إضرام النيران
ببعض ضلالات حسن بن فرحان
كتبه / سليمان بن عبدالله البهيجي
إضــــاءة
قال جمال سلطان حفظه الله ـ يحاول بعض المشتغلين بالكتابة والفكر أن يحققوا أعلى مكسب شخصي بغض النظر عن مشروعية السبيل إليه أخلاقياً وعلمياً وأدبياً وعامة ما ينتهج هذا السبيل هم من الفاشلين في تجارب سابقة طالت وعجزوا عن جذب الأنظار إليهم من خلالها وشعروا بأن حركة الواقع والفكر تمضي بعيداً مخلفة كتاباتهم وأسماءهم في غيابات النسيان والإهمال فتراهم يصابون بسعار الشهرة وتستبد بهم الرغبة العارمة في إثبات الوجود وجذب الانتباه فيجهد أحدهم نفسه في كتابة ما من شأنه استفزاز الناس أو إثارتهم أو توليد الاندهاش والاستغراب لفحش الكتابة أو تهورها أو شدة انحرافها تماماً كمن يتجرد من ملابسه في طريق عام وهذا النوع من الكتابة في الحقيقة هو أرخص أنواع الكتابة وهو شبه منحصر هذه الأيام في نوعين رائجين منها الأول الكتابة عن الجنس والجرائم المتعلقة به أو الفضائح .
والثاني الهجوم على الإسلام والطعن في مقدساته بالضرب في جذور العقيدة والأخلاق بشكل حاد وسافر وجريء .
وفي الحالة الثانية يكون بديهياً أن من يمارس هذا الفعل الإجرامي لابد وأن يحمل اسماً إسلامياً أو يكون مسلماً ولو بالنشأة حتى يكون للصدمة إثارتها وجاذبيتها إذ لو كان غير مسلم لغاب عنصر الإثارة المطلوب لجذب الانتباه أما أن يكون مسلماً ويجرح الإسلام وتاريخه وعقيدته وشريعته فهذا هو النموذج المثالي لتجارة الإثارة الفكرية الرخيصة .. . ثم ضرب لهذا أمثله ( ) .
تنبيه جمال سلطان من أصحاب الأقلام السيالة نافح عن الإسلام بكتاباته الرائعة غير أننا لا نوافقه على بعض الآراء نسأل الله عز وجل أن يبارك في جهوده وأن يحقق مأمولنا ومأموله إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير ونسأله سبحانه أن يخرج في قطرنا من يكشف هؤلاء ويبين ضلالهم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعــــد ( ) :
هـل يترك العابثون ؟
تتصل الأخبار بالأسماع والمشاهد بالأنظار وهي كثيرة جداً قليل منها ما يتوقفه سمع أو يتأناه بصر ليفحص ما فيه ويتعرف على ما وراءه ربما يسمع الناس دوياً موحشاً أو قتاماً مخيفاً فيتطلعون بهاجس الخوف إليه ويحاولون النظر مع محاولة الابتعاد ـ ربما يجتمع ذلك ـ هذا الدوي المزعج لا يشترط أن يكون حدثاً أرضياً أو زوبعة جوية بل هناك ما هو أخوف منه وأشد وهو العبث البذي والتلاعب الشقي بمرتكزات وأصول الإسلام ومحاولة هز تلك الثوابت والمسلّمات من قبل من راحته بما يتعب الناس وسعة صدره بما يضيق الأنفاس إذ قلت معرفته واتضعت همته إذا بدا مؤشر وجود هذا النوع فهي فتنة تبلد الحكيم وتخلط الصحيح بالسقيم ولكن هذا الداء يبرأ إذا حسِم كما أن الخطب يستشري كلما قدم وانهم إن تركوا في اليوم كراعاً صاروا في الغد ذراعاً لئن ترك هؤلاء يعبثون ليدفع المجتمع الثمن باهضاً لإصلاح ما أفسدوا لأنهم يخرقون خروقاً متسعة في سفينة المجتمع المسلم حينما تصورت ذلك أقسمت بالله لو كان وجه الإنسان في الصفاقة نعله وفي الوقاحة حافر بغله ما وسعه غير الإسعاف وما يعتذر إلا بالإيجاف في هذا الدهر الذي صار عند الكثير فيه الصدر مكلوم الأحناء والذكر خامد الذكاء لأنه في وقت تلون تلون الحرباء ألا فليقم من قعد وينتبه من رقد بشجاعة محض وهمة علياء مالها خفض للتحذير من هؤلاء الذين طفقوا ينشرون الضلال حاسراً غير مبرقع وسافراً غير مقنع إلا عند الأغمار ...
نعم ( ) الكاتب وبئس المكتوب
دائما يلقى إلى المرء كتاب أو يوضع بين يديه خطاب يكثر هذا لما تعظم فائدته أو تفحش جرأته وقد ألقي إلي كتاب لئيم لرجل ذميم ففضضته عن أسطر فيها سواد لم يتحصل لي منها مستفاد فتعوذت برب الفلق من ظلمة ذلك الغسق ثم رجعت إليه المحه وعدت إليه أتصفحه عله يتخلص منه محصول أو يتأتى لي فيه معقول فما تهيأ ذلك لأنه على سفط مبني وعلى كذب مطوي فهو إذاً وعاء فسوق له في الاعتداء أروج سوق سلك فما أدرك وبلح بعيره فبرك تعدى طوره وغلب ظنه وحكم جوره صرح فيه عن عمى بصيرته ونشر بين العباد مطوي سريرته نمق فيه الزور ولبس الأمور وقد قيل :
ولايغرك من قول طلاوته فإنما هي نـــوار ولا ثمـــــر
حسب الناس يغفلون عن ما يستره ذيله ويشتمل عليه ليله من قبائح يمليها العار ويكتبها الليل والنهار من انقطاع إلى البطالة وتسربل بالجهالة ولذا حشى كتابه أباطيل وأعرب فيه عن أضاليل باح بالعدوان وزاد في الطغيان وقد ردد في سابق الأزمان .
وما تكلمت إلا قلت فاحشــة كأن فكيك للأعراض مقراض
أقول ... والحق يقال إني لمحته في بادئ الأمر تهماماً لا اهتماماً لأنني في شغل إن التفت إلى غاش أو أعرج على ساع بالنميمة واش إذ أمره أحقر أن يحبر فيه كلماً أو يعمل في ذكره قلماً كيف لا وقد هذى بكلام رث ولفظ غث لو رامه حمار الكساح لأدركه ولو أراده ذو هجنه لما أعوزه تكلم بكلمات تضيق ذرعاً منها الأيام وتتبرأ منها القراطيس والأقلام ومع هذه الفجاجة والسماجة ركبه تركيباً عجيباً فأوله سباب وآخره إعجاب فهو إذاً كريه ا لمبدأ والفاتحة قبيح المنتهى والخاتمة نسأل الله أن يعطيه عقلا يعقله عن تكلف ما لا يعلمه وتسور مالا يحسنه ولا يفهمه ولقد علمت من أول نظرة فيه أن صاحبه في أنفه نعره لا تخرج إلا بسعوط الكلام ولا ترضى إلا بمستحصد النظام لأنه لابد لشمس الحق أن تشرق على الباطل لتزيح ظلامه وتمتد اليد لتحسر لثامه وتحط نقابه لما كررت النظر في كتابه حمي صدري حتى غلى مرجله وضاق مجال فكري حتى اتسع في الشكوى مقولة وقد
قيل :
كلام لو أن لحماً يصلــى بحــره غَريضاً أتى أصحابه وهو منضج
وقيل :
ومن شيمة الماء القراح وإن صفا إذا اظطرمت من تحته النار أن يغلي
فقبح الكلام يغيظ ذوي المروءة الكرام فقمت بالرد عليه غيرة للتوحيد في هذا الأفق أن تعود بدوره أهله ، وبحوره ثماداً مضمحلة وتحفظاً على تلك الآثار الكريمة أن تعفو وخوفاً على تلك الأنوار الوسام أن تخبو .
ولأنني أرى واجباً علي أن أوافيه قرضاً وأجازيه حتى يرضى لأنه إناء نضح بما فيه وتكلم بسيء ملئ فيه فمرسوم الوعظ ليس بمجديه وقد أدركته ولله الحمد رماحي وعصفت فيه رياحي وسأثبت من كلامه ما يدل على جرأتة وإقدامه مشهراً ما لبسه مدللاً على ماقلته مع أني لو استقصيته غاية الاستقصاء استقريته نهاية الاستقراء لتغلغل بنا الكلام إلى نفاد الأمد والأقلام لأنه سيء المباحث رديئ المنابث فدونكها قد حبر الحبر تطريزها وإليكها قد خلص الفكر إبريزها أرسلناها سوط عذاب على من خالف السنة والكتاب وشواظ من نار على من تنقص أهل السنة الأخيار بشارة للمهتدي وردعاً للمعتدي وأقدم أولاً الاعتراف بالتقصير وأذعن بالكف عن التعبير إلا قولي الفضائل لابد من نشرها والمكارم لا عذر في ترك شكرها .
استغلال أهل الجهالة لنشر الضلالة
قبل ختام هذه المقدمة أشير إلى أمرين الأول منهما أنه تكلم بما فاه به أمام ثلة من الناس غرهم السراب حين أعوزهم الظمأ إلى الشراب إنها فئة تحكم فيها ضلالها وأفرط في الجهالة إيغالها وأدل دليل على ذلك هو اختيارهم إذ أن اختيار المرء قطعة من عقله ومعيار لنقصه أو فضله تجمهروا حوله فصار وإياهم غارّاً ومغروراً فلو أبصرتهم في غفلتهم وضعف فطنتهم لعلمت أنهم آية من آيات خالقهم أي شمائل تكون بهذه الفجاجة وأي أخلاق تكون بهذه الشكاسة لولا أن الفطن حمئة والأذهان صدئة . وقد قيل :
أنـي لأفتح عيني ثم أغمضها على كثير ولكن لا أرى أحداً
كم يبصر الناس حولهم ممن هو منخلع من صالح الخصال مترد في هوة السفال إن سبح غرق وإن شرب شرق ثم إن هذا المتكلم رغم أن لسانه أطول إلا أن خصمه لا ينكل ثم ليعلم أنه ليس فخراً أن ينفرد الفل ببعض الرعاع فيضرب حولهم فسطاط ضلالته ويحفهم بسرداق جهالته فيملي عليهم ما يحب إذ في نفوس القوم خور لا يحملون السلاح إلا بخوف وحذر قال شيخ الإسلام رحمه الله في شأن إشارات الأحمدية ( إن عملتموها بحضور من ليس من أهل الشأن من الأعراب والفلاحين أو الأتراك أو العامة أو جمهور المتفقهة المتفقرة والمتصوفة لم يحسب لكم ذلك فمن معه ذهب فليأت به إلى سوق الصرف إلى عند الجهابذة الذين يعرفون الذهب الخالص من المغشوش من الصفر لا يذهب إلى عند الجهال بذلك ) وصدق رحمه الله فإن حال هؤلاء كما قيل :
ولو أن برغوثاً على ظهر قملة كــر على صفي تميم لولت
لقد تكلم في موضع تنشأ منه سحائب الغواية وإليه تعاد خبائث العماية ولذا شجع فيه الجبان وأقدم الهيبان ونطق العيي وشعر البكي هذى في مكان خفي فيه الكرام فظهر العلاج واستنعج الآساد إذا استأسدت النعاج في مجلس تجب مباينته لأن فيه من لا تليق بذوي المروءة مجالسته فانفراد وعزلة عن لفيف الأخلاط خير من مجالسة السفلة والسَّقاط .
دليل أن العقل نحيل مطالبته بأمر مستحيل
الأمر الآخر الذي أريد أن أنبه عليه في ختام هذه المقدمة أن كلامه يدور حول التحذير من كتب السلف وما تركوه لنا من كلام في العقائد التي انسال الناس عليها وانثالوا إليها برغبة عارمة لعظم فائدتها وكريم عائدتها ولسان حالهم يقول :
ورثناهن عن آباء صدق ونــورثها إذا متنــا بنينـا
أيحذر الناس من كتب من تدفقوا فأنسوا البحور وأشرقوا فباروا الشموس والبدور إن طالبهم مأسور وعدوهم مقهور وخصمهم مفحم ومناوئهم محطم لقد حذّر ممن ورثوا لنا كلمات هي حجول وغرر وتركوا لنا نوادر هي مآثر وأثر كيف يستطيع أن يتكلم محذراً ممن لبسوا رداء المجد معلماً وحملوا لواء الحمد معلنا فاستطار بارق فجرهم واستضاع فائح ذكرهم شهرة محاسنهم على كل لسان وسارت مسير الشمس بكل مكان لقد سارت بكتبهم الركائب واستفاد منها أهل المشارق والمغارب ثم يأتي في هذا الزمن من يريد الانتقاد للجهابذة النقاد ذلك أن عيب كتب السلف صارت في حوزته فصار حالها كالطائر الكريم رد إلى وكر لئيم فليرث الكرام لدرة سنية ردت إلى صدفة دنية ولقد قيل :
وفي تعب من يحسد الشمس نورها ويطمـــع أن يــأتي لها بضريب
التستر بالنقد الـذاتي
قال المماحل في مطلع كلامه مستنكراً [ فكثير من الناس يركز على نقد عقائد الفرق الأخرى نجد إذا كان هناك جلسة أو محاضرة كهذه نكرر الشتائم والسباب التي قالها أجدادنا في الماضي فنكرر ذلك في مجلس إلى مجلس ومن محاضرة إلى محاضرة ومن درس إلى درس فلا نستفيد ولا نعرف عيوبنا وأخطاءنا لذلك اخترت طريقاً مغايراً فلأقوم بالنقد الذاتي للنمط الفكري الذي أنتمي إليه ... ثم ذكر أن ترك هذا العمل هو الذي سبب العداء بين المسلمين .
أقول :
أولاً : التركيز على نقد عقائد الفرق الضالة وبيان وجه ضلالها والتحذير من سبلها ومن معتنقيها سبيل سلكه سلفنا من الصحابة ومن بعدهم وبهم الأسوة فلا يجوز تركه لمن استطاعه ، لأن تركه يتنافى مع النصيحة فكيف يحاول إبطال أمر هذه منزلته ويستنكره .
ثانياً : وصفه أن هناك كثيراً من الناس يركز على نقد عقائد الفرق هذا وصف ليس مطابقاً للواقع إذ الكلام في عقائد الفرق الضالة مقارنة بعظم شرها وفداحة خطرها وسعة انتشارها قليل جداً ( ) من يتكلم عنها وأكبر برهان يبرهن على ذلك أن هذا المتكلم تقيأ هذا الغثاء أمام ما يسمون دكاترة وأساتذة ومع ذلك ما ظهر منكر بل ظهر مؤيدون وهذا يدل دلالة ظاهرة على أنهم خواء من معرفة كلام السلف حول هذه الفرق بل في منأى عن معرفة العقيدة جملة وتفصيلا كما صرح بذلك بعضهم في آخر المحاضرة البائسة .
ثالثاً : قوله إن الذين ينتقدون عقائد الفرق الضالة إنما هو مجرد تكرير شتائم وسباب ظاهر البطلان إذ أن الذين ينتقدون الفرق الضالة سواء بكلام أو بأقلام من سمع قولهم أو نظر في كتبهم يجد خلاف هذا تماماً إذ أن هناك كشف شبه ملبسة وإظهاراً للحق وقمعاً للباطل أما وجود الشتائم أو السباب في بعض المواطن فهو حسن لأنه يؤتى به في موضعه وكل شيء في موضعه حسن ولو أدار العبد بصره في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لوجد فيه اللعن على من يستحقه وهذا واضح جليٌ فتصوير الأمور بهذه الصورة المشوهة لبس وتلبيس نعوذ بالله من ذلك ( ) .
رابعاً : قوله فلا نستفيد ، هذه مكابرة للحقائق فكم من فائدة تجنى من جراء التحذير من الفرق الضالة وبيان بطلان مناهجها ربما لا يستفيد البليد ولا يفهم الغبي وهذا لا يعني أن ننفي فائدة الجميع فالقصور ليس من المتكلمين في نقد عقائد الفرق الضالة بل من قبل من يسمع أو يقرأ فإذا لم يستفد ظن أن الناس كلهم على منواله وهذا تصور خاطئ وقد قيل :
علي نعت القوافي من معادنها ولا علي إذا لم تفهـــم البقـــر
خامساً : قوله إننا لا نعرف عيوبنا وربطه ذلك بأننا نحذر من الفرق الضالة هذه إحدى الجهالات إذ أنه ليس هناك تضادٌ بين معرفة العيوب وفضح الفرق الضالة وهذا هو الواقع عند أهل السنة والجماعة فقد تكلموا في كتبهم على ما يرونه خطأ وبينوا وجه الصواب فيه مع بيان كامل لضلالات الفرق الضالة .
سادساً : أن ما نهجه وسار عليه في المحاضرة لم يسبق إليه وهي طريقة ملتوية في التهجم على أهل السنة والتستر بالنقد الذاتي لا يغنى شيئاً .
سابعاً : يظهر أنه تكلم بهذه المقدمة تمهيداً للهجوم على كتب السلف أهل السنة والجماعة وإغماداً لسيوف الحق عن المدافعة ، وهذا هو الذي وقع منه كما في آخر هذه المحاضرة المشؤومة .
ثامناً : في كلامه اتهام صريح لكل الأمة ولأئمة أهل السنة خاصة أنهم بذروا بذور الفرقة والعداء بينهم وكفى بهذا إفكاً مبينا وإذا كان هؤلاء زرعوا بذور الفرقة والشقاق فمن يا ترى الذي يزرع بذور الألفة والوفاق أهو ومن سار على نهجه ؟! فيا أسفى على أمة يتكلم بهذا بين ظهراني أهلها !!!
تاسعاً : من المعلومات التي لا تخفى أن التقية عند الرافضة لها منزلة عظيمة وهي إظهار مالا يبطن وهي من أصول عقائد الرافضة ومن نظر في سيرة القوم وفي كتبهم علم هذا فلا نطيل بنقله .
لفظة عقيدة وأول من استخدمها
ثم قال الغاوي : ( ومن خلال بحثي أول من استخدم لفظة عقيدة أبومنصور الماتريدي ) .
أقول :
هذا تخرص ساقط وظن هابط بل استعملها من كان قبله وهم كثير خذ مثلاً أبو ثور الفقيه المعروف قد ولد سنة 170 تكلم بهذا كما في شرح أصول معتقد أهل السنة والجماعة ( )، وكذا أبو حاتم وأبو زرعه عليهما رحمة الله قال عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا السلف عليه وما يعتقدون من ذلك( ) ؟ ومعلوم أن أبا حاتم وأبا زرعة قبل أبي منصور الماتريدي وهذا مجرد إثبات أنها قيلت قبل أبي منصور الماتريدي ولا نقصد أن أول من تكلم بها هؤلاء. ومعلوم أن جهل الشيء ليس علماً على عدم وجوده .
علم الجهول ما لم يعلموا !!!
ثم ذكر كلاماً حول مسمى العقيدة انتهى فيه إلى قوله : ( فأصبح الناس يسألون كيف عقيدة فلان ما عقيدة فلان فهذه التسمية -العقيدة- غير شرعية فاللفظ مستحدث كما لو جاء أحدنا وسمى الصلاة رياضة ) .
أقول :
إن الناظر في لفظة عقيدة يجدها مرت بثلاث مراحل .
المرحلة الأولى : وهي التعريف اللغوي لهذه الكلمة ويراد بها عدة معاني منها التقرير على النفس ومنها العزم ومنها المعاهدة والميثاق ومنها النية والملازمة والمنع وهذه الأمور معلومة في كتب معاجم اللغة وغيرها فلا مجال للتخرص .
المرحلة الثانية : وهي أخص من الأولى وهي اليقين الذي لا يحتمل النقيض أي لا يقوم بالقلب غيره وهذا المعنى وجد في القرون المفضلة من الصحابة ومن بعدهم من الناحية التطبيقية قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ ) (الأحزاب:23) وقال ( وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10) وقال : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الاسراء:34) فالعهد هنا هو ما انعقد على فعله القلب وجزم به ومن نظر في تفاسير هذه الآيات وما شابهها علم ذلك .
