ســـــرقات
حسـن المــالكي
إعـــداد
سليمان بن صالح الخراشــي
1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه (أجمعين).
أما بعد: فهذا بحث موجز في بيان (سرقات) المدعو حسن المالكي. كنت أجمع لنفسي ما يعرض لي منها ، حتى تكاثرت وتنوعت وأصبحت سمة لاصقة بالرجل ، الذي لا زال (يسرق) حتى قيل عنه (سارق)! فأضحت (اللصوصية) علماً على أبحاثه التي ينشرها أو يسربها بين الحين والآخر ، (والسطو) على أفكار الآخرين مهنة يتقنها جداً ، ويبحث بها عن (الشهرة) لنفسه ، والترويج لأفكار أهل البدع والضلال بعد أن يُلبسها – زوراً – ثوب التحقيق والبحث المتجرد !! تلبيساً على الأغمار والجهلة.
ولقد تنبه كثير من العقلاء (لسرقات) المالكي منذ أن نشرها ، وعرفوا مصدرها ، وواجهوا المالكي بها ، إلا أنه استمر في (غيه) وواصل (سرقاته) غير عابئ بهم ؛ لأنها تحقق هوى في نفسه.
وستجد – رعاك الله – أن معظم (سرقات) هذا الرجل من الروافض (إماميهم وزيديهم(1)!) ، وهذا ما يبين لك أن الرجل يريد تمرير أفكارهم وحقدهم بين شبابنا بعد أن يجري عليها التعديلات اللازمة المناسبة لمجتمعنا!.
والمالكي يعترف بأنه من أسرة (زيدية) قد رضع مذهبها منذ الصغر حتى تفتقت أمعاؤه ، فأنى له الفكاك من هذا الإرث مهما حاول؟ إلا أن يشاء الله .
فهو قد حصر نفسه في (اجترار) مقولات أسلافه ، و(تجديدها) بين الناس ، لعلها تحظى بقبولهم(2) ، وما علم المسكين أن الأمة (بأكملها) قد بدأت في النهوض من غفوتها ، وآثرت الرجوع إلى دعوة الكتاب والسنة ، ونبذ البدعة وأهلها ، وواقع بلاد أهل البدع يشهد بهذا.
ولكن المالكي عمي عن هذا كله ، وتمنى أن يعيد التاريخ نفسه ، وأن تقوم للمبتدعة قائمة.
من كان مرعي عزمه وهمومه روض الأماني لم يزل مهزولا
فالرجل يصدر من عقيدة مخالفة للكتاب والسنة ، حاقدة على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حاسدة لمن اختصهم الله بالنعم.
فقد اجتمع في قلبه: عقيدة فاسدة ، وحسد لأصحاب الدعوة السلفية وحقد عليهم ، وكل هذا يفيض من أبحاثه ، ولا يحتاج كثير تأمل.
وأنا في هذا المبحث لن أعنى بالرد على شبهات المالكي ، فقد تولاها غيري من الفضلاء(1) ، وإنما سأعنى بتبيين (سرقاته) ، ليعلم الجميع حال ديانة وعلم الرجل ، الذي استمرأ هذا الأمر – كما سبق – وأنه مجرد (ناقل) عن غيره، متشبع بما لم يُعط.
وليت هذا المخذول إذ سولت له نفسه السرقة ، سرق شيئاً ذا قيمة ، إذاً لهان الأمر قليلاً ، ولكنه – كبته الله – اقتات من (مزابل) أهل البدع والضلال ، ثم قاء ذلك كله في أبحاثه الموجهة لأهل السنة ، فكان كما قيل:
فكان اللوم لو (سرقوا) وفازوا فكيف بهم وقد (سرقوا) وخابوا؟
وسأقوم بذكر الفكرة المسروقة من كلام المالكي أولاً ، ثم أعقبها بذكر من قال بها – ممن اطلعت على كلامهم - ، وقد أستطرد قليلاً في بعضها ، لتوضيح أمر ، أورد عاجل.
وأتمنى من إخواني الكرام أن يزودوني بما لديهم عن سرقات هذا الرجل حتى يكتمل البحث ، وأنا لهم من الشاكرين.
وليعلم أن السرقات التي استطعت إثباتها على المالكي هي عشر سرقات كاملة ، ولعل من تقصى ودقق النظر في رسائله وجد غيرها الكثير ؛ لأن الرجل مجرد صدى لغيره – كما سبق-.
أسال الله العزيز أن يكبت هذا المبتدع ، وأن يكفينا شره (ومن وراءه) ، وأن يسلط ولاة أمرنا عليه ، ليجتثوا باطله ، فيكون عبرة لإخوانه المتربصين بنا الدوائر ، فإن (معظم النار من مستصغر الشرر)(1).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبــه
سليمان بن صالح الخراشــي
السرقة الأولى: تشكيك المالكي في وجود ابن سبأ ، أو إنكار دوره في الفتنة: بناء على تضعيف سيف بن عمر:
وهذه الأمور كلها قد اشتهر وجاهر بها المالكي في مقالاته بجريدة الرياض (وانظر أيضاً: قراءة في كتب العقائد: ص 59 ، 60 ، وأحال على كتاب له لم يطبع! بعنوان "عبد الله بن سبأ بين الحقيقة والأسطورة" ، وانظر أيضاً: نحو إنقاذ! التاريخ الإسلامي: ص 43 وما بعدها).
وقال في مذكرة العقائد (ص 135) عن ابن سبأ: "أما دوره المزعوم في الفتنة فأجزم ببطلانه ، وأما وجود ابن سبأ من حيث الوجود فمحتمل …".
وهذا التكذيب بوجود ابن سبأ أو التشكيك في دوره(1) ، قد سرقه الزيدي المالكي من أسلافه الروافض وممن تابعهم من أذناب المستشرقين.
وممن اشتهر بهذا التكذيب وصنف فيه: الرافضي مرتضى العسكري في كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى)(2) والدكتور عبد العزيز الهلابي – هداه الله – الذي أهدى له المالكي كتابه (نحو إنقاذ ! التاريخ) ! حيث نشر بحثاً بعنوان (عبد الله بن سبأ دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة)(3) قال في خاتمته (ص 73): "والذي نخلص إليه في بحثنا هذا أن ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود"!!
وقبلهم أنكر عبد الله بن سبأ: برنارد لويس في (أصول الإسماعيليين والإسماعيلية) ، وفلهوزن في (الخوارج والشيعة) ، وصاحب كتاب (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) ،ومحمد كامل حسين في (آداب مصر الفاطمية) ومحمد جواد مغنية في كتابه التشيع)(4).
وقال طه حسين – سلف المالكي في تشكيكه بابن سبأ! - في كتابه (الفتنة الكبرى ، عثمان) (ص 132 – 134):
"ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن ، ولكني أقطع أن خطره ، إن كان له خطر ، ليس ذا شأن. وما كان المسلمون في عصر عثمان ليعبث بعقولهم وآرائهم وسلطانهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيام عثمان ، ولم يكد يسلم حتى انتدب لنشر الفتنة وإذاعة الكيد في جميع الأقطار.
وأكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا – إن كان ما يروى عنه صحيحاً – إنما قال ما قال ودعا ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف ، فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها …"
وقد رد على هؤلاء جمع من المحققين ، من أبرزهم: الشيخ سليمان العودة في رسالته (عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام) ، ثم في تعقيبه على المالكي المنشور بعنوان (الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ).
وكذا الأستاذ سعدي الهاشمي في كتابه (ابن سبأ حقيقة لا خيال)(1) وكذا الشيخ سعود العقيلي في كتابه (رسائل العدل والإنصاف).
ومن العجائب أن أحد الرافضة المعاصرين وهو محمد علي المعلم ، قد قام بالرد على مرتضى العسكري الرافضي ، مفنداً دعاويه في إنكاره لابن سبأ! وذلك في كتابه (عبد الله بن سبأ الحقيقة المجهولة)(2) قال في مقدمته: "وقد حاول السيد! مرتضى العسكري – ولا ندري بأي دافع(3)- أن يثبت أن عبد الله بن سبأ شخصية خرافية وأسطورة لا حقيقة لها صنعها خيال أحد الرواة وهو سيف بن عمر التميمي" (ص 4).
ثم قام الرافضي بإثبات وجود ابن سبأ من خلال وروده في كتب الرافضة أنفسهم.
فعجباً للمالكي! كيف يأنف من شيء لم يأنف منه أسلافه الرافضة؟!
قلت: وأنا لست بصدد الرد على المالكي في هذه المسألة ، إنما أحب أن أبين للقارئ أن المالكي مجرد ناقل للآراء السقيمة عن غيره ، ومنها هذا الرأي حول ابن سبأ.
وقد أثبت هذا جماعة ممن تحاوروا مع المالكي ، قال الأستاذ حسن الهويمل: "وظاهرة الانتحال في الشعر العربي التي التقطها مرجليوث حين حقق كتاب الحموي تعيد نفسها بشكل آخر مع حسن المالكي ، ومع سلفه الذين أمدوه بالمادة والمنهج"
وقال عن المالكي بأنه "لم ينفرد بشيء" ، وأنكر على الهلابي والمالكي بأنهما "يعيدان ما قاله غيرهما من إنكار لهذه الشخصيات ، أما كان يكفيهما الإشارة إلى هذه النتائج والاشتغال بما هو أهدى وأجدى؟" (جريدة الرياض، عدد 10606).
قلت: قد يصدق هذا على الهلابي ، أما المالكي فإنه يصدر عن عقيدة توافقها مثل هذه الأبحاث التي يرى أنها لن تقبل لدينا لو جاءت من رافضي (واضح) ، بخلاف هذا المستتر بالسلفية!!
وقال الدكتور محمد العزام في رده على أفكار المالكي: "إنها أفكار العسكري ، وبخاصة دعوى أن القعقاع من مخترعات سيف ، فلو رآها لقال: أهلاً وسهلاً! بضاعتنا ردت إلينا".
وقال أيضاً: "الحقيقة أن هذه الأفكار منشورة منذ سنة 1375هـ وكان ينبغي أن تنسب إلى صاحبها بالعبارة الصريحة والتوثيق اللازم ، هذا مع أن كلامه – أي المالكي – في الثناء على أبحاث المستشرقين والمبتدعة يدل على أنه وجد الأفكار لديهم ناضجة متكاملة. وهذا هو الواقع ، فكثير مما لديه يوجد في كتب مرتضى العسكري الذي قتل هذا القضايا بحثاً وأفرد لها عدة كتب ، ولم أجده يخالفه في شيء أو يرد عليه! فهذا تناقض واضح بين الثناء على البحوث وإنكار الاعتماد عليها".
وقال أيضاً: "وكثير من الأفكار التاريخية التي ينشرها الأخ!! المالكي موجود في هذا الكتاب المذهبي – أي كتاب العسكري – مع الإقرار باختلاف طريقة العرض والاستدلال ، وبعض الإضافات".
وقال أيضاً: "وجدت في كتابات الأستاذ! كثيراً من أساليب التعتيم على العسكري ، فتراه يذكر اسمه دون كتابه ، أو كتابه دون اسمه ويقول: "توصل إلى النتائج نفسها التي توصل إليها الدكتور الهلابي !! كأن الأبحاث متزامنة ! مع أنه قد توصل إليها منذ خمسين عاماً ، ونشرها منذ ثلاثة وأربعين عاماً"!
ولما حاول المالكي التعمية على مصدره وأنه الرافضي مرتضى العسكري قال له الدكتور العزام:
"ولقد بذل الأستاذ! غاية جهده في هذا الكلام للتعمية على العسكري مرة أخرى ، فأنكر الاعتماد على الكتب المطبوعة ، وأدرج اسمه بين باحثين أكثرهم من هذه البلاد ، ولم يذكر اسمه كاملاً ولا أسماء كتبه التي اطلع عليها ، وجعل الأمر من باب الاطلاع المعتاد. وهولا يخفى عليه بالطبع تواريخ صدور الكتب ولا المقارنة بين الأفكار ومعرفة صاحب النظرية من بينهم"
ولما اكتشف الأستاذ عبد الحميد فقيهي حقيقة سرقة المالكي ، رد عليه المالكي بأن "هذا الربط لو صح لما ضر البحث شيئاً ، فالحكمة ضالة المؤمن"! قال العزام "قوله "لو صح" فيه تهرب واضح لأنه لا يدل على إقرار ولا إنكار".
أخيراً: نعى الدكتور العزام على المالكي الذي يتبجح في أبحاثه مُعَرِّضاً بالآخرين بأنهم ليسوا أصحاب أمانة(1)! وينسى هذا اللص نفسه!
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم!
السرقة الثانية: الطعن في سيف بن عمر ، وإنكار القعقاع بن عمرو التميمي:
وقضية الطعن في سيف بن عمر وإنكار القعقاع بن عمرو تلحق بسابقتها ، فقد (سرقها) المالكي من مرتضى العسكري – أيضاً -! ، وذلك من كتابه الشهير (مائة وخمسون صحابي مختلق) الذي أنكر فيه وجود القعقاع بن عمرو ، بسبب مجيئه من طريق سيف بن عمر فقط.
وكذا من الهلابي الذي تابعه في حكمه على سيف بن عمر.
وقد بين هذا الفضلاء الذين ردوا على المالكي ؛ كالعودة والفريح والعزام وغيرهم.
قال الدكتور عبد الرحمن الفريح: "يبدو لي أن حسن بن فرحان المالكي لم يكن لديه من الشجاعة ما يجعله يقول: بأنه يعتمد على كتاب مطبوع يعرفه أهل الاختصاص ، وربما غيرهم ،والإعتماد على كتاب (الصحابة المختلقون) من قبل المالكي يُسقط دعواه بأنه يطرق موضوعاً جديداً ، أو أنه صاحب معالجة تاريخية لم يُسبق إليها" (جريدة الرياض ، العدد 10602).
ولمناقشة رأي العسكري وتابعه المالكي! في سيف بن عمر انظر كتاب الشيخ سعود العقيلي (رسائل العدل والإنصاف).
