الدولة المصرية ليست ملقاة فى الطريق، يضعها أى شخص يصل إلى منصب رئيس الجمهورية فى جيبه، ثم يأخذها حيث يشاء، كما يشاء، وقتما يشاء.
هذا التصور عن الدولة المصرية تصور غير صحيح، أو لنقل إنه تصور شديد السطحية، لا يعرف كيف تعمل «ماكينة الدولة المصرية».
الدولة المصرية القديمة دولة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام، والدولة المصرية الحديثة عمرها قرنان من الزمان، والدولة المصرية المعاصرة، عمرها يزيد على نصف قرن، وهذه الدولة فيها تقاليد من الدولة القديمة، أى تعود إلى آلاف السنين، وفيها تقاليد من الدولة الحديثة، أى تعود إلى قرنين من الزمان، وفيها تقاليد من الدولة المعاصرة، أى عمرها يزيد على نصف قرن.
رجال الدولة المصرية لهم أشكال ودرجات متعددة، ولهم أدوار مختلفة.
رجل الدولة فى مصر يبدأ من مسؤول فى المحليات الذى يبيع «الكيماوى» فى السوق السوداء، وذلك «المرشد» الذى يعمل لحساب الأمن ويجمع الإتاوات، وصولا إلى رئيس الجمهورية.
ولو جاء رئيس الجمهورية خارج هذه المنظومة الفاسدة فسوف تعمل كل المنظومة ضده، ولكن لو جاء رئيس من داخل هذه المنظومة فسوف يستطيع أن يُفَعِّلـَهـا وأن يشَغِّلـَهـَا فى وقت قصير، وبمجهود غير كبير.
تجربة الرئيس السادات لا بد أن ندرسها جيدا، فقد استطاع فى وقت قصير أن يضع الدولة فى جيبه، وأن يسير بها فى طريق كامب ديفيد، لأنه ابن هذه الدولة، ولأنه من داخل منظومة الدولة، ولو كان السادات رجلا من خارج المؤسسة العسكرية لما استطاع أن يفعل ذلك، ولظل سنوات وسنوات يقاوم تروس ماكينة الدولة لكى يوجهها حيث يريد، وقد ينجح، وقد تأكله تروس هذه الماكينة قبل أن يتمكن من توجيهها.
لكل ذلك أقول إن الرئيس محمد مرسى أمامه تحديات ضخمة، ولن يستطيع أن يجتازها إلا إذا وحد كل القوى الوطنية خلفه.
فى جميع الأحوال، لن تنتصر الثورة برئيس، ولن تنتصر ببرلمان، ولن تنتصر بأى منصب أو مجموعة مناصب بدون توغل القوى الثورية داخل ماكينة الدولة المصرية، وهذا أمر سيتطلب تكاتف الجهود، وسيتطلب وقتا أيضا.
من الممكن إنجاز هذه المهمة فى وقت قصير نسبيا، ومن الممكن أن يطول الأمر إذا لم نكن على مستوى التحدى.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين.