اتهام المالكي الشيخ بالتحيّل والتلبيس
ثم قال المالكي في نقضه ص7،8 :
5- قوله ص9 : (في الثناء على كفار قريش وغيرهم (كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليستغفروا له أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات !! أونبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة .. فقاتلهم رسول الله ليكون الدعاء كله والنذر كله والذبح لله والاستغاثة كلها بالله وجميع العبادات لله... ) .
أقول : النبي قاتلهم لأمور كثيرة أهمها الشرك بالله وإخراج المسلمين وإنكارهم النبوة وارتكابهم المظالم ... الخ .
فتعليل محمد بن عبدالوهاب ناقص ليبرر له هذا التعليل الناقص قتال المسلمين وكأنه يقول أنا أقاتل المسلمين على ما قاتل عليه النبي الكفار!! .
وهذا فيه ظلم {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ مالكم كيف تحكمون}.
الجواب : كَذَبَ الضال وافترى فحاشا وكلا أن الشيخ محمد يثني على الكفار كما ذكر هنا أو أنه يرسم لهم صورة زاهية كما تقدم في فرية هذا المبطل .
والذي ذكره من أعمالهم العبادية الظاهرة أراد بذكرها عيْبهم وبيان ضلالهم حيث أنهم مصرّون على الشرك كأهل زمانه فأراد بيان أنه كما أن كفار قريش لم تنفعهم تلك العبادات لأجل الشرك فكذلك المشركين من أهل زمانه .
والمالكي يسقط الآيات التي يستدل بها الشيخ ويُغير بعض الألفاظ فهنا قال : (ليستغفروا له) وهي في الكشف : (ليشفعوا له) .
وسوف إن شاء الله أرفق كتاب (كشف الشبهات) مع هذا الرد مبيّنا المواضع التي يتصرف فيها هذا الملبّس، لأن عبارات الشيخ مرتبط بعضها ببعض فإذا بُترت التبس الأمر وتشوّش، وسوف نجعل خطوطاً تحت الكلام الذي أسقطه .
أما قول الضال : إن النبي قاتل كفار قريش لأمور كثيرة أهمها الشرك .
فيقال له : هذا الكلام المجمل لا يفيدك شيئاً ويكفي إقرارك أن أهم مايُقاتِل عليه النبي الشرك فلماذا تنقم على الشيخ محمد قتاله المشركين وهو متبع غير مبتدع ؟ لكنك لضلالك وخيْبتك تسميهم مسلمين لأنهم يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله وما عرفت الشرك المحبط لأعمالهم الموجب لتكفيرهم وقتالهم بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم وهذا مسلك أهل هذه الدعوة والحمد لله .
وأما قتال الكفار فنعم يُقاتَلون لأجل عدوانهم لكن يكفي أن الشرك هو أهم مايُكفَّرون ويُقاتَلون عليه. قال تعالى : {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله} ، والفتنة هي الشرك .
أما زعم الضال أن تعليل الشيخ محمد ناقص وأن مراده أن يُبَرّر قتاله للمسلمين، فالناقص الضال الكاذب هو المالكي، وأمر الشيخ محمد ولله الحمد لايحتاج إلى التبرير بالباطل والتعليل بالخطأ فهو ولله الحمد واضح بيّن، وقد أقرّ المالكي نفسه أن أهم ما يقاتل عليه النبي الشرك، وإنما عِلّة المالكي عدم إقراره أن أهل زمان الشيخ محمد ممن يعبدون والقبور والأشجار والغيران وغير ذلك مشركون، ولما كان هذا هو الأصل الذي بنى عليه ضلاله صار يعيب الشيخ من كل وجه .
ولذلك رمى الشيخ محمد بأنه يُقاتل المسلمين ويقول : وهذا فيه ظلم ويستدل بقوله تعالى : {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} يعني أن الشيخ محمد جعل المسلمين كالكفار حيث استحل تكفيرهم وقتالهم، فهم مسلمون عند هذا الرّويْبضة الجاهل الخامل لأنهم يصلون ويزكون ويحجون ويذكرون الله، وهو لم يُنكر كوْنهم يجعلون بينهم وبين الله وسائط لكن لايرى ذلك شركاً، وهذه الشبهة من أعظم ما ادّعى خصوم الشيخ لعدم معرفتهم التوحيد، وقد جاء هذا الضال في ساقة ركب الضلالة {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً} .
تجهيل المالكي للشيــخ
ثم قال المالكي في نقضه ص8 :
ولم يرد في القرآن الكريم أن علة قتال النبي للكفار حتى يكون من الذبح لله والنذر لله والاستغاثة بالله .. الخ !! .
وإنما الأسباب الكبرى هي السبب من الشرك وإنكار النبوة وإخراج المسلمين من ديارهم .. الخ .
فالشيخ يذكر أسباباً ليست متحققة ولا يدري أهي سبب في القتال أم لا ويترك الأسباب المتفق عليها بأنها هي سبب قتال النبي للكفار .
الجواب : صحيح أنه :
لا يبلغ الأعداء من جاهل مايبلغ الجاهـل من نفسـه
فقد تكشفت سوأة هذا الجاهل .
فيقال له : ماتقول في الذبح لغير الله والنذر لغير الله والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ؟ .
فإن قال : ليس ذلك بشرك، ظهر جهله الفاضح وبغْيه الواضح، وإن قال : هذا شرك، قيل له : قد أقررت أنت أن أهم مايُقاتل عليه النبي الشرك فما ذنب الشيخ محمد لوْلا البغي والعدوان {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} .
أما ماورد في القرآن فمثل قوله تعالى : {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله} والفتنة هي الشرك وآيات أخرى فيها بيان ذلك. مثل قوله تعالى : {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} الآية.
أما زعمه أن الشيخ يذكر أسباباً ليست متحققه فكذِب عليه، ومراد هذا الضال أن لا يُكَفَّر على الشرك ولا يُقاتل عليه فهو يدور على هذا المدار الإبليسي الذي قرَنَه به إبليس فصار كحمار المدار .
كلام مهم في التوحيد
وكُتب الشيخ محمد فيها الأدلة على الذبح والنذر والدعاء والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة وذلك أشهر من أن يذكر، وأن من صرف شيئاً من ذلك لغير الله فهو مشرك كافر وإن رغمت أنوف وسِيّان في ذلك الشجر والحجر والملك والنبي والقبر، لأن العلة تدور حول مايقوم بقلب المشرك ومايحققه فعله تجاه ما تألّهه من دون الله، وهولولا ماقام بقلبه من اعتقاد جلب النفع ودفع الضر استقلالاً أو بالوساطة لما مال إلى ماسوى ربه قلبه وشُغِفَ به وقاتل دونه .
ثم إن هذه المذكورات وغيرها ليس فيها مايوجب التألّه إذْ هي مملوكة مُصَرّفة مدبَّرة، والرب وحده هو الذي يحرّكها ويُسكّنها، ولذلك يحتج سبحانه على المشركين بأن ليس عندهم علم يحتجون به على صلاحية شركهم وبأبلغ قول يقول سبحانه : {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} يعني أن المشرك ليس عنده إلا أسماء باطلة شرعاً وعقلاً لأن تسميته مخلوقات الله وعبيده ومماليكه آلهة، هذا جاء به من عنده وليس له فيه حجة ولا سلطاناً ولا أثارة من علم .
ويوضح الآية السابقة قوله تعالى : {قل سموهم} يعني سموهم بأسمائهم الحقيقية فهذا حجر منحوت بصورة وهذه شجرة وهذا قبر وهذا نبي وهذا ملَك، وهكذا حتى لو قدرتم وشئتم أن تعدوا كل ما سوى الله من المخلوقات فلن تجدوا فيها من يُسمى (إله) وإنما أنتم بفريتكم سميتموها آلهة، لأن (الإله) هو مألوه القلب الذي يعتقد فيه مالا يصلح إلا الله.
قد يقول المشرك لاسيما في الأزمنة المتأخرة : أنا لا أسمي شيئاً من المخلوقات : إلهاً وإنما الإله هو اله وحده، فيقال له : لو كنتَ تعرف معنى الإله ما قلت الذي قلت ولا فعلت الذي فعلت .
فالإله الباطل إنا سُمي إلهاً لتألّه القلوب، له، لا لشيء قام بذاته يستحق به التألّه، فالشأن كل الشأن في مَيْل قلبك إليه بالتألّه الذي يجمع المحبة والخوف والرجاء، الذي يوجب أن تتقرب إليه بالقربان الذي هو حق الله الخالص، من أشرك معه فيه غيره حبط عمله وصار مشركاً مخلّداً في جهنم، كذلك الدعاء والنذر وسائر أنواع العبادة .
والعبد إنا يميل بقلبه إلى ماسوى الله من المخلوقات سواء الملائكة والأنبياء والصالحين أوغير ذلك من الأشجار والأحجار وإنما يميل إليها بقلبه معتقداً نفعها خائفاً ضرها استقلالاً أوتوسطاً بينه وبين الله، ومن هنا يأْلهها قلبه .
ولذلك من ظن أن حاجته تُقضى له بواسطة مُقرَّب من مقرَّبي الملِك سواء جلب منفعة أودفع مضرة فإنه منصرف القلب عن الملك متعلق بالمقرَّب لأنه أنزل حاجته به فسِيَّان التفت بعض الالتفات الفارغ إلى الملِك أو نسيه فحاجته مقضيّة من دونه، وقطْعاً فإن لهذا الوسيط المقرَّب في قلب العبد منزلة تملؤه حَشْوها الحب والخوف والرجاء، وهذه الثلاث هي أركان العبادة فهو يحبه لظنه واعتقاده أنه يقضي حاجته ويخافه أن لا يحصل منه ذلك، ويرجوه لذلك .
والرب سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه لإبطال هذا الاعتقاد، لأنه مخالف لحكمة الخلق من كل وجه وتنقص للإله الحق من كل وجه، وظلم من العبد لنفسه ولمن تألّهه من دون الله من كل وجه .
فهل يليق أن يُرفع المخلوق إلى درجة الخالق، والمملوك إلى درجة المالك، والفاعل المنفعل إلى درجة الفاعل بالاختيار غير المنفعل ؟
المشرك يقول : أعوذ بالله من هذا الوصف ومَن الذي يُقرّه ويرضى به، ولقد اتّهمْتونا بالعظائم .
فنحن لا نجعل مع الله شريكاً وهو ربنا ومليكنا الذي يحيينا ويمتنا ويرزقنا ويدبر أمورنا ونحن نعبده نصلي له ونصوم ونحج ونذكره ونقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله فماذنبنا الذي جعلتم كل عمل حابطاً معه؟ .
فيقال : إن ذنب المشرك عظيم وإن ظنه سهل يسير وإن غرّته عبادته، لكن بمعرفته لحقيقة الإسلام الذي كلمته لا إله إلا الله وهي كلمة التوحيد، بمعرفته لذلك تنجلي عن قلبه ظلمات الجهالة والضلالة إن وفقه الله .
فأولاً : لابد من التفريق بين ما يعنيه اسم الرب وما يعنيه اسم الإله، فالأول يعني مايتصف به الرب سبحانه من الفاعلية القائمة به من خلق السموات والأرض ومافيهن ومايتبع ذلك من ملكيتهن وإقامتهن بقيوميته، وهذا لو أن العبد فني فيه وأحكمه غاية الإحكام لم يُدْخله في إسلام الرسل الذي دعت إليه لأن غاية هذا علم نظري إقراري يشترك فيه معه غالبيّة الكفار، فهذا الاسم تعلّقه بالرب من جهة فعله سبحانه اللازم والمتعدي في مخلوقاته. وهذا كما تقدم لا ينتفع به العبد إلا بإحكام المعرفة لاسم الإله والعمل على مقتضى ذلك، لكن الأول تقوم به عليه الحجة .
أما الثاني وهو اسم (الإله) فيعني مايتصف به الإله الحق سبحانه من موجبات تألّه القلوب له ويتعلّق بعمل العبد .
فمتعلقه بعلمه يشمل العلم بالأول الذي أخص باسم الرب وزيادة وهي العلم الذي هو أخص باسم الإله وثالث وهو المطلوب وهو العمل على مقتضى تلك العلوم .
فبعلم العبد بأن الرب سبحانه هو الذي له ملكية الوجود وملكية التصرف فيه يتوجه قلبه إليه بالتجرد عن الالتفات إلى ماسواه في شأن الضر والنفع والعطاء والمنع، وهذا تألّه للقلب من هذا الوجه، يعني وجه المالكية والفاعلية .
وأما علم العبد باسم الإله فيشمل الأول ويزيد عليه، فشموله للأول تبيّن أنه من جهة أنفراد الرب سبحانه بالضر والنفع والعطاء والمنع .
وأما الزيادة فهذه أخص باسم الإله وذلك هو العلم بما يتصف به الإله الحق سبحانه مما يوجب تألهه بالحب كله والخوف كله والرجاء كله وانجذاب القلب والروح إليه وهو صفات الإله الذاتية من الجمال والجلال والكمال وهذا فطرة للعبد، تُكمل نقصه وتُفصل مجمله الشريعة .
وكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) بيانها للأول الذي هو ملكية الرب وفاعليته أظهر إذْ معناها : لا تحوّل من حال إلى حال سواء من سكون إلى حركة أومن حركة إلى سكون في الوجود كله إلا بقوّة، وبما أن الوجود كله هكذا لايخرج عن محيط السكون والحركة ويتقلب بينهما وهذا هو الحوْل، وحتى يقع الحوْل فلابد من قوة مؤثرة وهذه القوة هي فاعلية الإله في الوجود، فهذا كله في شأن الربوبية.
أما كلمة (لا إله إلا الله) فبيانها للثاني الذي هو صفات ذات الإله من الجمال والجلال والكمال أظهر إذ معناها انجذاب الروح بكليتها نتيجة هذا العلم إضافة إلى العلم الأول، وإنما يكون انجذابها بحسب التفريد والتجريد .
أما الثالث وهو المطلوب من العبد فهو العمل بموجب ذلك العلم، فإنه إذا اسْتيْقن قلبه بالعلم بلا حول ولا قوة إلا بالله الشاملة بلا استثناء للتحكّم بحركات الوجود كله وسكناته مع ملكيته، وأن القوة على ذلك قائمة بالرب سبحانه، واستيقن أيضاً أن جمال معبوده أعظم مما يحيط به علمه وتصوّره، وأن هذه الصور الجمالية المخلوقة ماهي إلا إشارات وتعريفات فقط بالجمال الإلهي، وليس معنى هذا التفلّت من آداب الشرع وإنما معناه أن كل أحد يعرف الجمال وكل قلب يهفو ويصْبوا إليه، ومن هنا جاء الابتلاء بالصور الجميلة المخلوقة الفانية .
والكلام هنا على المعرفة، فإن العبد إذا علم أن صورة معبوده لا تماثل الصور المخلوقة وكيف يُماثل من تُشرق الأرض بنوره تجرّد تألّهه له من جميع الوجوه .
جهل المالكي بدعوة الرسل
ثم قال المالكي في نقضه ص8 :
6- يقول ص11 : (عرفت حينئذ أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون وهذا التوحيد هو معنى قولك : لا إله إلا الله فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور) .
أقول : الذي دعت إليه الرسل عبادة الله الشاملة لتوحيد الربوبية والألوهية والواجبات والمحرمات .
الجواب : المالكي يأخذ مقاطعاً من كلام الشيخ ويترك آيات يستدل بها الشيخ ويترك بعض الكلام لتبدو عبارات الشيخ غير ظاهرة المعنى ولا متماسكة المبنى فَلْيُنْظر الكشف المرفق بكماله .
وهنا أسقط آيات وأسقط قول الشيخ : (وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام وأن قصدهم الملائكة أوالأنبياء أو الأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحَلّ دماءهم وأموالهم) .
المالكي ظن أن بضاعته الزائفة الكاسدة تروج بهذا التلاعب، والشيخ بيّن أن قصد غير الله في طلب الشفاعة والقرب شرك يُحل الدماء والأموال وأن النبي كَفّر قريشاً وقاتلها على هذا، كذلك غيرهم من المشركين .
أما قول الضال (إن الذي دعت إليه الرسل عبادة الله الشاملة لتوحيد الربوبية والألوهية والواجبات والمحرمات) فليس في هذا معارضة، ولم يقل الشيخ إن الرسل لم تدع إلا لتوحيد الألوهية فقط، وإنما هذا مفتاح دعوتهم لأن الغالب على أهل الأرض هو الشرك في الألوهية، والرسل تدعو إلى عبادة الله الشاملة، من عارض هذا ؟ .
لكن الشيخ يعالج قضية زمانه وهي الشرك بالألوهية، وهو يعلم أن الشرك بالربوبية أعظم، ولو كانت هذه قضية أهل زمانه لصارت جُلّ همه.
إن الذي ألجأ المالكي إلى هذا التعنّت على أهل هذه الدعوة هو أنه لم يجد فيها مطْعناً فلجأ إلى هذه الحِيَل المكشوفة .
إتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين
ثم قال المالكي في نقضه ص8،9 :
7- ثم يواصل ص11 : (لم يريدوا أن الله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنا يعنون بالله مايعني المشركون في زماننا بلفظ السيد !!) .
أقول : هذا أيضاً فيه تكفير صريح للمسليمن في زمانه ثم ليس صحيحاً ما ذكره من أن المشركين يعلمون أن الله هو الخالق والرازق، فهذا متحقق في بعض الكفار لا كلهم فالدهريون لا يؤمنون بهذا وكذلك فرعون إدعى الربوبية والنمروذ ادعى أنه يحيي ويميت .
الجواب : المالكي الضال يترك الكلام الذي يبيّن مراد الشيخ فيسقطه فإن الشيخ قال قبل ذلك :
(عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك : (لا إله إلا الله) فإن الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكاً أونبياً أو ولياً أوشجرة أوقبراً أوجنياً، ثم قال : لم يريدوا أن الإله هو الخالق، إلى لفظ السيد .
والشيخ قال : لم يريدوا أن الإله والمالكي أبدلها كما ترى باسم (الله) وهذا يُفسد كلام الشيخ ويُشوّشه، وهذا مراد هذا الماكر لأن اسم الإله في هذه العبارة مرتبط بقوله : فإن الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، كذلك أبدل قول الشيخ : وإنا يعنون بالإله، أبدل اسم الإله باسم الله .
والشيخ هنا يبين أن الكفر ملة واحدة وإن اختلف الأسماء والعبارات، فالذي تسميه كفار قريش الإله هو الذي يُطلق عليه هؤلاء لفظ السيد، لأن الكلام ليس على المسمَّيات وإنما على المعاني .
والشيخ علم أن طلْبة هؤلاء من السيد وصاحب السّر هي طلبة قريش من آلهتها، وهو التقرب إلى الله بالوسائط مع الفارق أن قريشاً تجعل هذه الآلهة الباطلة بينها وبين الله في طلب الرزق والنصر في الدنيا لأنهم لايؤمنون بالبعث لكن هذا كفر مستقل لا يَرِد على كلام الشيخ، لأن كلامه في تقرير مسألة واحدة وهي اتخاذ الوسائط بين العباد وربهم وأنها وإن اختلفت صفاتها وأسماؤها فالجامع لذلك هو التشريك بالتألّه الذي هو محض حق الإله الحق، وسواء عمل العبد معه أي عمل أولم يعمل فهو وحده هادم لكل بناء يقوم عليه من مباني العبادة .
