تستطيع أن تشرح النكت ما لا تستطيع أن تشرحه بعض الكتابات. ففي الوقت الذي تسرق منك ابتسامة أو قهقهة تكون قد أودعت رسالتها في وعيك، ورغم كل النكات التي عرفتها إلا أنني كلما وقفت أمام نكتة أبي صالح وأبي إبراهيم التكفيرية لا أستطيع أن أقول فوق ما تقول شيئاً لكنني سأحاول.
النكتة تقول أن أبا صالح وأبا إبراهيم اجتمعا بعد صلاة المغرب يتسامران فّذكر أبو إبراهيم صاحبه بنعمة الإسلام العظيمة التي ينعم بها المسلمون في العالم الإسلامي من باكستان إلى إندونيسيا والسودان. فوافقه رفيقه أبو صالح لكنه ذكره بأن العرب الذي نزل القرآن بلسانهم قد اختصهم الله وحده بالفهم الصحيح، فيما داخلت ضمائر المسلمين في العالم كفريات وخزعبلات. فوافقه رفيقه أبو إبراهيم وزاد على ما قال بأن ليس كل العرب يعرفون الإسلام النقي مثلما يعرفه أهل الخليج الذين رزقوا بقربهم من الديار المقدسة ومهبط الوحي، فإسلامهم خالٍ من الزوائد والشوائب، فوافقه أبو صالح لكنه زاد عليه بأن الخليجيين مسلمون صحيح لكن لا يوجد مثل إسلام السعودية فهي بلاد الحرمين الشريفين، فوافقه أبو إبراهيم مضيفاً أن السعوديين مسلمون لكن أهل منطقتنا هم أهل الإسلام القوي المتين وما عداهم فإسلامهم ضعيف وتداخله شركيات وكفريات عمت العالم، فوافقه أبو صالح وأضاف، صحيح لكن لن تجد في منطقتنا كلها إسلاماً نقياً كإسلام مدينتنا فوافقه أبو إبراهيم وزاد صحيح لكن لن تجد إسلاماً صحيحاً كإسلام أهل حارتنا القائمين الركع السجود فوافقه رفيقه، لكنه زاد بأن القرية ابتليت بالفتن في الدين ولن تجد مثلي ومثلك محافظين على ديننا فقال لرفيقه: «والله صدقت».
ثم صمتا ثانية فسمع أبو إبراهيم رفيقه أبا صالح يقول: لكن هل تعرف يا أبا إبراهيم أنني ألاحظ عليك في الفترة الأخيرة أنك لا تصلي النوافل وأحياناً تتأخر عن الصلاة، ومن أهمل الصلاة فقد خرج من الدين ووجب قتله. وهكذا انتهت النكتة بالعنوان الشهير للحوار العربي (دب خلاف).
هذه النكتة تريد أن تقول ببساطة إن شرارة التكفير متى ما علقت في العقل فإنها تتحول إلى حريق يخرج عن السيطرة ويحرق الناس جميعاً حتى أصحابها، وهذا ما أثبتته الأيام لنا على الدوام، فعندما تعطي نفسك حق محاسبة الناس والتشكيك في سلامة نيتهم وقصدهم وإيقاعهم في حيل لفظية، فإنك تبدو كمن يمنح نفسه حق حساب العباد وهو أمر يعود إلى الله وحده وليس لك. لاسيما وأنهم لا يقرون بما تتهمهم به.
نسبه الإلحاد في العالم كله لا تتجاوز اثنين في المئة. نعم ففي العالم الصناعي الذي شهد الثورات العلمية والفلسفية والذي أهمل الناس فيه الذهاب لدور العبادة وأهملت مناهجهم الدراسية تدريس الدين لم تزد حتى اليوم عن 2 في المئة.
فهل بالإمكان أن تصدق من يتفجع ويصيح بأن الإلحاد قد صار ظاهرة وفي بلاد الحرمين الشريفين، التي تضم 75 ألف مسجد وتعادل علوم الدين نصف المنهج الدراسي منذ الصف الأول حتى الصف الثاني عشر، وتضمن مواد الثقافة الإسلامية متطلبات الجامعة الأساسية في السعودية.
هل يمكن أن نصدق أبا إبراهيم الذي انقلب على صاحبه صائحاً كالمرجفين: «الحقوا شب حريق الإلحاد في السعودية؟». إن هذا الجوع التكفيري إن لم يلقم حجراً بقانون يصد جموحه ويمنع تسلطه على الناس وإرهابهم في دينهم وفكرهم فإنه سيكون مثل شرارة أبي إبراهيم التي تدحرجت من باكستان وإندونيسيا والسودان ولن تتوقف إلا عند صديقه الذي يصلي معه كل فرض.