) – كما سيأتي تفصيله إن شاء الله -.
لذلك فاعلم – وفقك الله – أن كلامي هنا ليس حواراً مع المالكي وزمرته ولا موجهاً إليه ، لثلاثة أمور :
الأول : أن هذا الرجل قد لج في الضلالة والعماية ، فقد خوطب ونصح ، ورد عليه أهل العلم بكتب ورسائل معروفة ، فما زاده ذلك إلا غياً وضلالاً .
الثاني : أن مقام الرجل ، ومحله من العلم أقل من أن ينفرد ببدعة ، وإنما يجتر بدعاً قيلت قبله ويسوقها – على اختلاف أهلها وتباينهم- حرباً على السنة وأهلها ، وكل بدعة من هذه البدع التي اجترها قد رد عليها أهل العلم رحمهم الله كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، فلن نأتي بجديد .
الثالث : أن أبلغ علاج للمالكي ومن وافقه هو علاج الشافعي رحمه الله لأهل الكلام حيث قال (حكمي على أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم بين العشائر والقبائل ويقال : هذا جزاء من ترك كتاب الله وأقبل على الكلام) ، فأجزم أن هذا العلاج سوف يزيل كثيراً من وساوسهم ، فعلى من ولاه الله أمر المسلمين أن يأخذ على يد هذا السفيه وأتباعه ويعزرهم تعزيراً بليغاً ؛ فإن تركهم إفساد للدين وتلبيس على المسلمين .
وليعلم الناظر في هذه الرسالة أن المالكي ملأ الدنيا صياحاً و طلب المناظرة مراراً ، وطبل له أتباعه ، فوافقت عليها وأعلنت له استعدادي للمناظرة على شبكة الإنترنت ولكنه تهرّب بحججٍ واهية ، وكرّرت له طلبي للمناظرة ثمان مرات ، في كل يومٍ مرة ، من يوم الجمعة 12 / 6 / 1422 إلى يوم الجمعة 19 / 6 إلا أن الرجل اختفى وكأنه لم يوجد ، ثم ظهر في بعد الساعة الواحدة من منتصف ليلة السبت – بعد انتهاء المهلة – ووافق على المناظرة ، فوافقت على ذلك مباشرة ، ومع بدء الترتيب لها وبعد أقل من يوم اعتذر عنها بحججٍ أوهى من بيت العنكبوت!!.
إذا تبين هذا فاعلم أنني إنما كتبت هذه الرسالة لإخواني من أهل السنة ، لتكون عوناً لهم في كشف شبهات هذا الدجال .
وبما أن المالكي لم ينفرد ببدعة ، بل جمع من أقوال أهل البدع ما جمع ونشرها بين الناس ، فالرد عليه في كل بدعة ساقها سيكون طويلاً مملاً ، وقد كفانا العلماء رحمهم الله كثيراً من مؤنة الرد على أهل البدع ، لذلك فقد جعلت هذه الرسالة في أربعة فصول :
الفصل الأول : في أصول مذهب المالكي :
وبه يتبين مذهبه ، و على أي شيء أقام بنيانه وشيد أركانه ، ومن أين اجتر بدعه التي لوّح بها في كتبه .
الفصل الثاني : في أصول تكشف شبهات المالكي في التوحيد والشرك:
وقد ذكرت فيه أصولاً تعين طالب الحق إن شاء الله على كشف شبهاته التي بثها في كتاب نقض كشف الشبهات حول دعوة التوحيد .
الفصل الثالث :في أصول تكشف شبهات المالكي في السنة والبدعة:
وقد ذكرت فيه أصولاً تكشف شبهات المالكي التي بثها في كتابه (قراءة في كتب العقائد) وفي رسائله الأخيرة .
الفصل الرابع :في أصول تكشف شبهات المالكي في التاريخ والصحابة:
وقد ذكرت فيه أصولاً تكشف شبهات المالكي التي بثها في كتبه التي عن الصحابة والتاريخ .
وأسأل الله تعالى أن يجعل ما كتبته خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به من قرأه ، وصلى الله على نبينا محمد .
كتبه / ناصر بن حمد الفهد
الرياض
جمادى الآخر - 1422
الفصل الأول
أصول مذهب المالكي
سبق أن ذكرت أن المالكي أحقر من أن ينفرد ببدعة ، بل كل البدع التي جاء بها إنما يسرقها من مبتدعة قبله ، لذلك فقد جمع المالكي كثيراً من أصول المبتدعة – على اختلاف فرقهم- ، وسوف أسوق فيما يلي بعضاً من أهل البدع والضلالة الذين تأثر بهم المالكي :
أولاً : مشابهته للزيدية والروافض :
الزيدية مذهبه ودينه الذي تربى عليه ، فهو زيدي الأسرة والمنشأ (1) ، وتأثره بهم وبالروافض ظاهر جداً في رسائله وكتبه ، ومن مظاهر هذا التأثر ما يلي :
أولاً : إثارته الكلام حول الصحابة ، وسبه لبعضهم ، وغضه من قدر أبي بكر وعمر ،وإكثاره من الخوض فيما شجر بين الصحابة .
ثانياً : غلوه في علي رضي الله عنه ، حيث لا يكفيه الترضي عنه وذكر مناقبه وحبه ، ولا يقنعه تخطئة من قاتله من الصحابة متأولاً ، بل لابد من الوقيعة فيهم ، ونفي الصحبة عنهم ، وإلصاق المعايب بهم ، بل وصل به الحال إلى تقرير أن لعن بعضهم ليس بالأمر المستنكر عند العلماء .