وللعلم: فقد قال الرافضي الآخر محمد علي المعلم في كتابه (عبد الله بن سبأ الحقيقة المجهولة) عن كتاب العسكري (مائة وخمسون صحابي مختلق) بأن العسكري اعتمد فيه "منهجاً غير دقيق" (ص 5). فشهد شاهد من أهلها.
السرقة الثالثة: تقسيم الصحبة إلى شرعية وعامة ، وأن ما ورد في فضائل الصحابة إنما يختص بالمهاجرين والأنصار دون غيرهم(1) !!
وقد أقام مذكرته في الصحابة لأجل تقرير هذه الفكرة الفاسدة.
يقول المالكي: "أصحاب النبي - الصحبة الشرعية – ليسوا إلا المهاجرين والأنصار" (الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية ، ص25).
وقد رد عليه هذا الرأي الفاسد الذي يخالف إجماع الأمة وتعريفها للصحابة الشيخ الفاضل عبد الله السعد في مقدمته لكتاب (الإبانة لما للصحابة من المنزلة والمكانة) للأخ عبد العزيز الحميدي ، وكذا رد عليه الشيخ الفاضل سليمان العلوان في رسالته (الإستنفار للذب عن الصحابة الأخيار)( مجلة الحكمة ، العدد 22 ) .
وقد حاول المالكي – بدهاء ! – لما سئل: من سبقه إلى هذا التعريف الغريب للصحابة أن يُعمّي على مصدره الحقيقي ، وهو كتب الزيود ومن شايعهم من أسلافه ، وقال للسائل: "قد سبقني لكن بألفاظ مقاربة بعض العلماء ، منهم إبراهيم النخعي وابن عبد البر" !! (ص 58 من رسالته السابقة).
قلت: بل سبقك بهذا شيوخك الروافض – كما سيأتي - !! ولكنك تحاول (ترويج) مذهبك الفاسد بالتمسح بعلماء أهل السنة – رحمهم الله -.
أما النخعي فلم تذكر سوى قوله: " من فضل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار" وأحلت على كتاب (فضائل الصحابة لأحمد 1/249) ، وقلت: "سنده جيد" !! (مذكرة الصحابة ، ص 52).
قلت: أولاً: لا أدري كيف عمي بصرك يا مدعي التحقيق ومنهج المحدثين !! عن قول المحقق تحت الأثر السابق الذي نقلته: " إسناده ضعيف لضعف الوليد بن بكير وهو التميمي الطهوي أبو جناب الكوفي" ؟! ونقل قول الدارقطني في الوليد هذا بأنه "متروك"! وقول ابن حجر فيه " لين الحديث" !
ثانياً: على فرض ثبوت هذا الأثر فأي حجة فيه على تقسيمك المزعوم؟! والنخعي إنما يسفه رأي من فضل علياً على أبي بكر وعمر، وهم شيوخك الروافض ! ، وأنهم بفعلهم هذا يزرون على كبار الصحابة وأفاضلهم فضلاً عمن دونهم.
ثالثاً: قد جاء نحوٌ من هذه العبارة عن غير النخعي ، مما يدل على أنها عبارة متداولة بين السلف يزرون بها على الشيعة والرافضة في تقديمهم علياً على أبي بكر وعمر – رضي الله عن الجميع - . فقد ذكر محقق (فضائل الصحابة) في الموضع السابق أن نحو هذه العبارة قد ورد عن عمار – رضي الله عنه – كما عند الطبراني في الأوسط (انظر مجمع الزوائد 9/54) ، ووردت أيضاً عن سفيان الثوري كما عند الفسوي في تاريخه (3/467).
أما ابن عبد البر فلم تذكر له شيئاً يدل على هذا التقسيم المزعوم !! ولو كان عندك ما يدل عليه ولو بشتى التكلفات لبادرت بإظهاره !
وكيف يقول ابن عبد البر بهذا التقسيم المزعوم الذي خالفت به إجماع الأمة ، وهو الذي صنف كتاباً جليلاً في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كتابه (الاستيعاب) ؟!
وقال في مقدمته: " الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين ، وهم أهل السنة والجماعة ، على أنهم (كلهم) عدول ، فواجب الوقوف على أسمائهم ، والبحث عن سيرهم وأحوالهم ؛ ليهتدى بهديهم …" (الاستيعاب بهامش الإصابة لابن حجر 1/37-38).
وقال – أيضاً -: "ثبتت عدالة (جميعهم) بثناء الله عز وجل عليهم ، وثناء رسوله عليه السلام ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منه …" (المرجع السابق 1/ 4-5).
قلت: فتأمل قوله: (كلهم) وقوله: (جميعهم) ، فهي مما يشهد بكذب المالكي على ابن عبد البر – رحمه الله - ! وافترائه عليه بأنه يقول بتقسيم الصحبة إلى شرعية وعامة !! ولا تعجب من هذا الكذب المالكي ؛ فإن الرجل لم يخالف أسلافه في طباعه ! والشيء إذا جاء من معدنه لايُستغرب !.
أما الذين سبقوا المالكي إلى هذا التقسيم المبتدع فهم أسلافه كما سبق. يقول الزيدي صارم الدين! إبراهيم بن محمد الوزير في مقدمة كتابه (الفلك الدوار في علوم الحديث والفقه والآثار) (ص 10) بعد أن صلى على النبي وعلى أهل بيته (بالتفصيل!): "ورضي الله عن أصحاب رسول الله الأخيار ، السابقين الأبرار، الذين اتبعوه ساعة العسرة من المهاجرين والأنصار …" ولم يذكر غيرهم من الصحابة! بل انتقل الزيدي إلى ما يوافق هواه قائلاً (ص 11): "وعن أنصار أمير المؤمنين ، في يوم الجمل والنهروان وصفين ، وأعوان الحسن والحسين ..." الخ.
فالقوم لا يترضون إلا عن المهاجرين والأنصار ، فهم الصحابة عندهم ، وأما غيرهم فلا. وقد تابع المالكي شيوخ مذهبه في هذا الأمر – كما سبق -.
وقال الحضرمي ابن عقيل (العلوي المتشيع)(1) – الذي يقتات منه المالكي كثيراً – في كتابه (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل) لما نقل تعديل الإمام البخاري لأحد الصحابه: " أقول: البخاري – ككثير غيره – يزعمون عدالة كل من سموه صحابياً بحسب اصطلاحهم الذي أحدثوه"! (ص 69).
وممن زل في هذا الموضوع ، وزعم أن ما جاء في فضل الصحابة – رضي الله عنهم – مخصوص بمن طالت صحبته للنبي ، مُعَرِّضاً بمعاوية وعمرو وغيرهما ممن تبغضهم الشيعة (على اختلاف طوائفهم): الصنعاني في كتابه (ثمرات النظر). فقد قال: "وأما الصحابة رضي الله عنهم فلهم شأن جليل ، وشأو نبيل ، ومقام رفيع ، وحجاب منيع … الخ" (ص 105) ثم تعقب ذلك قائلاً: "إلا أن تفسير الصحابي بمن لقيه أو بمن رآه ، وتنزيل تلك الممادح عليه فيه بُعد يأباه الإنصاف ، ولا يُقال لرعية الملك: أصحاب الملك ، وإن رأوه ورآهم ولقوه ولقيهم ، بل أصحابه من لهم به اختصاص … " الخ شبهاته (ص 106 وما بعدها). ثم زعم أن لمعاوية – رضي الله عنه – "فواقر"! (ص 113) وأنه غير معذور في بغيه! (ص 113) ، ثم قال (ص 114) – عامله الله بعدله -: "وأحسن من قال:
قالوا النواصب قـد أخطا معاوية في الاجتـهاد وأخطا فيه صاحبه
والعفـو في ذاك مرجـو لفاعله وفي أعـالي جنـان الخلد راكبه
قلنا كـذبتـم فِلمْ قـال النبي لنـا في النـار قاتـل عـمار وسالبه"
قلت: القائل هم أهل السنة لا النواصب!! ولكن الزيود يصمون بالنصب كل من ترضى عن معاوية – رضي الله عنه – أو قال بأنه قد اجتهد وأخطأ في بغيه- كما هو معتقد أهل السنة(1) - ، ولا يرضون بغير السب له والتبرؤ منه – نعوذ بالله من حالهم -.
تنبيه: ما سبق نقله عن الصنعاني يشهد بأنه قد بقيت فيه بقية من مذهبه الزيدي ، لا كما يتوهم البعض بأنه (سلفي) العقيدة! ، بل ذهب بعض العلماء ؛ كالشيخ ابن بسام في (علماء نجد) إلى أن الرجل باق على زيديته ، وذكر شواهد لذلك ، فلتراجع في ترجمة الصنعاني (6/418) وفي(2/547). وانظر أيضاً: مجلة المنهل (بتاريخ 28/5/1386هـ) ففيها رد على ما جاء في الطبعة الأولى من ديوان الصنعاني من شعرٍ له يلعن فيه معاوية – رضي الله عنه - !!
السرقة الرابعة: ذم معاوية – رضي الله عنه -!
ذم المالكي – أخزاه الله – لمعاوية – رضي الله عنه – كثير جداً – والعياذ بالله(2) ، وأكتفى بعبارة واحدة له ، وأحيل على بقية عباراته صيانة لأبصارنا أن ترى ذم أحد من الصحابة – رضوان الله عليهم -.
يقول المالكي مهوناً من شأن لعن معاوية – رضي الله عنه -!!: "وقد ذهب إلى جواز لعنه – أي معاوية رضي الله عنه!!- من العلماء المتأخرين محمد بن عقيل (وهو عالم سني) !! في كتابه: النصائح الكافية" (مذكرته في الصحابة ، ص 51).
وانظر: (مذكرة العقائد: ص 64 ، 70 ، 73 ، 75 ، ونحو إنقاذ! التاريخ الإسلامي: ص 71 ، 72 ، 148 ، 167 ، 240 ، 279 ، 287 ، 331).
قلت: وهذه البدعة الشنيعة قد (سرقها) المالكي من إخوانه الروافض (إماميهم وزيديهم!) ، فهم أبرز من اشتهر بهذا الأمر ، وكتبهم طافحة به ، يعرفها كل مسلم، وقد تابعهم كثير من المبتدعة من غيرهم على هذه البدعة – ولا حول ولا قوة إلا بالله -.
وقد أجاد الشوكاني في قوله(1):
لا قـدس الله أرواح الروافض ما
تبسّم البرق بين العـارض الهطل
قـومٌ إذا قلـت ملعـونٌ معاويةٌ
ويا لسـرِّ أميـر المؤمنيـن علي
فأنـت عندهم العدل الرضي وإن
رفضت شرع رسول الله عن كَمَل
فممن طعن في معاوية – رضي الله عنه – من الزيود أسلاف المالكي: صالح المقبلي في كتابه (العلم الشامخ) متهماً معاوية بأنه "طالب ملك اقتحم فيه كل داهية"! (ص 454) (وانظر: ص 385 ، 417).
وممن طعن في معاوية – رضي الله عنه – وأجاز لعنه وسبه!! ممن اطلع على كتبهم المالكي ونقل منها كما سبق- المدعو محمد بن عقيل الحضرمي ، حيث ألف كتابين لأجل هذا الطعن! الأول: (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية) حشاه بالكذب والبهتان ، وسيأتي ذكر من رد عليه ، والثاني: (تقوية الإيمان في رد تزكية ابن أبي سفيان).
وكذا طعن فيه في مواضع من كتابه (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل) ، حيث سمى معاوية – رضي الله عنه – "كهف المنافقين"!! (ص 7) وأنه من "الطواغيت"! (ص 47 ، 62) ، وأنه "عجل النواصب"! (ص 63).
وقد رد الشيخ جمال الدين القاسمي – رحمه الله – على هذا العلوي الرافضي بكتاب سماه (نقد النصائح الكافية) قال في مقدمته (ص 2) واصفاً كتاب الرافضي بأنه أيد فيه "مذهب من جرح معاوية ورهطه ، وزعم أن تعديلهم زلة وغلطة ، وبنى عليه جواز لعن معاوية وسبه" ، ثم فند كلام الرافضي ، وبين عقيدة السلف في الصحابة – رضي الله عنهم - ، واعتذر لمعاوية ، وأفحم الرافضي بتنازل الحسن له ، وعدم قيام الحسين بالثورة عليه … الخ ما ذكر ، فليراجع.
وممن طعن في معاوية – رضي الله عنه – من مبتدعة هذا العصر ، زعيمهم: زاهد الكوثري في عدة مواضع من كتبه ومقالاته (انظر على سبيل المثال: تعليقه على كتاب الأسماء والصفات ، ص 421 – 423 ، وكتاب تبديد الظلام، ص 94 – 96 ، ومقالاته ، ص 349) (وانظر للرد عليه: مخالفة الكوثري لاعتقاد السلف ، للدكتور محمد الخميّس ، ص 61 – 62).
وممن طعـن في معاوية – رضي الله عنه – من المبتدعة المعاصرين: عبد الله الحبشي ، المبتدع الشهير ، زعيم فرقة الأحباش ، وذلك في كتابه (صريح البيان) (ص 227 وما بعدها).
وانظر للرد عليه: (الرد على عبد الله الحبشي) للشيخ عبد الله الشامي (ص 11 ومـا بعدها) ، و(الحبشي شـذوذه وأخـطاؤه) للشيخ عبد الرحمن دمشقية (ص 91 وما بعدها).
وممن طعن في معاوية – رضي الله عنه – من المبتدعة المعاصرين: حسن السقاف ، وذلك في تعليقه على كتاب ابن الجوزي (دفع شبه التشبيه) (ص 102 ، 236).
(وانظر للرد عليه كتاب الشيخ سليمان العلوان: إتحاف أهل الفضل والإنصاف بنقض كتاب ابن الجوزي دفع شبه التشبيه وتعليقات السقاف ، ص 47 وما بعدها).