المرحلة الثالثة : إطلاقها علماً على الأمور العقدية المؤصلة على الأدلة اليقينية . قال السفاريني : " يسمى بالعقائد مشتق من الاعتقاد الذي هو حكم الذهن الجازم " ( ) . وأطلق عليه بعض العلماء تعريفاً وهو العلم بالأحكام الشرعية العقدية المكتسب من الأدلة اليقينية ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية .
قال في المصباح المنير : " عقدت كذا عقدت عليه القلب والضمير قيل العقيدة ما يدين الإنسان به وله عقيدة حسنه سالم من الشك " اهـ .
قال الراغب الأصبهاني : " العَقد الجمع بين طرفي الشيء ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبه كعقد الحبل وعقد البناء ثم يستعار ذلك للمعاني نحو عقد البيع والعهد وغيرهما فيقال عاقدته وعقدته وتعاقدنا وعقدت يمينه .. . إلى قوله :{ بما عقدتم الايمان } وقرئ :{ بما عقدتم الأيمان } ومنه :
" قيل لفلان عقيدة " ( ) ، فإذا نُظر إلى معناها اللغوي والشرعي وجد مطابقته تماماً فقد ورد : " الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة " ( ) أي ملازم لها وكذا العقيدة ملازمة لصاحبها لا تفارقه وكذا ورد : " من عقد الجزية في عنقه " ( ) ، أي قررها والعبد قد قرر هذه العقيدة على نفسه ، إذا اتضح هذا فإن لفظة عقيده كغيرها من الألفاظ التي احتيج اليها لتمييز الشيء عن ضده وقد تداولها أهل العلم فيما بينهم وأظهروها لما ظهر من يخوض فيها وكانوا رحمهم الله لتمام نصحهم وكمال درايتهم يكتبون ما يعتقدون ليقطعوا الطريق على أهل البدع والضلال كما ذكر الراغب الأصبهاني في مفردات القرآن فهذه اللفظة كغيرها من الألفاظ التي أطلقت حينما احتيج إليها فهذه الجعجعة من هذا الجاهل في الحقيقة سفسطة وقلة حياء إذ على قوله تكون الأمة لم تعرف أن تعبر عما تدين به لربها بألفاظ مشروعه فأتت بلفظ مبتدع ومر هذا اللفظ على الجميع يقرونه ويقررونه ويجعلونه عنواناً لكتبهم ومع شدة عداوة خصومهم لم ينتقدوا هذه اللفظة حتى وصل الأمر إلى هذا الوغد فعلم مالم يعلموا وأدرك مالم يدركوا فأخبرهم واستدرك عليهم هذه الزلة البدعية فلا بد من إعادة النظر فيه وتنقية الكتب منه وقد قال القائل :
لو كان عقله في رجلــــه سبق الغزال ولم تفته الأرنب
الفصل بين العقيدة والأحكام
ثم ذكر الغوي كلاماً وقال والآن هناك فصل كبير ـ بين مسائل العقيدة والأحكام ـ هذا الفصل أدى إلى تضخيم جانب العقيدة والاستهانة بالجوانب الأخرى من الأحكام والأخلاقيات " .
أقول :
أما كون هناك فصل كبير أو حتى صغير بين الأحكام والعقائد فهذا محض الكذب فإن هذا لم يكن عند السلف ومن تبعهم وكتبهم خير شاهد لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ونفعنا بعلومه نقلاً عن إمام الحرمين : " اعلم أن السنة طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسنن بسلوكها وإصابتها وهي أقسام ثلاثة أقوال وأعمال وعقائد فالأقوال نحو الأذكار والتسبيحات المأثورة والأفعال مثل سنن الصلاة والصيام والصدقات المذكورة ونحو السير المرضية والآداب المحكية فهذان القسمان في عداد التأكيد والاستحباب واكتساب الأجر والثواب والقسم الثالث سنة العقائد وهي من الإيمان إحدى القواعد " ( ) ، هكذا كان مفهوم السنة عند السلف ومن تبعهم قال ابن رجب : " السنة هي الطريق المسلوك فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال وهذه هي السنة الكاملة ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم السنة إلا على ما يشمل ذلك كله " ( ) .
وكلام السلف حول هذا كثير فهم لم يفصلوا بين هذا وذاك وكلما رسخ في القلب المعتقد السليم كلما حسنت أخلاق صاحبه ونبلت صفاته وللأحكام تعلق مباشر بالمعتقد .
ومن نظر في مؤلفات السلف التي امتلأت بها المكتبات في ذم بدع الأعمال والأقوال وهي كثيرة مبثوثة علم كذب هذا المفتري وجرءته . أما أنهم استهانوا بالجوانب الأخرى من الأحكام والأخلاقيات فالواقع شاهد إدانه عليه فإن المكتبة مملؤة بمؤلفات أهل السنة في ذلك ولا مقارنه بين كتب أهل السنة في هذه المجالات وبين كتب أهل البدع أجمع .
منهج علماني بثوب ثاني !!!
ثم قال الفَلّ بعد كلام سبق : ( أول نزاع بدأ من النزاعات العقدية كان أصله نزاعات سياسية فبعد وفاته صلى الله عليه وسلم انقسم المسلمون ثلاثة أقسام ليس بينهم خلاف في العقيدة وإنما خلاف سياسي فهناك الأنصار وهناك المهاجرون كانوا قسمين : قسم مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقسم مع الإمام علي رضي الله عنه . . . )
أقول :
أولاً : قد قال في أول كلامه إن لفظة عقيدة لفظ مبتدع غير شرعي فإذا كان يعتقد ذلك فلم لا يطبقه ويدع الكلام به وسوف يكرر لفظ عقيدة .
ثانيا : لفظة سياسة هل لها أصل ومن أول من قالها فإذا بدّع لفظة عقيدة فلا بد أن يوجد لنا أصلاً للفظة سياسة مع أننا لا نعتبر هذا اللفظ مبتدعاً ولكن هذا من باب الإلزام .
ثالثاً: لم يُعرف فصل الدين عن الدولة وجعلُ هناك حروب دينية وأخرى سياسية إلا في هذه العصور المتأخرة منبعها أهل العلمنة ورموز النفاق وهم يلوكونها ليل نهار وقد تكلم نحو هذا الكلام النقيدان وفي الرد عليه ما يزيد هذا الأمر وضوحاً .
رابعاً : وصف الصحابة رضي الله عنهم بهذا الوصف هو حط من مرتبتهم إذ أنه يدل على أن ميزان الرجال لديهم ليس دينياً فليس للتفضيل الديني لديهم وزن ، فيكون تقديم أبي بكر سياسياً لا لفضيلته وصف الصحابة بهذا الوصف [ وحاشاهم من ذلك ] مقصد خبيث .
خامساً : على هذا القول أن سيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت شقين : شقا سياسياً وشقا دينياً ومن ثم فيسلم له الديني أما السياسي فلنا التصرف فيه وهذه هي العلمنة بعينها يا منكريها .
سادساً: يمتد هذا القول ليشمل الحروب التي دارت بين الصحابة رضي الله عنهم فيقال حروب سياسية لا دينية فهم يقاتلون للدنيا لا للدين ولا عن اجتهاد مأجورين عليه إما مصيبون فأجران أو مخطؤن فأجر ومغفرة ويكون على هذا القول الفاسد إظهار الصحابة أن حروبهم دينية مراوغة منهم وهذا من الضلال الذي لا يحتاج إثباته إلى استدلال . نعوذ بالله من ذلك .
سابعاً : تصوير الأمر الذي دار بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بهذا المنظار خطأ ظاهر فقد وردت تفاصيل الأمور بالأسانيد الصحيحة والمتون القوية الرجيحة تبين أن الأمر مغايرٌ تماماً لما ذكر إذ أن الأمر كان
فيه بعض الكلام حول من يلي الأمور هل يكون من المهاجرين أم من الأنصار وما فتئ أن انعقد الإجماع على مبايعة أبي بكر رضي الله عنه في السقيفة ثم بايعه الجميع من الغد وهذا واضح في البخاري مسطر وفي غيره ومقرر .
ثامناً : لم يكن علي رضي الله عنه حال المبايعة لأبي بكر رضي الله عنه موجوداً في السقيفة ( ) فكيف يصور أنه موجود وأن معه بعض الصحابة هذا محض الكذب أو صريح الجهل .
تاسعاً : هذا القول وراءه لمز وهمز لخلافة عمر وعثمان لأننا إذا قلنا إن الأمر انحصر بين أبي بكر وعلي وصار أبو بكر خليفة فالمتجه أن يكون بعد أبي بكر علي وليس عمر رضي الله عنهم وأرضاهم ولعن من أبغضهم أو أبغض بعضهم وعاداهم .
الفاضحة كذب على الصحابة !!!
ثم قال الأفين بعد كلام : ( أتباع علي كلهم شيعة يعني كان التشيع في الأصل مشروعاً لأن المهاجرين كانوا معه والبدريون والأنصار ) .
أقول :
أولاً : وصفه لأتباع علي بأنهم كلهم بجملتهم شيعة ليس بصحيح إذ كان من أتباعه رضي الله عنه من أظهر حبه لغرض المكيدة والمكر بالمسلمين ومنهم من كان متبعاً لعلي رضي الله عنه لكن لا يدخل تحت مسمى الشيعة الحقيقي وأيضاً هناك ممن كان مع علي ملحد ادعى فيه الألوهية ومنهم من صار خارجياً خبيثاً ومنهم من هو صحابي فاضل فكيف هذا الاقتضاب في المقال .
ثانياً : كون التشيع في الأصل مشروعاً هذا استند عليه على أساس أن الصحابة كلهم مع علي رضي الله عنه مع أن الواقع ينقضه وإذا انتقض الدليل انتقض بانتقاضه المدلول .
ثالثاً : الحروب التي دارت بين الصحابة هي بين طرفين أحدهما فيه علي وجماعة ، والآخر فيه معاوية وجماعه والذين شاركوا مع علي ومعاوية قلة ، كثير الصحابة لم يشاركوا كما عند ابن أبي شيبة في مصنفه وغيره . فجعل الصحابة كلهم مع علي هذا كذب وتخييل ودجل وتضليل ثم ليعلم أن حروب علي رضي الله عنه قسمان : الأول في صفين والجمل وكان فيهما جماعة من الصحابة مثل طلحة والزبير وأبي أمامة وعمرو بن عبسة وعائشة وعمرو بن العاص وأبي الدرداء ومعاوية رضي الله عنهم . والقسم الثاني حربه مع الخوارج صار معه بعض الصحابة ولم يكن مع الخوارج أحدٌ من كبار الصحابة .
قال السفاريني في معرض كلامه على قتل علي للخوارج : " فقتلهم علي رضي الله عنه وفرح بقتلهم بخلاف وقعة الجمل وغيرها فإنه كان يظهر عليه الحزن والأسف والكآبة " ( ) ، وروي ندم علي رضي الله عنه على حربه في الجمل وصفين جهابذة أهل العلم كالأصبهاني في الحجة وابن الإمام أحمد في السنة وابن أبي شيبة في مصنفه وغيرهم .
أمر آخر وهو أن من مسلمات عقيدتنا الكف عما شجر بين الصحابة الذين هم خير من وطئ الأرض بعد الأنبياء والمرسلين ونعتقد أن جميعهم في الجنة إلى غير ذلك مما هو مسطر في كتب أهل السنة والجماعة وإيراده يطول فلا نستدرج في الخوض فيما شجر بينهم : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134) ولا أدري بمن أعجب أبهذ بالذي يهذي بهذا الهذيان ؟ أم بأولائك الدكاترة الذين حوله يقلبون رؤسهم التي اتضح أنه ليس فيها شئ مما علم بالضرورة ؟ فالواحد منهم لا علم لديه ولا قلب واع بين جنبيه فيا حسرة من غرته الشهادة وظنها مفتاح السيادة في أمة بدأ يتلاعب بها الأوغاد وعلماؤها بين رائح وغاد ألا يخشى النفاق من تجلل سيئ الأخلاق . وأخيراً البدريون إما مهاجر أو أنصاري فلجهله جعلهم قسماً ثالثاً .
اجتهاد بعض الصحابة هل أعقبه ندم ؟
ثم قال الأرعن : ( واعتزل ناس مثل سعد بن أبي وقاص وابن عمر ثم ندموا أنهم لم يشهدوا مع علي ) .
أقول :
هكذا يتلاعب بعقول من أمامه ويصور لهم الحال كما يحب لأنه علم أنهم خواء فلذا جعلهم ينظرون بمنظاره الأسود الذي يعتم الرؤية والحق الأبلج أنه ليس كل من اعتزل ندم بل صاروا ثلاث فرق منهم من اجتهد وظهر له أن الصواب القتال مع علي رضي الله عنه ومنهم من اجتهد ورأى أن الحق مع معاوية رضي الله عنه فقاتل معه كما تقدم وكثيرٌ أدى بهم اجتهادهم إلى عدم الخوض في القتال وهذا مفصل في كتب أهل العلم كالنووي في شرحه لصحيح مسلم وغيره . وأما كون من اعتزل ندم فلابد أن يكون هناك سند صحيح يتكؤوا عليه في تصحيح هذه الدعوى وإلا يعتبر كاذباً على خيرة البشر بعد الأنبياء والمرسلين نعوذ بالله من ذلك ، وهؤلاء الصحابة من حقهم علينا أن نقف طوداً معترضاً في طريق كل أحد يرميهم بما لم يفعلوا أو يقولوا أو ينسب إليهم مالم يعتقدوا من العقائد الفاسدة كما هذى به بعض أهل عصرنا .
وقد ذكر الحافظ الأصبهاني ( ) جمعاً من الصحابة توقفوا ، بل ذكر عدم إلزام علي رضي الله عنه لمن اجتهدوا وتوقفوا عن القتال معه بل رضي عنهم ، وهنا أشير إلى أن هذا أيضاً يكذب وينقض ما فاه به قبل قليل أن الصحابة كلهم كانوا مع علي.
تعميم الأحكام من الجور في الحكم
ثم قال : ( كذلك بعد مقتل الإمام علي جاء بنوا أميه فاستبدوا وظلموا ) .
أقول :
هكذا يقول ويجمل في المقال ويعمم الحكم على جميع بني أمية وهذا جور وجنف إذ أنهم ليسوا كلهم ظلمة وكيف يوصف الجميع بالظلم وفيهم معاوية بـن أبي سفـيان الصحابي الرضي رضي الله عنه خال المؤمنين .
قال شيخ الإسلام : " وكان من أحسن الناس سيرة في ولايته " ( ) .
قال الإمام السفاريني : " وأما ما يستبيحه بعض المبتدعة وجهلة من ينتسب إلى أهل السنة من سبه ولعنه فله أسوة - أي معاوية - في ذلك بالشيخين وعثمان وأكثر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فلا يلتفت إلى ذلك ولا يعول عليه فإنه لم يصدر إلا عن قلوب في الضلال غرقى وألباب فاسدة حمقى لايعبأ الله بهم ولا يبالي بهلاكهم فخذلهم الله ما أعظم افتراءهم وما أكبر اجتراءهم !!! " ( ) .
قال ابن كثير : " أول ملوك الإسلام وخيارهم " ( ) . وقال بعد ذكره للأحاديث الدالة على فضله قال : " واكتفينا بما أوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجدات عما سواه من الموضوعات والمنكرات" ( ) .
قال الإمام محمود شكري الألوسي رحمه الله : " لو لم يكن له منقبة سوى الصحبة لكفى في فضله " ( ) .
قال شيخ الإسلام فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خير من معاوية ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده " ( ) .
قال شيخنا سليمان العلوان وقد حصل ولله الحمد بتولية معاوية خير عظيم للأمة " ( ) .
وقال شيخ الإسلام : " وقد اتفق المسلمون على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة " ( ) .
وقال شيخنا أيضاً : " ومن نظر في السير والتواريخ معتمداً على الآثار الصحيحة تبين له فضل معاوية وأنه أفضل ملوك هذه الأمة " ( ) .
وقال مالك بن أنس : " من شتم أحداً من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال وكفر قتل " اهـ ( ) .
قال ابن المبارك معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم يعني الصحابة " ( ) . ومعنى محنة أي اختبار .
قال الربيع الحلبي : " معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه " .
وكذا من بني أمية يزيد بن معاوية المغفور له بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له " ( ) . وهو كان قائد ذلك الجيش .
وقد تكلم شيخ الإسلام في المنهاج عن يزيد بن معاوية فأجاد وأفاد . قال ابن الصلاح : " وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين" ( ) .
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما في صحة بيعة يزيد بن معاوية وعدم رضاه بمقاتلته . قال ابن العربي الفقيه المالكي شهد العدول بعدالته فروى يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا فسماه الليث أمير المؤمنين بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم ولولا أنه عنده كذلك ما قال إلا توفي يزيد ( ) . وقد أطال أهل العلم الكلام حول يزيد من مادح وقادح وقائل لا يحب ولايسب . وكذا كان من ملوك بني أمية عمر بن عبد العزيز الذي شرفت سيرته ونبلت طريقته حتى لاتحتاج إلى نقولات ناقل .
خلط أهل السنة بالنواصب !!!
ثم قال : ( وكذلك تيار النواصب بدأ واضحاً وكانوا يلعنون علياً على المنابر وقتلو محبي علي وأصحابه مثل حجر بن عدي وعمرو الخزاعي والحسين) .
أقول :
أولاً : يريد من وراء هذا القول خلط أهل السنة والجماعة واضحي المنهج بمن سار على الطريق الأعوج والسبيل الأهوج من النواصب ووراء هذا الخلط مقاصد .
ثانياً : صريح كلامه أن معاوية رضي الله عنه وأرضاه من النواصب الذين نصبوا العداء لأهل البيت . ومعاذ الله أن يكون معاوية منهم .
قتل حجر بن عدي
ثالثاً: لبّس حيث جعل محبة علي رضي الله عنه هي السبب للقتل والتصفيه الجسديه وهذا خلاف الواقع المنقول من طرق أهل الصدق العدول ويتضح هذا بالكلام على كيفية قتل من مثل بهم . فحجر بن عدي ذكر
ابن كثير أن معاوية لما قدم المدينة دخل على عائشة فقالت : اقتلت حجراً ؟ فقال : يا أم المؤمنين إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم ( ) ، فيستخرج من هذا أمور الأول : هو تأكيد ما سبق وهو رميه لمعاوية أنه ناصبي ببيان كذبه أن قتل حجر ليس لمحبة علي ومناصرته ولكن لما يريده من إثارة فتنة بين المسلمين ولذا سكتت عائشة رضي الله عنها على قول معاوية ، والدليل على أن معاوية لم يقتله إلا بعد ما ظهر منه بوادر فتنة ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق إسماعيل بن علية عن هشام بن حسان عن ابن سيرين : " أن زياداً أطال الخطبة فقال حجر بن عدي الصلاة فمضى في خطبته ، فقال له الصلاة ، وضرب بيده إلى الحصى وضرب الناس بأيديهم إلى الحصى فنزل وصلى ، ثم كتب فيه إلى معاوية فكتب معاوية أن سرح به إلي فسرحه إليه ، فلما قدم عليه قال السلام عليك يا أمير المؤمنين ، قال أو أمير المؤمنين أنا ؟ إني لا أقيلك ولا أستقيلك فأمر بقتله ... الخ " .
قال الشيخ سليمان العلوان : " فالظاهر أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قتل حجراً خشية أن يثير الفتنه بين الناس فهو رضي الله عنه مجتهد في ذلك ، فإن كان مصيباً له أجران وإن كان مخطئاً فله أجر واحد كما جاء ذلك في الصحيحين وغيرهما عن عمرو بن العاص ... ثم ذكر الشيخ حفظه الله أن مثله في ذلك مثل خالد بن الوليد يوم أن قتل من لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا بل قالوا صبأنا فقتل خالد منهم وأسر فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد قالها مرتين " رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر وذكر فعل أسامة المشهور كما في الصحيحين وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله " .
قال الشيخ : " وأقل أحوال معاوية رضي الله عنه أن يكون مجتهداً مخطئاً فمثله لا إثم عليه وعدله وحلمه على الناس أمر مشهور مجمع عليه بين الخاص والعام ولا عبرة بحثالة الروافض الذين يطعنون عليه ويلمزونه " اهـ ( ).