ثالثاً : انتقاداته للكتب التي ترد على الروافض و تدافع عن الصحابة ككتاب (العواصم) لابن العربي ، و (منهاج السنة) لشيخ الإسلام (2).
رابعاً : تسميته أهل السنة (ناصبة) ، كجعله شيخ الإسلام ابن تيمية ناصبياً ، وقد ذكر أهل العلم أن من صفات الروافض أنهم يسمون أهل السنة نواصب.
خامساً : أن كلامه في كثير من هذه الأمور مسروق من كتب الروافض والزيدية (1).
سادساً : عداؤه وحقده على أهل السنة والجماعة وأئمة السلف وأئمة الدعوة النجدية (2).
ثانياً : مشابهته للسبئية :
فالمالكي أشبه (عبد الله بن سبأ) في ثلاث خصال :
الأولى : أن (عبد الله بن سبأ) يهودي دخل دين الإسلام لإفساده كما دخل (بولص) دين النصرانية لإفسادها ، و (المالكي) زيدي دخل مذهب أهل السنة لإفساده ، فهو بحق (بولص أهل السنة) .
الثانية : أن (عبد الله بن سبأ) جعل التشيع لآل البيت ستاراً له في الإفساد ، و (المالكي) كذلك .
الثالثة : أن (عبد الله بن سبأ) تدرج في إفساده الدين ، فقد أظهر أول أمره النسك والدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم لم يزل يلقي الشبه في قلوب العامة حتى جمع حوله بعض الجهال ، ثم سعى في قتل عثمان رضي الله عنه ، وحصلت الفتن بعد قتله بسببه ، ثم ادعى أن علياً رضي الله عنه هو الوصي ، ثم ادعى فيه الألوهية .
و (حسن المالكي) أظهر في أول أمره السنة والحرص على دروس أهل السنة كالشيخ ابن باز رحمه الله وغيره ، والحرص على منهج المحدثين ، ثم لم يزل يلقي بعض الشبه في مجالسه وفي صفحات الجرايد ، حتى جمع حوله بعض أهل الأهواء ، ثم صرّح في مجالسه وبعض محاضراته في أماكن مشبوهة بسب معاوية وإخراج مسلمة الفتح من الصحابة ، ثم تدرج به الأمر إلى أن كشر عن أنيابه ، وأظهر ما في نفسه من حقد على أهل السنة والجماعة في كلامه على كتب عقائد أهل السنة ، وعلى الصحيحين وغيرها.(1)
ثالثاً : مشابهته للمنافقين :
فقد أخذ منهم خصلتين أيضاً :
الأولى : أنه إذا حدث كذب :
والأمثلة على كذبه كثيرة ، منها :
1- أنه قال في كتابه (قراءة في كتب العقائد) إنه سني سلفي حنبلي !! مراراً ، وكذب في ذلك ، فهو على أحسن أحواله زيدي من غلاتهم .
2- أنه ادعى في كتابه (قراءة في كتب العقائد) أنه يتكلم على عقيدة غلاة الحنابلة ، وإنما يتكلم في حقيقة الأمر على مذهب أهل السنة والجماعة ، فقد ساق في كتابه هذا كلاماً لرجالٍ – لم يسمهم – هم من أئمة السنة قبل أن يخلق الإمام أحمد ، وقبل أن يوجد الحنابلة ، منهم :
عبد الله بن المبارك ، والأوزاعي ، ومالك ، وحماد بن سلمة ، وسفيان بن الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع ، ويزيد بن هارون ، وغيرهم من أئمة السنة رحمهم الله . حيث ساق أقوالهم وكأنها من أقوال (عبد الله بن أحمد) في كتاب (السنة) ، وأقوالهم هذه رواها غير عبد الله بن أحمد كالبخاري في (خلق أفعال العباد) و الخطيب في (تاريخه) والدارمي في ردوده وغيرهم . (1)
3- أنه ادعى أن الشيخ عبد الله السعد يصحّح أحاديث ضعيفة وموضوعة في العقيدة ، وأقسم بالله أنه أول من يعلم كذب هذه الدعوى .
4- أنه ردّد مراراً في (شبكة الإنترنت) وفي مقابلات صحفية أنه يطلب المناظرة من كل من يعارضه ، وكذب في ذلك ، لأن كاتب هذه السطور طلبها منه فتهرّب ورفض بحججٍ واهيةٍ(2).
وأكاذيبه كثيرة جداً ، وهذه أمثلة فقط !.
الثانية : أنه إذا خاصم فجر :
والأمثلة على ذلك ظاهرة في ردوده على من أصدروا فتاوى في التحذير منه ، فقد تكلم على الشيخ حمود الشعيبي والشيخ علي الخضير والشيخ عبدالله السعد – حفظهم الله - ووصفهم بأنهم من غلاة الغلاة ، وأنهم تكفيريون حرورية ، وهابية ، متعصبون .
رابعاً : مشابهته للسوفسطائية :
وهم فرق ؛ منها فرقة (اللا أدرية) وهم الذين يقولون : لا نعرف شيئاً من ثبوت الموجودات ولا انتفائها ، بل نحن متوقفون في ذلك ؛ لأننا سبرنا المذاهب فوجدنا أهل كل مذهب يدعون العلم بصحة مذهبهم وبطلان المذهب الآخر.
ومن يقرأ كلام المالكي في الشرعيات –خصوصاً المتأخر منه – يجده مشابهاً لهذه الفرقة –وإن كان كلامهم في العقليات- ، فهو يقول : إنه سبر المذاهب كلها ووجد كل فرقة تدعي أن الحق معها وأن الأخرى ضالة لذلك فهو لا يجزم بأن هذه الفرقة على الحق والأخرى باطلة ، ومن يرى طريقته في الجدال لرد الحق يعلم مدى شبهه بفرقة (اللاأدرية)!!.
وقد أحسن ابن بدران رحمه الله تعالى في وصفه علاج هذه الفرقة حيث قال (1) :
(ومن يناظرهم يبقى في حيرة من أمره لأنهم ينكرون حقيقة الدليل ومقدماته وسائر الأشياء ، فلا يقطعهم إلا الضرب حتى يجدوا ألمه ، والإلقاء في النار حتى يقال لهم (ذوقوا مس سقر)).
خامساً : مشابهته للمعتزلة و الجهمية :
ولا غرابة في هذا ؛ فأصول الزيدية هي أصول المعتزلة في أبواب القدر والأسماء والصفات(1) ونحو ذلك ، فقد جاء من منبته فلا عجب !!، وقد وافقهم في خصال منها :
الأولى : كلامه في الأسماء والصفات بنحو كلام الجهمية في كتابه (قراءة في كتب العقائد) .
الثانية : وصفه أهل السنة بأنهم مجسمة ومشبهة(2) ، ومن صفات الجهمية وصفهم لأهل السنة والجماعة بأنهم (مشبهة أو مجسمة أو حشوية).
الثالثة : حقده على أئمة السنة كالإمام أحمد وابنه عبد الله والبربهاري وشيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم الذين ألجموا الجهمية وكبتوهم.
الرابعة : تعظيمه لأئمة الجهمية والقدرية كالجعد بن درهم والجهم بن صفوان وغيلان القدري ، وتكذيبه لما ينسب إليهم ولو كان الناقل ممن أجمع على عدالته وأمانته.
سادساً : مشابهته لأهل الكلام :
وقد أشبههم في خصلتين :
الأولى : نهمته في التشكيك ، فتجده يشكك دائماً في المسلمات والثوابت ، ويورد الشبه في كثير من المسائل في التوحيد والإيمان والصحابة وأقوال السلف وصحة الأحاديث ومجريات التاريخ وغير ذلك ، فلا يخرج له كتاب أو رسالة إلا في الهدم و التشكيك ، وهذه من صفات المتكلمين الذين ذمهم السلف رحمهم الله .
الثانية : أن رأس ماله من العلم هو الاعتراض ، والقدح في الأدلة ، والجدل المذموم ، وإيراد الشبه ، وهذا رأس مال المتكلمين ، وهو ليس من العلم في شيء .
قال شيخ الإسلام رحمه الله –عن المتكلمين- (1):
( أنك تجدهم أعظم الناس شكاً واضطراباً وأضعف الناس علماً ويقيناً ، وهذا أمر يجدونه في أنفسهم ويشهده الناس منهم وشواهد ذلك أعظم من أن تذكر هنا . وإنما فضيلة أحدهم باقتداره على الاعتراض والقدح والجدل ومن المعلوم : أن الاعتراض والقدح ليس بعلم ولا فيه منفعة ، وأحسن أحوال صاحبه : أن يكون بمنزلة العامي وإنما العلم في جواب السؤال . ولهذا تجد غالب حججهم تتكافأ إذ كل منهم يقدح في أدلة الآخر).
سابعاً : مشابهته للقبوريين :
ويظهر هذا جلياً في كتابه (نقض كشف الشبهات) حيث أعاد ما قاله أسلافه من علماء القبوريين كابن جرجيس والزهاوي ودحلان ونحوهم ، في الدفاع عن المشركين و عباد القبور ، ورمي أهل التوحيد بالغلو ومذهب الخوارج والتكفير بغير حق ، فأشبه القبوريين في أمور كثيرة منها:
الأول : أنه لا يفرق بين التوحيد والشرك .
الثاني : أنه لا يفرق بين توحيد الربوبية والألوهية .
الثالث : رميه أئمة الدعوة بأنهم خوارج لتكفيرهم عباد القبور .
الرابع : جعله عباد القبور من المؤمنين .
الخامس : جعله طلب الشفاعة من القبر – من الأمور الجزئية اليسيرة - .
ثامناً : مشابهته للمرجئة :
فهو يشبه غلاة المرجئة (الكرامية) الذين يقولون بأن الإيمان هو القول فقط ، فمن نطق بالشهادة فهو مؤمن عندهم .
وتقريرات المالكي في كتابيه (قراءة في كتب العقائد) و (نقض كشف الشبهات) جارية على هذا القول ، حيث يرد تكفير سلفنا من أهل السنة رحمهم الله تعالى لسلفه من أهل البدعة والضلالة بأن سلفه (الجهم والجعد وغيلان ونحوهم) مؤمنون ينطقون الشهادة !!.
ويرد على تكفير أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله لعباد القبور بنحو هذا أيضاً!!.