قلت: والطاعنون فيه – رضي الله عنه – من أهل البدع ومن شايعهم كثير ، وقد ذكرت جماعة منهم في مقدمة (مختصر تطهير الجنان في النهي عن الخوض والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان) للهيتمي ، حتى أتى الدور إلى المالكي الذي تابع أسلافه ، وناصب معاوية – رضي الله عنه – العداء.
السرقة الخامسة: نقد أهل السنة -والمحدثين منهم على وجه الخصوص- بأنهم يتشددون في طعن من يتظاهر بمحبة علي – رضي الله عنه -! ويتهاونون مع المنحرفين عنه من الخوارج والنواصب !!
وهذا الأمر كثيراً ما يدندن حوله المالكي ، ويريد من خلاله (تمرير) رسالة خفية إلى قارئ مذكراته بأن من يسمون أهل السنة (السلفيين) هم في الحقيقة (نواصب)!
يقول المالكي: - بعد إيراده لبعض فضائل الصحابة – رضي الله عنهم -: " الغريب أن بعضهم كابن تيمية سامحه الله يورد مثل هذه النصوص العامة ، ويعتبرون القادح في الصحابة قادح (كذا !) في الكتاب والسنة ، ويقصدون بالصحابة غالباً المتأخرين منهم ، كمعاوية وعمرو وأمثالهم ، بينما يسكتون عن طعن النواصب في علي ولعنهم له " !! (مذكرته في الصحابة ، ص 79-80). (وانظر: مذكرة العقائد: ص 63 ، 127 ، 170 وما بعدها ، 136 ، ونحو إنقاذ! التاريخ الإسلامي ، ص 41 ، 211).
قلت: وهذا التشكي والهمز لأهل السنة قد (سرقه) المالكي من الرافضة – والزيود منهم خصوصاً - ، ومن تابعهم في بدعتهم ، التي من لم يوافقهم عليها اتهموه بالنصب.
عقد الزيدي صارم الدين! إبراهيم بن محمد الوزير خاتمه لكتابه (الفلك الدوار في علوم الحديث والفقه والآثار) (ص 220 وما بعدها) سماها (خاتمة في عتاب أهل الجرح والتعديل) ، وانتقد فيها المحدثين في طعنهم بالشيعة الروافض وعدم روايتهم عنهم ، يقول هذا الزيدي: " إن جمهور الخصوم لما قطعوا بإمامة الثلاثة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل علي عليه السلام(1) وفضلوهم عليه وجعلوه رابعاً ، وقدحوا في كل من قطع بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دونهم ، ومن خَطَّأهم في التقديم عليه وجزم بتفضيله عليهم ، فمعتمد جرحهم لأكثر الشيعة إنما هو لذلك ، فمن روى خلاف معتقدهم – ولو سنياً – بَدَّعوه وكَذَّبوه وسَمَّوْه رافضياً ، وتركوا الأخذ منه ونهوا عن الكتابة عنه ، وهجروه ، وإن عظم محله عندهم قالوا: منكر الحديث ، يتفرد بغرايب لا يتابع عليها. ونحو ذلك ، وأعانهم على هذا خلفاء الدولتين ، ومن طالع الأخبار وعلوم الرجال عرف ذلك ضرورة.
وقالوا: تفضيل علي على عثمان أول عقد من الرفض ، فأما تفضيله على الشيخين فرفض كامل" !.
وقال هذا الزيدي – أيضاً – (ص 223): " واعلم أن أهل الجرح والتعديل قد نالوا من الشيعة والعدلية(1)منالاً عظيماً ، وسموهم رافضة وقدرية ، فالله حسيبهم"!.
قلت: الله حسيبك أنت عندما تنافح عن أسلافك من الروافض أعداء صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم ، قبحهم الله.
وأما المقبلي الزيدي فقد تشكى كثيراً في كتابه (العلم الشامخ) من المحدثين، واتهمهم – زوراً – بأنهم يحيفون على علي وآل البيت – رضي الله عنهم -! ويميلون إلى التهاون مع أهل النَصْب! ، فمما قال: " العجب من المحدثين تراهم يجرحون بمثل قول شريك القاضي وقد قيل عنده: معاوية حليم ، فقال: ليس بحليم من سفه الحق وحارب علياً. وبقوله وقد قيل له: ألا تزور أخاك؟ فقال: ليس بأخ لي من أزرى على علي وعمار. فليت شعري كيف الجمع بالنقم بين هذين الأمرين ، ثم لم ترهم يبالون بلعن علي فوق المنابر ، وبمعاداة من عاداه" ! (ص 385). (وانظر: ص 417 ، 454).
قلت: كذب المقبلي! فأهل السنة – كما سيأتي- يطعنون في الرافضة كما يطعنون في النواصب.
وأما الحضرمي الصوفي المتشيع ابن عقيل فقد ألف – كما سبق - كتاباً بعنوان ( العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل)(1) قال في مقدمته (ص 3) داعياً الله: " أن يحفظنا من مضلات الفتن ، ومن موالاة المحادين والقاسطين والمارقين ، ويعيذنا من الغلو والشطط ، ويجعلنا من خير أهل الإنصاف من الأمة الوسط " فقال الشيخ ابن مانع – رحمه الله - تعليقاً على هذا الدعاء من المؤلف: " هذا دعاءٌ لم يُستجب ، فقد غلا في الرفض غلواً شديداً " !!.
يعتب هذا الحضرمي المتشيع على أهل الجرح والتعديل من أهل السنة ، كأحمد ويحيى وغيرهم بأنهم يبالغون في نقد الشيعة ، ويذمونهم لأدنى سبب! وفي المقابل يزكون النواصب أعداء علي – رضي الله عنه - !! وهو عين ما ردده المالكي – كما سبق -!
فإليك شيئاً من أقوال ابن عقيل ، وقارنها بأقوال خلفه المالكي ، يتبين لك لصوصية هذا الرجل ، وتطفله على المزابل !
يقول ابن عقيل: تعليقاً على كلام للحافظ ابن حجر – رحمه الله – يقول فيه " والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه ويُطلق عليه رافضي ، وإلا فشيعي".
قال ابن عقيل: " ولا يخفى أن معنى كلامه هذا أن جميع محبي علي المقدمين له على الشيخين روافض ، وأن محبيه المقدمين له على من سوى الشيخين شيعة ، وكلا الطائفتين مجروح العدالة. على هذا فجملة كبيرة من الصحابة الكرام كالمقداد وزيد بن أرقم وسلمان وأبي ذر وخباب وأيوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبي الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وقيس بن سعد وأبي الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنيه وبني هاشم كافة وبني المطلب كافة وكثير غيرهم كلهم روافض لتفضيلهم علياً على الشيخين ومحبتهم له ، ويلحق بهؤلاء من التابعين وتابعي التابعين من أكابر الأئمة وصفوة الأمة من لا يحصى عددهم ، وفيهم قرناء الكتاب ، وجرح عدالة هؤلاء هو والله قاصمة الظهر".