قال ابن العربي : " فإن قيل قتل حجر بن عدي وهو من الصحابة( ) مشهور بالخير صبراً أسيراً بقول زياد وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله . قلنا قد علمنا قتل حجر كلنا واختلفنا فقائل يقول قتله ظلماً وقائل يقول قتله حقاً فإن قيل الأصل قتله ظلماً إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله قلنا الأصل أن قتل الإمام بالحق فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل ولو كان ظلماً محضاً لما بقي بيت إلا لعن فيه معاوية وهذه مدينه السلام دار خلافة بني العباس وبينهم وبين بني أميه مالا يخفى على الناس مكتوب على أبواب المساجد : " خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم " ، ولكن حجراً فيما يقال رأى من زياد أموراً منكرة فحصبه وخلعه وأراد أن يقيم الخلق للفتنة فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فساداً وقد كلمته عائشة في أمره حين حج فقال لها دعيني وحجراً حتى نلتقي عند الله وأنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين وأنتم ( كذا ولعلها وما أنتم ) ودخولكم حيث لا تشعرون فما لكم لاتسمعون " اهـ ( ) .
قتل الحسين رضي الله عنه
أما الحسين رضي الله عنه فإنه لم يقتل لحبه لعلي ومناصرته له ، بل قتل في ولاية يزيد بن معاوية ، لما خرج على إمامه وأراد الاستيلاء على الكوفة وقد قام بعض الصحابة رضي الله عنهم بمكالمته لرده عن رأيه فما سمع منهم وكان ممن ناصحه ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما ، وكان يزيد لم يأمر بقتله ولم يرض به بل تبرأ من قاتله وبرأه أهل العلم .
قال الأصبهاني : " وما ذكر من قتل الحسين بن علي رضي الله عنه فالذي ثبت عند أهل النقل أنه أمر عبيد الله بن زياد بحفظ الكوفة وكتب إليه أن يمنع من أراد الاستيلاء على الكوفة فلما قصد الحسين بن علي رضي الله عنه الكوفة استقبلته خيل ابن زياد ليمنعوه دخول الكوفة فلم يتمكنوا من منعه إلا بقتله هذا ما ثبت عند أهل النقل مع ما أظهر من إنكاره عليه ولعنه عبيدالله بن زياد وقوله ـ أي يزيد ـ قد كنا نرضى فيك بدون قتل الحسين وإظهاره الحزن والبكاء لقتله وأنه جعل يضرب بيده على فخذه ويلعن قتلته وسب قاتل الحسين فقال لقد عجل عليه ابن زياد قتله الله ثم ذكر كلاماً ثم قال هذا ما نقله الثقات من أهل الحديث فأما ما رواه أبو مخنف وغيره من الروافض فلا اعتماد بروايتهم وإنما الاعتماد على نقل ابن أبي الدنيا وغيره ممن نقل هذه القصة على الصحيح " ( ) .
أما قتل عمرو الخزاعي فلم أره في المصادر هو ممن قام ببعض الحركات المناوئة ولكن هل قتل أم لا ؟ أمر يحتاج إلى إثبات .
تلقيبه أهلَ السنة بالنواصب
ثم قال : ( فصار هناك ثلاث تيارات الشيعة معتدلها وغاليها والعثمانية أو النواصب والخوارج وهم ضد الجميع ) .
أقول :
هذا التقسيم السقيم يلزم صاحبه وصم أهل السنة بالنصب وهو العداء لأهل البيت وهذا إفك مفترى وهو علامة ونيشان على التوغل في الرفض كما ذكر أبوحاتم أن علامة الرافضة تلقيبهم أهل السنة بالنواصب ( ) ، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيميه في مواضع من فتاويه ( ) ، وهذا أمر معروف متداول بين أهل العلم .
الاختلاف السياسي والاختلاف العقدي
ثم قال : ( هذا اختلاف سياسي أدى إلى اختلاف عقدي واتهامات متبادلة بالكفر والمروق من الدين والبدعة والضلال ) .
أقول :
هنا يصور أن أصل بدع القوم خلاف سياسي لا يمت إلى المعتقد بصلة وهذا قلب للحقائق إذ أن منشأ الخلاف عقدي فإن كل واحد يطالب بمطالب يعتبرها من الدين الذي يتدين به لله ويراه من العبادة أيظن عاقل أن الصحابة قاتلوا سياسة على الملك ولأجل الدنيا قبح الله من لا يستحي ، ثم هذا الفصل بين العقدي والسياسي ما عرف إلا في العصور المتأخرة ولم يعرف الصحابة إلا جهاداً في سبيل الله لإعلاء كلمة الله .
تكفير الشيعة والخوارج
ثم قال : ( أيضاً نجد أن الدولة الأموية استغلت بعض علماء السوء لتكفير المخالفين لها من الشيعة والخوارج ) .
أقول :
أولاً : من هم علماء السوء الذين يقصد ليبين أسماءهم إن كان من الصادقين ولا أظنه يجرؤ على ذلك لأنه يفتضح ثم لننظر هنا كلام أهل العلم حول الشيعة والخوارج ، أما الخوارج فقد قال أبو أمامة رضي الله عنه حينما سئل عن بكائه عند ذكر الخوارج قال : " أبكي لخروجهم من الإسلام " ( ) بل قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم : " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فواقه " ( ) . وقد ذهب إلى تكفيرهم الإمام البخاري والطبري وابن العربي والرافعي والسبكي والقرطبي وتكفيرهم هو المشهور في مذهب مالك وأحمد والشافعي ( ) هذا في الخوارج أما الرافضة فقد أحرق غاليتهم علي رضي الله عنه ولما وصل الخبر ابن عباس أنكر عليه إحراقهم وود قتلهم واستدل بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " ( ) .
قال السبكي ( ) : " احتج المكفرون للشيعة والخوارج بتكفيرهم لأعلام الصحابة رضي الله عنهم وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد انتزع الإمام مالك رحمه الله من قوله سبحانه : ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار َ) كفر الرافضة وأنهم لا شيء لـهم في الفـيء لأنهم يغيظهم الصحابة ونقل غير واحد من المفسرين قول مالك في تفاسيرهم مستحسنين له كالقرطبي وابن كثير والبغوي . وفي الحقيقة أن قول العلماء في زندقة الرافضة مشهور وكلامهم في مروقهم مذكور ومن نظر في معتقد القوم حكم بضلالهم واتضح له إلحادهم نعوذ بالله من حالهم وسوء معتقدهم وقبح أقوالهم .
موازنة جائرة
ثم قال الفدم : ( وكان خالد القسري أحد الولاة الظلمة يفضل ملوك بني أمية على الأنبياء خالد هذا نحن نمدحه لأنه ذبح الجعد بن درهم مع أن بدعة خالد أعظم من بدعة الجعد ) .