تاسعاً : مشابهته لليهود :
وهو أنهم قومٌ بهت :
كما ثبت في الصحيح عندما أسلم عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، إن اليهود قومٌ بهت ، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي . فجاءت اليهود ، فقال النبي : أيّ رجل عبد الله بن سلام ؟. قالوا: خيرنا وابن خيرنا ، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي : أرأيتم إن أسلم ؟. قالوا : أعاذه الله من ذلك . فأعاد عليهم ، فقالوا مثل ذلك ، فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله . قالوا : شرنا وابن شرنا ، وتنقصوه .
وطريقة المالكي مع موافقيه ومخالفيه هي طريقة اليهود في هذا ، وهي منه على وجهين :
الوجه الأول : كلامه على النوع وإن اختلف الشخص:
فمن وافقه على بدعته مدحه ولو كان مبتدعاً ، ومن خالف بدعته سبه ولو كان سنياً ، ومثال ذلك :
أن الشيعي العلوي الصوفي (محمد بن عقيل الحضرمي ) لما ألف كتابين في شتم معاوية – رضي الله عنه وأخزى مبغضيه – وصفه هذا (المحقق المالكي) بأنه (عالم سني)(1) .
ولما خالفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا ، وصفه بأنه ناصبي !!.(2)
الوجه الثاني : كلامه على الشخص الواحد :
فهو يتكلم في الشخص الواحد أحياناً كما تكلم اليهود في عبد الله بن سلام رضي الله عنه ، فإذا وافقه أو سكت عليه مدحه ، وإذا خالف بدعته أو تكلم فيه سبه :
ومن أمثلة ذلك موقفه من الشيخ عبد الله السعد – وفقه الله - ، فإن المالكي أثنى عليه ومدحه في مجالس ، ومدحه على صفحات الجرايد ، ثم بعد أن أصدر الشيخ عبد الله فتواه في المالكي وصفه بأنه تكفيري من غلاة الوهابية ، واتهمه بتصحيح الأحاديث الموضوعة في سبيل نصرة الغلو الحنبلي ..
عاشراً : مشابهته للمستشرقين :
وقد أشبههم في خصال منها :
الأولى : أن كثيراً من المستشرقين سعوا في بحوثهم إلى زعزعة الثقة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة بإيراد الشبهات ، وبحوث المالكي في الصحابة وكتب العقائد والردود على أئمة الدعوة وغيرها هذا مؤداها .
الثانية : أن كثيراً من المستشرقين شككوا في روايات كتب الصحاح والسنن ، وهذه نظرية ينشرها المالكي ، وصرّح بأن الصحيحين فيهما دس وكذب !! .
الثالثة : أن جملة من المستشرقين ذكروا أن كثيراً من الأحاديث الصحيحة والاختلافات العقدية إنما هي من نتاج الصراعات السياسة ، وهذا ما يدندن عليه المالكي خصوصاً في كتابه (قراءة في كتب العقائد) .
الرابعة : أن كثيراً من المستشرقين رموا رجال القرون المفضلة بالكذب في الحديث ، وهذه مرحلة لم يبق على المالكي إلا اليسير جداً ويصلها ، لأنه وصف رجال القرون المفضلة بالظلم والهوى واتباع أهواء السلاطين ، وهذا مؤداه – في الحقيقة – إلى تكذيبهم في نقلهم !!.
وبعد هذا :
فالرد على الشبه التي أثارها إنما يكون بمعرفة أقوال أسياده المبتدعة أصحاب هذه الشبه الأصليين ، ثم الرجوع إلى ردود أهل العلم عليهم :
1- فكلامه على الصحابة والفتن التي جرت بينهم أصله مأخوذ من كتب الروافض والزيدية ونحوهم ، وقد رد عليهم العلماء في كتب كثيرة منها (العواصم) لابن العربي و (المنهاج) لشيخ الإسلام وغيرها ومن أفضل ما ألف في هذا الباب في وقتنا كتاب (تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة) للشيخ محمد أمحزون جزاه الله خيراً.
2-وكلامه على الأسماء والصفات أصله مأخوذ من كتب الجهمية –على اختلاف فرقهم- ، وقد رد عليهم العلماء أيضاً في كتب كثيرة ، ولعل أعظم هذه الكتب وأهمها كتب شيخ الإسلام (درء التعارض) و (نقض التأسيس) و غيرها .
3-وكلامه في كتب أئمة الدعوة ووصفهم بالتكفير وقتال المسلمين والغلو إنما أخذه من كتب علماء القبورية كابن جرجيس وغيره ، وقد رد عليهم العلماء كالشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف والألوسي وغيرهم .
4-وكلامه في أئمة السلف وقدحه فيهم ووصفه لهم بالظلم والاعتداء والافتراء إنما أخذه من كتب الكوثري وأمثاله ، وقد رد عليه المعلمي رحمه الله في (التنكيل) .
5-وكلامه على أحاديث الصحيحين وتشكيكه في صحتها مأخوذ من المستشرقين ، وقد رد عليهم كثير من المعاصرين .
وهكذا غيرها من البدع التي تلقفها ونشرها ، فهو ببغاء يردد ما ردده السابقون من أهل البدع ، إلا أن السابقين يتميزون عنه بأنهم يعرفون على أي مذهب هم ، وإن كان مذهبهم باطلاً ، أما هذا الرجل فهو كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، لا يدري ماذا يعتقد ، ولا إلى أي فرقة ينتمي ، ولا بأي برهان يحتج ، يؤصل اليوم ما ينقضه غداً ، رأس ماله معاول هدم ، وإيحاء شياطين ، وزخرف قول .
وبالنظر إلى هذا وأمثاله من شياطين الإنس يعرف المسلم عظيم نعمة الله عليه ، فلله الحمد والمنة :
لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن
الفصل الثاني :
في أصول تكشف شبهات المالكي في التوحيد والشرك:
سبق أن ذكرت أن المالكي أحقر من أن ينفرد ببدعة ، وأنه إنما (اجتر) بدعاً قيلت قبله ، فكل رد من أهل العلم على تلك البدع هو في حقيقته رد عليه وعلى أمثاله من السرّاق .
ومن ضمن البدع التي اجترها ممن قبله بدع القبوريين وجهالاتهم في الرد على أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله تعالى في تكفيرهم عباد القبور .
وفي هذا الفصل سأذكر أربعة أصول تكشف شبهاته إن شاء الله تعالى .
الأصل الأول
أن توحيد العبادة هو أساس دعوة الرسل وهو أصل الأعمال
فأساس الدين وأصله وبدايته ومنتهاه هو توحيد الله بأفعال العباد ، فيوحد الله سبحانه ولا يشرك به شيئاً بالدعاء والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة وغيرها من العبادات ، وقد جاءت دعوة الرسل كلهم بهذا ، فقد قال الله تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ، وقال تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، وقال تعالى عن نوح عليه السلام (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، وقال تعالى عن هود عليه السلام (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، وقال تعالى عن صالح عليه السلام (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، وقال عن إبراهيم عليه السلام ( وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه) ، وقال تعالى عن شعيب عليه السلام (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، وقال تعالى عن عيسى عليه السلام (يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ) .
وفي الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله لما بعث معاذاً إلى اليمن قال : إنك تقدم على قوم أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل) .
وفي الصحيح عن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله يقول : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
فظهر من هذه النصوص أن أصل دعوة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم هو توحيد الله سبحانه وتعالى ، وإخلاص العبادة له وحده ، فلا يشرك معه غيره ، فلا يكون أحد متبعاً الرسل إلا بتحقيق هذا التوحيد.
الأصل الثاني
أن الإيمان بتوحيد الربوبية لا ينفي الشرك
اعلم أن الإيمان بأن الله هو الخالق الرازق المدبر وأنه هو الضار النافع – وهو توحيد الربوبية- لا ينفي الشرك ، ولا يكفي في الدخول في الإسلام ، بل لا بد من توحيد الله بالعبادة (وهو توحيده بأفعال العباد كالدعاء والذبح والنذر وغيرها من العبادات –كما سبق ذكره في الأصل الأول - ) .
والدليل على ذلك أن عامة المشركين كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية ولم يدخلهم ذلك في الإسلام ، ولم يخرجهم من كونهم مشركين ، وهذا أمر معلوم بالتواتر .
والأدلة على ذلك كثيرة من النصوص الشرعية ، والتاريخ :
فمن النصوص :
وردت آيات كثيرة في إقرار المشركين بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المدبر ، وهي على أقسام :
القسم الأول :
أن الله سبحانه أخبر أنهم لو سئلوا عن الربوبية لأقروا بها :
كقوله تعالى )قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) .
وكقوله تعالى )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) .
وكقوله تعالى )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) .
وكقوله تعالى )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) .
وكقوله تعالى )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) .
وكقوله تعالى )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) .
وكقوله تعالى )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) .
وكقوله تعالى )قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) .
القسم الثاني :
أن الله سبحانه ذكر عنهم بعض عباداتهم لله التي يشركون معه فيها غيره:
كقوله تعالى )وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) .
وكقوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) .
قال ابن عباس –في تفسيرها - : من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء ؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا : الله ، وهم مشركون .
وكقوله تعالى ) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) .
وكقوله تعالى )وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) .
القسم الثالث :
أن الله سبحانه ذكر عنهم أنهم يخلصون العبادة له أحياناً :
كقوله تعالى )فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) .
وكقوله تعالى )وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً) .
وكقوله تعالى )وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وكقوله تعالى )وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) .
وكقوله تعالى )وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) .
وكقوله تعالى )وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) .
فإذا تأملت في النصوص السابقة تبين لك – بالضرورة – أن المشركين كانوا يؤمنون بوجود الله سبحانه ويقرون بربوبيته وأنه الخالق الرازق ، وكانوا يعبدونه ، ولكنهم كانوا لا يخلصون العبادة له وحده بل يشركون معه غيره ، فلم يخرجهم هذا من الشرك ، ولم ينجهم من العذاب.
وأما من التاريخ :
فقد تواتر في كتب السير والأدب والشعر والقصص وغيرها عن العرب في جاهليتهم إقرارهم بربوبية الله سبحانه ، وأنهم كانوا يتعبدون له –على شركهم - ، وكانوا يحجون بيته العتيق ، و يحرمون الأشهر الحرم ، ويعظمون البيت ، ويقسمون بالله ، ومن تلبيتهم في حجهم قولهم (لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك) ، وقصة عبد المطلب مشهورة لما قابل أبرهة لما أراد أن يهدم البيت فقال له (أنا رب الإبل ، وللبيت رب يحميه) ، وهذا أمر مشهور جداً لا ينكره إلا جاهل.
ومن المذكور في أشعار الجاهليين :
قول زهير بن أبي سلمى في معلقته :
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ، ومهما يكتم الله يعلم
وقول عبيد بن الأبرص في معلقته :
من يسأل الناس يحرموه وســائل الله لا يخيب
وقال أوس بن حجر:
وباللات والعزى ومن دان دينها وبـــالله إن الله منهن أكبر
وقال عنتر بن شداد:
يا عبل أين من المنية مهربي إن كان ربي في السماء قضاها
وقال حاتم الطائي :
سقى الله رب الناس سحاً وديمة جنوب السراة من مآب إلى زغر
وقال خداش بن زهير العامري :
رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنودا
وقال النابغة الذبياني :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب(1)
وأخبارهم وأشعارهم كثيرة ، وفيما سبق كفاية لمن طلب الحق .
فتبين لك مما سبق أن مشركي مكة الذين بعث إليهم النبي كانوا يقرون بأن الله سبحانه هو ربهم وخالقهم ورازقهم ، ولكن ذلك لم يدخلهم الإسلام ، بل كان لا بد من إفراده بتوحيد العبادة وهو الأصل الأول .
الأصل الثالث
أن التوحيد إذا انتقض بطلت جميع الأعمال ولو كثرت
اعلم أنه لا ينفع العبد صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج ولا صلة ولا غيرها من الأعمال إذا فسد توحيده وانتقض بالشرك أو غيره من نواقضه ، كما أنه لا ينتفع المصلي بصلاته وخشوعه وطول ركوعه وسجوده وقراءته إذا انتقض وضوؤه ولو بمثل رأس الإبرة من البول !!.
والأدلة على ذلك كثيرة منها :
قوله تعالى عن أعمال الكفار (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) .
وقوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) .
فإن قال قائل : ولكن هذا في الكفار الأصليين .
قيل : بل ذكر الله سبحانه ما هو أبلغ من ذلك ، فقد ذكر عن أنبيائه عليهم السلام وهم أفضل الخلق وأكرمهم وأعظمهم أعمالاً أنهم لو أشركوا لحبطت أعمالهم :
فإن الله سبحانه لما ذكر الأنبياء (نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وزكريا ويحيى وإلياس وداود وسليمان و أيوب ويوسف وهارون واليسع ويونس ولوطاً) عليهم السلام قال (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) .
بل وقال تعالى عن سيد ولد آدم (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك) .
فإذا كان الأنبياء وهم معصومون من الشرك ذكر الله ذلك عنهم ، فغيرهم من باب أولى .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت :
قلت : يا رسول الله ، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المسكين ، فهل ذاك نافعه؟.
قال : لا ينفعه ، إنه لم يقل يوماً : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين(1) .
إذا تبين لك هذا ، فاعلم أن الرجل إذا كان يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويعتمر ويجاهد ويصل الرحم ويفعل الخير ولكنه يصرف بعض عباداته للأولياء أو الأنبياء أو القبور أو الأشجار أو الأحجار من دعاء – يسميه توسلاً – أو ذبح أو نذر أو غيره فهو مشرك لا ينفعه هذا العمل كما لم ينفع سلفه من المشركين ، و إن مات على ذلك فهو ممن قال الله فيهم (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فحعلناه هباء منثورا) ، فإن الله سبحانه لا يغفر هذا الشرك أبداً كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، وكما قال تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) .(2)
الأصل الرابع
أن التوحيد ينتقض بناقض واحد فأكثر
اعلم أن التوحيد ينتقض بناقض واحد فأكثر من نواقض الإسلام ؛ كالشرك مثلاً ، أو إنكار النبوة ، أو الاستهزاء بالدين ، أو جحد البعث ونحو ذلك ، فمن أشرك فقد انتقض توحيده ، ومن أنكر النبوة أو شيئاً منها فقد انتقض توحيده ، ومن أنكر المعاد فقد انتقض توحيده ، ومن سب الله أو رسوله أو دينه فقد انتقض توحيده وهكذا ، و ذلك كما أن الطهارة تنتقض بناقض واحدٍ من نواقضها كبول أو غائط أو ريح أو غيره ، وكما أن الصيام يبطل بناقض واحد كالأكل أو الشرب أو الجماع ، فيكفي لنقض الأصل ناقض واحد من نواقضه.
ويدل على هذا إجماع المسلمين –على اختلاف فرقهم من أهل السنة والأشعرية والخوارج والمعتزلة والزيدية وغيرهم - في أن من صدر عنه ما ينقض الإسلام فإنه يرتد بذلك ولا يلزم أن يجتمع فيه عدد من النواقض حتى يحكم عليه بالكفر ، وهذا ما يقرره العلماء في كتب الفقه في أبواب حكم المرتد.
فإذا فهمت هذا الأصل تبين لك جهل من يقول : إن شرك العرب ليس فقط بسبب اتخاذ الوسطاء بينهم وبين الله ، بل هم مع ذلك ينكرون النبوة والبعث !!(1).
فإن هذا القول من أفسد الأقوال وأبطلها ؛ إذ يلزم عليه أن لا يحكم بالردة على أحد حتى يجمع ما عند الكفار من نواقض ، فيشرك وينكر البعث والنبوة ، وهذا باطل بالإجماع ، فإن هناك من يقر بالبعث ممن بعث فيهم الرسول كأمية بن أبي الصلت واليهود ، وهناك من كفره باتخاذ الوسائط بينهم وبين الله وهؤلاء هم عامة الكفار الذين بعث إليهم الرسل ، فلو أخلص أحد العبادة لله ولكنه أنكر البعث كفر ، ولو أقر بالبعث وأنكر النبوة كفر ، ولو أقر بالنبوة والبعث وأشرك في العبادة كفر ، وهذا أمر ظاهر ولله الحمد.