ولما بين ابن حجر – رحمه الله – وهو يرد على الرافضة احتجاجهم بحديث " لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق" أن الانصار قد ثبت لهم مثل هذا ، حيث قال عنهم صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: " حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق " فأنتم ببغضهم أصبحتم منافقين! قال ابن عقيل – الذي لم يعجبه إحراج ابن حجرلإخوانه الرافضة - (ص 20-21): " أقول: اعتاد بعض من يكمن في سويداء قلبه بغض مولى المؤمنين علي عليه السلام أن يتبع ذكر كل منقبة من مناقب علي لا يستطيع جحدها بما يشوهها أو يوهم مساواة غيره لها حسداً من عند أنفسهم ، ولو بأن يكذبوا ويخترعوا وينقلوا ما يعرفون بطلانه أو ضعفه. كثر هذا حتى صار من ليس مثلهم في مرض القلب يتبعهم في صنيعهم هذا هيبة للإنفراد ، أو احتراساً عن أن ينبز بالرفض ، أو انقياداً للتقليد ، أو بلهاً أو غفلة "!
قلت: فانظر إلى هذا الخبيث كيف استساغ الطعن في الحافظ ابن حجر واتهامه بالنَصْب وبغض علي – رضي الله عنه -(1) لأنه لم يوافق هواه ، ولأنه أحرج أشياخه الرافضة.
ويقول ابن عقيل –أيضا – (ص49): "يشتد عجبي من صنيع العلماء وضيق صدورهم من ذكر فضائل مولى المؤمنين فيتطلبون توهينها وردها بكل حيلة ولو كان فساد ما يتطلبونه ظاهراً بيناً كما مر بك. وقد استحكم هذا الداء وورثه خلفهم عن سلفهم فيثقل على قلوبهم المريضة سماعهم مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله كذكره بالسيادة كما في الحديث السابق سياقه فتغلي مراجل حسدهم في صدورهم وتسودّ الدنيا في عيونهم ويتخبطهم شيطان النصب وتنتفخ أوداجهم من الغيظ " قل موتوا بغيظكم". وقد أسخن الله عيونهم بما وصل إلينا من مناقب سيدنا ومولانا صنو نبينا عليهما وآلهما الصلاة والسلام وما أخرجه الله بقدرته من بين الكتمين كتم الحسد وكتم الخوف على النفس وهذا من خوارق معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد جرت العادة بأن ما اعتمد أهل الدولة ستره أو تكاتف علماء الدين على إخفائه قلما يظهر ويتواتر ، وهنا جاء الأمر بالعكس رغماً عن جد الفراعنة في طمسه وشياطين العلماء في إلقاء الشبه وبث الأضاليل في سبيل ظهوره ".
قلت: هذا من تهويلات هذا الرافضي الخبيث ، وإلا فإن أهل السنة هم أكثر من يروي فضائل علي – رضي الله عنه – ويفرحون بها ، كما يفرحون بغيرها من فضائل غيره من الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين - ، ولكن الرجل يتوهم أن من لم يتابعه في غلوه في علي وأهل البيت فهو ناصبي.
ولهذا قال الشيخ ابن مانع – رحمه الله – معلقاً على هذه الفرية: " ما أدري من عنى بهذا؟ أما أهل السنة فكلهم موالون لعلي ، ويعترفون بفضله وسيادته وأنه رابع الخلفاء الراشدين ، وأما أهل البدع من الخوارج فكلامهم في علي مثل كلام الروافض في الشيخين وسائر الصحابة ، باطل عاطل " .
وقال ابن عقيل – أيضاً - (ص 57) معلقاً على قول الإمام أبي حاتم - رحمه الله – في أحد الرواة الشيعة بأنه غالٍ في التشيع: " أقول ليفرخ روع القارئ ، فإن الغلو في التشيع كالرفض ، لهم فيه تفاسير تقدمت ، والمتيقن من ذلك حب علي وتفضيله على الأمة ، وقد تقدم أن ذلك إجماع العشرة وقول جمع من كبار الصحابة وخيارهم وجم غفير من تابعيهم بإحسان"!
قلت: ففي قوله مدح للرفض ! ؛ لأنه عنده مجرد حب علي وتقديمه على الصحابة!! فأين السب وأين التكفير؟!
ولذا فقد تعقبه الشيخ ابن مانع – رحمه الله – قائلاً: " حب علي مذهب أهل السنة ، وهو الحق " قال: " ومرادهم بالتشيع والرفض سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذم أم المؤمنين".
ولكن: هل يفهم مثل هذا الكلام من كان في قلبه دغل على صحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟! لا أظن ذلك.
وانظر أيضاً أقوالاً أخرى لابن عقيل هذا في (ص 67 ، 83 ، 91من كتابه) وكلها اتهامات لأهل السنة بأنهم منحرفون عن علي – رضي الله عنه – طاعنون في شيعته ، مادحون لشانئيه … الخ أباطيله ، التي يعلم كل عاقل أنها مجرد افتراءات على أهل السنة ، الذين أنزلوا علياً – رضي الله عنه – مكانته اللائقة به ، متجنبين غلو الروافض ، وشطط النواصب ، قبح الله الطائفتين وأخزاهما.
وقد نقلت لك المواضع السابقة من كتاب ابن عقيل هذا لتتيقن أن المالكي مجرد ناقل لأفكاره السابقة ، بعد أن يغير ألفاظها ، كما نقل عنه أيضاً ، طعنه في معاوية رضي الله عنه ، ورأيه في الصحابة ، وذمه للقسري – كما سيأتي -.
وقد أجاد الصنعاني في كتابه ( توضيح الأفكار) عندما دافع عن المحدثين ، ورد اتهام الزيود والروافض لهم بأنهم غير عادلين ، إنما يحابون النواصب ، إن لم يكونوا منهم ! فقال تعليقاً على عبارة ابن الوزير صاحب (تنقيح الأنظار): " وهم – أي أئمة الحديث - يعرفون فسق الفاسق وجرحه ، والنهي عن قبوله ، وهم يسوون في ذلك بين المنحرفين عن علي عليه السلام ، وعن عمر ، وعن أبي بكر(1)" قال الصنعاني: " فليس لهم عصبية تحملهم على خلاف هذا ، فإنهم كما يقدحون بالغلو في الرفض يقدحون بالنصب. والرفض: محبة علي وتقديمه على الصحابة ، وسب الشيخين. والنصب: بغض علي عليه السلام ! وتقديم غيره عليه ، كما صرح بهذا الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري ، فالمنحرف عن علي عليه السلام ! هو الناصبي ، والمنحرف عن الشيخين هو الغالي في الرفض ، وقد سوّوا في الجرح بكل واحدة من الصفتين" (2/443). قلت: فهل يعي هذا المالكي وأسلافه ؟! لا أظن ! لأن القوم أشربوا حب البدعة ونشأوا عليها ، فمن لم يوافقهم فيها طعنوا فيه واتهموه بالنصب ، والعياذ بالله.
السرقة السادسة: نقض كتاب (كشف الشبهات) للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب:
وقد ألف المالكي لأجل ذلك مذكرته الشهيرة ( نقض !! كشف الشبهات) ، مدافعاً فيها عن القبوريين ، مشنعاً على داعية التوحيد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -.
قلت: وهذه (الفكرة) قد (سرقها) المالكي أيضاً من شيوخه الزيود !