وسِرّ هذا التشريك في توجّه القلب الموجب انقسام خالص الحب والخوف والرجاء الذي هو لله وحده لايقبل فيه التقسيم والشركة، لأنه تنقّص له سبحانه وكأن لايعلم أمور عباده حتى يُعَلّم، وكأنه لايرحم حتى تَسْتدعي الوسائط رحمته وكأنه بخيل حتى يُسْتدعى كرمه وجوده، وكأنه عاجز غير قادر حتى يُعان، هذا كله وغيره من مفاسد الشرك، ولذلك أحبط عمل من تدنّس به وأوجب له الخلود في النار لشدة غضبه على فاعله .
والشرك تَعَدٍّ بالمخلوق عن طوره ورفع له فوق مقامه وتخيّل أمور فيه ويقدر عليها وليست على الحقيقة فيه ولا يقدر عليها .
إن ارتفاع المخلوق وعزّه وشرفه بقدر إخلاص عبوديته لربه بمتابعة رسله، ومهما بلغ من الرفعة في هذا المقام فإنه لايتغيّر شيء في ذاته من جهة التأثير في غيره ولا في نفسه، فيستوي هو وأدنى الخلق ولو قلت : وأكفرهم فهو أيضاً صحيح ـ في مقام العجز عن القدرة المؤثرة في الوجود بخلاف الوسيط عند المخلوق كالملوك ونحوهم فتتخذ الوسائط بينهم وبين الناس لِتَخلُّف الأربع المتقدمة وغيرها عنهم وهي العلم الشامل، والرحمة التامة، والكرم والجود، والقدرة وغير ذلك من نقص المخلوق .
فالمشرك مُشَبِّه لربه بخلقه وعبيده باتخاذ الوسائط، مما يوجب له رفع عبيده الذين أشركهم به إلى مقامه في قلبه، ويظهر أثر ذلك في عبادته لهذه الوسائط وتأليهها، ومهما عَبَدَ الله فلا يقبل منه لأنه ماقدره حق قدره بصرفه خالص حقه إلى مملوكه نتيجة اعتقاد فاسد في هذا المملوك أوجب هذا التشريك .
وهنا يجعل المالكي الشيخ محمداً مكفِّراً للمسلمين وتقدم زعمه أن الشيخ محمد يقاتل المسلمين .
وتقدم أيضاً مثل عبارته هذه أن تكفير الشيخ صريح لعلماء المسلمين، وفي مواضع يرمي الشيخ بهذه الدّواهي قطع الله دابره . {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} .
أما كوْنه ليس كل المشركين يعلمون أن الله هو الخالق الرازق فهذا لايَرِدُ على الشيخ لأنه لم يقل كلهم يعلمون ذلك وإنا كلامه في كفار قريش الذين يعلمونه كما أن غالب أهل الشرك يعلمونه .
وأيضاً مراد الشيخ عدم الاغترار ربما يُقرُّ به أهل الشرك من الربوبية فليس يدخلهم في الإسلام .
وليس مجال كلام الشيخ عن طوائف المشركين واختلافهم وإنا يُعالج مسألة واحدة هنا وهي مقارنة أهل وقته بمن كفّرهم النبي وقاتلهم .
فالدهرية وفرعون والنمروذ يعلم الشيخ أن هؤلاء أكفر من المشركين لكن لا صلة لهم ببحثه هنا، فهؤلاء معطلة، وكلام الشيخ في المشركين، وإنا المالكي الضال يتطلّب العيْب للبرءَاء {وقد خاب من افترى} .
والشيخ محمد يُكفّر من يتخذ الوسائط بينه وبين الله ولم يأتِ بذلك من عنده فهو إجماع أهل العلم .
قال رحمه الله في نواقض الإسلام : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً .(1)
فهو رحمه الله لم ينفرد بهذا بل يحكي إجماع أهل العلم .
افتراء المالكي العظيم على الشيخ بدعوى
أن الإسلام لا يعصم المسلمين من سيفه
ثم قال المالكي في نقضه ص9 :
8- قوله ص11 : (فأتاهم النبي يدعوهم إلى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها ...
أقول : لكن مجرد التلفظ بها ينجيهم من التكفير والقتل بينما من يقولها من معاصري الشيخ لا تعصمهم من سيفه فالمنافقون في عهد النبي يقولون الشهادتين بألسنتهم وكان النبي يعرف ذلك ومع ذلك عصمت دماءهم وأموالهم أما المعاصرون للشيخ من المسلمين فلم تعصمهم منه لا الشهادتين ولا أركان الإسلام .
الجواب : يقال لهذا الضال المضل : هذا حكمك الشيطاني ليس حكم الله ورسوله، ومتى كان مجرد التلفظ بهذه الكلمة إذا خولف معناها بالقول أو العمل ينجي من التكفير والقتل إلا عند إخوان المشركين؟.
وكلام هذا الخبيث إبطال لحكم الردة جملة واحدة وافتراء على الشيخ عظيم بأنه يقتل المسلمين، وحاشاه من ذلك، لكن المسلمين عند هذا الضال عبّاد القبور والأشجار والأحجار، وهذا واضح من كلامه ودفاعه عن إخوان الشياطين .
ماضرّ (بدر) السما نَبح الكلاب كذا ماضرّ أهل الهدى من سَبَّ أوْ شانـا
أما المنافقون في عهد النبي فكانو يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر وإذا أعلنوا بمنكر أُقيم عليهم أمر الله، أما أن يقرّهم النبي على المنكر فلا، كذلك الشيخ محمد .
وقد افترى هذا الخبيث على الشيخ وأهل دعوته افتراءاً عظيماً، كيف يقول قطع الله دابره : أما المعاصرون للشيخ من المسلمين فلم تعصمهم منه لا الشهادتان ولا أركان الإسلام ؟ وهل هذا إلا البهت البين والظلم العظيم، وهو الدفاع عن المشركين ومُناصرتهم والطعن على الموحدين ويقصد الضال بالمسلمين عباد القبور فهو يدافع عنهم ويُناضل ويجادل (فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) .
أما الشهادتان وأركان الإسلام فلم تعصم مانعي الزكاة من سيوف الصحابة لما أخلّوا بذلك فما يقول الضال ؟ وأيهما أعظم منع الزكاة مع القيام بباقي الفروض أو الشرك لو كان هذا يعقل ؟ .