الفصل الثالث :
في أصول تكشف شبهات المالكي في السنة والبدعة :
من بدع المالكي وشبهاته التي نشرها في كتابه (قراءة في كتب العقائد) وغيره الدفاع عن أهل البدع والضلالات ، ورمي أئمة أهل السنة والجماعة بالظلم واتباع أهواء السلاطين والافتراء على الخصوم وغير ذلك ، والتحذير من كتب عقائد أهل السنة والجماعة ككتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد و (السنة) للخلال و غيرهما ، والزعم بأن الخلاف بين الفرق الإسلامية خلاف محتمل لا يقتضي تبديعاً ولا تفسيقاً ولا تكفيراً .
وفي هذا الفصل سأذكر اثني عشر أصلاً تكشف شبهاته في هذه المسائل .
الأصل الأول :
أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية
وسوف أذكر ها هنا أربع مقدمات :
المقدمة الأولى : إثبات تفرق الأمة وتغييرهم سنة الرسول :
المقدمة الثانية : إثبات أن هذا التفرق مذموم :
والمقدمة الثالثة : إثبات أن الرسول قد بين الفرقة الناجية :
والمقدمة الرابعة : إثبات أن هذه الفرقة باقية في جميع الأعصار :
المقدمة الأولى :
إثبات تفرق الأمة وتغييرهم سنة الرسول :
والدليل على حصول هذا التفرق من الشرع والواقع :
أما من الشرع :
فقد قال الله تعالى عن أهل الكتاب )وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
وقال تعالى عنهم )وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) .
وقال تعالى أيضاً )إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).
وقال تعالى )مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) .
والآيات التي تثبت تفرق أهل الكتاب وتفرقهم من بعد ما جاءتهم البينات وتذمهم على ذلك كثيرة جداً .
وقد ورد في السنة عدد من الأحاديث التي تثبت أن هذه الأمة ستسلك مسلك أهل الكتاب ؛ منها :
ما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟. قال : فمن ؟.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع . فقيل : يا رسول الله ، كفارس والروم . فقال : ومن الناس إلا أولئك ؟.
وقد جاء في السنة أيضاً التصريح بتفرق هذه الأمة واختلافها بعده ، ومن ذلك :
ما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : (ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم : ألا هلم ، فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك . فأقول : سحقاً ، سحقاً ).
وفي الصحيحين نحوه هذا اللفظ أيضاً من حديث أنس وأبي سعيد وغيرهما رضي الله عنهم.
و في السنن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : صلى لنا رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا . قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة .
وروى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي قال (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة ، والنصارى مثل ذلك ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) وصححه الترمذي ، وروي من حديث ابن عمرو بن العاص (كلهم في النار إلا ملة واحدة) قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي . رواه الترمذي وحسنه .
وغير ذلك من النصوص .
وأما الواقع :
فيدل عليه ما نراه من تفرق هذه الأمة ، والعيان يغني عن البرهان ، فقد تفرقت الأمة إلى أشاعرة وماتريدية وزيدية وإباضية ورافضة ونصيرية وإسماعيلية ودروز وبهائية وقاديانية وغيرها من الفرق .
والمقدمة الثانية :
إثبات أن هذا التفرق مذموم :
فقد سبق ذكر الآيات التي تحذر من التفرق والاختلاف في الدين :
كقوله تعالى أيضاً )إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).
وقوله تعالى )مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) .
وقوله تعالى)وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
وسبق في حديث العرباض حثهم على ترك الاختلاف والتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين ، وحديث السبعين فرقة وفيها أخبر أنهم كلهم في النار إلا واحدة .
وسيأتي مزيد من الأدلة إن شاء الله تعالى في المقدمة الثالثة وفي الأصل الثاني.
المقدمة الثالثة :
إثبات أن الرسول قد بين الفرقة الناجية وأنها أهل السنة والجماعة:
والدليل على ذلك من العقل واللغة والشرع :
أما من العقل:
فمن ثلاثة وجوه :
الأول : أنه لا يمكن أن يبين الله سبحانه لنا أمور الدنيا كالفرائض والمواريث ولا يبين لنا الحق فيما نعتقده ونؤمن به ، حتى يقال : إننا لا ندري أين الحق في هذا الاختلاف والتفرق لأن كل فرقة تدعي أن الحق معها وأن من خالفها فهو ضال ، لا شك أن هذا من باب سوء الظن برب العالمين وأنه لم يتم نعمته علينا .
الثاني : أن النبي وصحابته هم الذين خوطبوا بالوحي ، وهم الذين مدحهم الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة ، ووعدهم الله بالحسنى ، وهم الذين نشروا الإسلام ، ورووا السنن ، فعلم أن الحق معهم ، وأن من اتبعهم واهتدى بهديهم فهو على طريقهم وصراطهم لم يفرّق دينه ويفارق الجماعة ، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
الثالث : أنه لا يوجد نص من الكتاب أو السنة أو أمر اتفق عليه الصحابة والتابعون وخالفه أهل السنة والجماعة ، بينما لا تجد فرقة من أهل البدع إلا وخالفت نصوصاً وأصولاً .