فإنه لما صدرت فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في حكم الصلاة خلف الزيود ، وقال فيها: " أما الصلاة خلف الزيدية فلا أرى صحتها خلفهم ؛ لأن الغالب عليهم الغلو في أهل البيت بأنواع من الشرك ، مع سبهم لبعض الصحابة ، وإظهارهم بعض البدع …"(1)
ضج الزيود بعدها وتصايحوا من أقطار عديدة للرد على هذه الفتوى التي فضحت مذهبهم ، فألفوا الرسائل في هذا ، دون فرق بين زيديّهم أو رافضيّهم أو نصيريّهم(2)، بل الجميع تكاتف لصد هذه الفتوى والتشويش عليها ، خشية أن تصل إلى أبناء مذهبهم فيتأثروا بها ويبدؤا بالبحث عن أصل مذهبهم وحقيقته ، وهل هو موافق للكتاب والسنة أم لا ؟ ومثل هذا الأسئلة تقلق طالب الحق وطالب الآخرة، ولهذا فقد حاول شيوخ الشيعة (بمختلف طوائفهم) حجب هذه الفتوى أن تصل إلى العقول المتطلعة للحق من أتباعهم.
المهم: قام أحد مشايخ الزيود – وحسن المالكي منهم ! – في اليمن واسمه بدر الدين ! بن أمير الدين ! بن الحسين الحوثي بتأليف كتاب سماه (الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز)(3)! زاعماً فيه الرد على السلفيين وقد عقد فصلاً كاملاً في كتابه سماه ( الجواب الوجيز) (ص 23 – 38) يرد فيه على كتاب الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب (كشف الشبهات)!!!
فعرفنا حينها من أين استقى المالكي الزيدي كتابه السابق (نقض كشف الشبهات) !
يقول الحوثي الزيدي في مقدمة فصله: " بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد الأمين ، وعلى آله الطاهرين. وبعد: فإنا اطلعنا على الكتاب المسمى (كشف الشبهات) فوجدنا فيه العبارات المجملات التي إذا تقبلها الجاهلون على إجمالها كانت سبباً لفساد عظيم لرمي المسلمين بالشرك مع المشركين …" الخ (ص 23).
ثم قام الزيدي بالدفاع عن أحبابه القبوريين المشركين وتلمس المعاذير لهم والتشنيع على دعاة التوحيد ، واتهامهم بالغلو والتكفير ، وقد تابعه الزيدي المالكي في مذكرته السقيمة في هذا كله حذو القذة بالقذة !
أتواصوا به بل هم قوم طاغون!
السرقة السابعة: الطعن في كتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد – رحمه الله –
ولأجل نقده ألف المالكي رسالته (قراءة في كتب العقائد) وجعل كتاب (السنة) أنموذجاً لكتب الحنابلة !
وهذا الطعن في كتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد (سرقه) المالكي كعادته من أهل البدع ، كالكوثري والسقاف وغيرهما. وسبب طعنهم ما جاء فيه من إثبات الصفات لله كما وردت في الكتاب والسنة ، دون تمثيل أو تعطيل ، وهو ما لا يريده هؤلاء الجهمية. وهكذا المالكي (المتجهم)(1) تابعهم في هذا الأمر.
ولوعقل هذا السفيه لعلم أن عبد الله – رحمه الله – إنما يروي في كتابه ما بلغه بالسند ، فلا تثريب عليه ، فإن كان ما رواه ضعيفاً – وهو قليل في كتابه – رددناه دون تشنيع أو تهويل ، فهذا شأن طلاب الحق ، لا أن نتخذ من هذا الأمر متكئاً للطعن في عقائد أهل السنة ، كما يفعل المالكي وأحزابه من المبتدعة.
وليتبين لك مسلك أهل السنة في نظرتهم لكتاب (السنة) ، انظر مقدمة الدكتور محمد سعيد القحطاني للكتاب.
أما طعن الكوثري الهالك رأس الضلال في هذا العصر في كتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد – رحمه الله – فقد ردده في كثير من مقالاته وتعليقاته على الكتب ، حيث قال عنه: " كتاب الزيغ والتجسيم والتشبيه" ! وقال – أيضاً -: "ولعل هذا القدر من النصوص التي سقناها من كتاب السنة يكفي لمعرفة ما وراء الأكمة ، ولا أظن بمسلم نشأ نشأة إسلامية أن يميل لتصديق تلك الأساطير الوثنية" ! (انظر مقالاته: ص 324 ، 320 ، 301 ، 307 ، 325 ، 329 ، 332 ، 338 وانظر: بيان مخالفة الكوثري لاعتقاد السلف ، للدكتور محمد الخميّس ، (ص 58-59).
وأما حسن السقاف فقد تابع سلفه الكوثري الهالك فطعن في كتاب (السنة) لعبد الله بن أحمد ، وزعم أن فيه " بلايا وطامات" ! ( تعليقه على كتاب ابن الجوزي: دفع شبه التشبيه ، ص 184 تعليق رقم 121)(1). (وانظر الرد عليه في كتاب الشيخ سليمان العلوان "الكشاف عن ضلالات حسن السقاف" ، ص 30-32).
السرقة الثامنة: مدح الجهمية ورموزها ، والتماس المعاذير لهم ، والدفاع عن عقائدهم ! وذم من قتلهم ، وأنه لم يقتلهم إلا بسبب السياسة !
وقد حشى المالكي رسالته (قراءة في كتب العقائد) بهذه الأمور.
يقول المالكي: " قد تناقضت الآراء عن الجعد بن درهم وأكثر ما دون من آرائه كان من طريق خصومه " (مذكرة العقائد ، ص 89). ويقول: " كل التيارات التي نصمها بالبدعة ، كالجهمية والقدرية والمعتزلة والشيعة والزيدية ! وغيرهم ، كل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله " !! ( المرجع السابق ص 90). ويقول مبرراً حماسه في الدفاع عنهم: " وحرارة هذا القول مني كان أسفاً مني على سنوات أضعتها في بغض ولعن الجهمية والقدرية ، ولم أنتبه لبراءتهما من أكثر ما نسب إليهما … " ! (المرجع السابق ، ص 91). (وانظر: ص 94 ، 97 ، 26 ، 87 ، 88 ، 143، ففيها يمدح المالكي طوائف المبتدعة). ويقول المالكي عن خالد القسري الذي قتل الجعد رأس الجهمية: " كان هذا الأمير – أي القسري – مشهوراً بالظلم والفجور " (مذكرة العقائد ، ص 89 وانظر ص 83) ويقول: " بدعته أعظم من بدعة الجعد بن درهم " !!! (المرجع السابق ، ص 84) (وانظر: ص 98).
ويقول عن الجعد " قتل قتلاً سياسياً" (المرجع السابق ، ص 89).
وأما عن الجهم فيقول: " كذلك قتلهم للجهم بن صفوان كان قتلاً سياسياً بحتاً" (المرجع السابق ، ص 89).
قلت: وهذه الضلالة ، وهي الثناء على الجهمية ، ورؤسائها ، والاعتذار عن كفرياتهم ، قد استفادها المالكي ممن قبله ، ممن ذهب هذا المذهب القبيح في التعامل من أهل الضلال ، وآثر ملاينتهم.
ومن أبرزهم: الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه (الجهمية والمعتزلة)(1) ، والنشار في كتابه (نشأة الفكر الفلسفي) ، وخالد العلي في رسالته (جهم بن صفوان ومكانته في الفكر الإسلامي).
أما القاسمي – غفر الله له - فقد بالغ في الثناء على الجهم والجهمية ، ملتمساً لهم المعاذير ، ظاناً أنه بهذه الطريقة يجمع الأمة !، فالجهمية عنده " فرقة من المسلمين" (ص 9). والجهم كان حريصاً على إقامة أحكام الكتاب والسنة ! (ص 16) ، وقال عنه: "كان الجهم داعية للكتاب والسنة ، ناقماً على من انحرف عنهما، مجتهداً في أبواب من مسائل الصفات" ! (ص 18) وأما الجعد بن درهم فكان قتله سياسياً (ص 38).
وشكك في قبول ما صدر عنهم من كفريات وضلالات (ص 30-34) ، ووضع عنواناً يقول: " بيان أن الجهمية والمعتزلة لهم ما للمجتهدين " ! (ص 77) وأنهم معذورون في قولهم بخلق القرآن (ص 77 – 80).
وكل هذا تلبيس من القاسمي – عفا الله عنه – وستر لكفريات وضلال هذه الفرق التي أجمع على ذمها علماء السنة ، كل هذا بدعوى التقريب ، ناسياً أن التقريب بين الأمة لا يكون إلا بجمعها على الحق ، لا خلط الحق بالباطل ، والمداهنة لأهله.
وأما النشار فقد قال عن الجهم في كتابه (نشأة الفكر الفلسفي): " الجهم بن صفوان شخصية من أكبر شخصيات الإسلام" ! (1/333) ، وقال: " الجهم بن صفوان كان مفكراً مسلماً " (1/335) ، وقال: " لا شك أن للجهم بن صفوان فضلاً كثيراً على الإسلام " (1/336) ، وقال: " كان للرجل .. فضل كبير أيضاً في تاريخ الفكر الإسلامي …" (1/337) ، وقال في مدح الجهمية : " الجهمية والمعتزلة هما الطائفتان اللتان تمثلان ثورة المجتمع الإسلامي على بني أمية " (1/25).
وأن القدرية " أصحاب الإرادة الحرة " (1/314) ، وأما غيلان الدمشقي فهو " الشهيد الثالث لمذهب الإرادة الحرة ، والمثل الأعلى للدفاع عن عقيدته ، والثبات عليها في وجه عتاه بني أمية" (1/321) ، وأنه " كان من أعظم الشخصيات الإسلامية " (1/324).
وأما الجعد فكان " أول رواد التفسير العقلي في الإسلام" (1/332) ، وأن قتله كان سياسياً (1/331)
ولعل عذر النشار في هذا الدفاع الحار عن الجهيمة ورؤوسها كونهم مصدر مذهبه الأشعري الذي يتعصب له كثيراً !
وانظر للرد عليه: كتاب (الإعلام بنقد كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام) للدكتور محمد سعيد القحطاني.
وأما خالد العلي فيقول عن الجهم " أحد الأفذاذ الكبار" ! (ص 10) (وانظر، ص 208). وشكك في مصادرنا عن مذهبهم (ص 16-17 ، 20).
قلت: وقد رد أباطيل القوم وتزكيتهم للجهم المبتدع الضال ، الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف – حفظه الله – في كتابه (مقالات في المذاهب والفرق ، ص 54 – 76) ونقل أقوال أهل السنة – رحمهم الله – في تضليل الجهم وتبيينهم ما في مقالاته من كفر وزندقة وإلحاد ، فليراجع(1).
وقال في مقدمة بحثه(ص54-56): " الجهم بن صفوان: حقائق وأباطيل ، يقول الله تعالى: وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين(1)، ولعل هذه المقالة الآتية عن شخصية " الجهم بن صفوان " ، تحقق شيئاً من تلك " الاستبانة " لسبيل المجرمين الضالين .. وأمر آخر دفعني إلى الكتابة عن الجهم ، وهو أن هذا "الجهم" الذي وصفه أحد أسلافنا – رحمة الله عليهم – وهو الذهبي – فقال عنه "أسُّ الضلالة ورأس الجهمية"(2) وأنه " زرع شرا عظيماً"(3) .. فمع ما تضمنته مقالات الجهم من كفر وزندقة وإلحاد ، وما خلفه من فتنة وفساد وشر ، مع هذا كله فإننا نجد من بعض الباحثين من يدافع عنه، ويحاول أن يوجد للجهم مسوغاً ومبرراً في انحرافه وإفساده ، ويظهر – جلياً – تحامل هؤلاء الباحثين ، بل طعنهم على أئمة السلف وأهل الحديث ممن تصدوا للذود عن العقيدة الصحيحة والذبّ عنها.
وبين يدي ثلاثة كتب تدافع عن الجهم وتتعاطف معه .. فأما أولها فهو "تاريخ الجهيمة والمعتزلة" لجمال الدين القاسمي(4) الذي عُرف بعقيدة صحيحة واستقامة ظاهرة وهو يدافع عن الجهم باسم الموضوعية والإنصاف ! – كما سيأتي إن شاء الله - ، ولكن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة ، وعفا الله عن القاسمي.
وأما الكتاب الآخر فهو "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" الجزء الأول للدكتور علي سامي النشار حيث دافع النشار عن الجهم وشيخه الجعد بن درهم ، ثم تحامل وطعن في علماء أهل الحديث.
وأما الكتاب الثالث فهو " الجهم بن صفوان ومكانته في الفكر الإسلامي" لخالد العلي أحد الباحثين من بلاد العراق ، حيث نافح عن الجهم متأثراً بمن سبق" قلت: هؤلاء ثلاثة دافعوا عن الجهم ، ورابعهم مالكيّهم ! الذي استحسن فكرة القوم في الدفاع عن هذا المبتدع ، ووافقت هوىً في نفسه ، فقام بسرقتها كعادته ، وأضحى يرددها في كتاباته.
وأما طعن المالكي في خالد القسري فقد (سرقه) من الرافضة ومن تابعهم في هذه القضية ؛ لأن القسري كان لأسلافهم بالمرصاد ، وكان – غفر الله له – متميزاً بتعقب الزنادقة وقتلهم.
فكان من الطاعنين عليه: الرافضة – كما سيأتي في كلام ابن كثير - ، ومن تابعهم من المبتدعة ، كالكوثري – كما سيأتي في كلام المعلمي اليماني – رحمه الله -.
وقد تورط القاسمي – رحمه الله – بمتابعة هؤلاء المبتدعة وطعن في القسري في كتابه (تاريخ الجهمية والمعتزلة) (ص 38-42) . واتهم القسري بأنه لم يقتل الجعد إلا لأجل السياسة ! (ص 16-18) وأنعم بها من سياسة!
وكذا قال ال