لكن من المعلوم أن من تجرأ على الصحابة مثل معاوية وعمرو بن العاص وخالد وغيرهم رضي الله عنهم وسَبّهم وذكر ماجرى بينهم على سبيل إثارة الفتنة فكيف لا يتجرأ على الشيخ محمد ودعوته وأهلها، أنظر كتابه (قراءة في كتب العقائد) .
ولقد تكشّف من طواياه السيئة ونياته الخبيثة مابعضه يكفي من عنده بعض بقية من غيْرة على دينه .
والمالكي له سلف عريق في الضلالة غريق في بحر الجهالة ورُدود أهل هذه الدعوة على سلف هذا الضال متوافرة ولله الحمد وإن أعظم شبهة قامت بقلوبهم المظلمة اتهام الشيخ محمد بالتكفير والقتال للمسلمين بزعمهم لعدم معرفتهم بالتوحيد أو لحقدهم وعنادهم.
قال سليمان بن سحمان رحمه الله في هؤلاء الخصوم :
وقد زعموا أن الإمام محمداً
ويقتلهم من غير جُرْم تجبّراً
ومن لم يُطعه كان بالله كافراً
وقد أجلبوا من كل أرْب ووجهة
فبادواوما فادوا وما أدركوا المنى
وأظهره المولى على كل من بغى
وأظهر دين الله بعد انطماسه
يُكفّر أهل الأرض طُرّاً على عَمْدِ
ويأخذ أموال العباد بلا حَدِّ
إلى غير هذا من خرافات ذي اللَّدِّ
وصالوا بأهل الشرك من كل ذي حقد
وآبوا وقدْ خابوا وحادوا عن الرشد
عليه وعاداه بلا موجب يُجدي
وأعلى له الأعلام عالية المجد
خوض المالكي في كلام الشيخ دون فهم مراده
قال المالكي في نقضه ص9،10 :
4- ويقول ص12 : فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ماعرفه جهال الكفرة، بل يظن "يعني المدعي للإسلام" أن ذلك "يعني تفسيرها" هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني ؟! .
أقول : هذا غير صحيح فليس هناك مسلم واحد يقول إن معنى (لا إله إلا اله) هو التلفظ بها دون اعتقاد القلب لذلك .
والمسلمون جميعهم علماؤهم وعوامهم يعرفون أن النفاق أن تقول مالا تعتقد وهم يذمون من يخالف قوله فعله بل حتى الكفار يذمون من يخالف قوله فعله ..
فكيف يقول الشيخ هذا الكلام سامحه الله ويزعم أن المسلمين في عصره يقولون يجوز أن نشهد الشهادتين بلا اعتقاد لمعانيها، فنقول (لا إله إلا الله) ونعبد غيره (ونقول محمد رسول الله) ونعتقد كذبه ..؟! سبحانك يارب هذا بهتان عظيم .
فالمسلمون في عهد الشيخ مثل المسلمين اليوم في البلاد الإسلامية فهل يجوز لنا أن نقول إنهم يقولون (نقول الشهادتين باللفظ فقط وسننجو حتى وإن اعتقدنا خلافها ؟!) .
ثم كيف (يجعلهم ممن (يدعي الإسلام) ؟! يعني وليسو مسلمين !! وهذا تكفير آخر فتنبه !! .
الجواب : المالكي المزوِّر يُسْقط من كلام الشيخ مايبين مراده، وينقل عبارات مقطوعة يوهم بها الجهال، وهذه خيانة ظاهرة مع الافتراء على الشيخ وأهل دعوته ورميهم بالباطل ظلماً وعدواناً .
أسقط الضال من كلام الشيخ قبل الكلام السابق قوله رحمه الله : والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلّق، والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه، فإنه لما قال لهم : قولوا : (لا إله إلا الله) قالوا : {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب}.
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب .. ثم ذكر الكلام السابق، وهذه الخيانات والبهت لاتصدر ممن يخاف الله، والمالكي لن يقدر على حجب الشمس بكفه.
فقوله : فليس هناك مسلم واحد يقول : إن معنى (لا إله إلا الله) هو التلفظ بها دون اعتقاد القلب لذلك .
المالكي قال هذا الكلام لعدم تفريقه بين الكفر والإسلام، ولو كان يفرّق بينهما ماقاله .
فالذي قصده الشيخ من معناها هو الكفر بالوسائط من القبور وغيرها وإفراد الله وحده بالعبادة .
فقول الشيخ : بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني .
مراده رحمه الله بهذا أن المشرك يقول : (لا إله إلا الله) ولا يحققها بنفي مانفته وإثبات ما أثبتته فإنه يقولها ويدعو غير الله ويذبح له وينذر وغير ذلك من العبادات الناقضة لتوحيده وإسلامه الهادمة لقوله (لا إله إلا الله).
جهل المالكي بالتوحيد
والمالكي قال كلامه السابق لأنه يرى الإسلام التلفظ بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، ولم يعرف معنى (لا إله إلا الله) وأن مراد الشيخ الكفر بما يتخذه المشركون في زمانه من الوسائط التي يزعمون أنها تقربهم إلى الله كإخوانهم كفار قريش .
ويقال للضال : ماتقول في مسلم يتلفظ بالشهادتين ويصلي ويزكي ويصوم ويحج لكنه سَبّ الله أو سبّ النبي أو استهان بالمصحف ونحو ذلك مما يرتدّ به المسلم ؟ . إن قلت : إنه يكفر بذلك قال لك الشيخ محمد وأهل دعوته : الذي يجعل بينه وبين الله وسائط يكفر بنقضه كلمة التوحيد، حيث اشرك مع الله غيره في حقه، كما أن ذاك كفَرَ ولوْ كان يؤدي تلك العبادات .
وقول المالكي : هذا بهتان عظيم عائد عليه حيث بهت الشيخ بما هو برئ منه وجادل عن المشركين، وسوّغ شركهم وجعلهم مسلمين ومظلومين .
أما قول الشيخ : ممن يدّعى الإسلام فليس هذا تكفير آخر للمسلمين كما يبهت الشيخ بذلك ولكنه بيان أن هؤلاء لجهلهم وضلالهم يدّعون الإسلام وهم يأتون بما ينقضه.
وكان الأولى بالمالكي أن يتعلم التوحيد ليعلم أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لاتنفع مع الشرك .
قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين رحمه الله :
من قال : (لا إله إلا الله) ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر كدعاء الموتى والغائبين وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالنذور والذبائح فهذا مشرك شاء أم أبى . انتهى .