وأما من اللغة :
فلفظ : (الفرقة) و (التفرق) إنما يأتي بعد (اجتماع) ، فلا يقال : فارق فلان فلاناً إلا إذا كانا مجتمعين ثم تفارقا .
ومن المعلوم أن أول الفرقة حصلت بعد الفتنة في عصر الصحابة رضي الله عنهم ، فمن أراد الحق وتجنب الفرقة بقي على ما كان عليه المسلمون قبل حصول الافتراق ، وهذا ليس لغير أهل السنة والجماعة فإنهم هم الذين حرصوا على اتباع هدي الصحابة رضوان الله عليهم.
وأما من الشرع :
فقد دل على ذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة :
فمن الكتاب :
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهذه الآية تدل على وضوح السبيل من وجوه :
الأول : أن الله سبحانه قد أكمل الدين ، فمن ابتدع فيه فزاد أو نقص فقد انحرف عن هذا الدين بحسب بدعته ، ومن بقي على ذلك الدين الكامل فهو على الصراط المستقيم ، وليس هناك جماعة متبعة غير مبتدعة في أمورها كلها غير أهل السنة والجماعة.
الثاني : أن الله قال (وأتممت عليكم نعمتي) ومن أعظم النعم معرفة الحق عند الاختلاف.
الثالث : أن الله قال (ورضيت لكم الإسلام دينا) والإسلام الذي رضاه هو ما أنزله على رسوله وعمل به الصحابة رضوان الله عليهم .
وقال تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ، وهذه الآية تدل على أن إقامة الدين كله المنزل على محمد هو الحق ، وأن من ترك بعضه أو غير بعضه فقد تفرق فيه ، ولم يقم بالدين كله غير أهل السنة والجماعة.
وقال تعالى (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) ، فدلت هذه الآية على أن الافتراق في الدين مذموم ، ولا يكون الحق إلا مع ترك الفرقة ، وذلك لا يكون إلا بالبقاء على الدين المنزل كما جاء .
وقوله تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، وهذه تدل على أن البقاء على الصراط المستقيم هو ما جاء به الرسول ، وأن من خالفه أو خالف بعضه أو غيره فقد اتبع السبل ، وقد قال مجاهد : السبل : البدع والشبهات.
وقال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) ، ومن المعلوم أن أولى الناس بالدخول في المؤمنين هم الصحابة رضي الله عنهم ، فمن شاق الرسول في بعض ما جاء به وخالف ما عليه الصحابة فهو داخل في الوعيد .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وأما من السنة :
ففي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي قال (خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) .
وهذا ظاهر بأن خير الجماعات ما اهتدت بهدي القرن الأول ، وليس هذا لغير أهل السنة والجماعة .
وما ورد في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه السابق قال : صلى لنا رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا . قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة .
فقد بين الرسول أن الحق عند الاختلاف يكون بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين.
وفي المسند عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : خط رسول الله خطاً بيده ، ثم قال : هذا سبيل الله ، وخط عن يمينه وشماله ، ثم قال : هذه السبل ، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) .
فبين الرسول هنا أن البقاء على الصراط المستقيم وترك السبل – وهي البدع والشبهات – هو سبيل الله .
وروى ابن جرير أن رجلاً قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم؟. قال : تركنا محمد في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جوادّ ، وعن يساره جوادّ ، ثمّ رجال يدعون من مر بهم ، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
وروى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي قال (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة ، والنصارى مثل ذلك ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) وصححه الترمذي ، وروي من حديث ابن عمرو بن العاص (كلهم في النار إلا ملة واحدة) قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي . رواه الترمذي وحسنه .
فقد ذكر هنا الفرقة الناجية وأنها ما كانت على هديه هو وأصحابه ، وهذا موافق لما سبق من النصوص ، وأقوال الصحابة والتابعين في بيان هذا كثيرة جداً ، وفيما سبق كفاية لطالب الحق.
وسوف أنقل هنا كلاماً لرجلٍ لا يتهم بمحاباة أهل السنة ولا يقال إنه من غلاة الحنابلة أو من الحنابلة ، بل وليس مذهبه قريباً من مذهب السنة ، فهو فيلسوف من الفلاسفة وأعني به أبا الوليد ابن رشد حيث قال في كتابه (مناهج الأدلة في عقائد الملة) ص 181 – بعد كلام سبق عن تأويلات الفرق:
(وهذه هي حال الفرق الحادثة في الشريعة مع الشريعة ، وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويلاً غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى ، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع ، حتى تمزق الشرع كل ممزق ، وبعُد جداً عن موضوعه الأول ، ولما علم صاحب الشرع أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال : "ستفترق أمتي على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" يعني بالواحدة : التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله ، وأنت إذا تأملت ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال صحيح ، وأول من غير هذا الدواء الأعظم هم : الخوارج ، ثم المعتزلة بعدهم ، ثم الأشعرية ، ثم الصوفية ، ثم جاء أبو حامد فطم الوادي على القرى).
المقدمة الرابعة :
إثبات أن هذه الفرقة باقية في جميع الأعصار :
إذا تبين لك من المقدمات السابقة أن التفرق مذموم ، وأن الجماعة التي على الحق واحدة ، فاعلم أنه قد ثبت عن رسول الله أنها باقية في جميع الأعصار :
ويدل عليه ما رواه الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي قال (لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)
وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ).
وفي مسلم عن ثوبان (لا ت