أقول :
أولاً : كم هم الولاة الظلمة في قديم الدهر وحديثه الذين يمارسون الجرائم الفظيعة مع عباد الله المؤمنين هؤلاء يسلمون من لسانه ويكف عنهم عدوانه أما خالدٌ فلا يسلم وجريرته التي من أجلها مَثَّل به أنه قتل أحد الزنادقة وهو الجعد بن درهم .
ثانياً : كونه ظالماً لا يعني بحال كفران إحسانه : { وإذا قلتم فاعدلوا } ولذا قال الذهبي عن قتله الجعد : وهذا من حسناته فكم انقمع بقتله من الشرور وحصل من السرور .
ثالثاً : مسألة تفضيله ملوك بني أمية على الأنبياء أجاب عنها أبو الفداء ابن كثير رحمه الله فقال وله - أي للأصمعي - عن أبيه في رواية عنه تفضيل الخليفة على الرسول وهذا كفر إلا أن يريد بكلامه غير ما يبدو منه والله أعلم والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه فإنه كان قائماً في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الإلحاد وقد نسب إليه صاحب العقد الفريد أشياء لا تصلح لأن صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع ومغالاة في أهل البيت وربما لا يفهم أحد من كلامه ما فيه من التشيع وقد اغتر به شيخنا الذهبي فمدحه بالحفظ وغيره ( ) ، ولا بد لمن رماه أثبات ما قال بالإسناد الصحيح .
وذكر أيضاً في بداية سنة ثماني عشرة ومائة أن شخصاً يقال له عمار بن يزيد دعا الناس إلى خلافة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فاستجاب له خلق كثير فلما التفوا عليه دعاهم إلى مذهب الخرمية الزنادقة وأباح لهم نساء بعضهم بعضاً وزعم لهم أن محمد بن علي يقول ذلك وقد كذب عليه فأظهر الله عليه الدولة فأخذ فجيء به إلى خالد بن عبد الله القسري أمير العراق وخراسان فأمر به فقطعت يده وسل لسانه وصلب بعد ذلك اهـ .
رابعاً : حينما يمدح أحد لفعله الحسن لا يعني هذا ادعاء العصمة له وتبرير اخطائه وتحسين سيئاته كلا بل يحمد على إحسانه ويحب عليه ويذم على إساءته ويبغض عليها ومعلوم أن قتل الجعد حسنة عظيمة بل موقفه من الضلال يعتبر حسنة لا يستهان بها وهنا ملحظ مهم وهو أنه لا يلزم إذا طُرق موضوع ما أن يفصل فيه فلا يلزم إذا أراد المرء أن يتكلم عن الجعد وضلاله ثم وصل إلى كيفيه نهايته وأنها على يد خالد القسري وامتدح خالداً بهذا لا يلزم أن يتكلم عن سيرة خالد وما كان يتخللها .
الاتهام لولاة المسلمين وعلماء الإسلام
ثم قال الوغد : ( وكذلك قتلوا ـ أي بني أمية ـ غيلان الدمشقي والجهم بن صفوان وكان أصل مخالفتهم سياسية لكن بعض علماء السلطة في عهد بني أمية أظهروا بأن هؤلاء إنما قتلوا للدين ) .
أقول :
أما غيلان الدمشقي فقد قال عنه ابن المبارك : " كان من أصحاب الحارث الكذاب وممن آمنوا بنبوته فلما قتل الحارث قام غيلان إلى مقامه وقال له خالد بن اللجلاج ويلك في شبيبتك ترامي النساء بالتفاح في شهر رمضان ثم صرت خادماً تخدم امرأة الحارث الكذاب المتنبئ وتزعم أنها أم المؤمنين ثم تحولت فصرت قدرياً زنديقاً ؟ ما أراك تخرج من هوى إلا إلى شر منه " .
وقال له مكحول : " لا تجالسني " .
قال الساجي : " كان قدرياً داعية دعا عليه عمر بن عبد العزيز فقتل وصلب وكان غير ثقة ولا مأمون " .
كان مالك ينهى عن مجالسته قلت ـأي ابن حجر- وكان الأوزاعي هو الذي ناظره وأفتى بقتله .
وقال رجاء بن حيوة : " قتله أفضل من قتل ألفين من الروم " . أخرج ذلك العقيلي في ترجمه غيلان ...
وأخرج ابن حبان بسند صحيح إلى إبراهيم ابن جبلة قال : " كنت عند عُبادة بن نسي فأتاه آت أن هشاماً قطع يدي غيلان ورجليه فقال أصاب والله فيه القصد إلى السنة ولأكتبن إلى أمير المؤمنين ولأحسن له رأيه " اهـ( ).
وقد ذكر شيخ الإسلام أن المسلمين أقاموا عليه الحجة وناظروه وبينوا له الحق فعله معه عمر بن عبد العزيز واستتابه ثم نكث التوبة فقتلوه ( ) . فإذا كان هذا الضال على غيه مصراً وفي ضلاله مستمراً فلا يلام من قتله بل يمدح لفعله .
قال نافع بن مالك الأصبحي : " كنت مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال لي ماترى في هؤلاء القدرية قلت أرى أن تستتيبهم فإن أبوا ذلك و إلا عرضتهم على السيف . فقال عمر بن عبد العزيز : ذلك هو الرأي . قلت لمالك فما رأيك أنت ؟ قال هو رأيي " ( ) .
ومناظرة الأوزاعي له وإقامة الحجة عليه توضح بجلاء أنه قتل لبدعته وضلالته ( ) ، ومن زعم غير ذلك فعليه إقامة البرهان ، أما رمي الدعاوي جزافاً فكل يستطيع ذلك .
وأما جهم بن صفوان فهو رأس الجهمية الزنادقة ، استولى عليه شيطانه، فأظهر بين الناس طغيانه ، كفره أهل العلم أمثال الإمام العالم القدوة يزيد ين هارون ( ) وقال : " قتله سلم بن أحوز على هذا القول فأيهما نصدق يزيد ابن هارون رحمه الله الذي عاصر القضية وعلمها من قرب فنقول قتل لسوء معتقده أم نصدق هذا ونكذب ابن هارون ، ونقول بل قتل سياسة إن هذا لهو الضلال المستبين .
قال الفضل بن دكين وذكر عنده من يقول القرآن مخلوق والله والله ما سمعت شيئاً من هذا حتى خرج ذاك الخبيث جهم ( ) ، وكان قد أخذ الضلال عن الجعد بن درهم وكان ممن أيد الحارث بن سريج الذي انضم إلى قائد الترك الكفار الذين كانوا يقاتلون أهل الإسلام وكان يقاتل معه وكان يدله على مواطن ضعف المسلمين( ) ، وفي كيفيه قتله قولان أحدهما أنه قتل في المعركة التي شارك فيها الحارث بن سريج ، والآخر أنه أسر وقتل بعد المعركة . هذه باختصار حقيقة هؤلاء المبتدعة وكيفية قتلهم ، وكلام بعض أهل العلم حول ذلك فهل هؤلاء العلماء