معرفة الإسلام قبل الصلاة
والزكاة والصوم والحج
إن مما يثسَهِّل على الجاهل معرفة الإسلام هو أن ينظر في بَدْئِه كيف كان، لقد كان قبل الصلاة والزكاة والصوم والحج، كان الإسلام مطلوب من الناس قبل هذه الفروض فمن أتى به فهو المسلم المؤدي ماعليه.
إن الإسلام بكامله في بدء أمره هو شهادة لا إله إلا الله والشهادة لمحمد بالرسالة، تراه في ذلك الوقت مسلم تام الإسلام في وقته مع أنه لايصلي الصلوات الخمس ولا يزكي ولو كان أغنى الناس ولا يصوم ولايحج .
إنه يعمل بالإسلام كله وذلك بتركه ماكان يعتقد فيه أنه يقربه إلى ربه وبغضه له والبراءة منه، فهنا يتوحّد عمل قلبه لمعبود واحد أخلص له محبته وخوفه ورجاءه وتوكله وكل عباداته، فهذا هو المسلم وهو الموحّد قبل أن تفرض الفرائض الأخرى، فهذه الفريضة التي قام بها هي الأصل الذي لايقوم بناء العبادات الباقية القادمة إلا عليه .
فالتّخْلية قبل التّحْلية ليخلص التألّه لمن هو له حقيقة ولا يقبل الشركة فيه .
وهنا كان الإسلام، وهنا كان الكفر والخصومة قبل صلاة وزكاة وصوم وحج، وهذا المعنى العظيم كامن في شهادة أن لا إله إلا الله، إنها كلمة لكنها محركة للقلب واللسان والبدن، ينتقل بها الإنسان من حال إلى حال من الظلمة إلى النور ومن الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم، ومن الذل إلى العز ومن الوحشة إلى الأنس .
إن أعظم ما أوقع المشركين بالشرك هو الجهل بكلمة التوحيد خاصة في المتأخرين لأنهم نشأوا عليها قوْلاً لا عملاً واغتروا بقيامهم بالفرائض الأخرى .
دعوى المالكي أن الشيخ أظلم من خصومه
قال المالكي في نقضه ص10 :
5- ثم يقول ص13 : (والحاذق منهم ـ يعني ممن يدعي الإسلام ـ يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله) !! ثم يتبع هذا بقاصمة وهي (فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله) ؟!.
أقول : هذا ظلم أعظم من ظلم خصوم الشيخ له .
الجواب : قد تقدم بيان معنى هذا الكلام مراراً .
أما قول الشيخ : فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله) فصدق رحمه الله لأن أولئك امتنعوا من قولها لعلمهم بمعناها وهذا يهذي بها كمن يقول : لاتصح الصلاة إلا بالطهارة، يُرَدِّد هذه العبارة ويصلي وهو يبول .
إن قريشاً يعلمون معنى كلمة (لا إله إلا الله) ولذلك من قالها منهم غيّرت أحواله كلها وبدّلت حياته وسلوكه إذْ إنهم يعلمون أن شطرها الأول كفر والثاني إيمان، ولا يتم أحدهما إلا بالآخر ولا يُقبل إلا بالآخر.
فالرجل من قريش يعلم أن شطر هذه الكلمة الأول يُحتّم عليه مفارقة ماكان يألفه وعيْب ماكان يمدحه وسب ما كان يثني عليه وبغض ما كان يحبه ومعاداة من كان يُوَالِيه. يقوم بما يوجبه شطرها الثاني من إخلاص العبادة لله .
إنها بالنسبة إليهم ولمن يعرف معناها نُقْلة من حال إلى حال تظهر آثارها في سلوك العبد كله، لأن هذا النفي إذا كان باللسان والقلب أوجب هذا التغير {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} .
فهنا خروج من ظلمات إلى نور حصل بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله واستمساك بالعروة الوثقى .
إنها مفارقة ومباينة باطنة وظاهرة توجبها هذه الكلمة، حيث يسْتشعر العبد بهَوْل ماوقع فيه من الْتفات قلبه إلى غير ربه في الرغبة والرهبة، وأن هذا لأظلم الظلم على الإطلاق لمنافاته للحكمة التي لها خُلِق الخلق وأنزلت الكتب وأرسلت من أجلها الرسل، فتتقلب حياته وموازينه للأشياء وحكمه عليها .
والسِّرّ أن الرب سبحانه أعطاه نوراً في قلبه يرى فيه الأمور على حقيقتها فحيي بعد موته، وعَلِمَ بعد جهله، وأفاق بعد غفلته، وأنس بعد وحشته، ولقد كان هكذا عمل هذه الكلمة في الصحابة رضي الله عنهم فجاءت منهم العجائب .
دعوى المالكي تناقُضُ كلام الشيخ
ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10 :
6- ذكر ص15،16 : أن أعداء التوحيد قد يكون عندهم علم وحجج وفصاحة وهذا إقرار منه بأنه يتحدث عن معارضيه من علماء عصره في نجد والحجاز والشام، معهم علم وفصاحة وقبل هذا ينفي أنهم لايعرفون معنى لا إله إلا الله .
الجواب : الشيخ رحمه الله يذكر أهل الشرك عموماً وأن لهم علوماً وجدَلاً وفصاحة، وأن هذا غير نافع لهم بل ضار حيث يضادّون به الحق كما كان من فصاحة كفار قريش وجدالهم وغيرهم .
أما أن الشيخ يتحدث عن معارضيه من علماء عصره فنعم وإن رَغِم أنفك، وكل عالم لم ينتفع بعلمه فلا عرف معنى كلمة التوحيد ولا رفع بها رأساً بل عارضها وضادها فالشيخ محمد يعْنيه وأهل دعوته يعْنونه ويحذرون من علمه الذي لم ينفعه، ومن فصاحته التي صاغها لثلْب الحق ونصر الباطل، ومن حججه التي جادل بها ليدحض الحق .
والإنسان قد يكون عنده علم وفصاحة وحجج ولا ينتفع بذلك بل يتضرر إذا لم يهده علمه إلى مافيه نجاته، وعلماء الضلالة في كل زمان كثير منهم لهم هذا الوصف .
زعم المالكي أن الشيخ يُكفِّر من ليس
على معتقد أهل نجد
ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10 :
7- يقول ص17
والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين) !!.
أقول : هذا تكفير واضح لمن ليس على معتقد أهل نجد الذين يسميهم (الموحدين) !! فاعرف هذا فإنه مهم .
الجواب : لقد قدِم الشيخ على ربه وحَتْماً ستحلق به أيها الأفّاك الباهت المفتري، فعبارة الشيخ هنا بيضاء نقية كسائر كلامه، وإنا أنت بخبْثك وفساد مزاج روحك، وظلمة قلبك تجد الحلو مراً، والمسْتنير مظلماً، والطيب خبيثاً، فقطْعاً لا يناسبك الطيب ولا تعيش في النور لأن بصرك خفّاشي وعقلك فِراشي .
