بالامس فرحت جدا.
فقد عادت الي الظهور فكرة تعليم الاباء والامهات مبادئ رعاية الاطفال ومبادئ التربية السليمة : دورات مجانية مدتها عشرة اسابيع يلتحق بها الراغبون رجالا ونساء لمدة ساعتين اسبوعيا.
فرحت لأن الذاكرة حملتني الي الوراء والي طفولة ابنتي..
ذات ليلة لم تكف صغيرتي عن البكاء مهما حاولت ان اضمها او اغني لها او اتوسل اليها ان تكف عن البكاء. اتذكرني واتذكرها واتذكر خوفي عليها واحساسي بالعجز والوحدة وانا حديثة العهد بالامومة - مغتربة وخائفة. وفي لحظة شجاعة حملتها وفتحت باب البيت وطرقت باب جارتي والتي كانت تكبرني في العمر والتجربة .
وما ان رأت دموعي حتي طمأنتني ودعتني للدخول وحملت عني الطفلة التي كان وجهها محمرا من فرط البكاء. وبعد لحظات قالت لي ان ابنتي تشعر بالضيق لأنني البستها ثيابا اكثر مما تحتاج خوفا عليها من البرد. ونبهتني الي ان المنامة التي البست ابنتي تضغط علي اصابع قدميها الدقيقتين لأنها ربما تكون بحاجة الي المقاس الاكبر. ونصحتني بتقديم بعض الماء للرضيعة في زجاجة الرضاع لأنها ربما تكون ظمآنة. وكان لتلك النصائح فعل السحر. فقد هدأت الصغيرة ونامت وهدأت انا وحمدت الله .
بعد قراءة خبر الدورات الدراسية أدركت ان الراغب في تعلم قيادة السيارات يخضع لفترة تدريب وتأهيل طويلة ويخوض امتحانا دقيقا قبل الحصول علي رخصة القيادة بينما تسمح كافة المجتمعات بأن يتزوج الناس وينجبون ويصبحون مسئولين عن رعاية وتقويم اطفال بالملايين من دون ان يحصل الواحد منهم علي رخصة او يتعلم ابسط مبادئ يمكن ان تعينه علي اداء المهمة بكفاءة .
كلنا نظن ان المسألة فطرية غريزية تكتمل علي ارض الواقع. ولكن الحقيقة هي ان الفطرة موجودة حقا ولكنها لا تتطور الا بالعلم. وكانت الاجيال في الزمن القديم تعلم بعضها البعض حين كانت الاسر ممتدة بحيث تتعلم الام الجديدة من امها او من حماتها وتتعلم الصبية من مراقبة امها وهي تهتم باخوتها الصغار. ولكن العالم تغير والبنية الاسرية تغيرت واصبح من الضروري الا نفرض علي الشباب الدخول في معمعة الامومة والابوة بلا اعداد.
ومن غرائب الامور ان تكون معلمات الحضانة ومعلمات رياض الاطفال هن الاقل اجرا والاقل قدرا في السلم الوظيفي وكأننا نغفل حجم المسئولية التي تتحملها هاتيك المعلمات. فهن المسئولات يوميا اما عن اطلاق ملكات الطفل الابداعية وتشجيعه علي التعبير عن مواهبه وطرح الاسئلة التي تعينه علي فهم الامور, او تكن مسئولات عن كبته وحرمانه من الاحساس بالكرامة والشجاعة الكافية لطرح الاسئلة او للذود عن نفسه وسط اقرانه.
اذا كنت أما الحقت طفلها بحضانة غالية الرسوم لا تكتفي بالتضحية المالية. من حقك التعرف علي مؤهل معلمة الفصل ومراقبة ادائها عن قرب او عن بعد. والافضل من هذا وذاك هو الا تسلمي طفلك للحضانة من قبل ان تتطور قدرته علي الكلام والتعبير ودخول الحمام بلا مساعدة . طفلك انسان مكتمل عنده كبرياء وله وجدان ويحزنه ان تتخلي عنه من قبل ان يكون له حق الرفض او القبول واطلاعك علي الاسباب.
اتمني ان يأتي يوم يوفر لمعلمات الاطفال دورات دراسية عليا بحيث يكون الحصول علي المؤهل العلمي بوابة لنجاح وظيفي ورواتب ترقي بهن الي المكانة المرموقة التي تستحقها من بيدها اعداد الطفل لحياة دراسية واجتماعية سوية وسعيدة لا تغنيه عن التربية المنزلية ولكن تضيف اليها عنصرا يثريه ويكسبه الثقة.
فوزية سلامة