والشيخ هنا لم يُبالغ بعبارته فنرغم أنفك بأن الذي ندين الله به أن العامي الموحد يغلب أهل الأرض من علماء المشركين وجهلتهم وطغامهم.
والأمر ولله الحمد واضح فالعامي الذي يقصده الشيخ محمد بوصْفه هو من ليس عنده علوم كثيرة فيتصدر ويفتي ولكنه عالم بمعنى كلمة التوحيد التي يجهلها أويجحدها أهل الشرك، فهو بلا شك غالب لهم والله معه {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} .
إن علماء المشركين أضل من الأنعام وهم وقود جهنم، أما أن هذا تكفير واضح من الشيخ لمن ليس على معتقد أهل نجد الموحدين، فقد عرفنا منك الكذب والبهت والتزوير، وماقصد الشيخ ماقلت قطع الله دابرك وإنا هو يتكلم عن العلم بالتوحيد وأنه مع الإيمان والعمل سلاح لايُفَلّ ولا يُغلب، ولو كان مع أقلّ الناس وأضعفهم لأجل نصرة الله ومعيته، ومن كان الله معه فهو لا يُغلب.
والشخ وأهل دعوته نعوذ بالله أنهم يُكَفّرون المسلمين أويكفّرون بالجملة أو قبل قيام الحجة، وهذا ولله الحمد معروف ومدوّن ولكنك شارق بهذه الدعوة المباركة باهت لأهلها، وهذا ظاهر، ولسنا نعجب أن يصدر منك هذا وأعظم منه وقد تكلمت في الصحابة بالزور والباطل، وتعرّضت لما شجر بينهم بخبثك وجهلك مع أنهم دائرون بين الأجر والأجرين والحسنات الماحية، وقد قحّمت نفسك المهالك .
وهذه مؤلفات الشيخ وأهل دعوته متوافرة فهات إثبات بهتانك أنهم يُكفِّرون من ليس على معتقد أهل نجد .
إنهم لا يدْعون إلى طائفة ولا نِحلة ولا يجعلون ميزان الدين قوماً معيّنين، وإنا يدعون إلى الكتاب والسنة كما دعا رسول الله .
نعم لما يكون معتقد أهل نجد التوحيد فيخالفهم غيرهم بالشرك فإنهم يُكفرونه لكن ليس لنجد اختصاص في هذا.
إذا كان أهل نجد ليس عندهم قبور ولا شِرْكيات أخرى وقد أقاموا الدين فنعم يكفرون من خالفهم على هذا المعتقد كما كان النبي في المدينة وكذلك الصحابة رضي الله عنهم وهذا هو دين الإسلام .
كذلك لما يكون معتقد أهل الشام أو العراق أو الهند التوحيد فيخالفهم غيرهم بالشرك فإنهم يُكَفِّرونه .
فالأوطان لا اختصاص لها في هذا وإنا المدار على دين أهلها .
وما أغاظك على أهل نجد إلا ما مَنّ الله عليهم به من آثار هذه الدعوة المباركة {قل موتوا بغيظكم} ، وقد أبقى الله لك مايسوؤك .
إن ذمّك لأهل نجد شهادة لهم بُحسْن الحال، وإنهم ليفرحون بذمّك، والمصيبة الكبرى والداء الذي لا دواء له أن تمدحهم وتثني عليهم فأمرك واضح، وجهلك فاضح، وحقدك على أهل التوحيد طافح، لم تقدر على كتمانه، ولذلك صار من إنائك القذِر سافح .
وإن أعظم ما اتّهم به الشيخ هذا الظالم التكفير والقتال وأن الشيخ يُكفِّر بالعموم ويقتل المسلمين وقد قال الشيخ رحمه الله :
وأما التكفير فأنا أُكفّر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سَبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفّر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة. وهم الذين أتوْنا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة سيئة مثلها، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ماعرف.(1)
فهذا يبين مسألة التكفير والقتال التي يكيل منها المالكي بلا حساب ولا خوف عقاب ليشنع على الشيخ وأهل دعوته، والموعد الله .
والشيخ رحمه الله يقول رداً على المفترين أمثال هذا : وأما القول إنا نُكفِّر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء. إنتهى . نعم إن لكل حق جاحد ولكل نعمة حاسد .
دفاع المالكي عن خصوم الدعوة
ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10،11 :
8- ويقول ص19 : (وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا ...) .
أقول : هذا تكفير صريح للمخالفين له ممن يسمونهم (خصوم الدعوة) أو (أعداء التوحيد) أو (أعداء الإسلام) وهذا ظلم لأن الشيخ كان يرد على مسلمين ولم يكن يرد على كفار ولا مشركين وهذه رسائله وكتبه ليس فيها تسمية لمشرك ولا كافر وإنا فيها تسمية لعلماء المسلمين في عصره كابن فيروز وسليمان بن عبد الوهاب وابن عفالق وغيرهم من العلماء الذين يطلق عليهم (المشركون في زماننا) !!.
فهذه هي بذور التكفير المعاصر التي لا زالت تنبت وتؤتي أكلها الدامية في أرجاء العالم الإسلامي .
الجواب : نعم المخالفون للشيخ محمد رحمه الله في عقيدة التوحيد الذي هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله كفار، والمخالف في ذلك مخالف للأنبياء والمرسلين وليس للشيخ محمد اختصاص في هذا، إنا تُطا لب يا أفّاك بأن تُثبت على الشيخ محمد مخالفة دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، وهذا الذي لاتقدر عليه، ولذلك تأتي بمجملات وشبهات وجمل تبْترها بتراً لتحسِّن القبيح وتقبح الحسن .
وليس الأمر بيدك بل بيد القائم بالقسط سبحانه وبحمده أما إذا قيل: خصوم الدعوة وأعداء التوحيد وأعداء الإسلام لمن خاصم عن المشركين وجادل عنهم ودافع عن شركهم وعادى الموحدين وعابهم بلا حق {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} فإذا كان هذا ظلم عندك فمن تكون أصلاً حتى يعتمد قولك ؟ أنت لا في العِير ولافي النفير. وقد ظهر زيْفُك وحيْفك .
أما أن الشيخ يسمي علماء المسلمين كفاراً فكَذِب عليه، ولست أول من كذب عليه وماجئتَ إلا في الساّقة من رَكْب الضلالة، وما أرى إلا أن إبليس صَدّق عليك ظنه وطمع فيك لتحقيق مآربه فهنيئاً لك الوكالة .
وقد كتب الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن رسالة في بيان عقيدة الشيخ محمد قال فيها :
أما بعد فإنه ابتلي بعض من استحوذ عليه الشيطان بعداوة شيخ الإسلام (محمد بن عبدالوهاب) رحمه الله تعالى ومسبته وتحذير الناس عنه وعن مصنفاته لأجل ماقام بقلوبهم من الغلو في أهل القبور ومانشؤا عليه من البدع التي امتلأت بها الصدور فأردت أن أذكر طرفاً من أخباره وأحواله ليعلم الناظر فيه حقيقة أمره فلا يروج عليه الباطل، ولا يغتر بحائد عن الحق مائل .
مُسْتنده ماينقله أعدؤه الذين اشتهرت عداوتهم له في وقته وبالغوافي مسبّته والتأليب عليه وتهمته .
وكثيراً مايضعون من مقداره، ويغيضون مارفع الله من مناره، منابذة للحق الأبلح، وزيغاً عن سواء المنهج، والذي يقضي به العجب قلّة إنصافهم، وفرط جورهم واعتافهم ثم ذكر معتقد الشيخ وأنه معتقد السلف الصالح، والرسالة طويلة .(1)
أما ابن فيروز الذي يُدافع عنه هذا الضال فهو شديد المعاداة للشيخ محمد محارباً لدعوته برسائله وقصائده وأجْوبته. إنتهى.(2)
والموضع لا يتسع للإطالة في شأنه .
أما ابن عفالق فإنه أدرك أول دعوة الشيخ محمد رحمه الله فعاداها. إنتهى .(3)
قال تعالى : {تشابهت قلوبهم} فهؤلاء، أسلاف المالكي الضال .
أما سليمان بن عبدالوهاب فقد اشتهر ضلاله ومخالفته لأخيه مع جهله وعدم إدراكه لشيء من فنون العلم، ثم إن الله مَنّ عليه حيث اسْتبان له التوحيد والإيمان وندم على مافرط من الضلال والطغيان .
أما قول الضال : فهذه هي بذور التكفير المعاصر التي لا زالت تنبت وتؤتي أكلها الدامية في أرجاء العالم الإسلامي .
فيقال له : قد تقدم مايبين ما يُكَفِّر عليه الشيخ محمد رحمه الله، وأما أن يُحمّل ذنوب غيره فقد قال تعالى : {ولا تزر وازرة وزرَ أخرى} والمالكي حاقد على الشيخ وأهل دعوته ويُريد أن يغصب الأمور لعيْبهم واتهامهم .
وهو جاء في مؤخرة قافلة الضلال خصوم هذه الدعوة مثل ابن منصور يقول عن الشيخ محمد، إنه ضال مضل وأنه أجهل من أبي جهل بمعنى لا إله إلا الله وأنه أتى الأمة من الباب الضيّق وهو تكفيرها ولم يأتها من الباب الواسع وأنهم خوارج حتى ألّف كتاباً سماه (كشف الغمّة في الرد على من كَفّر الأمة) وقد رَدّ عليه الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في كتاب (مصباح الظلام في الرد على من كذّب على الشيخ الإمام) . (1)
كذلك أحمد زيني دحلان قاضي مكة ألّف كتاباً في الرد على الشيخ محمد وأهل الدعوة سماه (الدرر السنية في الرد على الوهابية) وقد سَبّ فيه وشتم وماضرّ إلا نفسه.
كذلك أحمد الحداد الحضرمي وجميل صدقي الزهاوي، وكل هؤلاء الخصوم مردود عليهم .
نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد
وهذه نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله ذكرها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن .
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن عبد الوهاب، ونذكر طرفا من أخباره وأحواله ليعلم الناظر في حقيقة أمره، فلا يروج عليه تشنيع من استحوذ عليه الشيطان، وأغراه وبالغ في كفره واستهواه فنقول :
قد عرف واشتهر واسْتفاض من تقارير الشيخ ومراسلاته ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وماثبت بخطه وعرف واشتهر من أمره، ودعوته، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته أنه على ما كان عليه السلف الصالح، وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى، في باب معرفة الله وإثبات صفاته وكماله ونعوت جلاله التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقاها أصحاب رسول الله بالقبول والتسليم، يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها كما جاءت في غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقد درج على هذا من بعدهم من التابعين وتابعيهم من أهل العلم والإيمان وسلف الأمة وأئمتها كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد وسالم بن عبدالله وطلحة بن عبيد الله ، وسليمان بن يسار وأمثالهم .
ومن الطبقة الأولى كمجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح والحسن وابن سيرين، وعامر الشعبي وجنادة بن أبي أمية وحسان بن عطية وأمثالهم، ومن الطبقة الثانية على بن الحسين وعمر بن عبدالعزيز، ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب وابن الماجشون، وكحماد بن سلمة وحماد بن زيد والفضيل بن عياض، وعبدالله بن المبارك وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومحمد بن إدريس وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخارى ومسلم ابن الحجاج القشيرى واخوانهم وأمثالهم، ونظرائهم من أهل الفقه والأثر في كل مصر وعصر .
وأما توحيد العبادة والإلهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله، وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شعب الإيمان، وهذا الأصل لابد فيه من العلم والعمل والاقرار باجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لاشريك له، والبراءة من عبادة ما سواه كائنا من كان وهذا هو الحكمة التي خلقت لها الإنس والجن، وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل والحب، وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم هذا هو دين الإسلام الذي لايقبل الله دينا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، وهو يتضمن الاستسلام لله وحده {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى : {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى عن الخليل : {إذ قال لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} وقال تعالى عنه : {أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} وقال تعالى : {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} وقال تعالى : {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}.
وذكر عن رسله نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم : {اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وقال عن أهل الكهف : {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى . وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً . هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} . وقال تعالى : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء} في موضعين .
قال رحمه الله : والشرك المراد بهذه الآيات ونحوها يدخل فيه شرك عباد القبور، وعباد الأنبياء والملائكة والصالحين، فإن هذا هو شرك جاهلية العرب الذين بعث فيهم عبده ورسوله محمد فإنهم كانوا يدعونها ويلتجئون اليها، ويسألونها على وجه التوسل بجاهها وشفاعتها لتقربهم إلى الله، كما حكى الله ذلك عنهم في مواضع من كتابه كقوله تعالى : {ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} الآية . وقال تعالى : {والذين اتخذوا من دونه أولياء مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. وقال تعالى : {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عن